عواقب إهمال عملية السلام الصومالية
عواقب إهمال عملية السلام الصومالية
Somalia: Making the Most of the EU-Somalia Joint Roadmap
Somalia: Making the Most of the EU-Somalia Joint Roadmap
Op-Ed / Africa 3 minutes

عواقب إهمال عملية السلام الصومالية

إنها دولة فاشلة. تعرف الولايات المتحدة جيدا أن تنظيم "القاعدة" وحلفاءه قد عملوا فيها من قبل وأن ظاهرة الخروج على القانون المتوطنة فيها توفر ملاذا آمنا للإرهابيين. وعلى رغم ذلك فإن الولايات المتحدة لا تقوم بالإسهام في المباحثات التي تهدف إلى معالجة فشل هذه الدولة .

الدولة الفاشلة التي نتحدث عنها هي الصومال. التي يمكن القول إنها الدولة الوحيدة في العالم التي لا تمتلك حكومة، وإنها البلد الذي يعتبر نموذجا مثاليا للعواقب الإنسانية والاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تنتج عن سقوط الدول. ومن منظور الولايات المتحدة، فإن الشيء الأكثر أهمية فيما يتعلق بالصومال هو أن الفراغ الناشئ عن عدم وجود حكومة، يجعل هذه الدولة الواقعة في القرن الأفريقي موطنا للجماعات الإرهابية الباحثة عن ملاذ آمن أو نقطة انطلاق لوجستية لعملياتها .

وإذا ما أخذنا الأخطار المتضمنة في هذا الوضع في الحسبان، فإن المرء منا قد يتوقع أن تكون إدارة بوش مهتمة للدرجة القصوى بعملية السلام الصومالية التي تدعمها الهيئة الحكومية الإقليمية للتنمية أو ما يعرف بمنظمة (إيجاد) التي تقودها كينيا بالنسبة لحالتنا هذه (الحالة الصومالية) والتي بدأت أعمالها في أكتوبر 2002. وإذا ما أمكن تجميع الصومال الممزقة مرة أخرى في كيان واحد، تحت حكومة مستقرة، فإننا سنكون حينئذ قد نجحنا في إنقاص عدد الأماكن التي تجد فيها "القاعدة" ومن هم على شاكلتها من الجماعات الإرهابية ملاذا آمنا ومكانا .

ولكن واشنطن تبدو غير مهتمة على الإطلاق بعملية السلام في الصومال، التي تحاول كينيا وضعها في مرحلتها الثالثة والنهائية. والبيانات العرضية، الغامضة في تأييدها، التي تصدر عن وزارة الخارجية الأميركية لم تفلح في إخفاء العزوف الأميركي على إعادة الانخراط في الشأن الصومالي، منذ الكارثة العسكرية التي تعرضت لها في الصومال والتي فقدت فيها 18 جنديا من قواتها تم سحل جثثهم في شوارع العاصمة مقديشو في مشهد لا يمَّحي من الذاكرة .

على رغم ذلك يمكن القول إن عزوف واشنطن الحالي عن الانخراط في الشأن الصومالي يعتبر سياسة في غير محلها. فعملية السلام الصومالية لا تحتاج إلى وجود جنود أميركيين على الأرض، وإنما تحتاج إلى دعم أميركي يمكن تقديمه بطرق أخرى، منها اعتبار موضوع تحقيق الأمن والاستقرار في الصومال من ضمن موضوعات مكافحة الإرهاب. وقبل كل شيء يتعين على الولايات المتحدة أن تقوم بتحقيق المزيد من التمثيل الجوهري في مباحثات (الإيجاد) التي تتم بشأن الصومال .

