وقف ملاحقة البشير ثمن مقبول لتحقيق السلام في دارفور؟
وقف ملاحقة البشير ثمن مقبول لتحقيق السلام في دارفور؟
What’s Left of Sudan After a Year At War?
What’s Left of Sudan After a Year At War?
Op-Ed / Africa 3 minutes

وقف ملاحقة البشير ثمن مقبول لتحقيق السلام في دارفور؟

ليست النزاعات الدوليّة العسيرة على الحلّ غريبةً على مجلس الامن التابع للأمم المتحدة. ولكنّ السودان لن يلبث أن يضع هذا المجلس في مواجهة نوعٍ مختلف من المشاكل، لم يواجهه مجلس الأمن أبداً منذ تأسيسه قبل 62 عاماً.

سوف يُطلب إلى المجلس أن يتخذ قراراً بشأن وقف ملاحقة رئيس دولة عن الفظائع المرتكبة بحقِّ شعبه خدمةً لمصالح السلام والأمن الدوليين. ويجب على مجلس الأمن أن يستغل هذه الفرصة لتعزيز السلام والعدالة عبر الطلب إلى الحكومة السودانيّة توفير إثباتات عن التقدم المحرز في هذا المجال قبل أن ينظر في تأجيل الدعوى.

ينظر حاليّاً ثلاثة من قضاة المحكمة الجنائيّة الدوليّة في طلب مدعي عام المحكمة لويس مورينو أوكامبو اصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير بتهمة ارتكاب المجازر والجرائم بحقّ الإنسانيّة وجرائم الحرب بحقّ مسلمين من ابناء شعبه في دارفور.

ولكن لا يُتوقّع صدور القرار قبل بضعة أسابيع. ولكن قبل أن يصدر القرار يُرجّح في مجلس الأمن أن يتم وقف تنفيذ الدعوى. والسودان يطلب أصلاً من الدول الأعضاء إرجاء العمليّة وقد لقي طلبه صدىً لدى الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربيّة.

بأي حقٍّ يُمكن للمجلس أن يتدخل، وهل له أن يتدخّل ولو كان يتمتع بالصلاحيّة لذلك؟ تنصّ المادة 16 من ميثاق روما، دستور المحكمة الجزائيّة الدوليّة، صراحةً، على أنّه لا يجوز المباشرة بأي تحقيق في الدعوى أو متابعتها إلاّ بعد مضي 12 شهراً على تقدّم مجلس الأمن بطلبٍ من المحكمة. ويُمكن لهذا الطلب أن يتجدد.

بتعبير بسيط، شكّلت المادة 16 تسويةً بين الذين يرون أنّ درجةً محدودة من اللاعقاب قد تشكل ثمناً مقبولاً لتحقيق السلام ومن يعتقدون أنه لا يمكن احلال السلام في غياب العدالة.

ولا يتعيّن على مجلس الأمن في هذا الصدد أن ينسى أنّ النظام السوداني شنَّ حملة عنيفة في دارفور خلال السنوات الخمس المنصرمة أسفر عنها وقوع مئات الآلاف من الضحايا وتشرّد ملايين السودانيين.

ولقد تعمّد النظام انتهاك قرارات مجلس الأمن بشأن دارفور التي تلحظ نشر قوّات حفظ السلام لحماية المدنيين العزل. كما أسرف في تأجيل تطبيق أحكام أساسيّة حول اتفاقيّة السلام الشامل، وهي الصفقة المبرمة عام 2005 والتي وضعت حدّاً للحرب الدامية في السودان التي دامت 20 سنة بين الشمال والجنوب.

وفي بادئ الأمر، لا يجب أن يُنظر في طلب تأجيل ملاحقة البشير قبل أن يتخذ نظامه خطوات ملموسة لوقف جميع أعمال العنف التي ترعاها الدولة وقبل أن يُطبّق تدابير فعليّة وذات مصداقيّة لإحلال السلام على أراضي السودان كافةً.

