Sudan’s Calamitous Civil War: A Chance to Draw Back from the Abyss
Sudan’s Calamitous Civil War: A Chance to Draw Back from the Abyss
Op-Ed / Africa 4 minutes

السودان وحسابات أبيي

أبيي تحترق من جديد.. بعد أشهر من التوتر المتصاعد والمحاولات الدولية لنزع فتيل الأزمة بين الفصائل السياسية وجيوش شمال السودان وجنوبه، شنت قوات الخرطوم المسلحة مؤخراً هجوما جويا أرضيا على المنطقة المتنازع عليها بشدة، مما أدى إلى تشريد الآلاف وحل الحكومة المحلية. وبعد مرور ثلاثة أسابيع، تتحدث تقارير عن أعمال نهب وحرق، فيما يبقى الجيش السوداني كقوة محتلة. إن انسحابه الفوري أمر بالغ الأهمية إذا كان هناك أي فرصة لإيجاد حل مستدام في الإقليم المضطرب أصلا، ولكن أيضا لمنع اكبر دولة في افريقيا من أن تقع من جديد في براثن الحرب وإفساد استقلال جنوب السودان الذي طال انتظاره والذي لا يفصلنا عنه سوى شهر واحد

تتداخل أبيي في المناطق المتنازع عليها على طول الحدود بين الشمال والجنوب، وهي ذات كثافة سكانية منخفضة، يبلغ حجمها 10460 كيلومترا مربعا، وعلى الرغم من سوء الفهم الشائع، فإن قيمتها الحالية من حيث إنتاج النفط لا يكاد يذكر، وبالتالي ليست الدافع الأساسي للصراع. فلطالما كانت أبيي عالقة جغرافيا وعرقيا وسياسيا في النزاع بين الشمال والجنوب

 يتمثل جوهر النزاع في تحريض قبيلة دينكا نقوك المنحازة للجنوب، التي تقطن المنطقة، ضد عرب المسيرية الرحل الذين يهاجرون عبر أراضي المنطقة لرعي قطعان كبيرة من الماشية خلال المواسم الجافة

 وعلى الرغم من اندلاع الصراع من وقت لآخر، إلا أن الجماعتين عاشتا في سلام نسبي، حتى أنه كان بينهما تعاون وتصاهر عبر الأجيال. ولكن المنطقة أصبحت نقطة ساخنة في السنوات الأخيرة عندما غدا استقلال الجنوب وتقسيم البلاد أمرا مؤكدا بشكل متزايد، وأثار الغموض حول مســـتقبل الإقليم (سواء سيكون جزءا من الشمال أو الجنوب) مخاوف وجودية بين الجماعات التي تقطنه. وفي هذه الأثناء، تبين السياسة الشـــديدة المخاطرة المتبعة بين النخب في الخرطوم وجوبا أن النزاع اتخذ طابعا وتعقـــيدا بعيدين كل البعد عن هذه المناطـــق الريفية  

 كما أدى ازدياد العداء في البلاد بدوره إلى تصلب المواقف على أرض الواقع، ومن المؤكد أنه تم رمي نرد صراع جديد على نحو لا يمكن العدول عنه  

 ولعدم توافر أي تسوية معقولة ممكنة في الأفق، ومع الاقتراب السريع لاستقلال الجنوب، يسعى كلا الجانبين إلى تأكيد سيطرتهما على الإقليم، سواء كان ذلك في خطابهما العام أو بصورة ملموسة من خلال المواقف العدوانية على أرض الواقع. وقد ساعدت أسابيع من الانخراط المكثف من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي على منع الوضع من الوصول إلى نقطة الغليان، إلا أن الاشتباك الأخير الذي بدأته على ما يبدو القوات الجنوبية أثار ردا غير متناسب مع الحادث من قبل جيش الخرطوم، وعواقب لا حصر لها

 أعطى ذلك الهجوم غير المبرر جيش الشمال ما يكفي من الذرائع لاحتلال أبيي خارقا بذلك الاتفاقيات القائمة، لبسط سيطرته على الإقليم قبل حلول 9 تموز (يوليو ). ولكن تمثل هذه المناورة أكثر بكثير من مجرد خطوة بسيطة باتجاه حرب جديدة. ففي الواقع، وعلى الرغم من التصريحات الخطيرة على مدار العام الماضي فقد خلص كل من الشمال والجنوب إلى أن تكلفة العودة إلى الحرب تفوق المكاسب المحتملة، وهي معادلة لا تزال قابلة للتطبيق اليوم ولو بقدر ضئيل للغاية

