العراق ضحية من: العنف أم السياسة
العراق ضحية من: العنف أم السياسة
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
Op-Ed / Middle East & North Africa 4 minutes

العراق ضحية من: العنف أم السياسة

في الوقت الذي تتجه فيه كل الأنظار إلى الحرب الأهلية التي بدأت تتكشف في سوريا، كان الخبر الوحيد الذي احتل عناوين الصحف الرئيسية عن ساحة الحرب السابقة في العراق يتعلق بموجة جديدة من العنف، فخلال الأسبوع الماضي لقي أكثر من 100 عراقي حتفهم، كما أصيب مئات آخرون في سلسلة من الهجمات في جميع أنحاء البلاد. وتبنى تنظيم دولة العراق الإسلامية، فرع تنظيم القاعدة في العراق، هذه الهجمات التي وقعت بعد يوم واحد من تحذير زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي مما سيحدث وإعلانه عن شن حملة جديدة أطلق عليها اسم «تدمير الجدران». ويوم الخميس الماضي، دخل المتشددون التابعون لتنظيم دولة العراق الإسلامية في اشتباكات مع قوات الأمن للمرة الأولى منذ سنوات ونجحوا في إسقاط طائرة هليكوبتر. ويبدو أن تنظيم القاعدة، الذي كان قد طرد من معظم المناطق التي كان يسيطر عليها وتلقى ضربة قوية خلال الفترة التي شهدت زيادة عدد القوات الأميركية في العراق عامي 2007 و2008، قد نهض مرة أخرى وبدأ يشن هجماته العسكرية بعد رحيل القوات الأميركية من العراق

وفي الحقيقة، من السهل أن تؤدي موجة العنف التي يشهدها العراق إلى صرف الانتباه عن الأزمة السياسية الأكبر التي يعمل في إطارها تنظيم القاعدة، على الرغم من تقلص إمكاناته، من دون أي عقاب واضح. وعلى الرغم من الأحداث التي شهدها العراق الأسبوع الماضي، فإن مستوى العنف قد بات ثابتا منذ عام 2008 - وهو مستوى مرتفع للغاية بالنسبة لأولئك الذين حوصروا في موجات العنف، ومتدنٍ للغاية لكي يعطينا شعورا عاما بالاستقرار - ومع ذلك هناك تحسن كبير في الوضع مقارنة بالفترة التي اشتد فيها القتال الطائفي منذ عدة سنوات. وكان معدل العنف قد بدأ ينخفض، ولكن تتخلله من وقت لآخر بعض الهجمات الدراماتيكية التي تؤدي إلى سقوط عدد هائل من الضحايا، على الرغم من تراجع مستويات الخسائر الإجمالية 

وتراجعت الميليشيات الشيعية، التي كانت تستهدف القوات الأميركية في الأساس، عن القتال بعد رحيل القوات الأميركية في نهاية العام الماضي، ومن المرجح أن تظل الأطراف التي تتبنى العنف، مثل تنظيم القاعدة، تمارس نشاطها لبعض الوقت، ولكن من دون حدوث أزمة سياسية يكون من السهل السيطرة عليها. ولا تزال قوات الأمن العراقية في المراحل المبكرة من عملية التطوير (بعد تخلص إدارة بوش من الجيش التابع للنظام السابق) كما لا تزال تعاني من نقاط ضعف واضحة للغاية، ولا سيما في عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية والتنسيق والتي قد تؤدي إلى تجنب وقوع تلك الهجمات، فضلا عن عدم قدرتها على كشف المتفجرات عند نقاط التفتيش. (تستخدم قوات الأمن أداة يسخر منها الخبراء والصحافيون الغربيون ويطلقون عليها اسم «عصا الاستنباء» أو «العصا السحرية» لعدم قدرتها على كشف أي شيء). لم يتم بناء روما في يوم واحد، وكذلك لن يتم إعادة بناء العراق أو قواته الأمنية في يوم واحد أيضا، ولكن بصفة عامة فإن هذه القوات قادرة على منع تجدد أعمال العنف الخطيرة 

ما يهم في العراق اليوم ليس أعمال العنف المتفرقة، على الرغم من طبيعتها المدهشة، حيث إن الغياب التام للتوافق الأساسي في الآراء حول الكيفية التي ينبغي بها إدارة البلاد يمكن أن يؤدي إلى تعميق الشقاق واندلاع جولة جديدة من الحرب الأهلية 

