الضــفـــــة الغـربـيــــة أولاً لن تنجح
الضــفـــــة الغـربـيــــة أولاً لن تنجح
The Double Standards Debate at the UN
The Double Standards Debate at the UN
Op-Ed / Middle East & North Africa 3 minutes

الضــفـــــة الغـربـيــــة أولاً لن تنجح

بعدما توهّمت إدارة بوش أنّ بإمكانها المساعدة على عزل "حماس" وهزمها، تقترب الآن إلى درجة خطيرة من تبنّي وهم آخر: ماتت غزّة، فلتحيَ الضفة الغربية. تبدو هذه المقاربة مقنعة. إغراق الضفة الغربية بالأموال، تعزيز قوّات "فتح" الأمنية وخلق عملية تفاوضية ذات معنى. وهكذا فإنّ الشعب الفلسطيني الذي سوف ينجذب إلى الضفة الغربية التي هي في طور التعافي وينفر من كابوس غزّة التي يجري إفقارها، سيتحلّق حول الأكثر براغماتية بين الفلسطينيين

لكنّ هذه النظرية تأخّرت بضع سنوات، والعديد من خطواتها بعيد عن الواقع. كان ينبغي على الولايات المتّحدة أن تساعد الرئيس محمود عباس عام 2005 عندما فاز بالمنصب في انتصار ساحق، وبرز قائد الفلسطينيين بلا منازع، وكان في موقع يخوّله إقناع شعبه بتقديم تنازلات صعبة. أمّا الآن فعدد كبير جداً من الفلسطينيين يتحدّون سلطة عباس، وهو أقل قدرة بكثير على تأمين إجماع حول أيّ قرار مهم

لكنّ المشكلة الأكبر في هذه النظرية هي افتقارها إلى الأساس الصحيح. فهي تنطلق من مفهوم أنّ "فتح" تسيطر على الضفة الغربية. غير أنّ الضفة الغربية ليست غزّة معكوسة. خلافاً لغزة، وجود إسرائيل في الضفة الغربية طاغٍ، وخلافاً لـ"حماس"، لم تعد "فتح" حركة متماسكة إيديولوجياً أو تنظيمياً. فوراء الاسم هناك مجموعة كبيرة من الفروع والإقطاعات والمصالح الشخصية. "كتائب شهداء الأقصى"، أي الميليشيات العصيّة التابعة لـ"فتح"، هي التي شنّت معظم الهجمات على إسرائيل منذ الانتخابات، على الرغم من دعوات عبّاس المتكرّرة لها كي توقف هجماتها

من هذا المنطلق، لماذا ستوافق إسرائيل على الحدّ في شكل ملموس من القيود الأمنية؟ كما تعتمد مقاربة "الضفة الغربية أولاً" على مفهوم أنّ عبّاس - أو أي قائد فلسطيني آخر - يستطيع التركيز على الضفة الغربية على حساب غزّة. هناك غضب عارم في أوساط الفلسطينيين. لكن عندما ينقشع الغبار، سيرغب عباس في أن يُعتبَر رئيساً لجميع الفلسطينيين وليس فقط لفئة جغرافية أو سياسية محدّدة. من شأن قبوله أموالاً يمكن إنفاقها فقط في الضفة الغربية، أو تعاطياً دولياً يستثني غزّة، أن يقوّض إلى حدّ كبير مكانته كرمز للأمّة الفلسطينية

أخيراً، تفترض النظرية أنّه ليس لحركة "حماس" تأثير كبير في الضفة الغربية. ربّما تملك "فتح" عدداً أكبر من الأسلحة، لكنّ "حماس" تحتفظ بدعم سياسي كبير. والأهمّ من ذلك، يتطلّب شنّ هجمات على إسرائيل عدداً قليلاً من المقاتلين، كما أنّ القليل من هذه الهجمات كافٍ للتسبّب بردّ عسكري إسرائيلي. إذا تأكّدت "حماس" من أنّ هناك مسعى لخنق سيطرتها، فعلى الأرجح أنّها ستستأنف العنف ضدّ إسرائيل - إما مباشرةً أو من خلال إحدى المجموعات المقاتلة الكثيرة، ومن بينها فروع "فتح". لن يكون هناك نقص في المقاتلين الغاضبين من تعاطي قادة "فتح" مع إسرائيل أو المتعطّشين للمال. وإذا اندلع العنف، فسيتداعى الأمل بتحقيق تقدّم في الضفة الغربية

منذ انتخاب "حماس" في مطلع 2006، تصرّفت الولايات المتّحدة وحلفاؤها وكأنّ عزل الحركة الإسلامية يلغي انتصارها، ودعم "فتح" سياسياً وعسكرياً يسمح بالتعجيل في بلوغ تلك النتيجة. والفشل الذريع لتلك السياسة واضح. لكن وعلى الرغم من أنّهم شهدوا على عواقب تلك الأساطير، يسارعون إلى تبنّي غيرها. ستؤدّي الجهود الآيلة إلى تعميق الانقسام بين "حماس" و"فتح" أو بين غزة والضفة الغربية إلى تفاقم الكارثة لأنّه لا يمكن أن يكون هناك أمن، فكم بالأحرى عملية سلام من دون الحد الأدنى من الوحدة والإجماع الفلسطينيَّين. ينبغي على الولايات المتحدة وسواها أن تدعم عباس وتشجّع التقدّم في الضفة الغربية، إنّما بذكاء. سيؤدّي التلويح بالعصي لغزة وبالجزر للضفة الغربية إلى تقسيم الفلسطينيين ودفع سكّان غزة نحو الراديكالية وتفشّي العنف لدى أولئك الذين يتمّ التخلّي عنهم وفقدان من تدعمهم الولايات المتّحدة صدقيتهم

لم يعد تقسيم فلسطين جغرافياً، تماماً كتقسيم الفلسطينيين سياسياً، وصفة للنجاح. لا ننخدعنّ بخطاب عباس. سيُرغَم عاجلاً أم آجلاً على السير في اتفاقات جديدة لتقاسم السلطة بين "حماس" و"فتح" وإعادة توحيد الفلسطينيين. بينما تسعى الولايات المتّحدة وسواها إلى تمكينه، يجب أن تدفع في اتجاه وقف شامل للنار بين الإسرائيليين والفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، ما يتطلّب التعامل - بصورة غير مباشرة على الأقلّ - مع عناصر من "حماس". يجب أن تقاوم هذه البلدان الرغبة في عزل غزّة وتهتمّ بحاجات سكّانها. وفي حال تمّ إنشاء حكومة وحدة وطنية، يجدر بها أن ترحّب هذه المرّة بالنتيجة وتتّخذ خطوات لدعمها. عندئذٍ فقط يصبح هناك أمل بأن تنجح الجهود الهادفة إلى إطلاق مفاوضات سياسية ذات صدقية بين عباس ونظيره الإسرائيلي حول حل الدولتين

المرادف الديبلوماسي للوصفة الطبّية هو عدم إلحاق الأذى. منذ انتصار "حماس" في الانتخابات، ساعدت السياسة الأميركية على تعزيز القوى الراديكالية وشلّ المؤسّسات الفلسطينية وتقويض الإيمان بالديموقراطية وإضعاف عباس وإعادة عملية السلام إلى الوراء. لماذا نسعى وراء المزيد من الشيء نفسه؟

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.