Statement / Middle East & North Africa 4 minutes

بيان بشأن سورية

على فرض أن الكونغرس الأميركي خوّل الرئيس أوباما بشن ضربات عسكرية ضد أهداف تتعلق بالنظام السوري، فإن واشنطن (ومعها بعض الحلفاء) ستنفذ هذه الضربات قريباً. إذا فعلت ذلك، فإنها ستكون قد فعلته لأسباب لا علاقة لها بمصالح الشعب السوري. ذكرت الإدارة الأميركية في سياق مبرراتها الحاجة إلى المعاقبة على استعمال الأسلحة الكيميائية، وردع الذين يفكرون باستعمالها ومنع هذا الاستعمال، وهو هدف يمكن الدفاع عنه، رغم أن السوريين تعرّضوا لفظاعات أكثر فتكاً خلال هذا الصراع دون أن يدفع ذلك إلى قدر كبير من العمل الجماعي للدفاع عنهم. تشير الإدارة إلى الحاجة إلى حماية مصداقية واشنطن، بالنظر إلى أن الرئيس أوباما كان قد جعل من استعمال الأسلحة الكيميائية "خطاً أحمر"، وهو أيضاً هدف مفهوم رغم أنه من غير المرجح أن يلقى صدى لدى السوريين. بصرف النظر عن الحديث عن الغضب، والردع واستعادة مصداقية الولايات المتحدة، ينبغي أن تعطى الأولوية لسلامة ورفاه الشعب السوري. وسواء صدر الأمر بتوجيه الضربات العسكرية أو لا، فإن هذه الأولوية يمكن أن تتحقق فقط من خلال فرض وقف إطلاق نار دائم والشروع في عملية انتقال سياسية مقبولة على نطاق واسع.

إن قياس الأثر الذي سيحدثه الهجوم الأميركي، وبصرف النظر عن نطاقه والجهود المبذولة لمعايرته بعناية، يشكل من حيث التعريف مهمة عبثية؛ ففي صراع استقر على نمط مهلك، رغم أنه مألوف، وفي منطقة تقترب من نقطة الغليان، فإنه سيخلق قدراً كبيراً من عدم اليقين.

من شبه المؤكد أنه من غير الممكن التنبؤ بالتبعات. رغم ذلك، يمكن وضع بعض الملاحظات حول ما يمكن لهذه الضربة أن تحققه أو لا تحققه:

  • لن تحظى مثل هذه الضربة العسكرية، ولا يمكن أن تحظى، بالحد الأدنى من الإجماع الدولي؛ وفي هذا السياق، فإن محاولة الحصول على أدلة دامغة على استعمال النظام للأسلحة الكيميائية، مهما كان ذلك ضرورياً، يعتبر أيضاً عملية غير ذات جدوى. بالنظر إلى الادعاءات الزائفة التي سيقت لتبرير غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، والاستقطاب الإقليمي والدولي، إضافة إلى ديناميكيات الصراع في سورية، فإن الأدلة التي ستقدمها الولايات المتحدة لن تكون كافية لتغيير قناعة الذين لا يصدقونها وستظل الشكوك طاغية.
  • قد تقنع الضربة من يفكر باستعمال الأسلحة الكيميائية في المستقبل بعدم استعمالها وذلك بإرسال تحذيرات بإمكانية استعمال عقوبات أكثر شدة في حالة عدم الارتداع، وهو ما يشكل إنجازاً بحد ذاته. لكن إذا وجد النظام أنه يقاتل من أجل بقائه، فإن هذا الاعتبار لن يكون ذا أهمية تذكر. كما أن عناصر في المعارضة قد تشعر بإغراء استعمال مثل تلك الأسلحة وتحميل مسؤولية ذلك للنظام، بالتحديد من أجل الدفع نحو درجة أكبر من التدخل الأميركي.
  • يمكن أن تؤدي إلى تصعيد عنيف داخل سورية حيث يمكن أن يسعى النظام إلى الانتقام من المتمردين والمناطق الواقعة تحت سيطرتهم، وستسعى المعارضة في الوقت نفسه إلى انتهاز الفرصة لتحقيق مكاسب لها.
  • هناك إمكانية لحدوث تصعيد إقليمي أو دولي (على شكل أفعال انتقامية من قبل النظام، أو إيران أو حزب الله، لا سيما ضد إسرائيل) لكن هذا غير مرجح بالنظر إلى المخاطر التي ستترتب على ذلك، رغم أنه يمكن أن يعتمد على نطاق الضربة.
  • قد لا يكون للعمل العسكري، الذي قالت الولايات المتحدة إنه لن يهدف إلى إحداث انهيار في النظام، أثر دائم على توازن القوى على الأرض. في الواقع فإن النظام قد يسجل نصراً دعائياً بادعاء الصمود أمام الولايات المتحدة وتعبئة الرأي العام المحلي والإقليمي حول الشعارات المناهضة للغرب والإمبريالية.

