Fire and smoke billowing from Norwegian owned Front Altair tanker said to have been attacked in the waters of the Gulf of Oman, June 2019. ISNA / AFP
Report / Middle East & North Africa 20+ minutes

الشرق الأوسط بين الأمن الجماعي والانهيار الجماعي

منذ سنوات والقوى الخليجية تفكر في إجراء حوار إقليمي لتهدئة الأزمات الحالية وتفادي وقوع أزمات جديدة. اليوم، ومع وجود عدة صراعات نشطة في الشرق الأوسط، وجميعها حساسة حيال التوترات الأميركية-الإيرانية المتصاعدة، فإنها فكرة آن أوانها.    

  • Share
  • حفظ
  • الطباعة
  • Download PDF Full Report

ما الجديد؟* ارتفعت حدة التوترات في الشرق الأوسط في العام الماضي في أعقاب هجمات على ناقالات نفط ومنشآت نفطية سعودية، واغتيال الولايات المتحدة لقائد عسكري إيراني كبير والرد العسكري الإيراني على ذلك. بعض حلفاء واشنطن، الذين فقدوا الثقة في أن الولايات المتحدة ستقدم لهم الحماية العسكرية بشكل يمكن الركون إليه، بدأوا بإطلاق مبادرات دبلوماسية حذرة حيال إيران.

ما أهمية ذلك؟ في حين أن هذه الخطوات الأولية باتجاه خفض التصعيد مُرحب بها، فإنها تخاطر بأن تكون غير كافية، خصوصاً في غياب قنوات الاتصال المنتظمة رفيعة المستوى بين الجهات التي يمكن أن تكون فاعلة في الصراع. الآليات التي تقودها الأمم المتحدة لتسوية صراعات بعينها، مثل الصراع الدائر في اليمن، مهمة لكن غير كافية لتخفيف حدة الصراعات في المنطقة بأسرها.

ما الذي ينبغي فعله؟ ثمة حاجة للجهود الدبلوماسية سواء لتخفيف حدة التوترات أو لتحقيق التقدم نحو تسوية الصراعات الإقليمية. اللاعبون الخليجيون، مدعومين بأطراف معنية خارجية، ينبغي أن يفكروا بإطلاق حوار دون إقليمي شامل يهدف إلى تقليص مخاطر نشوب صراع غير مقصود وذلك بفتح قنوات اتصال جديدة.

أجرت مجموعة الأزمات الدولية العمل الميداني لمقالة "رحلاتنا" هذه قبل جائحة كوفيد-19. ربما تغيرت بعض الديناميات التي تمت ملاحظتها في هذا التقرير في الوقت الراهن. للمضي قدمًا، سنقوم بتحليل عوامل تأثير الوباء في أبحاثنا وتوصياتنا، بالإضافة إلى تقديم تغطية مخصصة لكيفية تأثير الجائحة على النزاعات حول العالم.

 

الملخص التنفيذي

يمكن المجادلة بأن الشرق الأوسط في وضع خطر، كما كان دائماً في تاريخه الحديث. ويمكن لحادث واحد أن يطلق شرارة التصعيد، التي – إن لم يتم ضبطها – من شأنها أن تطلق تفاعلاً تسلسلياً من المواجهات العنيفة التي تشارك فيها قوى محلية، وإقليمية وخارجية. الآليات التي تم تأسيسها لتسوية صراعات منفردة، مثل الحربين في سورية واليمن، بشكل سلمي تحقق تقدماً متقطعاً، هذا إذا كانت تحقق أي تقدم على الإطلاق. عندما تبلغ أزمة بهذا الحجم ذروتها، لكن قبل أن تشتعل في حرب كاملة، فإن الاهتمام الذي تجتذبه يمكن أن يخلق فرصاً جديدة للقيام بعمل وقائي. لقد كانت فكرة قيام حوار أمني جماعي وشامل يهدف إلى تخفيف حدة التوترات موجودة منذ عدة سنوات، وتركزت على منطقة الخليج. وقد تأخر إطلاق هذه العملية أكثر مما ينبغي. تتمثل الخطوة الأولى في تقديم أفكار ملموسة ودعم دولي لمثل ذلك الحوار، الذي يمكن أن يفتح قنوات جديدة للاتصال. ولتعظيم فرص النجاح، ينبغي أن يبدأ هذا الجهد بتواضع، وأن تطلقه ربما دول الخليج الأصغر بدعم دبلوماسي فعال من مجموعة من الحكومات الأوروبية وغيرها.

