العدالة والسلام في السودان
العدالة والسلام في السودان
Sudan’s Calamitous Civil War: A Chance to Draw Back from the Abyss
Sudan’s Calamitous Civil War: A Chance to Draw Back from the Abyss
Op-Ed / Africa 3 minutes

العدالة والسلام في السودان

تم تقليد الرئيس السوداني البشير وسام أوّل رئيس دولة تدينه المحكمة الجنائية الدوليّة. وطلبت المحكمة يوم الأربعاء من الرئيس تسليم نفسه إلى لاهاي لمواجهة تهم ارتكاب جرائم بحقّ الإنسانيّة وجرائم حرب عن الفظائع التي ارتكبها في دارفور .

وبطبيعة الحال تُشكّل الإدانة أمراً في حين يُمثّل جلب البشير أمام المحكمة تحدياً من نوع آخر. وفي سيناريو مثالي، يتنحّى البشير ويُسلّم نفسه ولكنّ هذا لن يحصل. وعليه، يقع احتمال عقد محاكمة وتوقيتها رهينة ديناميكيّات السياسة السودانيّة الداخليّة، وردّ فعل الأسرة الدوليّة . 

وتكثر السيناريوهات المحتملة. فالكابوس الأوّل يقضي بأن يردّ النظام في وجه ما يدعوه بمحاولة الغرب 'تغيير النظام' في السودان. وقد يؤثّر هذا في بعثات الأمم المتحدة في السودان وفي العمليّات الإنسانيّة الدوليّة ويُمكن أن يذهب إلى حدّ شنّ اعتداءات على هيئات حفظ السلام وعلى سكّان دارفور المدنيين في المخيّمات وذلك إبلاغاً للرسالة. كما يُخشى أن يحدو هذا بالنظام إلى إعلان حال الطوارئ وتعقّب الخصوم السياسيين. ولكن تفيد الخبرة من الملاحقات الدوليّة في أماكن مثل يوغسلافيا السابقة ولاتفيا بأنّ مثل هذه التنبؤات الخطيرة مبالغ بها .

وتُفرض قيود فعليّة تكبّل قدرة النظام على الردّ . أوّلاً، يُشّكل ردٌ عنيف خطراً على زعزعة الوضع. ويُبدي العديد من شركاء السودان مصلحةً قويّةً في الاستقرار المستمر ـ للصين مصلحة في صناعة النفط، ومصر ترغب في الأمن الإقليمي وفي الوصول إلى مياه النيل، ودول الخليج أقدمت على استثمارات كبيرة . ولا شكّ بأنّها ستحذّر النظام من المبالغة في الردّ. ولقد أفادت شخصيّات رفيعة المستوى في داخل حزب المؤتمر الوطني وقوّات السودان المسلحّة من فورة السودان الاقتصاديّة وبالتالي لن ترحّب بتفتت مناخ الاستثمار. ودعماً لهذه القيود، يجب على مدعي عام المحكمة أن يوضح بأنّ الشخصيات المقرّبة من البشير والتي تتحمّل مسؤوليّة أي ردٍ عنيف قد ينتهي بها الأمر أن تقف في قفص الاتهام نفسه .

وترد في مقامٍ آخر العناصر القائمة في قلب النظام والتي ترى بأنّ قمع البشير بعنف المطالب السياسيّة التي تقدمّت بها المناطق الواقعة بمحاذاة السودان (مثل دارفور وجنوب السودان)، قد أضعف الدولة بدلاً من ضمان استقرارها ووحدتها. ويرى البعض أنّ استمرار المواجهة مع الغرب قد لا يُشكّل أكثر السياسات حكمةً سيّما في ظلّ تداعي أسعار النفط وخطورة وضع الدولة المالي. وتكسب مثل هذه الآراء دعم المؤيدين على أعلى مستويات حزب المؤتمر الوطني. وعلى الرغم من كون البشير وجهازه الأمني لا يزالان متجذرين في السلطة، إلاّ أنّه يتوقّع من الاتهام أن يُضعف قبضتهما. لا بل قد يحدو بوكالات الجيش والاستخبارات وهي صاحبة القوّة في السودان إلى التفكير في مستقبل يخلو من البشير في موقع الرئاسة . 

