ما هي أولويات الحكومة التركية الجديدة؟
ما هي أولويات الحكومة التركية الجديدة؟
Op-Ed / Europe & Central Asia 5 minutes

ما هي أولويات الحكومة التركية الجديدة؟

 ذهب قرابة 43 مليون تركي، أي ما يصل إلى 87 في المائة من الناخبين، إلى صناديق الاقتراع في الثاني عشر من يونيو (حزيران) لانتخاب الحكومة الجديدة. وأدلى ناخب من بين كل اثنين بصوته لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم، ليبقى الحزب في سدة الحكم لولاية ثالثة بنسبة 49.9 في المائة من الأصوات – متجاوزا النسبة التي حصل عليها في انتخابات 2007 (47 في المائة) وفي انتخابات 2002 (34 في المائة). وبعودة حزب العدالة والتنمية ومعه قاعدة دعم أكبر، تعززت مصداقيته في الداخل والخارج، مما يجعل من السهل التعامل مع تحديات مثل الإصلاح الدستوري والقضية الكردية والانضمام للاتحاد الأوروبي من خلال تعهده بفتح موانئه للسفن القبرصية

لقد أتت الانتخابات ببرلمان ممثل بصورة غيرة معتادة، على الرغم من الحاجز الانتخابي البالغ 10 في المائة اللازم للتمثيل في البرلمان. لقد حصل حزب العدالة والتنمية على 326 مقعدا في المجلس المكون من 550 مقعدا، ورفع حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي من عدد مقاعده ليصل إلى 135 مقعدا بدلا من 112 مقعدا، وذلك بعد أن حصل على 26 في المائة من الأصوات. وتمكن حزب الحركة القومية من الحصول على 53 نائبا بقاعدة دعم نسبتها 13 في المائة، على الرغم من أنه خسر عشرات المرشحين إثر نشر مقاطع فيديو لأعضاء في الحزب مع خليلاتهن. وزادت الكتلة الانتخابية المعتمدة على حزب السلام والديمقراطية المناصر للأكراد من عدد نوابها المستقلين ليصل إلى 36 نائبا بدلا من 21 نائبا، وذلك بعد حصوله على نسبة 6.5 في المائة من الأصوات

وقد كان الأداء الاقتصادي المذهل لتركيا القوة الرئيسية وراء زيادة شعبية حزب العدالة والتنمية، ومن الواضح أنه غطى على المخاوف إزاء عدم تسامح رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان مع انتقادات وغطى على أسلوبه الهجومي. لقد ارتفع الاقتصاد بنسبة 6 في المائة في المتوسط في الفترة بين 2002 و2008، وبعد أن تراجع عام 2009 بسبب الأزمة العالمية عاد ليرتفع بنسبة قرابة 9 في المائة عام 2010، ليتجاوز بذلك معدلات الانتعاش العالمية وداخل الاتحاد الأوروبي. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي التركي ومعدل الدخل بالنسبة للفرد بمقدار ثلاثة أضعاف خلال تسعة أعوام، ليصل الناتج المحلي الإجمالي إلى 736 مليار دولار ومعدل الدخل بالنسبة للفرد إلى 10.000 دولار. وفي المقابل، تراجعت معدلات التضخم من 30 في المائة إلى أعلى من 6 في المائة بنسبة قليلة

ولعبت عملية الانضمام للاتحاد الأوروبي والإصلاحات ذات الصلة دورا مهما في قصة النجاح هذه. وارتفعت معدلات الاستثمار الأجنبية المباشرة بمقدار 20 ضعفا في الفترة من 2002 حتى 2007، لتصل إلى أعلى معدل لها بقيمة 22 مليار دولار. وتراجع هذا الرقم منذ ذلك الحين، ليصل إلى 9 مليارات دولار عام 2010، ورجع ذلك بصورة جزئية إلى الركود العالمي وبسبب الجمود في عملية الإصلاحات داخل تركيا المتعلقة بعملية الانضمام للاتحاد الأوروبي منذ 2005. وأثناء سعيه للتحرك قدما، سيكون على حزب العدالة والتنمية تجاوز العديد من العقبات في الطريق، حيث ظلت معدلات البطالة أعلى من 11 في المائة منذ أن جاء حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم، وتفاقم العجز الحالي في الحساب الجاري - الذي بلغ أكثر من 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010، بصورة ملحوظة خلال الأشهر الأولى من 2011. كما أن العلاقات الاقتصادية القوية لتركيا مع أوروبا جعلتها عرضة للتقلبات الاقتصادية والتراجع في السوق داخل منطقة اليورو

من بين التحديات الأخرى التي تظهر أمام الحكومة الجديدة - إلى جانب مجموعة من القضايا المرتبطة بالسياسات الداخلية والخارجية والتي أرجئت قبل الانتخابات وتنتظر حلا حاليا – يأتي الدستور الجديد والإصلاحات الكردية والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي والجمود في محادثات إعادة توحيد قبرص. وبعيدا عن هذه القضايا، هناك أكثر من عشرة آلاف لاجئ نزحوا هربا من إجراءات قمعية تقوم بها الحكومة داخل سوريا وعبروا بالفعل إلى جنوب شرقي تركيا، مع استمرار الاضطرابات داخل منطقة الشرق الأوسط لتختبر حدود سياسة تركيا الخارجية القائمة على «عدم وجود مشاكل مع الجيران. » 

