آليات المعونة الأميركية تقوّض مهنية البيشمركة
آليات المعونة الأميركية تقوّض مهنية البيشمركة
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
Op-Ed / Middle East & North Africa 4 minutes

آليات المعونة الأميركية تقوّض مهنية البيشمركة

تعتقد واشنطن أن القوات الكردية في العراق، المعروفة باسم البيشمركة، هي أفضل أمل لها في ذلك البلد العربي، فقد تم إرسال الملايين من الدولارات إليها في شكل أسلحة وتدريب. لكن، طريقة توجيه تلك الأسلحة إلى الأكراد، ساعدت في تقويض الحملة التي تقودها الولايات المتحدة، وهددت بتراجع عقد من التقدم في تحويل البيشمركة إلى قوات مهنية. في نهاية المطاف، سوف تجعل الأكراد شريكاً أقل فعالية.

المساعدات العسكرية غير منسقة، غير متوازنة وغير مشروطة، وغير خاضعة للمراقبة. وبسبب غياب الشروط والمراقبة على أماكن توزيعها، في إمكان المسؤولين توجيهها إلى قوات البيشمركة الموالية لهم، مما يعزّز من مكانة الضباط الموالين بينما تدخل بقية الضباط في منافسات سطحيّة. كل هذا يبعد البيشمركة عن المهمة الحقيقية: التقييم والتحضير لمواجهة التهديدات الإرهابية. علاج هذه المشكلة يتطلّب من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أن يضع أي مساعدات عسكريّة تحت قيادة واحدة وتحت سيطرة مدنية بعيدة من الخصومات السياسية.

الجهود المبذولة في إصلاح البيشمركة لتكون قوة دفاع مهنية كانت جارية منذ فترة طويلة، قبل أن يأخذ تنظيم الدولة الإسلامية مساحات شاسعة من الأراضي الممتدة على طول الحدود مع كردستان العراق في حزيران (يونيو) 2014. في التسعينات، بعد أن اكتسبت المنطقة الكردية الحكم الذاتي الفعلي من بغداد، وبعد سنوات من النزاع المميت بين أقوى حزبين كرديين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديموقراطي الكردستاني، أنشأ الطرفان أكاديميات عسكرية متنافسة في المعاقل الإقليمية لكل منهما في قلعة جولان وزاخو.

التحق بالطرفين الكرديين ضباط من الجيش العراقي السابق الذين انشقوا خلال حكم صدام حسين، ساعدوا في تنظيم مقاتلي البيشمركة في كتائب وقيادة كبار الموظفين من الرتب العسكرية، وركزت كل قوة على الدفاع عن أراضيها من عمليات توغل الجيش العراقي، ما زاد من استقلالية كردستان عن بغداد، واستقلالية - واستعداء - المعسكرين ضد بعضهم البعض.

بعد إطاحة نظام صدام عام 2003، بدأت قوات البيشمركة تحمل ملامح جيش حقيقي. تحولت قلعة جولان وزاخو إلى أكاديميات عسكرية للجيش العراقي الجديد، وجهزت جيلاً كاملاً من الضباط الأكراد ذوي التدريب العسكري، كما تم دمج بعضهم في الجيش العراقي الجديد. بدأت قيادة البيشمركة بضم كبار مسلحي الحزب وصغار الضباط الذين لم يكونوا أعضاء في الحزب، وإن دخلوا الأكاديميات من خلال علاقاتهم مع حزبيين. كانت النتيجة النهائية جيلاً جديداً من الضباط الأكراد الذين كانوا موالين لحكومة إقليم كردستان ككل وليس لأيّ من الأحزاب المتنافسة. كما عزز هذا الاتجاه تصاعد انتقادات الرتب الأصغر من الأكراد لقبضة الأحزاب على مؤسسات حكومة إقليم كردستان.

عمليّة إصلاح العلاقات المدنية- العسكرية كانت أكثر صعوبة بكثير. بغض النظر عما إذا كان الضباط أعضاء في الحزب، كان متوقعاً أن يأخذوا أوامرهم من قادة الحزب الذين كانوا يدينون لهم بحياتهم المهنية. عام 2009، وافق الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على إنشاء وزارة شؤون البيشمركة المشتركة لجعل القضايا الإدارية مركزيّة، وإنشاء كتائب مشتركة للحزبين بقيادة خريجي الأكاديميات، وزيادة التعاون بين وكالات الاستخبارات الخاصة بهما. ومع ذلك، وعلى الرغم من إنشاء المؤسسة الجديدة، واصلت السياسة الحزبية إملاء توظيف الضابط ومنح الترقيات، ونشر القوات والتعامل مع المعلومات الحساسة.

هجوم تنظيم الدولة الإسلاميّة المفاجئ في حزيران الماضي كشف عن هذه المشكلات العميقة والمتجذّرة، وخلق أخرى جديدة، فقد دُفع بمجموعة من كبار الضباط والشخصيات الحزبية الشابة إلى مواقع القيادة على الجبهة الأمامية، مما أدى إلى تهميش خريجي الأكاديميات العسكرية الذين لم يتمتعوا بعلاقات مماثلة مع الحزبين. في الوقت نفسه، مع كُبر سن قادة الطرفين، دخل الفصيلان في صراع على الخلافة الداخلية. يسعى المتنافسون الناشئون في تلقي الدعم الخارجي، لا سيما من تركيا وإيران، لمساعدتهم في السيطرة على الأراضي والموارد الطبيعية في المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية في بغداد، ولتسليح قواتهم التي تعمل تحت مظلة البيشمركة. على سبيل المثال، في مدينة كركوك الغنية بالنفط، نشر القادة البارزون من الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني شبكة من الضباط الموالين لهم، كل طرف يتبع أجندة مختلفة.