تعود الأسباب الكامنة للتوترات الحالية إلى الخصومة المستمرة منذ أربعة عقود بين الولايات المتحدة وإيران. وقد أدى انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني الموقع في العام 2015 وإطلاق حملة ممارسة "أقصى درجات الضغط" عبر العقوبات الاقتصادية على إيران في العام 2018 أصلاً إلى عدة حوادث عنيفة. وتشمل هذه الحوادث هجمات على سفن الشحن في مضيق هرمز وخليج عُمان في أيار/مايو وحزيران/يونيو 2019؛ وإسقاط إيران في 20 حزيران/يونيو طائرة مراقبة مسيّرة أميركية قد تكون أو لا تكون دخلت المجال الجوي الإيراني؛ وهجوم صاروخي واسع النطاق على منشآت أرامكو النفطية في السعودية في 14 أيلول/سبتمبر، وفي 3 كانون ثاني/ يناير 2020 اغتالت طائرة أميركية مسيرة قاسم سليماني، قائد قوة القدس الإيرانية – وهي وحدة قوات خاصة تابعة للحرس الثوري الإسلامي– وأبو مهدي المهندس، نائب قائد القوات شبه العسكرية المدعومة إيرانياً في العراق؛ وهجمات انتقامية متوازية في العراق بين مجموعة شبه عسكرية مدعومة إيرانياً والقوات الأميركية في 11 و12 آذار/مارس.

كان يمكن لأي من هذه الحوادث أن يتسبب في رد انتقامي موازٍ، ويؤدي إلى دوامة خطيرة. ذُكر أن الرئيس دونالد ترامب كان على بعد دقائق من الرد على حادثة إسقاط الطائرة المسيرة في حزيران/يونيو 2019 بإصدار الأمر بتوجيه ضربة جوية  لإصول ا عسكرية  إيرانية. وكان كثيرون في إدارته أيضاً يدفعون باتجاه الرد بعد هجوم أرامكو. إيران ردت على اغتيال سليماني بإطلاق الصواريخ على قواعد عسكرية عراقية تتواجد عليها قوات أميركية؛ لكن بالنظر إلى أنها لم تؤدِّ إلى مقتل أي أميركيين ولأن طهران عبّرت مباشرة عن أن هذا سيكون نطاق ردها، فإن الولايات المتحدة لم تصعد أكثر.

هذه وخصومات أخرى – بين إيران وحلفائها من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وبين إيران والسعودية – تعطي صبغتها للصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، وتحول الحروب الأهلية إلى حروب بالوكالة. وتتقاطع هذه الحروب على نحو متزايد، إن لم يكن على الأرض، فبالتأكيد بالطريقة التي ينظر بها اللاعبون الخارجيون إليها. الحربان في سورية واليمن، بشكل خاص، توضحان هذه الديناميكية، لكن هذا ما تفعله أيضاً أحداث أقل عنفاً في العراق ولبنان، حيث صورت إيران الانتفاضات الشعبية الساعية إلى تحقيق أهداف محلية على أنها نتاج للتحريض الأميركي، بينما شخصت واشنطن الاحتجاجات على أنها موجهة بشكل رئيسي ضد إيران. وحتى تفشي كوفيد–19 أطلق نوبة من الاتهامات المتبادلة بين طهران وواشنطن – عندما كان يمكن للتعاون الإنساني أن يوفر وسيلة تحفظ ماء الوجه للتواصل مع الطرف الآخر والحد من الأعمال العدائية.

المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة حققت أحياناً بعض التقدم في احتواء صراعات بعينها، خصوصاً في اليمن. لكنها لم تتمكن من تسوية هذه الصراعات بعد. إن إدامة هذه الصراعات يزيد من احتمالات انتشارها، وتوليد مظالم جديدة وتشجيع الخصوم على الانخراط في ألعاب حافة هاوية تزداد خطورة، وتختبر الخطوط الحمراء للآخرين. الأسوأ من ذلك، هو أن هذه الخطوط الحمراء تبدو غير واضحة في غياب قنوات تواصل فعالة. وسوء التواصل بدوره يزيد من احتمال حدوث صراعات غير مقصودة – وهي حرب يقول اللاعبون الرئيسيون إنهم لا يسعون إليها لكن قد يسيرون إليها بأرجلهم كالمنوَّمين.

إن الأزمات الراهنة في الشرق الأوسط تتطلب مقاربة جديدة، مقاربة تعالج نقاط ضعف الحلول المتوفرة حالياً وتأخذ بالاعتبار التعقيد المتزايد للوضع. لقد مرت المنطقة بتحول دراماتيكي منذ الانتفاضات العربية في العام 2011، وأي محاولة لتخفيف حدة اضطرابها من المرجح أن تتطلب تحولاً في النمط التحليلي والتشغيلي لآليتها. إن مساراً أكثر فعالية يمكن أن يقارب المنطقة بشكل أكثر شمولية وأن يعالج صراعاتها المنفردة على أنها مترابطة؛ وحتى عندما تعالج وسائل تخفيف حدة الأخطار المباشرة، فإنها ستوفر رؤية، ومساراً نحو ترتيب إقليمي جماعي وشامل في النهاية.

