اتفاقية السّلام في الصومال لن تفي بالغرض
اتفاقية السّلام في الصومال لن تفي بالغرض
Somalia: Making the Most of the EU-Somalia Joint Roadmap
Somalia: Making the Most of the EU-Somalia Joint Roadmap
Op-Ed / Africa 3 minutes

اتفاقية السّلام في الصومال لن تفي بالغرض

دائماً ما تلقى صفقات السلام الترحيب والتهليل في الدول التي تجتاحها الحروب. ونالت اتفاقيّة حزيران (يونيو) التي وقّعت عليها حكومة الصومال الاتحاديّة الانتقاليّة مع الأقليّة المعتدلة من التحالف من أجل إعادة تحرير الصومال حصّتها من التأييد. ولكن في حين تمثّل هذه الصفقة خطوةً مهمّةً تحققها دولةٌ تعاني من زمن طويل من الفوضى والرضوخ لأسياد الحرب، إلاّ أنّه لا بدّ للحماس المتفائل أن يهدأ بانتظار تأثير الصفقة الإجمالي على الوضع لا سيّما في ظلّ استبعاد الجهات التي حققت الكثير من المكاسب على الأرض خلال الأشهر المنصرمة، وخصوصاً عصبة الشباب المجاهدين. وصحيح أنّ هذه الصفقة قد تشكل الخطوة الأولى ولكنّها مجرّد خطوة أولى. جاءت هذه الاتفاقيّة بعد مفاوضات مكثفة جرت في جيبوتي برعاية الأمم المتحدة، ولاقت الترحيب وأفرزت حماساً شديداً لعمليّة السلام في الصومال بين صفوف الأسرة الدوليّة، سواء بين العرب أو الغربيين والصوماليين إلى حدٍّ معيّن. بتاريخ 9 حزيران (يونيو)، وفي خلال اللقاء الأوّل المباشر بينهما، اتفقت الحكومة الانتقاليّة مع التحالف على وقف المواجهات المسلّحة ضمن مهلة 30 يوماً ولفترة أوليّة تمتد الى 90 يوماً ويُتوقّع من القوّات الإثيوبيّة التي تدعم الحكومة الانتقاليّة أن تنسحب بعد نشر قوّات الأمم المتحدة. ومن الممكن أن تُساهم الدول العربيّة في هذه القوات التي قد تضمّ المملكة العربيّة السعوديّة والأردن

وفي حين أثلجت هذه الأخبار صدور الكثيرين، إلاّ أنّ الاتفاقيّة لا تعاني من شوائب عديدة وحسب بل يرشح من الردود والتفاعلات وجود تباين بين المسار السياسي الذي أفرز موجة الحماس بين صفوف الدبلوماسيين والظرف الإنساني والأمني وهو على الأرجح الأسوأ على وجه القارة

مضت 17 سنة على النزاع في الصومال. وبحسب الأمم المتحدة يحتاج مليونان ونصف مليون شخص إلى مساعدة إنسانيّةٍ ملحّة، وبينهم 750 ألف مهجّر من العاصمة مقديشو خلال الأشهر الخمسة عشر المنصرمة. وأصبحت البلاد تعاني أكبر تركّز من المهجّرين داخليّاً في العالم. أمّا وصول المساعدات الإنسانيّة إلى المحتاجين فقد بات أكثر محدوديّةً اليوم من ذي قبل حيث أصبحت محاولات الخطف تشكّل خطراً كبيراً على عمّال الإغاثة المحليين والدوليين في الصومال. وتصطدم المساعدة بحوالي 380 حاجزاً عسكرياً، ومخاطر أمنيّة وتكاليف متزايدة وحركة سلع بطيئة. وفي الأسبوعين اللذين تليا التوقيع على الاتفاقيّة، قُتل أكثر من 40 مدنيّاً في مقديشو ولا يزال ستّة من عمّال الإغاثة قيد الأسر. وقُتل على الأقلّ 39 شخصاً آخرين في الاسبوع الماضي نتيجة أعمال الاقتتال التي اندلعت عندما اعتدى المتمرّدون الإسلاميّون على قوّات الاتحاد الصوماليّة والإثيوبيّة والافريقيّة في العاصمة كما في المنطقة الوسطى

