العراق والتظاهر بإحكام السيطرة
العراق والتظاهر بإحكام السيطرة
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
Op-Ed / Middle East & North Africa 2 minutes

العراق والتظاهر بإحكام السيطرة

عندما قامت الولايات المتحدة بغزو العراق عام 2003، كانت مفعمة بالثقة بالنفس الناجمة عن الاعتقاد بأن دولة جديدة وديمقراطية ستنهض وتزدهر حالما يسقط صدام حسين. بعد تسع سنوات، بتنا نعرف إلى أي حد كان ذلك التفاؤل زائفا وفي غير محله. إن مستقبل العراق لن تتحكم به واشنطن، بل القوى الطائفية التي أُطلقت من عقالها بعد الغزو

كانت الولايات المتحدة تسعى، من خلال غزوها للعراق، إلى التوصل إلى صفحة بيضاء يمكن أن تنشئ عليها دولة جديدة، صديقة لمصالح الولايات المتحدة، وتشكل منطقة عازلة يمكن الركون إليها ضد إيران، وفردوسا استثماريا خصوصا في قطاع الطاقة، وتأهيلها لإحداث أثر الدومينو في جميع البلدان المجاورة لها، التي تتميز بأنظمة حكمها الأحادية. إلا أن تجاهل وعدم فهم طبيعة المجتمع العراقي، بانقساماته العميقة، ومظالمه المكبوتة، وثقافة قيادة سياسية ترسخت فيه بحكم عقود من الحكم الاستبدادي، كل ذلك جعل إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش تحقق شيئا مختلفا تماما

لقد أوجدت فراغا سياسيا وأمنيا وإداريا ملأته الميليشيات بأجندات متنافسة وملأه سياسيون كانوا في المنفى وهم موضع استياء وعدم ثقة من العراقيين العاديين. وأطلقت قوى اجتماعية متعارضة ولّدت استقطابا عرقيا وطائفيا مفرطا وحربا أهلية. وبعد أن قامت أخيرا باتخاذ إجراءات للحد من العنف، فإنها أسست نظاما سياسيا جمع كل اللاعبين السياسيين حول الطاولة في حكومة وحدة وطنية عاجزة، بالكاد تستطيع أن ترى أبعد من المصالح الحزبية الخاصة لكل مجموعة عضو فيها وتميزت بما يفرق هذه المجموعات أكثر مما يجمعها؛ وفي المحصلة فشلت في الحكم

صحيح أن إدارة بوش أزاحت نظاما بشعا ونظمت انتخابات حرة نسبيا. وكثير من العراقيين يشكرونها على هذين الإنجازين، لكنهم يتمنون لو أنها لم ترتكب كل تلك الأخطاء التي جعلت حياتهم بائسة ومزرية، حيث بات انعدام الأمن حالة مستوطنة، وبات التزود بالطاقة غير مضمون، وتفاقمت العلاقات بين الطوائف بشكل حاد، وأقيمت حكومة مركزية لا تستجيب لاحتياجاتهم

بعد بضع سنوات من إدارة الشؤون العراقية بطريقة حيادية وعشوائية، قرر بوش وضع حد زمني للوجود العسكري الأميركي. أرسل دبلوماسييه للتفاوض على اتفاقية لسحب القوات، نفذها سلفه باراك أوباما حرفيا، حيث كان قد بنى حملته الانتخابية على أساس معاد للحرب، وكان حريصا على رفع الضغوط الهائلة التي سببتها حرب العراق على الميزانية الأميركية والجيش الأميركي

وبصرف النظر عن الآمال الأصلية التي علقتها الولايات المتحدة على إمكانية نشوء ديمقراطية مزدهرة، من الواضح - الآن وقد عاد آخر الجنود الأميركيين إلى بلادهم - أن أفضل ما كان يمكن أن تتوقعه واقعيا هو شيء أقل من ذلك بكثير، ويتمثل في عراق دون هوية موحدة، مدفوعا بعملية سياسية مشحونة أنتجت استقرارا هشا يمكن أن يتداعى في أي لحظة

ظهرت العلامات الأولى على ذلك في اللحظة التي أغلق فيها آخر الجنود المغادرين الباب على هذه المغامرة المجنونة في أواخر ديسمبر (كانون الأول). في حركة استباقية ضد خصومه - وأيضا ضد شركائه في الحكومة - اتهم رئيس الوزراء الإسلامي الشيعي نوري المالكي نائب الرئيس الإسلامي السني طارق الهاشمي بالقيام بعمليات اغتيال كجزء من مؤامرة ضد النظام الجديد. مع هروب الهاشمي ونائب رئيس الوزراء السني العلماني صالح المطلك إلى ملاذ آمن في الشمال الكردي، فإن ما يسمى حكومة الوحدة الوطنية بدأت بالتداعي وبالكاد يربطها الآن خيط رفيع

قُبيل أعياد الميلاد، دفعت إدارة أوباما بأكبر مسؤوليها إلى بغداد - مدير المخابرات المركزية الأميركية ديفيد بترايوس والجنرال ديفيد أوديرنو، وكلاهما قائد سابق للقوات الأميركية في العراق - لتهدئة الأوضاع وإعادة السياسيين إلى الطاولة. إلا أن نفوذ الولايات المتحدة تراجع كثيرا، وقد بات من الواضح بجلاء أن مستقبل العراق لن يحدده ما تفعله واشنطن بقدر ما تفعله القوى العرقية والطائفية التي أطلقتها من عقالها في اندفاعتها المتهورة وغير المحسوبة إلى المجهول قبل تسع سنوات تقريبا

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.