على روسيا أن تمضي إلى أبعد من الممرات الإنسانية في سورية
على روسيا أن تمضي إلى أبعد من الممرات الإنسانية في سورية
A United Nations and the Syrian Arab Red Crescent (SARC) convoy delivering aid packages in the rebel-held town of Nashabiyah in Eastern Ghouta for the first time in five years, on 30 July 2017. AFP/Amer Almohibany
Commentary / Middle East & North Africa 3 minutes

على روسيا أن تمضي إلى أبعد من الممرات الإنسانية في سورية

من غير المرجح أن ينجح المقترح الروسي بإقامة ممرات إنسانية للغوطة الشرقية ومخيم الركبان في تخفيف المعاناة عن الناس هناك. بدلاً من ذلك، على موسكو أن تدفع باتجاه تسوية تفاوضية للغوطة الشرقية من خلال قرار مجلس الأمن رقم 2401 وتأمين وصول الوكالات العاملة في الشأن الإنساني بشكل عادي إلى مخيم الركبان، وبذلك تعزز مصداقيتها كوسيط.

لقد عانى المدنيون السوريون كثيراً خلال الصراع الدائر في البلاد منذ سبع سنوات. الآن، ومع تحضيرات الحكومة السورية وحلفاءها لاستعادة الغوطة الشرقية في ريف دمشق، سيجد مئات الآلاف منهم أنفسهم في خط النار مرة أخرى. إن الممرات الإنسانية التي أعلن عنها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو للغوطة الشرقية، والتي اقترح إقامتها لمخيم الركبان على الحدود مع الأردن شرقاً، من غير المرجح أن تخفف كثيراً من معاناتهم.

من المؤكد أن أي وسيلة تمكّن المدنيين من النجاة بشكل آمن وطوعي من العنف في الغوطة الشرقية المحاصرة تعد إيجابية ومرحباً بها. إلا أن الممر الذي أعلن عنه بشكل أحادي من قبل روسيا والحكومة السورية عبر مخيم الوافدين يفتقر إلى ذلك النوع من الضمانات التي من شأنها أن تسمح لسكان الغوطة البالغ عددهم نحو 400,000 نسمة باستخدامه، أو للأطراف المعنية الأخرى، بما فيها الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بإقراره.

أولاً، ينبغي أن يكون بوسع السكان الوصول إلى الممر دون الخوف من أن يتم استهدافهم على الطريق. كما أن وقف إطلاق النار اليومي الذي يستمر لمدة خمس ساعات، والذي لا يزال يتخلله قصف متقطع، يشكل نافذة ضيقة للغاية. لقد ولّدت التجارب السابقة لحالات وقف إطلاق النار في سورية شعوراً عميقاً بعدم الثقة. سيستغرق الأمر بعض الوقت دون حدوث أية انتهاكات كي يثق الناس بأن هذه الحالة مختلفة. كما أن هذه النوافذ التي تدوم كل منها خمس ساعات لا ترقى إلى وقف الأعمال القتالية والفسحة الإنسانية المستمرة التي طالب بها قرار مجلس الأمن رقم 2401، والذي دعمته روسيا.

بدلاً من أن يكون وسيلة لإنقاذ الحياة، فإن الممر قد يشكل غطاءً للمزيد من التصعيد العسكري.

كما أن لدى الناس في الغوطة الشرقية مخاوف عميقة مما قد يحدث لهم عند وصولهم إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. تعد الخدمة العسكرية الإلزامية لأفراد الأسرة الذكور مصدراً للقلق بصرف النظر عن التوجهات السياسية. كما يشكل احتمال الانتقام من قبل الأجهزة الأمنية الحكومية تهديداً لأي شخص له – أو لأي من أقاربه – خلفية معارضة للنظام. في الغوطة الشرقية، قد يشمل هذا الجميع تقريباً.

وهكذا، فبالنسبة لمعظم الناس، لا تشكل العودة غير المشروطة إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة خياراً آمناً أو واقعياً، بدليل الأعداد الضئيلة جداً للأشخاص الذين غادروا حتى الآن. لقد زعمت وسائل الإعلام الحكومية أن المجموعات المسلحة تمنع الناس من المغادرة، وتحتفظ بهم كدروع بشرية أو لغايات عملية مختلفة. من المستحيل التحقق من مثل تلك الروايات، لكن دون ضمانات ذات مصداقية، ليس هناك حاجة لأي فعل قسري لمنع الناس من المغادرة.