وقد اندلعت الأزمة الأخيرة عندما أصدرت السلطة القضائية مذكرة توقيف بحق نائب الرئيس طارق الهاشمي في شهر ديسمبر (كانون الأول)، وهو ما أدى إلى حالة من الاختلاف بينه هو وغيره من زعماء السنة من جهة ورئيس الوزراء نوري المالكي من جهة أخرى، متهمين إياه بالسيطرة على السلطة وتهميشهم. وتدهورت الأمور بشكل حاد منذ ذلك الحين، وبحلول شهر أبريل (نيسان) كان الشركاء السابقون لنوري المالكي في الحكم يدعون علنا للإطاحة به من خلال تصويت لحجب الثقة في البرلمان. وبعد عدة اجتماعات في وقت لاحق، فشل هؤلاء القادة في هدفهم وبقي المالكي في منصبه ولم يكن لخصومه استراتيجية واضحة لمساءلته أو التخلص منه بالوسائل والسبل الديمقراطية. ومع ذلك، لم ييأس هؤلاء القادة ولا تزال المواجهة مستمرة، وإن كان هناك احتمال لحل هذه الأزمة خلال وقت قريب 

ربما يكون المالكي قد كسب هذه الجولة - أو نجا منها - ولكن الشيء المؤكد هو أن الشعب العراقي بأكمله قد خسر، حيث إن المأزق السياسي يعوق مواصلة الحكم. ومن المقرر أن تعقد الانتخابات العامة بعد عامين من الآن، ولكن في ظل الأزمة السياسية الحالية في بغداد بدأت الحملة الانتخابية فعليا. ولا يوجد دور يذكر للبرلمان، الذي يتم تمثيل خصوم المالكي فيه بشكل كبير، كما أن سجله في مجال التشريع مخيب للآمال، علاوة على أنه يواجه الآن مهمة صعبة في تمرير القوانين المحورية بسرعة، بما في ذلك القوانين الخاصة بالانتخابات المحلية والبرلمانية، فضلا عن تنظيم الأحزاب السياسية في حال انعقاد الانتخابات المقبلة بنجاح وفي الوقت المحدد 

وفي الوقت الذي يحتاج فيه العراق إلى إعادة البناء والإعمار، نجد أن السياسيين العراقيين يعبثون ولا يبالون بما يحدث في الوقت الذي يتأجج فيه الصراع، إنهم خبراء في التكتيك وأساتذة في فن البقاء على قيد الحياة السياسية، ولكنهم لا يملكون أي رؤية لمستقبل بلادهم، علاوة على أنهم عاجزون عن وضع استراتيجية قادرة على ترجمة الهدوء الحالي إلى تقدم اقتصادي وتوزيع الثروة النفطية الهائلة التي تملكها البلاد على مواطنيها بشكل عادل 

وفي ظل هذه الأحوال غير المرضية، تنذر الأزمة السورية بتفاقم التوترات السياسية في العراق وتأجج الصراع الطائفي. فبمجرد سقوط نظام الأسد القائم على الأقلية العلوية، سوف يصعد السنة إلى السلطة ويعملون على تمكين السنة في العراق الذين يشعرون بالتهميش منذ عام 2003. إن التصور الشيعي بوجود تحالف سني وشيك بين دول الخليج العربي وتركيا والنظام الجديد في سوريا ضد ما تبقى من معاقل الشيعة في إيران والعراق - مع وجود نية للإطاحة بالمالكي لتوجيه ضربة أخرى للنفوذ الإيراني في المنطقة - يزيد من الاستقطاب الطائفي في العراق. وهذه هي أكثر بيئة خصبة ومثالية لنمو الجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة الذي سيجد سهولة أكبر في تجنيد عناصر في مناطق السنة التي يسودها إحساس عميق بالإحباط والظلم، ولكن يوجد بها أيضا أمل جديد من وحي الأحداث الجارية في سوريا بأن الرياح عادت من جديد لتسير في صالحهم 

وإذا ما كان العراقيون يرغبون في تجنب الانزلاق نحو حرب أهلية، يقودها تنظيم القاعدة مرة أخرى وتشعلها الأحداث الجارية في سوريا، يتعين عليهم ترتيب الأوضاع من الداخل بأقصى سرعة، ولن يتم ذلك سوى عن طريق استعادة التوافق الأساسي حول كيفية إدارة البلاد ووضع استراتيجية عملية لتقاسم السلطة كما كان مقررا قبل عامين، لأن هذا هو السبيل الوحيد لاحتواء الجهات التي تتبنى العنف والقضاء عليها في نهاية المطاف وبدء التحرك نحو حكم أكثر فعالية 

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.