الجيل الضائع في العراق: امريكا لا تهزم اعداءها بل تصنعهم
الجيل الضائع في العراق: امريكا لا تهزم اعداءها بل تصنعهم
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
Op-Ed / Middle East & North Africa 3 minutes

الجيل الضائع في العراق: امريكا لا تهزم اعداءها بل تصنعهم

لا شك في أن الجدال حول ما إذا كان الاندفاع يثبت نجاحه في إحلال السلام في العراق يخفي وراءه سؤالاً أعمق: هل تثبت الولايات المتحدة نجاحها في كسب تأييد الأجيال العراقية المستقبلية؟ الجواب هو كل. فقد ساهمت السياسات الأمريكية، في الماضي كما اليوم، في نشأة جيل من العراقيين الشباب العاطلين عن العمل، المسكونين بمشاعر الاستعداد والغضب، والذين سيواصلون المعركة علي الأرجح

امريكا لا تهزم أعداءها، بل هي تصنعهم

ومن الجلي أن هذه هي الحال مع جيش المهدي وتنظيم القاعدة في العراق، هاتين المجموعتين اللتين تعتبرهما الولايات المتحدة ألد وأخطر أعدائها. أضف إلي ذلك أن لميليشيا الصدر جذوراً تمتد بعمق في أوساط العراقيين الشيعة المحرومين من حقوق الاقتراع. وتجنّد هذه الميليشيا أفرادها بشكل رئيسي من صفوف الشبان الذين يقطنون مناطق لم تعرف التمدين إلا مؤخراً، والذين يمقتون شركاءهم في الدين الأفضل حالاً الذين ينتمون إلي الطبقة الوسطي ويميلون أكثر إلي دعم آية الله السيستاني وحليفه السياسي، أي المجلس الإسلامي الأعلي في العراق. وجدير بالذكر أن غالبية أنصار ميليشيا الصدر وأفرادها العسكريين تتراوح أعمارهم بين العقد الثاني والعقد الثالث، ما يجعل من هذه المليشيا ظاهرة طبقية وعمرية في آن. وبحسب ما قاله أحد الشبان الصدريين: الآباء مع السيستاني، والأبناء مع مقتدي

وعلي مستوي الأفراد العاديين، يتمتع أيضاً تنظيم القاعدة في العراق بشعبية هامة في أوساط العراقيين الشباب، إنما السنّة في هذه الحالة، حتي وإن كانت قيادة هذا التنظيم أكبر سناً، وبدرجة طفيفة ومتراجعة، أجنبية الهوية. وقد أجرت مجموعة الأزمات الدولية دراسة ميدانية حول هذا التنظيم وخلصت إلي أدلة واضحة: يتكوّن هذا التنظيم بغالبيته من قاصرين من الريف والمدن يفتقرون إلي الخبرة ويواجهون مستقبلاً قاتماً، وذلك خلافاً لمجموعات المتمردين السنّة الأخري التي تستقطب بشكل رئيسي أصحاب مهن سابقين ورجال دين مدرَّبين وأفراد قبائل أكبر سناً. ولا شك في أن التنظيم قد عاني مؤخراً نكسات عسكرية حادة . لكن مقدرة التنظيم علي التحمل وعلي إعادة إمداد قواته بالأفراد تشهدان علي وجود مجموعة كبيرة من الشبان العراقيين اليائسين الذين جذبهم وعد القاعدة بتحقيق الرضي في الآخرة عبر الاستشهاد

والواقع أن ماضي العراق يطرح ظاهرة مشابهة، توجيهية وإن محيّرة بتناقضها الظاهري. فقد شهد العام 1994تشكيل فدائيي صدام، وهي وحدة مغاوير أُوكلت إليها مهمة فرض النظام علي المستوي المحلي. وكان مصدر هؤلاء الفدائيين بئراً لا قعر لها استوطنها شبان فقراء من السنة والشيعة لم يبلغوا مستويً تعليمياً جيداً وضاعت توقعاتهم المستقبلية (سواء من ناحية العمل أو الحياة الاجتماعية أو الزواج) بسبب البؤس ومؤسسات الدولة البالية والفساد المتفشي. صحيح أن انضمام هؤلاء الشبان إلي الفدائيين منحهم تعويضاً مادياً بسيطاً، لكن الأهم من ذلك أنه عزز ثقتهم بأنفسهم ومكانتهم الاجتماعية وإحساسهم بوجود غاية لحياتهم، ولا بد من الإشارة إلي أن مقاومتهم الشرسة ضد تقدم قوات التحالف في العام 2003 لم تكن ترتبط فعلياً بالولاء أو بالقناعة الإيديولوجية، بل هي تنبع علي الأرجح من إحساسهم العارم بأن الأمل الوحيد بالمستقبل يكمن في ممارسة القوة والسعي في سبيل قضية عدمية يجسّدها فدائيو صدام

