إفريقيا بعد هلاك 'ملك ملوكها': الحالة التشادية
إفريقيا بعد هلاك 'ملك ملوكها': الحالة التشادية
The Fallout in Chad from the Fighting in Darfur
The Fallout in Chad from the Fighting in Darfur
Op-Ed / Africa 3 minutes

إفريقيا بعد هلاك 'ملك ملوكها': الحالة التشادية

فتحت النهاية الدموية لعهد القذافي الباب أمام التحول الديمقراطي في ليبيا، بيد أن سقوطه خلف العديد من المشاكل المحتملة الجديدة ليس في ليبيا فحسب، وإنما في البلدان المجاورة أيضا، مما قد يهدد استقرار المنطقة برمتها. تمثل تشاد مثال توضيحياً على ذلك حيث اضطلع القذافي بدور، إيجابياً كان أم سلبياً، في كافة نزاعات هذا البلد، وانتهج سياسة التقرب من رئيسه الحالي إدريس ديبي. كما أن الدعم السياسي الذي قدمه هذا الأخير لولي نعمته الذي كان محكوماً عليه بالفشل منذ اندلاع الثورة، واصطفافه المتأخر جداً مع المجلس الوطني الانتقالي، لا يبشر خيرا حول الحقبة الجديدة للعلاقات بين تشاد والسلطات الليبية الجديدة. إذ أن اتهامات المجلس الانتقالي بأن مقاتلين تشاديين قد دعموا القذافي عسكريا، بالإضافة إلى الاعتداءات العنصرية ضد الأفارقة السود وقضايا اللاجئين والنازحين، والوضع المتفجرعلى الحدود، كل ذلك يقوم بتعقيد العلاقة بين البلدين الجارين
 
على مدار فترة حكم القذافي التي دامت اثنين وأربعين عاماً طوالاً، لطالما اضطلع بدوري الوسيط والفاعل على حد سواء في نزاعات تشاد، وقد استخدم جارته الجنوبية كحقل تجارب لاختبار وسائل ابتكرها لتحقيق طموحاته الإقليمية. وكانت نجامينا تحت حكم ديبي مطيعة، كما تحسنت العلاقات مع طرابلس بشكل ملحوظ. وبالرغم من تذبذب العلاقة بين الزعيمين، إلا أن إدريس ديبي سمح للقذافي بزيادة نفوذه من خلال توسيع شبكة المحسوبية مقابل تلقي دعما سياسيا واقتصاديا 

إلا أن تدخل القذافي في شؤون تشاد كان متناقضاًً. فبعد أن لعب في البداية دورا فاعلا في زعزعة الاستقرار في شمال البلاد، ساهم إلى حد ما في السنوات الأخيرة في إحلال السلام في تلك المنطقة التي لطالما كانت مسرحا للتمرد من خلال التوسط بين الجماعات المسلحة. وفي ضوء ذلك، فقد كان القذافي بالنسبة لإدريس ديبي مكوناً لاغنى عنه في سياسته الإقليمية. وبالتالي، فقد تردد في تقبل احتمال سقوطه بعد اندلاع الثورة الليبية، كما كان استيعابه الوافي لتبعاتها بطيئا حيث حاول في بداية الأزمة الدفاع عن شرعية القذافي من خلال اتهام المتمردين بالتواطؤ مع الإسلاميين. وعلى الرغم من أن حكومته نفت أنها توفر أي دعم عسكري، إلا أن وجود مقاتلين تشاديين في أوساط القذافي يكذب تلك التصريحات
 
وعليه، فإنه من الطبيعي أن يشعر المجلس الانتقالي بالريبة تجاه نجامينا التي اعتبرها مؤيدة لاستمرار حكم القذافي. وقد تأتى عن ذلك الأمر عواقب وخيمة على صعيد معاملة المواطنين التشاديين في ليبيا. فالحكومة التشادية لم تتخذ موقفاً أكثر إستراتيجية وواقعية يتمثل في الدعوة إلى إجراء مفاوضات وإقامة اتصالات تمهيدية مع المجلس الانتقالي إلا بعد تدخل حلف شمال الأطلسي الذي عدل ميزان القوى لصالح الثوار
 
استخلص إدريس ديبي درسا من التاريخ الحديث مفاده أن من شأن تدهور العلاقات مع طرابلس أن يعرض استقرار شمال تشاد للخطر على نحو سريع. كما أنه يدرك أن تطبيع العلاقات في الآونة الأخيرة مع السودان الذي كان قد تحقق بمساعي القذافي ما يزال بعيدا عن كونه مساراً لا رجعة فيه، ولذلك فإنه يود تجنب توتير العلاقات مع السلطات الجديدة في طرابلس. كما تشعر نجامينا بالقلق إزاء المحنة التي يعيشها المواطنون التشاديون في ليبيا الذين غالبا ما ينظر إليهم ويتم التعامل معهم على أنهم مرتزقة، رغم أن جلهم يقيم في ليبيا منذ سنوات لأسباب اقتصادية بحتة. كما أن نجامينا تدرك أيضاً الحاجة الماسة إلى استمرار التبادل الاقتصادي الجاري بين البلدين

ونظرا للمصالح الاقتصادية والأمنية التي باتت على المحك، فقد اعترف النظام التشادي بالثوار، كما اجتمع إدريس ديبي مع زعيمهم مصطفى عبد الجليل. إلا أنه وعلى الرغم من هذا التقارب، ما تزال الريبة تلف مستقبل العلاقات بين البلدين. فهل سيتمكن الطرفان من كسب ثقة بعضهما بعضاً ووضع التوترات التي ولدتها الأزمة التي دامت ثمانية أشهر جانباً؟ كيف سيؤثر الوضع المتفجر في جنوب ليبيا على علاقاتهما؟ كيف ستكون سياسة ليبيا الجديدة حيال المعادلة 
التشادية السودانية، وبصورة أعم، كيف ستكون علاقة ليبيا الجديدة مع باقي دول أفريقيا؟

نظراً لطول فترة حكم القذافي ونفوذه في الخارج وسياسته المستندة بشكل كبير على المحسوبية، سيستمر شبحه بالتجول في ليبيا والبلدان المجاورة حتى بعد غياب شخصه. إذا خلفت الاضطرابات التي سبقت سقوطه مشاكل محتملة جديدة، بما في ذلك الفرار الجماعي للمهاجرين التشاديين، والتوتر الذي حصل بين الطوائف داخل ليبيا، والهجمات العنصرية ضد مواطني بلدان جنوب الصحراء الكبرى المقيمين في ليبيا، واحتمال عودة ظهور الإسلاميين، وانتشار المقاتلين والأسلحة. ومن السابق لأوانه الجزم بأن هذه المستجدات ستتطور لتغدو عوامل مزعزعة للاستقرار في المنطقة على المدى المتوسط والطويل، ولاسيما في منطقة الساحل ودارفور. ومع ذلك، فإن القضايا التي تواجهها تشاد، التي تعتبر جسراً يربط إفريقيا السوداء بشمال إفريقيا وشرق الساحل بغربه، تسلط الضوء على بعض المخاطر التي تواجهها المنطقة ما بعد القذافي 

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.