كيف يمكن تخفيف مخاطر الاستفتاء في كردستان العراق
كيف يمكن تخفيف مخاطر الاستفتاء في كردستان العراق
Iraqi Kurds fly Kurdish flags during an event to urge people to vote in the upcoming independence referendum in Erbil, the capital of the autonomous Kurdish region of northern Iraq, on 15 September 2017. AFP/Safin Hamed
Commentary / Middle East & North Africa 7 minutes

كيف يمكن تخفيف مخاطر الاستفتاء في كردستان العراق

المسعى المستمر منذ قرن من الزمن لتحقيق كردستان مستقلة شجع الأكراد العراقيين على استغلال الأزمات العراقية المتواصلة وتحديد موعد لإجراء استفتاء في 25 أيلول/سبتمبر 2017. غير أن الاستفتاء يشكل انعكاساً للفوضى في العراق أكثر منه تعبيراً عن جاهزية الأكراد لإقامة دولة؛ كما أن من شأن نتيجة الاستفتاء أن تفاقم التوترات الداخلية والإقليمية.

في 25 أيلول/سبتمبر، وما لم يتم تأجيل هذا الموعد في اللحظة الأخيرة، فإن إقليم كردستان العراق سيجري استفتاء على الاستقلال. وسيُسأل الناخبون ما إذا كانوا يريدون "أن يصبح إقليم كردستان والمناطق الكردية خارج إدارة الإقليم دولة مستقلة". لا يمكن للاستفتاء أن يحول كردستان إلى دولة مستقلة، بصرف النظر عن نسبة المشاركين فيه وعن نتيجته، لأن الاستفتاء مجرد عملية استشارية وغير ملزم قانونياً. رغم ذلك، فإن الوضع يطرح مخاطر جدية، سواء تم إجراء الاستفتاء أو كان ثمن تأجيله مرتفعاً أكثر مما ينبغي.

على الأرض، من المرجح أن يبدو اليوم الذي يلي الاستفتاء تماماً كاليوم الذي سبقه. لن يتغير الوضع القانوني لكردستان العراق، وقد يحتفظ المسؤولون الأكراد بمناصبهم في الحكومة المركزية في بغداد، بما في ذلك الرئيس العراقي فؤاد معصوم. إن الدوافع لإجراء الاستفتاء تتعلق بالاعتبارات السياسية الكردية الداخلية والعلاقات بعيدة المدى مع بغداد أكثر مما تتعلق بالتطلعات القومية الكردية المباشرة.

بالنسبة لأولئك الذين يدفعون لإجراء الاستفتاء، أي رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني وحزبه، الحزب الديمقراطي الكردستاني، فإن الهدف الأكثر إلحاحاً ليس التحرك بسرعة نحو إعلان الاستقلال، بقدر ما هو تحسين فرصهم السياسية داخل كردستان العراق وعاصمتها أربيل. إنهم يأملون بأن يمكنهم تبنيهم لموقف قومي قوي من إخماد المعارضة وإجبار خصومهم على السير وراءهم. الأكثر من ذلك هو أنه بتوسيع الاستفتاء ليشمل ما يسمى "المناطق المتنازع عليها"، وهو مصطلح يحدد المناطق الواقعة خارج إقليم كردستان التي تدعي كل من بغداد وأربيل الحق فيها، تهدف القيادة الكردية إلى تقوية حضورها ومبرراتها لضم هذه المناطق، شريطة الحصول على نعم مدويّة في الاستفتاء.

لا يشكل الاستفتاء انعكاساً لتقدم تاريخي مستمر نحو قيام دولة كردية بقدر ما هو انعكاس للأزمات المحيطة بالعراق.

إلا أنه يمكن للتبعات السياسية للاستفتاء، المقصودة وغير المقصودة، أن تكون عميقة. حالما يتم إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ستُطرح أوجه رئيسية من بنية السلطة في العراق مرة أخرى لإعادة التفاوض. وهذا يشمل مسألة لا مركزية السلطة، وتنظيم ونشر القوات الأمنية، والتوازن الداخلي للسلطة داخل الأغلبية الشيعية وحالة التنافس بين الولايات المتحدة وإيران على النفوذ في البلاد. إن دعوة برزاني للاستفتاء هو بمثابة رمي حجر في بحيرة مضطربة أصلاً.

