حان الوقت لأن تتوحد اوروبا وتهب لمساعدة شمال إفريقيا
حان الوقت لأن تتوحد اوروبا وتهب لمساعدة شمال إفريقيا
Op-Ed / Europe & Central Asia 3 minutes

حان الوقت لأن تتوحد اوروبا وتهب لمساعدة شمال إفريقيا

بينما تتواصل حمامات الدم في ليبيا حيث لم يتردد القذافي في مواجهة شعبه بالقصف الجوي، أشعر حجم الأحداث التي يشهدها شمال إفريقيا منذ أسابيع أوروبا بالعجز. 
صحيح أن أحداً لم يتوقع الجيَشان الجيواستراتيجي الناشئ هناك. فقد قامت البلدان الغربية بإيهام نفسها بأن هذه الشعوب عاجزة عن وضع مصيرها في يدها وأن هناك ضرورة لوجود قائد قوي لضمان استمرارية التنمية ولذلك فقد قبلت بهؤلاء المستبدين المنتمين لعصر آخر وبنزوات نجل القذافي في الاستقبالات رفيعة المستوى في معظم قصور أوروبا الحكومية.

أشعل التونسيون في تشرين الثاني/ نوفمبر فتيل الثورة في العالمين العربي والإسلامي اللذين تعبا من العيش في ظل استبداديات نهبت خيرات بلادهم. وضاهت مظاهراتهم إلى حد ما المظاهرات في بولونيا وألمانيا الشرقية في نهاية ثمانيات القرن المنصرم التي أثرت بشكل مباشر على جيرانهم الذين أدركوا أن حريتهم أيضا تقع على مقربة في نهاية الشارع، فخرج الليبيون والمصريون واليمنيون للمطالبة بالعدالة.
ولكن المقارنة بأواخر الثمانينات وسقوط أنظمة أوروبا الشرقية تنتهي هنا. فمع أنها مقارنة جاذبة بالفعل إلا أن هناك قيودا واضحة عليها. فقد كانت جميع الأنظمة في أوروبا الشرقية متماثلة وكانت جميعها تحت سيطرة الإتحاد السوفييتي الذي حول الحكومات في أوروبا الوسطى إلى مجرد تمثيليات لموسكو التي لم تترك لهم أي مجال للمناورة حتى في السياسة الداخلية ناهيك عن السياسة الخارجية. كان اليوم الذي أخبر به ميخائيل غرباتشوف إيريك هونكر في برلين الشرقية أنه لم يعد هناك جندي سوفييتي واحد مستعد للتضحية بحياته لإنقاذ النظام بمثابة قرع للأجراس التي أعلنت نهاية الشيوعية العلمية في أوروبا.
يختلف العالم العربي بتعقيداته عن أوروبا الشرقية كما أن الأنظمة التي تحكمه أكثر تنوعا. 

ففي حين أظهر القذافي انه ما زال مسيطرا على وزارات قوية ليجعل ليبيا تدفع ثمنا باهظاً في نهاية حكمه، تخلصت كل من مصر وتونس من حكامهما بطريقة أقل إيلاما بكثير. ومع ذلك فإن الدراما لم تصل إلى نهايتها لا في القاهرة ولا في تونس، فثقة الشعبين بهاتين الحكومتين الانتقاليتين منخفضة للغاية. أطاحت انتفاضة مصر الشعبية بمبارك ولكن دعونا لا ننسى أن ذلك كان نتيجة انقلاب عسكري ومن المرجح أن يكون مستوى الاستقرار الذي ستشهده البلاد في الأشهر المقبلة مرهونا بقدرة الجيش على تنفيذ وعوده.
كان رد فعل أوروبا على الثورات على حدودها المتوسطية مخيبة جدا للآمال وأدانها ترددها المذهل الذي بدا جليا من خلال خطاباتها السياسية. فقد تبخرت في عام 2011 الإشارات المتحمسة إلى 'رياح الحرية' التي هبت في أوروبا الوسطى في نهاية الثمانيات.

وشددت المواقف الرسمية لنيكولا ساركوزي وأنجيلا ميركل وفرانكو فراتيني على خوفهم من موجة الهجرة نحو الشمال، ما قد يدعو المرء إلى الاعتقاد بان أوروبا تأسف لليقظة الديمقراطية في العالم العربي. عكست الفضائح الفرنسية حول العلاقات الخطيرة لعدد من وزرائها في المنطقة مرورا بالذعر الإيطالي من انهيار القذافي في ليبيا حال الهلع والتخبط التي تمر بها أوروبا والصعوبات التي تواجهها في محاولتها استعادة لهجتها المتحمسة للحرية التي كان بإمكانها التحدث بها طوال عشرين عاماً مضت. وبدل أن ترى أوروبا آفاقا ديمقراطية للمنطقة، تركت خوفها من المجهول يغلبها في نهاية المطاف. بدلا من خوض جدالٍ حول الهجرة كان حريا بكلٍ من فرنسا وايطاليا وبريطانيا وسويسرا التي ألحقت بها نزوات نجل القذافي الذل أن تحيي شجاعة الشعب الليبي.

كذلك كانت أوروبا بطيئة في تقديرها لحجم الكارثة الإنسانية على الحدود الليبية-التونسية. فقد توجب على آلاف المهاجرين الإفريقيين العاملين في ليبيا الانتظار أكثر من أسبوع قبل أن يتمكنوا من الاستفادة من عمليات الإجلاء المتاحة للغربيين والصينيين، مع أن وجهتهم لم تكن نحو أوروبا بل أرادوا بكل بساطة العودة إلى ديارهم في مصر أو بوركينا فاسو أو السودان. ما زالت هذه الدراما مستمرة ومن الضروري أن تتعاون جميع الدوال الأوروبية سواء كانت عضوا في الاتحاد الأوروبي أو لم تكن للسماح بإجلاء سريع لهؤلاء الأشخاص قبل أن تحل كارثة إنسانية لتضاف للقائمة الطويلة من التحديات التي تواجهها تونس ما بعد بن علي. أعلنت كريستالينا جورجييفا، المفوضة الأوروبية للتعاون الدولي والمساعدات مساعدات إنسانية قيمتها 3 ملايين يورو كما أرسلت فرنسا سفينة 'المسترال' إلى السواحل التونسية وبدأ عددٌ من الطائرات برحلات مكوكية إلى مصر وهي واحدة من إجراءات الطوارئ الأساسية. ستقدر شعوب شمال إفريقيا رؤية أوروبا موحدة تستجمع قواها وتستجيب لندائهم.

خلقت الاضطرابات في شمال أفريقيا حقبة جديدة وبالتأكيد أنها تحمل في طياتها الكثير من عدم اليقين، ولكنها قبل كل شيء تمثل فرصة غير مسبوقة ليس لشعوب المنطقة فحسب، وإنما أيضا لجيرانهم بما فيهم أوروبا. لقد حان الوقت ليبدأ للأوروبيين بالحلم بمنطقة ديمقراطية على الضفة الأخرى من المتوسط، وأن يضعوا كل إمكانياتهم لتحقيق هذا الهدف وهو ما فعلوه لأوروبا الوسطى. عندها سيكون العالم أكثر استقرارا مما كان عليه تحت حكم المستبدين المخلوعين.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.