ولم يتضح بعد أي من القضايا ستضعها حكومة أردوغان الجديدة على قائمة أولوياتها. وعلى الصعيد الداخلي، فإن النتائج البرلمانية تؤكد أن حزب العدالة والتنمية في حاجة لاتفاق مع المعارضة. وعلى الرغم من أنه حصل على حصة أكبر من الأصوات في الانتخابات، فإن التعديلات الأخيرة في أعداد النواب ببعض المحافظات المعتمدة على عدد السكان تعني بالفعل أن حزب العدالة والتنمية خسر مقاعد في البرلمان. لقد كان الوعد الرئيسي لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات هو دستور جديد. ولكن بـ326 نائبا، فإنه ليس مع الحزب الأغلبية اللازمة لصياغة الدستور بمفرده أو طرحه للاستفتاء. وفي هذه الظروف لا يحتمل أن يضغط أردوغان لتحقيق هدفه الواضح باستخدام الدستور الجديد للوصول إلى نظام رئاسي على النمط الفرنسي، وهي قضية خلافية بالنسبة للأتراك

وسيحتاج أردوغان إلى دعم المعارضة لإجراء التعديلات التشريعية والدستورية اللازمة لنزع فتيل القضية الكردية. وقد كانت مبادرة حزب العدالة والتنمية بصدد القضية الكردية عام 2009، والتي أطلق عليها أيضا «بداية ديمقراطية»، خطوة مشجعة، ولكنها تعثرت ولم تحقق نتائج ملموسة حتى الآن. ويجب على حزب العدالة والتنمية العمل حاليا مع القوميين الأكراد المنتخبين داخل البرلمان لإحياء هذه المبادرة، التي فتحت الباب أمام وسائل سلمية لمعالجة المطالب الكردية، بما في ذلك الحق في التعليم بلغتين وتعزيز الحكومة المحلية وتغيير في القوانين لمنع تعرض الأكراد للاضطهاد بسبب تعبيرهم عن الرأي وتقليل الحاجز الانتخابي البالغ 10 في المائة وإزالة لغة تميزية عرقية من الدستور والقوانين 

لقد نتج عن سعي الحزب لإبعاد حزب الحركة القومية عن البرلمان من خلال استخدام لهجة قومية خلال الحملة الانتخابية خسارة الأصوات الكردية، كما ساعد المرشحين الأكراد المستقلين. ولكن الأجندة القومية الكردية أثبتت نفسها كجزء من الساحة السياسية العامة، ومن المحتمل أن تبعث نتائج الانتخابات إشارة إلى الناخبين القوميين الأكراد بأن الساحة السياسية، وليس الصراع المسلح، يمكن أن تعالج وتحل مشاكلهم. ولكن واجه ذلك الأمر تهديدا بسبب قرار المجلس الأعلى للانتخابات في الحادي والعشرين من يونيو (حزيران) بحرمان نائب كردي من مقعده بالبرلمان بسبب إدانته في السابق بوجود علاقة له مع تنظيم محظور. وقرر جميع نواب حزب السلام والديمقراطية مقاطعة البرلمان في 23 يونيو (حزيران) حتى حل القضية

وهذه الأزمة البرلمانية المفاجئة تهدد بدفع تركيا إلى ظروف مجهولة. ولكن ما تحتاج إليه الدولة حاليا هو اتفاق على المضي قدما في الكثير من المهام المطروحة. وبعد حملة انتخابية هجومية، لطف أردوغان من خطابه في كلمة حكيمة ليلة الانتخابات، وأشار إلى أنه سيتبع منحى تصالحيا شاملا. وفي السادس عشر من يونيو (حزيران) قام أردوغان بسحب كافة القضايا التي رفعها ضد صحافيين وكتاب وسياسيين وجهوا إليه إهانات

وعلى صعيد السياسة الخارجية، يجب أن يستفيد حزب العدالة والتنمية من رأسماله السياسي ليتخذ قرارات أكثر جرأة، ولا سيما فيما يتعلق بعملية الانضمام للاتحاد الأوروبي والتي وصلت إلى طريق مسدود. ولم يكن الانضمام للاتحاد الأوروبي في مقدمة الأجندة الانتخابية لأي طرف. والآن الحديث المبهم عقب الانتخابات عن إحياء المفاوضات الخاصة بالاتحاد الأوروبي يحتاج لدعم من خلال التزامات أوسع وأكثر عمقا، وليس إجراء بيروقراطيا بتحويل شؤون الاتحاد الأوروبي - التي كان ينسقها حتى وقت قريب وزير دولة - إلى وزارة جديدة مختصة بشؤون الاتحاد الأوروبي

وثمة طريق واحد للقيام بذلك بصورة عاجلة وهو تنفيذ «البروتوكول الإضافي»، أي تنفيذ التزام الاتحاد الجمركي الذي يعود لعام 2005 بفتح الموانئ والمطارات أمام سفن قبرص اليونانية. وسيساعد ذلك على فتح ثمانية فصول تفاوض تركية خاصة بالاتحاد الأوروبي وبعث الحياة في عملية الاتحاد الأوروبي التي دخلت في غيبوبة. كما سيمثل ذلك خطوة مهمة في تطبيع العلاقات مع القبارصة اليونانيين. صحيح أن دول الاتحاد الأوروبي يجب أن تبذل المزيد لتشجيع تركيا، ولكن عدم قيامهم بمهمتهم يجب ألا يوقف تركيا عن اتخاذ إجراءات لإزالة عوائق في طريقها

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.