ومن شأن تأجيل دعوى الملاحقة من دون المطالبة بتحقيق تقدّم فعلي باتجاه السلام أن يُشكّل استهزاءاً بولاية مجلس الامن لتحقيق السلام، وولاية المحكمة الدولية لارساء العدالة. وعليه، يتعيّن على الأطراف التي ترى في تأجيل المحاكمة شرطاً أساسيّاً لإحلال السلام في السودان بما في ذلك جامعة الدول العربيّة، أن تُبرهن عن التقدّم المحرز في سبيل إحلال السلام كشرط سابق لقيام مجلس الأمن بالنظر في هذا الموضوع.

أمّا المقاييس التي يتعيّن استناداً إليها أن يصدر الحكم بحقّ النظام السوداني فيجب أن تتضمن ما يلي:

  • عقد محادثات سلام غير مشروطة مع مجموعات دارفور المتمردة، والاستعداد لتحقيق وقف إطلاق النار في دارفور بما يضع حدّاً لمعاناة المدنيين وقتلهم.
     
  • تحسين فعاليّة لجان الأمن في دارفور المسؤولة عن رصد الحوادث الامنية والاستجابة لها عبر توسيع نطاق المشاركة لتضم ممثلين عن بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام والممثل الخاص لمنظمة الوحدة الإفريقيّة والأمم المتحدة والحركة الشعبيّة لتحرير السودان.
     
  • إعادة تشكيل دارفور على أنّها منطقة إداريّة منفصلة ضمن حدود العام 1956 وإعادة نشر قيادة الحكومة المحليّة بما في ذلك السلطة القضائيّة مع تعيين تكنوقراط غير حزبيين ليحكموا المنطقة إلى حين اجراء انتخابات.
     
  • إعادة حقوق ملكيّة الأرض التاريخيّة في دارفور.
     
  • الخروج بحلّ مقبول للمهجرّين داخليّاً يضمن عودتهم أو إعادة توطينهم.
     
  • إزالة المعوّقات التي منعت انتشار قوّات حفظ السلام وتوفير المساعدة الإنسانيّة على أن تحظى هذه القوّات بقدرة غير مشروطة على الوصول إلى المناطق الواقعة ضمن مسؤوليّتها الجغرافيّة.
     
  • تسليم وزير الدولة للشؤون الإنسانيّة أحمد هارون وقائد الجنجاويد علي قشيب إلى محكمة الجنايات الدوليّة عملاً بمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة وإقامة آليّات عدالة ومصالحة متينة في دارفور لمعالجة شكاوى جميع ضحايا النزاع والتعويض عنها.
     
  • تحسين المناخ الديموقراطي تمهيداً للانتخابات الوطنيّة من خلال إصلاح الأمن القومي وقوانين الاستخبارات وقوانين الإعلام.

في حال تحقق تقدّم يضمن هذه النقاط، يُصبح بمتناول مجلس الامن تأجيل ملاحقة الرئيس البشير ولكن يظلّ عليه أن يُقرر ما إذا كانت مثل هذه الخطوة تصبّ في صالح السلام والأمن.

ولا شكّ في أنّ مؤسسي المحكمة الدوليّة فكّروا في أنّ إرجاء المحاكمة قد يحصل في بعض الظروف، فضمّوا إلى الميثاق المادة 16. فإمكانية تجديد التأجيل سنويّاً هو أداة قويّةً لخدمة السلام، بما أنّه سبيل إلى ممارسة الضغوط على الخرطوم لتفي بعهودها على عكس ما فعلت في الماضي. وكما اتضح من توقيف قائد الصرب السابق في البوسنة رادوفان كراجيتش بعد 13 سنة على إدانته، تتمتع العدالة الدوليّة بباع طويل الأمد. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ كراجيتش متهم من قبل المحكمة بشكلٍ أساسي بقتل آلاف المسلمين البوسنة.

سيواجه مجلس الأمن صعوبة في اتخاذ قرار بتأجيل ملاحقة البشير لخدمة السلام في دارفور. وسيكون عليه أن يزن فوائد هذا القرار بمقياس نشر السلام في السودان على المدى الطويل. فالتفكير في احتمال تأجيل الدعوى من دون تحقيق تقدّم مهم في هذا المجال سيجعل من السلام والأمن أكبر الخاسرين.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.