كثيرة هي الأمور التي تفصل بين جيش المهدي وتنظيم القاعدة في العراق وفدائيي صدام. لكن هذه التنظيمات متشابهة إلي حد بعيد علي مستويات عدة رئيسة، وتحديداً لجهة العمر الشبابي الذي يميّز أفرادها، وانشغالهم بالآخرة، وافتتانهم بالعنف غير المكبوت. وما يثير السخرية أن الولايات المتحدة قد ساهمت عن غير قصد في إطلاق جماح هذه المجموعات الثلاث كلها. فعندما فرضت الولايات المتحدة علي مر ثلاثة عشر عاماً نظام العقوبات الأكثر تشدداً وشمولية في التاريخ الحديث، ساهمت في ظهور جيل من العراقيين المعوزين واليائسين. وعندما أساءت إدارة الاحتلال وأفسحت في المجال أمام الفراغ الأمني وانتشار الفوضي علي حد سواء، ساعدت علي نفي عدد كبير من العراقيين المنتمين إلي الطبقة الوسطي، فقوّضت إذ ذاك مجموعة الناخبين الأقدر علي تبني جدول أعمالها السياسي. وإذ ركزت الولايات المتحدة علي التكتيكات العسكرية وحدها للقضاء علي الطبقة العليا في مجموعات المتمردين، عززت نشأة قادة يافعين يفتقرون إلي الخبرة والانضباط والرحمة. وجدير بالذكر أن أتباع القاعدة يقرون بذلك. وقد قال أحدهم: بعض الأمراء لا تتجاوز أعمارهم 20 أو 25 سنة. هم لا يعرفون شيئاً عن الدين أو السياسة أو الاستراتيجية العسكرية. هم لا يعرفون سوي منطق واحد هو: ها هو العدو سأقاتله وأدخل الجنة

صحيح أن بعض التقدم قد أُحرز علي مستوي خلق تيار معاكس لجيش المهدي وعلي وجه الخصوص لتنظيم القاعدة ، إلا أن أي تقدم سيكون في أفضل الأحوال قصير الأمد لأنه لا يواجه المشكلة الأعمق بأي شكل من الأشكال. وعلي الرغم من أن جيش المهدي قد يبدو محط ازدراء كبير، إلا أنه لا يزال مسيطراً في أجزاء كبيرة من بغداد وفي الجزء الأعظم من الجنوب. في المقابل، يعمد تنظيم القاعدة في العراق، الذي خارت قواه في محافظة الأنبار بما لا يقبل الشك، إلي إعادة الانتشار في مناطق أخري، وتحديداً في الموصل حيث عبّر أحد البعثيين عن هذا الموقف التلقائي: تمتلك القاعدة موارد ضخمة استخدمتها لتوقع في شباكها شباناً مراهقين أو في مطلع العقد الثاني من العمر هم في غالب الأحيان يعيشون في عزلة ويعجزون عن توفير حياة لأنفسهم. وقد حوّلتهم القاعدة إلي عصابات تذكرني علي نحو يثير الغرابة بجيش المهدي . وفي كلتا الحالتين، يعكس البقاء في وجه الضغوطات الشديدة مدي جاذبية التنظيمين بالنسبة إلي جيل من العراقيين المحرومين الذين لم يُعطوا أي أمل بحياة أفضل. وخلاصة القول إن الجبهات الحالية للمعركة تعكس صراع الأجيال حيث تتخذ الولايات المتحدة عموماً جانب أولئك الذين يمثلون الماضي (المنفيون السابقون، وأفراد الطبقة البرجوازية البالية والزعماء الذين يسعون إلي استرجاع سلطتهم المفقودة) ضد أولئك الذين سيرسمون مستقبل العراق، للأحسن أم للأسوأ

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.