فشل الغرب في متابعة تطور البيشمركة والسياسة الكردية في شكل عام، واشترط موافقة بغداد لتقديم شحنات الأسلحة لحكومة إقليم كردستان، وهي سياسة تهدف إلى الحفاظ على سيادة العاصمة العراقية وعدم تشجيع استقلال كامل للأكراد. لكن هذه السياسة عفا عليها الزمن. اليوم، يتمتّع الاتحاد الوطني الكردستاني بحضور قوي في بغداد، ولذلك، فإن تسليح الحكومة العراقية أدّى إلى زيادة نفور الحزب الديموقراطي الكردستاني من الحكومة المركزية. في المقابل، جعلت مسؤولي الحزب الديموقراطي الكردستاني يدعون في شكل متزايد واستفزازي إلى الاستقلال، والسعي إلى التسليح المباشر من دون الرجوع إلى بغداد التي تعتبر جزءاً من الهيمنة الإيرانية. صانعو السياسة الغربيون تغاضوا عن ذلك، معتبرين أنّ مثل هذه الانقسامات ستمنع اتّحاد الأحزاب الكردية للضغط من أجل استقلال كردستان العراق. إلا أنه في الواقع، تقوم هذه الانقسامات على منع الأحزاب الكردية من المشاركة الفعالة في الدولة العراقية.

تزداد الأمور تعقيداً بعد موافقة بغداد على المساعدات الغربية، حيث سيتم توجيه المساعدات العسكرية من طريق وزارة البيشمركة في حكومة إقليم كردستان، من دون متابعة لمسار الأسلحة ومكانها. ليس من المستغرب أن يقوم قادة الحزب باستخدام الأسلحة لبناء حرس خاص، أو لتمكين الضباط الموالين على حساب من هم أكثر مهنية.

كل هذا يقوّض حرب الغرب ضد تنظيم الدولة وهدف حكومة إقليم كردستان في الحفاظ على الأمن النسبي في منطقتها. كلما استمر الانقسام بين وكالات الاستخبارات الكرديّة، قلّ وصول المعلومات إلى خط المواجهة في الوقت المطلوب. إن أي كسر في سلسلة نقل المعلومات يمكن أن يؤدي إلى سوء تقدير ويسبب نكسات كبيرة، كما حدث في آب (أغسطس) الماضي عندما تخطّت قوات تنظيم الدولة خط المواجهة مع الحزب الديموقراطي الكردستاني، واقتربت من أربيل، عاصمة كردستان العراق. تسرّع قادة الحزب الديموقراطي الكردستاني في إلقاء اللوم على قلة الخبرة لدى الضباط الأصغر سناً، أو عدم وجود ترسانة كافية. ولكن السبب الرئيسي يعود إلى الخصومات الداخلية. في آب الماضي، سبّب فشل تبادل المعلومات الاستخبارية (داخل الحزب الديموقراطي الكردستاني وبين الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) عن الهجمات الوشيكة لتنظيم الدولة في سنجار ومناطق نينوى الشرقيّة السماح لمقاتلي التنظيم بمفاجأة قوات الحزب الديموقراطي الكردستاني، مما مهّد الطريق للمتشددين الجهاديين للمضي قدماً نحو أربيل.

لهذا السبب يجب أن يشرط الغرب المساعدات العسكرية بإصلاح العلاقة بين المدنيين والعسكريين. كما يجب أن يتم تسليم الأسلحة حصراً إلى اللواء المشترك بين الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي تم تأسيسه عام 2009، وتعزيز مكانة ضباط الأكاديمية والاعتماد على جهود قادة الحزب السابقين لتنحية خلافاتهم جانباً ودمج قواتهم. حتى الآن، موافقة بغداد على شحنات الأسلحة لم تخدم سوى في الحفاظ على سيادتها اسميّاً فقط، ولم تمنع القوات الكردية من عمليات أحادية الجانب في المناطق المتنازع عليها. إنّ سياسة «عراق واحد» يجب أن تبدأ مع استراتيجية مشتركة للحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في بغداد، وتنسيق عمليات الحكومة المركزية العسكرية مع القوات الكردية وتشجيع نظام سياسي مستدام في البلاد.

ركّز التحالف في شكل ضيق على المدى الطويل لمخاطر الاستقلال الكردي، متجاهلاً مخاطر الانقسامات داخل الأكراد أنفسهم في تغذية الصراعات داخل حدود العراق الآن. نظام حكم كردي مجزّأ حتماً سيمهد الطريق لنظام إقطاعي مبني على أشخاص، يلجأون فيها إلى الميليشيات الخاصة التي تتنافس مع بعضها البعض، ومع بقيّة الفصائل العراقية الأخرى على الأرض والموارد. في وقت يتغيّر المشهد السياسي بسرعة، ينبغي على حكومة إقليم كردستان الاستثمار في جيل من ضباط البيشمركة يبقى بعيداً من المؤامرات الحزبيّة. ومما لا شك فيه أن وجود أجهزة أمن مجزّأة، ومتصارعة تحركها دوافع شخصيّة، يضع كردستان العراق في خطر أكبر بكثير من خطر تنظيم الدولة.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.