 وبالتالي، فإن استيلاء الخرطوم على أبيي، بالإضافة لاتخاذها مواقف عدوانية في مناطق آخرى، يهدف إلى استعراض عضلاتها أما جمهورها، وإلى التأثير على مفاوضات الوضع المستقبلي للإقليم نفسه، وإلى تعزيز موقفها على طاولة المفاوضات، حيث لم تنتج المحادثات بين الشمال والجنوب على الترتيبات المستقبلية بشأن النفط في أماكن أخرى، والديون والعملة والأمن والمواطنة وحدودهما المشتركة، أي صفقة حتى الآن. وفي الواقع، كانت الفرق التفاوضية لكلا الجانبين تقايض على مقترحات القضايا الاقتصادية في أثناء الغزو . وعليه، يمكن الجزم أنه في حين أن أبيي مهمة للخرطوم ولجمهورها المسيري، إلا أنها تستخدم كورقة مساومة

 ولكن على حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم بقيادة الرئيس السوداني عمر البشير المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية أن ينظر أيضا في تشعبات استراتيجيته، وتأثيرها المحتمل على بقاء الحزب وعلى تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية بين السودان المنبوذ عالميا لوقت طويل والمجتمع الدولي. فمع أنه نادرا ما ارتجف النظام في وجه الإدانات الغربية له، إلا أن عدم سحب قواته من منطقة أبيي (ومواصلة تعريض المدنيين للخطر) يمكن أن يدفعه أكثر نحو العزلة الدولية ومعاقبة المواطنين الشماليين العاديين من دون ذنب  

 يعاني البشير وحزبه السياسي من التقسيم الوشيك للبلاد، وسيخسرون حصة الأغلبية من نفط البلاد - التي تمثل الإيرادات الرئيسية - لصالح الجنوب بحلول شهر يوليو، كما سيكون الحزب مثقلاًً لسنوات ببعض أو بكل ديون البلاد المذهلة التي تبلغ 40 مليار دولار، ناهيك عن الصراع الذي لا يزال ينتظر حلاً في دارفور، والذي يديم حالة عدم الاستقرار داخلياً وغضب المجتمع الدولي على حد سواء .

ولتوقها إلى رؤية حل للنزاع في السودان وإجراء استفتاء سلمي على الاستقلال، طرحت إدارة أوباما مسارا للتطبيع بين الخرطوم وواشنطن، العاصمتين اللتين لطالما بغضتا وأساءتا فهم إحداهما الأخرى، وتعهدت واشنطن بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، على الرغم من استضافة الخرطوم لأسامة بن لادن ذات مرة، وبتبادل السفراء، وبالدعـــم لتخفيف عبء الديون، وفي نهاية المطـــاف برفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية

 ولكن التوصل إلى حل سلمي لمسألة أبيي الجامدة كان من بين الشروط المسبقة ـ الأمر الذي يعرضه الغزو الأخير لخطر كبير. لا تثق الخرطوم بشكل كامل بالعروض الأمريكية ولكنها تدرك أن الاستقرار سيظل على رأس أولويات البيت الأبيض الذي أوضح للخرطوم أن الخطوة التي أقدمت عليها قد تعرض للخطر أو حتى تلغي صفقة التطبيع برمتها. ويمكن أن تكون تكلفة ذلك على الخرطوم أكبر على المدى البعيد مما يمكن أن تكسبه من خلال استراتيجيتها الحالية

 الأمر الأكثر إلحاحا حتى من ذلك هو وجود احتمال حقيقي للعودة إلى الحرب في أبيي والمناطق الأخرى على طول الحدود بين الشمال والجنوب. تدرك الخرطوم أن جنوب السودان يفضل عدم تعريض الاعتراف به كدولة مستقلة للخطر بتورطه عسكريا في أبيي أو في مناطق أخرى، ولذلك فقد تستمر في الضغط على الجنوب للحصول على تنازلات، إلا انه لا ينبغي الاستخفاف بالتزام الجنوب العميق الجذور بأبيي. كما لا ينبغي تجاهل خطر التصعيد غير المقصود، ولاسيما في مكان تجتمع فيه أحيانا قوات قليلة الانضباط ومليشيات بالوكالة وجيشان العواطف، وهو مزيج شديد التفجر

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.