بدلاً من أن يكون وسيلة لإنقاذ الحياة، فإن الممر قد يشكل غطاءً للمزيد من التصعيد العسكري. وبمرور الوقت، ستزداد قوة الحجة القائلة بأن أولئك الموجودين في الداخل إما متواطئون مع المسلحين، أو محتجزون من قبلهم، ما يعني ضمناً أن لا القوات الحكومية ولا حلفاءها الروس يتحملون المسؤولية عن ضحايا القصف الذي يستهدف المنطقة المكتظة بالسكان دون تمييز.

إن الغوطة الشرقية تتطلب تسوية تفاوضية، وليس انتصاراً عسكرياً سيكون كارثياً – بالنسبة لسكان الغوطة أولاً وقبل كل شيء، لكن أيضاً لمستقبل سورية. لا يمكن سحق مئات آلاف الناس عسكرياً ومن ثم إدماجهم بشكل ناجح في المجتمع السوري والدولة السورية. إن بديلاً غير عنيف ممكن: لقد تفاوضت روسيا مع الفصائل غير الجهادية في المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية في الماضي. بالنسبة لموسكو، يشكل هؤلاء محاورين معروفين يمكن التوصل إلى اتفاق معهم.

ينبغي على روسيا العمل للحصول على موافقة دمشق على توفير ما سيشكل شريان حياة إنساني حيوي لهذه المجموعة من الناس – وهي مجموعة فشلت الولايات المتحدة والأردن غالباً في مساعدتها عبر الحدود الأردنية – بدلاً من الإعلان عن ممر غير ضروري للإخلاء.

وضع مخيم الركبان مختلف. بالنظر إلى عدم وجود قتال في المنطقة، يمكن للسكان مغادرة المنطقة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة حول قاعدة التنف العسكرية والعودة إلى بيوتهم، دون الحاجة إلى ممرات. لكن المشكلة هي أن هذه البيوت غير آمنة. في العام الماضي، عاد المئات من سكان الركبان إلى بلدة القريتين في حمص، ما لبث أن قام تنظيم الدولة الإسلامية باجتياح البلدة وذبح مدنييها. معظم الذين يسكنون مخيم الركبان حالياً هم من البادية السورية ومن المنطقة الشرقية، وهي مناطق هزم فيها تنظيم الدولة الإسلامية لكن لم يتم تأمينها بشكل كافٍ بعد. كما أنهم سيكونون بحاجة إلى توضيحات تتعلق بوضعهم القانوني عندما يعودون إلى المناطق التي تسيطر عليها الدولة.

في هذه الأثناء، ينبغي فعل المزيد لإيصال المساعدات الإنسانية. يشكل إيصال المساعدات عبر خطوط التماس من دمشق تحديات خاصة، بما في ذلك التنسيق مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من خلال قنوات منع التصادم ومع الميليشيات التي تدعمها الولايات المتحدة داخل منطقة التنف. رغم ذلك، ينبغي على روسيا العمل للحصول على موافقة دمشق على توفير ما سيشكل شريان حياة إنساني حيوي لهذه المجموعة من الناس – وهي مجموعة فشلت الولايات المتحدة والأردن غالباً في مساعدتها عبر الحدود الأردنية – بدلاً من الإعلان عن ممر غير ضروري للإخلاء.

إن الممرات الإنسانية كما تقترحها روسيا لا توفر حلولاً لا للغوطة الشرقية ولا لمخيم الركبان. إلا أن المنطقتين توفران فرصاً تمكن روسيا من العمل لتحقيق شيء يحقق الاستقرار وينقذ حياة الناس فعلاً، إذا كانت روسيا مستعدة لإقناع حليفها في دمشق بذلك. إن الدفع نحو التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2401، الذي من شأنه أن يوفر فرصة للتوصل إلى تسوية تفاوضية في الغوطة الشرقية، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى مخيم الركبان من شأنه أن يعزز بشكل كبير مصداقية روسيا كوسيط في سورية كما يسهم في القضية الحاسمة المتمثلة في توفير المزيد من سفك الدماء.

This article was also published by the Valdai Discussion Club.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.