بالنظر إلى هذه القيود، قد يسعى النظام على مضض إلى التوصل إلى تسويةٍ فعليّةٍ لنزاع دارفور. ولن يتمّ هذا إلاّ إذا اتضح بأنّ هذا السبيل هو الوحيد لإبقاء قبضته على النظام حتّى على حساب انتقاص هذه السلطة. أمّا 'بيان النوايا' الذي وقّع عليه مؤخراً في الدوحة، قطر، مع حركة العدل والمساواة الثوريّة، وفي حين شكّل خطوةً مرحباً بها، إلاّ أنّه لا يزال بعيداً كلّ البعد عن مثل هذه التسوية. بل هو في الواقع استمرار لتكتيك النظام الذي يقضي بمنح تنازلٍ صغير تفادياً لمنح تنازلٍ أكبر .

ويجب أن ترمي الأسرة الدوليّة إلى تحقيق تغيير سياسي في الخرطوم. ولا بدّ من التماس رغبة فعليّة وجوهريّة في تغيير سياسات حزب المؤتمر الوطني المدمّرة وفي اتخاذ خطوات فعليّة حيال تحميل مرتكبي الفظائع في دارفور مباشرةً زمام المسؤوليّة. ويحتاج النظام أن يبدأ بتطبيق اتفاق الدوحة غير المشروط وأن يعمل لاحقاً على جذب مجموعات ثوريّة أخرى وممثلي دارفور إلى طاولة المفاوضات توصّلاً إلى تسويةٍ شاملة لنزاع دارفور. كما لا بدّ من تطبيق اتفاقيّة السلام الشامل تطبيقاً كاملاً مع الحرص على ضرورة تغيير مؤسسات السودان الحاكمة .

وهذه مهام جسيمة في حين أنّ سلطة الأسرة الدوليّة محدودة. ولكنّ قرار الاتهام يخلق فرصةً فعليّةً للسير في مسلك التغيير. ولعلّ قوّة الأسرة الدوليّة الأبرز تقضي بتعطيل احتمال تطبيع العلاقات ووقف المساعدات الدوليّة. أمّا الأداة الأخرى فهي صلاحيّة مجلس الأمن تعطيل ملاحقات المحكمة الجنائيّة الدوليّة لمدّة اثني عشر شهراً قابلاً للتجديد .

ولكن لا يجب تغليب أي من هذه الخيارات على طاولة البحث. وبالنظر إلى كون إدانة البشير قادرة أن تحفّز بذاتها على التغيير السياسي في داخل السودان، يجب على مجلس الأمن بشكلٍ خاص أن يرفــــع سقف المطالب وأن يُطالب بتقدّم ملموس قبل أن ينظر في احتمال التأجيل. ولا يجب أن يغيب عن باله بأنّ سقوط العقاب عن الفظائع المرتكبة حديثاً في السودان هو الذي زاد على سياسات النظام العنيف عنفاً .

وفي نهاية الأمر، يُمكن أن تذهب التغيّرات المنشودة إلى أبعد من رغبة النظام أو قدرته على الموافقة. ولكن إذا كانت هذه هي الحال، فستستمر ملاحقة البشير. وستُصبح السودان مع مرور الوقت دولة مارقة يترأسها رئيس معرّض لعزلة ومقاطعة متناميتين. ولن ينفك البشير يحاول أن يحمي ظهره متسائلاً عن احتمال وتوقيت قرار يصدر عن أصحاب السلطة في السودان ويقضي بأنّ الأوان قد آن للتخلّص منه .

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.