تكعيب​ ​الدائرة:​ ​الاصلاح​ ​الامنى​ ​الفلسطينى​ ​في​ ​ظل​ ​الاحتلال
تكعيب​ ​الدائرة:​ ​الاصلاح​ ​الامنى​ ​الفلسطينى​ ​في​ ​ظل​ ​الاحتلال
The Double Standards Debate at the UN
The Double Standards Debate at the UN
Op-Ed / Middle East & North Africa 4 minutes

تكعيب​ ​الدائرة:​ ​الاصلاح​ ​الامنى​ ​الفلسطينى​ ​في​ ​ظل​ ​الاحتلال

الاصلاح الامنى فى الضفة الغربية يعد من اهم انجازات السلطة الوطنية في رام الله ولكن ايضا من اخطر نقاط ضعفها في آن واحد. التدمير الذى لحق بالسلطة واجهزتها الامنية خلال انتفاضة الاقصى اطاح بقدرة الفلسطينيين على مباشرة شئون الحكم ولم يتم احتواء الفوضى والفلتان الامنى الا بعد تعيين سلام فياض رئيسا للوزراء فى عام 2007. من هذه الزاوية وجدت خطته الامنية القبول لدى معظم الفلسطينيين. ولكن على الجانب الاخر يبدو ان النظام العام الذى  توفره الاجهزة الامنية في السلطة الوطنية الفلسطينية له نكهة خاصة حيث ان حماس والفصائل الاسلامية الاخرى ليس لها  دور فيه، ونقد سياسات الحكومة يواجه بقيود حادة بينما يظل المواطن الفلسطينى عاجزا عن مواجهة الجيش الاسرائيلى من جهة وتعديات المستوطنين من الجهة الاخرى. بالطبع يمكن معالجة بعض نقاط الضعف فى اداء الاجهزة الامنية هنا وهناك ولكن تبقى الحقيقة والمعضلة الاكبر وهي انه بدون تقدم حقيقى وملموس نحو انهاء  الاحتلال والسمو فوق الخلافات الفلسطينيةـ الفلسطينية فان شرعية السلطة الوطنية والتى هى ضعيفة فى الاساس سوف تتآكل وبمرور الوقت سينفذ صبر الناس وبالتالي سيصبح من العسير المحافظة على استمرارية عملية الاصلاح

  لقد استطاعت السلطة الوطنية في الاعوام القليلة الماضية ان تستعيد النظام وتوفر الى حد كبير الاحساس بالامن الفردي في الضفة الغربية وهو امر كان صعبا تصوره خلال الانتفاضة وحالة الفوضى والفلتان الامني التي اعقبتها. وتمكنت السلطة في الوقت نفسه من ان استرداد احتكار مركز الحكم في رام الله لاستخدام السلاح ـ الفلسطينى على الاقل ـ وذلك من خلال مصادرة اسلحة الميليشيات وتهميش العشائرية، وهو ما يعد حجر الزاوية فى اجندة سلام فياض لبناء الدولة وهدفها الاساسى. ان الاصلاح الامنى يعتمد على اصلاحات هيكلية هامة يجب التنويه اليها مثل القدرة على تقليل العمالة الزائدة واعطاء المزيد من الدعم للرقابة المدنية على اداء الاجهزة الامنية والتى استطاعت من خلال حرفيتها ان تكسب المؤسسة العسكرية الاسرائيلية الى صفها، بالرغم من استمرار الاخيرة فى شكوكها حول النوايا الحقيقية للاجهزة الامنية الفلسطسينية، وتضمن مساندة الولايات المتحدة واوروبا لها. ولكن في المقابل ادت هذه المساندة، وتصدرها من قبل شخص مثل المنسق الامني الامريكي الجنرال كيث دايتون الى اثارة الاتهام، بالذات من قبل حركة حماس و اخرون من داخل حركة فتح نفسها بان اجندة السلطة الوطنية الامنية هي بالاساس اجندة خارجية