بحلول أواسط العام 2019، بدأت الحكومات في الواقع بتعويم مبادرات لمعالجة الأزمة الناشئة على مستوى المنطقة، استجابة إلى مخاوف من أن تهديد نشوب حرب رئيسية كان قد أصبح حاداً. لكن حتى الآن لم تتخذ أي منها خطوات حاسمة نحو إطلاق عملية جماعية وشاملة تهدف إلى تخفيف حدة التوترات. مهما كان قد حدث حتى الآن فإنه لم يتعدَ كونه استجابة غير منسقة لحالات معينة – أو، الأسوأ من ذلك، قائم على بناء تحالفات معادية تغذي التصعيد الإقليمي بدلاً من محاربته، مثل التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط ومؤتمر الشرق الأوسط الذي قادته الولايات المتحدة في وارسو في شباط/فبراير 2019. لقد حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منع حدوث الأسوأ بتشجيع إيران والولايات المتحدة على العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن جهوده لم تثمر حتى الآن. كما سعت فرنسا لتخفيف حدة التوتر في مضيق هرمز، الذي يمر عبره جزء كبير من نفط العالم، من خلال مبادرة أمنية بحرية. وقد كانت حوارات من نوع مسار 1.5 ومسار 2 التي شارك فيها ممثلون عن السعودية وإيران تهدف إلى فتح قنوات اتصال جديدة. رغم ذلك، فإن المنطقة ما تزال تترنح على حافة سكين.

ينبغي على حكومات منطقة الخليج الأقل انخراطاً في الأعمال العدائية لكن التي ستكون أكبر المتضررين إذا اندلع القتال، خصوصاً الكويت وعُمان، التفكير في اتخاذ مبادرة مشتركة لإشراك جيرانهما الأكثر قوة والمشاركين في الصراع بشكل مباشر – أي إيران والسعودية – في محاولة غير رسمية لتخفيف حدة التوترات. وينبغي لمثل هذه العملية، التي ستكون على شكل حوار أمني شامل، أن تستند إلى مبادئ رئيسية يمكن للجميع أن يحترمها؛ والتركيز على مزيج من الهواجس المتعلقة بالقوى الناعمة والصلبة يتشاطرونها جميعاً؛ وأن يبدأوا بشكل متواضع. من شأن هذه البداية وحدها أن تفتح بشكل أكبر قنوات الاتصال التي زادت طبيعتها المحدودة حتى الآن من مخاطر نشوب صراع بسبب الخطأ في الحسابات. إذا نجحت هذه المبادرة، يمكنها أيضاً أن تسهم في تخفيف التوترات بين الخصمين الرئيسيين: الولايات المتحدة وإيران.

من شبه المؤكد أن مثل ذلك الحوار الإقليمي لن يحدث دون دعم خارجي، خصوصاً من الولايات المتحدة. لكن طالما ظلت واشنطن عازمة على المضي قدماً في حملتها لممارسة "أقصى درجات الضغط" على إيران، من غير المرجح أن تدعم أي مبادرة تنطوي على الحوار مع طهران. إلا أن الحكومات في أوروبا ومناطق أخرى، والتي ستتضرر مصالحها الأمنية جراء حدوث مواجهة أوسع، لكن التي قد لا تعتبر دول الخليج أن سياساتها في المنطقة تشكل تهديداً، يمكن أن تتولى القيادة في تحضير الأرضية لذلك. ويمكن أن تبدأ بالتواصل مع دول الخليج لاستكشاف استعدادها لقيام حوار أمني شامل، وأن تستمد الوحي من المفاوضات الناجحة التي أفضت إلى اتفاقات هلسكني في العام 1975 خلال الحرب الباردة.

قد يكون أوان تحضير الأرضية لمثل تلك المبادرة قد حان. ولتوليد الإرادة السياسية للعمل، قد تشكل أسوأ الأوقات أفضل الفرص، ويمكن المجادلة أن الأوضاع في الخليج وصلت إلى تلك النقطة. رغم أن تطورات سلبية يمكن أن تحدث ويمكن أن تبدو وكأنها تقوض آفاق مثل ذلك الجهد الجماعي، فإنها لا ينبغي أن تكون سبباً للاستسلام. في الواقع، وفي حين انخرطت الولايات المتحدة وإيران في تراشق الاتهامات بشأن الجائحة، فإن بعض دول الخليج اختارت مساراً مختلفاً، وقدمت المساعدة لإيران التي تصارع أزمة صحة عامة. وبسبب أية أحداث غير متوقعة كهذه، فإن أي عملية شاملة ينبغي أن تستمر لمدة طويلة، وأن تكون حصينة على الأخبار على العاجلة اليومية، وأن تستمر في التحرك نحو تخفيف تدريجي لحدة التوترات من خلال الحوار والتوسيع المستمر لقنوات التواصل بصرف النظر عن العقبات المحتملة، والمحتمة فعلياً.

الرياض/أبو ظبي/طهران/مسقط/الدوحة/بروكسل، 27 نيسان/أبريل 2020

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.