وينجم هذا الوضع الصعب عن المواجهات العنيفة بين قوّات الحكومة الانتقاليّة المدعومة من حلفائها الإثيوبيين من جهة والعديد من مجموعات المتمرّدين من جهةٍ أخرى. وفي الواقع، أخفقت الحكومة الانتقالية في إرساء الأمن في أي ناحية من نواحي البلد، سيّما أنّ الموقعين على الاتفاقيّة لا يتحكمون بالقوّات المتناحرة الأساسيّة على الأرض. وبالتالي يُستبعد أن تسهم اتفاقيّة جيبوتي وحدها في تعزيز الأمن أو إطلاق سراح المخطوفين

وثانياً، يرتبط تطبيق الاتفاقيّة بنشر قوّات حفظ السلام ضمن إطار زمني غير منطقي لا بل مستحيل. ولا يُحتمل في القوّات المتطوعة أن تسرع في القدوم إلى الصومال، وحّتى لو وصلت فيستحيل أن تكون قد تشكلت وبدأت العمل في غضون ثلاثة أشهر أو نجحت في إحداث فارق في الظرف الأمني. وإذا وُجدت مثل هذه القوّات، فيُمكن لعبارة غامضة في الاتفاقيّة أن تترك الباب مفتوحاً أمام وجود إثيوبي على الأراضي الصوماليّة. وفي الواقع يُنظر إلى انسحاب القوّات الأثيوبيّة على أنّه سيتم فقط «بعد نشر عديد كافٍ من قوّات الامم المتحدة». ولكن ما هو مقياس «الكافي» ومن سيحكم على ذلك؟ أمّا النتيجة فهي استمرار التأجيل وتربّع الاقتتال على عرش الواقع. ولا شكّ في أنّ الحاجة ملحّة لوجود قوّات حفظ سلام متعددة الجنسيّات ولكنّ هذه القوّات لن تُساهم في إحلال السلام إلاّ إذا كانت جزءاً من عمليّة سلام شاملة وقابلة للبقاء وتتمتع بصلاحيّات متينة ومعدات مناسبة وقوّات حسنة التدريب لمتابعة هذه العمليّة

أما آخر نقاط ضعف اتفاقيّة جيبوتي فهي تغييبها للمقاتلين الإسلاميين، وما تبّقى من حركة «اتحاد المحاكم الإسلاميّة»، وطرف التحالف المناهض لإثيوبيا والذي قاطع المحادثات في جيبوتي. ومن السابق لأوانه الاحتفال بالاتفاقيّة سيّما أنّ شعبيّة هذه القوّات والقوّات العسكريّة لا تزال تتنامى خلال الأشهر المنصرمة. وها هي الميليشيات الاسلامية وقوات التحالف تدخل وتخرج من القرى والبلدات جنوب الصومال فتلاقي معارضة طفيفة لا بل شبه معدومة من قوّات الحكومة الانتقاليّة. حتّى أنّ الميليشيات باتت تملأ الفراغ الإداري في المناطق التي تسيطر عليها وهي تحاول إعادة فرض مفاهيمها لأصول الشريعة وانظمتها

وفي غياب هذه المجموعات الراديكاليّة، تبدو آفاق عمليّة سلام واقعيّة صعبة لا بل مستحيلة. ولقد زاد الطين بلّة بعد أن وصفت الولايات المتحدة «المحاكم» بأنها منظمة إرهابيّة فأخفقت بعثة الأمم المتحدة في الدعوة إلى مباحثات أكثر شموليّةً كان يمكن أن تثمر فرص نجاح أفضل

اختارت الأسرة الدوليّة معالجة الشأن الصومالي بعد سنوات من الخمول الاستراتيجي. ويتعيّن عليها اليوم أن تسعى جاهدةً لتحوّل هذه الخطوة الأولى إلى خطوة ملموسة. ولهذه الغاية لا بدّ من ممارسة الضغوط على جبهتين. ويجب أن تتصدر جدول الأعمال خطّة واضحة وإطار زمني محدد للانسحاب الإثيوبي. وبالتالي لا بدّ من المسارعة إلى نشر قوّات متعددة الجنسيّات تُعنى بإرساء الاستقرار وتتبع صلاحيّات معدّلة. ويُمكن لهذا أن يُساعد على الجبهة الثانية، أي إشراك جميع الفعاليّات في عمليّة السلام. وقد يؤدي عناصر «المحاكم» دوراً أساسيّاً في إحباط العمليّة أو إنجاحها أمّا استبعادهم فسيقوّض احتمال نجاح العمليّة، هذا اذا كانت هناك فرص لهذا النجاح

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.