في الوقت الحالي يوجد لدى الولايات المتحدة مراقب للصومال فقط هو السفير السابق جون ييتس الذي يعمل انطلاقا من السفارة الأميركية في نيروبي- كينيا، وذلك بدلا من أن يكون لديها مبعوث دائم كامل الصلاحيات مشارك بفاعلية كما هو الحال في باقي مباحثات السلام التي تشترك بها في أماكن مختلفة من العالم. والمطلوب من واشنطن- ومن عواصم أخرى غيرها على رأسها بروكسل أن تبدي اهتماما أكبر بهذه المشكلة. كما يجب على الأميركيين وعلى الأوروبيين معا إرسال مبعوثين كي يقوموا برحلات مكوكية مشتركة في مختلف أنحاء القارة بهدف حل الخلافات الإقليمية التي أثارت قلق المشاركين في مباحثات (الإيجاد)، ووفرت بالتالي حافزا جديدا لجميع الأطراف كي تأخذ موضوع المفاوضات بجدية .

قد يرد دعاة اليأس على ذلك بالقول إن سقوط الصومال فادح وإنه لا يمكن بالتالي إقالتها من عثرتها، وإن الآليات العسكرية والسياسية الملتوية التي تعمل في هذا البلد الذي حاقت به اللعنة، قد أعاقت جهود الوساطة الدولية لما يزيد على عقد من الزمان، وإنه ليس هناك بالتالي ما يدعو للقلق أو الانشغال أكثر مما ينبغي بشأن المباحثات الأخيرة (مباحثات إيجاد). وفي الواقع أنه تم منذ عام 1991 القيام بثلاث عشرة مبادرة سلام رئيسية بشأن الصومال أخفقت جميعها في ترويض ذلك البلد. وفي حين أن المحاولة التي تجري حاليا هي أطول المحاولات من حيث الزمن، فإنه ليس هناك الكثير من دلائل النجاح التي يمكن أن تبين بوضوح أن هذه المحاولة تختلف عن المحاولات التي سبقتها .

بيد أن الأمر الذي يبعث على الأسى، هو أن هذا النمط من التفكير قد بات يمثل ما يعرف بالتفكير الرغائبي أي توقع نجاح الشيء بمجرد إبداء الرغبة في نجاحه: فقصور الاهتمام الأميركي، وقصور الاهتمام الدولي بصفة عامة كذلك هو السبب الرئيسي الذي يجعل مباحثات (إيجاد) تتعثر. ولكن إذا ما قامت واشنطن بإعطاء مباحثات السلام المزيد من الاهتمام - وهو الشيء الذي نتمناه جميعا عند التفكير في المشكلة الصومالية- فإن المشاركين في تلك المباحثات سيفعلون الشيء نفسه أيضا .

إن الوقت الملائم للتعبير عن هذا الاهتمام المتزايد هو الآن، وخصوصا أن المباحثات التي تكاد تكون قد توقفت فعليا منذ يناير، وصلت الآن إلى مرحلة حرجة. وإذا لم يقم الوزراء المشاركون في مباحثات (إيجاد) وشركاؤهم الغربيون السلبيون بالعمل معا، فإن تلك العملية ستموت في النهاية مما سيؤدي إلى جعل التوتر - المتصاعد بالفعل حاليا في الصومال الممزقة- يتفاقم أكثر، الأمر الذي سينتج عنه تأجيل مسألة تثبيت حكومة عاملة في الصومال- أو ما يشبهها- إلى أجل غير مسمى. (من المعروف أن الصومال تجري إدارتها بواسطة زعماء الحرب المحليين وأن القانون الوحيد السائد فيها هو العنف ).

إن انفصال أميركا الدبلوماسي عن عملية السلام في الصومال يضر الحرب التي تشنها على الإرهاب الدولي. فاستمرار فشل الدولة الصومالية سيؤدي بالتأكيد إلى جعل مصالح أميركا ومصالح حلفائها في المنطقة معرضة بصورة خطرة للهجمات الإرهابية. والشيء الوحيد الذي سيغذي الأجندات الإسلامية الراديكالية، هو استمرار حالة عدم الاستقرار، وانعدام القانون، وانعدام الحكومة في الصومال. إن دعم السلام والاستقرار في الصومال اليوم هو الذي سيساعد - ما في ذلك شك - على إضافة ملجأ آمن آخر للإرهابيين في المستقبل .

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.