  هذا الاتهام الى جانب مظاهر اخرى من عدم الرضا على السلطة الوطنية لا ينبع فقط من وجود هذا او ذاك الجنرال الامريكي وانما يبدو ان مصدره عوامل اكثر تعقيدا اولها التنسيق الامنى الاسرائيلى الفلسطينى. هذا التنسيق الذي التزم به الفلسطينيون منذ البدء في اتفاقاتهم مع الجانب الاسرائيلى، اى انه ليس من ابتكار الحكومة  الحالية بالرغم من انه يمكن القول انه وصل الى ذروته فى عهدها ولكن مع الاخذ في الاعتبار ان الاجهزة الامنية لا تزال تعمل تحت معوقات شديدة تفرضها عليها اسرائيل، مما يجعلها غير قادرة على حماية المواطنين من عنف المستوطنين ويوجب عليها ترك الميدان خاليا اثناء الاقتحامات الاسرا ئيلية المتكررة لمدن الضفة الغربية. ان المشكلة هنا تتعدى الاجهزة الامنية حيث ان الفلسطينيون بوجه عام يشعرون بالسخط والغضب وهم يرون تعاون حكومتهم الوثيق مع محتليهم في اى مجال. ترد رام الله على لسان حال سلام فياض بان عمل الحكومة جنبا الى جنب مع اسرائيل يُمكن الفلسطينيون من كسب ثقة المجتمع الدولى وتفنيد اعتراضات اسرائيل على فكرة اقامة الدولة بما يساعد بقدر كبير على تمهيد الطريق نحو الاستقلال، قد يكون هذا صحيحا ولكنه يصبح رايا اكثر اقناعا لو انه توجد بين يدينا عملية سلمية تبشر باي نجاح وهو امر لا ينطبق على المفاوضات المباشرة الحالية كما يراها معظم الفلسطينيون 

     العامل الثانى الذى يؤدى الى عدم الرضا عن السلطة الوطنية بوجه عام وعن اجهزتها الامنية بوجه خاص هو سلوك تلك الاجهزة والذى يثير العديد من التساؤلات حول مدى التزام حكومة رام الله بمبدأ التعددية السياسية فى ظل الحملة غير المسبوقة ضد حركة حماس تحديدا وكذلك القيود التى تفرضها احيانا على عناصر المعارضة الاخرى وطنية كانت ام اسلامية.  بعد استيلاء حماس على غزة عام 2007 ساد اعتقاد فى رام الله ان التضييق على حركة المقاومة الاسلامية فى الضفة الغربية ضروري للاحتفاظ بالسلطة الوطنية هناك. الان وبعد مضى ثلاث سنوات تظل حماس الهدف الاول لدى اجهزة السلطة الامنية بالرغم من ان قدرتها العسكرية فى الضفة قد تم تحييدها الى حد كبير. قد يكون التزام حماس بالمقاومة المسلحة ومعارضة السلطة لها، حاليا على الاقل، من احد اسباب توسيع دائرة القمع عليها لتشمل ليس فقط جناحها العسكرى بل ايضا انشطتها السياسية والاجتماعية الاخرى. والى جانب هذا طالت يد الحكومة الثقيلة قطاع عريض من المعارضة التى لا تتعاطف ولا تتقاطع مع اجندة حماس الاسلامية بما يسىء الى السلطة ويطعن فى وطنيتها ويدمر فرص المصالحة ويؤدى الى التساؤل من قبل محللين فلسطينيين ودوليين حول طبيعة الدولة والمجتمع الذى يجرى بناءهما الان فى رام الله وفي انحاء الضفة الغربية

هناك العديد من الاجراءات التى يمكن اتخاذها لتصحيح الاوضاع على المدى القصير فمثلا يتعين على اسرائيل ان تسمح للاجهزة الامنية ان تعمل بشكل اوسع فى الضفة الغربية وان تحد من اقتحاماتها لمدنها وان تتخذ مواقف اكثر صرامة ضد عنف المستوطنين. ومن ناحيتها يجب على السلطة الوطنية ان تعمق احترامها لحقوق الانسان ولمعارضيها وان تسمح لحماس ان تمارس نشاطها كحزب سياسى وان تمتنع عن اغلاق منظماتها المدنية. واما الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبى فعليهما ان يصمما على احترام مبادئ حقوق الانسان من قبل اسرائيل والسلطة الوطنية على حد سواء ويضمنا ان عملية الاصلاح القضائى تلحق بالاصلاح الامنى من اجل توفير درجة ارفع من الحماية للحريات الخاصة والعامة

  هذه الاجراءات بالطبع لن تحل المعضلات الجوهرية التى تجابه عملية الاصلاح الامنى فى الضفة الغربية والسلطة الوطنية بشكل عام بل ويمكن القول انه فى الوقت الحالى قد يراها العديد من الفلسطينيون وكانها تهدف الى تجميل وجه الاحتلال وليس انهاؤه والالتفاف حول حقيقة تعاون الاجهزة الامنية مع هؤلاء الذين يجب على تلك الاجهزة ان تقاومهم. بدون عملية سلام ذات مصداقية وعملية مصالحة فلسطينية داخلية حقيقية فسيظل الفلسطينيون منهمكون فى محاولاتهم اليائسة لتكعيب الدائرة: محاولة بناء دولة تحت الاحتلال، محاولة تعميق التعاون مع المحتل فى المجال الامنى ومقاومته فى المجالات الاخرى ومحاولة الوصول الى السلام مع عدوهم التاريخى بينما هم غير قادرون على تحقيق السلام بين بعضهم البعض

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.