في المحصلة، فإن السؤال المحوري فيما يتعلق باحتمال توجيه ضربة عسكرية هو ما إذا كان بالإمكان إعادة بعث الحياة  بالجهود الدبلوماسية لتسوية الصراع في أعقاب هذه الضربة. التقديرات الذكية تقول إنها لن تحقق ذلك؛ ففي أعقاب مثل تلك الضربة التي سيدينها النظام وحلفاؤه بوصفها غير قانونية وغير مشروعة، يمكن المجادلة أن هؤلاء لن يكونوا في مزاج تفاوضي، قد يبدو ضبط الولايات المتحدة للضربة بحيث تحدث ما يكفي من الضرر لتغيير حساباتهم لكن دون أن يكون كافياً لدفعهم للانتقام أو إعاقة الجهود الدبلوماسية جذاباً من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فإن من شبه المؤكد أنه لن يكون قابلاً للتحقق.

سواء اختارت الولايات المتحدة شن أو عدم شن هجوم عسكري، فإن مسؤوليتها تقضي أن تحاول تعظيم فرص تحقيق اختراق دبلوماسي. وهذا يتطلب جهداً مزدوجاً لا يزال غائباً حتى الآن يتمثل في صياغة عرض سياسي تسووي وواقعي وكذلك التواصل بشكل حقيقي مع الروس والإيرانيين بطريقة تجعلهم مهتمين بدلاً من الاستثمار في صراع طويل يبدو أنه يتميز بقدرة لا حدود لها على التصعيد.

على هذا الأساس، ينبغي أن تعمل الولايات المتحدة، بشكل جدي وبنّاء، على تقديم مقترح تنظر فيه سورية وحلفاؤها أيضاً بشكل جدي وبنّاء، يستند إلى العناصر الآتية:

  • من الضروري إنهاء هذه الحرب. إن حتمية ما يثيره استمرار هذه الحرب من تصعيد، وعدم استقرار إقليمي واشتباك دولي ليس في مصلحة أحد؛
  • المخرج الوحيد هو مخرج سياسي، وذلك يتطلب تنازلات شاملة وخفض سقف المطالب من جميع الأطراف. إن الحصيلة الوحيدة القابلة للحياة تتمثل في تسوية تحمي مصالح جميع مكونات المجتمع السوري وتعكس التوازن الاستراتيجي الإقليمي بدلاً من تغييره؛
  • تشكّل الأزمة السورية فرصة لاختبار ما إذا كان بوسع الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية العمل معاً على القضايا الإقليمية لاستعادة الاستقرار؛
  • لا يمكن لحل سياسي قابل للحياة أن يتضمن بقاء القيادة الحالية في السلطة إلى أجل غير محدود، لكن بوسع الولايات المتحدة أن تكون مرنة فيما يتعلق بالتوقيت والإجراءات المحددة؛
  • الولايات المتحدة حريصة على تجنب انهيار الدولة السورية ونشوء فراغ سياسي. وهكذا، ينبغي أن يكون الهدف وضع عملية انتقالية تبني على المؤسسات القائمة بدلاً من استبدالها. وينطبق هذا بشكل خاص على الجيش؛
  • ينبغي منح الأولوية لضمان عدم استهداف أي مكوّن من مكونات الشعب السوري بالانتقام، أو التمييز أو التهميش في سياق التسوية التفاوضية.

ينبغي أن يشكل مثل هذا المقترح أساساً لإعادة إحياء جهود الأخضر الإبراهيمي، المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية، وأن تفضي بسرعة إلى عقد مؤتمر جنيف 2.

لقد طغى النقاش الدائر حول الضربة المحتملة، من حيث الحكمة منها، ونطاقها المفضل، وشرعيتها في غياب موافقة مجلس الأمن، على ما ينبغي أن يكون الشاغل الأهم وهو كيفية إعادة إحياء عملية البحث عن تسوية سياسية. بصرف النظر عن النقاشات بشأن قانونية الضربات، فإن أي عمل عسكري محتمل ينبغي أن يُحكم عليه استناداً إلى ما إذا كان يساعد على تحقيق هذا الهدف أو يؤخر تحقيقه.


بروكسل

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.