لاعبون قدامى، حقائق جديدة

إن أثر الاستفتاء واضح أصلاً للعيان. لقد شعر رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي حث حتى الآن على التوصل إلى تسوية مع أربيل، بأنه مجبر على الانتقال إلى موقع أكثر تشدداً. لقد أعلنت حكومته أن الاستفتاء غير دستوري؛ ورغم أن البرلمان العراقي لا يملك سلطة قانونية لفعل ذلك، فإنه صوّت على إقالة محافظ كركوك، أحد الدعاة الأقوياء لإجراء الاستفتاء من منطقة متقلبة ومتنازع عليها على نحو خاص. خرج المشرعون الأكراد من الجلسة، في مؤشر على كيف أن قضية الاستفتاء يمكن أن تؤدي بسرعة إلى انهيار العملية السياسية. يتعرض العبادي للضغط من فصائل شيعية مقربة من إيران يمكن أن تستخدم الاستفتاء لتقويض قيادته، حيث يقدم هؤلاء أنفسهم بوصفهم المدافعين الحقيقيين عن وحدة العراق ضد المطالب الكردية. قد يساعدهم هذا على كسب تأييد السنة الذين يعيشون في المناطق المتنازع عليها، لكنه يمكن أن يثير أيضاً مواجهات بين الفصائل المسلحة التي يسيطرون عليها والبشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني خلال الاستفتاء أو بعده.

كما أن ثمة تبعات إقليمية أيضاً. لقد عبرت تركيا وإيران، وكلاهما جاران لكردستان العراق، عن معارضتهما القوية للاستفتاء وحذّرا من تبعاته الخطيرة. لكن حتى الآن فإن أفعالهما لا يبدو أنها تستهدف فعلاً منع إجراء الاستفتاء. تبدو أنقرة وطهران واثقتان من أنهما تمتلكان ما يكفي من النفوذ على الشخصيات القيادية في الحزب الديمقراطي الكردستاني وخصمه، الاتحاد الوطني الكردستاني، لمنع كردستان العراق من أن تصبح دولة مستقلة بشكل كامل، بصرف النظر عن نتيجة الاستفتاء. هؤلاء السياسيون الأكراد يعتمدون على دعم تركيا وإيران، وسيزداد اعتمادهم عليهما إذا أثار الاستفتاء تصعيداً مع بغداد.

يبدو أن تركيا وإيران تنتظران اتضاح آثار الاستفتاء على السياسات العراقية والإقليمية بشكل أكبر قبل أن تتخذا خطوات أكثر حسماً. إذا انتهى الأمر بالحزب الديمقراطي الكردستاني، باندفاعه نحو إجراء الاستفتاء رغم المعارضة الدولية القوية، بأن يصبح معزولاً على نحو متزايد، فإن تركيا قد تسعى لاستغلال هشاشة شريكها الكردي لتعزيز موطئ القدم الذي اتخذته في دهوك وسهل نينوى، في شمال غرب العراق. تتسم هذه المنطقة بأهمية استراتيجية لأنقرة لأنها تقع على الحدود الشرقية لسورية، التي تهيمن عليها الآن حركة تعتبرها عدواً خطيراً تتمثل في حزب الاتحاد الديمقراطي. وهذا الحزب هو الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي قاتل في تمرد ضد أنقرة على مدى ثلاثة عقود.

إن تأجيل الاستفتاء سيكون أفضل السيناريوهات، لكن ليس بأي ثمن.

إيران من جهتها قد ترى في الاستفتاء فرصة لتعزيز موقعها في بغداد وشمال شرق العراق. من شبه المؤكد أن تدهور العلاقات بين أربيل وبغداد سيقوي الفصائل الشيعية المرتبطة بإيران على حساب العبادي وحكومته. كما يمكن لطهران أن تسعى لتعزيز نفوذ حلفائها العراقيين ونفوذها على العرب السنة الذين يعيشون في المناطق المتنازع عليها ويخشون من التعديات الكردية، وكذلك على أعضاء الاتحاد الوطني الكردستاني الذين يعارضون سياسات الحزب الديمقراطي الكردستاني.

سيناريوهات التأجيل

في هذا السياق، فإن الأصوات التي تحث برزاني على أن يقوم على الأقل بتأجيل الاستفتاء كانت مرتفعة، وواضحة وانتقائية. وتشمل هذه المجموعة من البلدان الولايات المتحدة، وحلفاءها الغربيين، وتركيا وإيران، إضافة إلى الأمم المتحدة. وقد رد برزاني بالقول بأنه يستطيع تأجيل الاستفتاء إذا حصل الأكراد على ضمانات دولية بأن المفاوضات على الاستقلال مع بغداد ستبدأ. من شبه المؤكد أن هذا يشكل خطوة أبعد بكثير مما يمكن حتى لأقرب شركائه الغربيين اتخاذها. في الوقت الراهن، تستمر المحادثات فيما يتعلق بما إذا كان برزاني قد يقبل بصيغة أقل أهمية وأكثر غموضاً تسمح له بالتراجع دون أن يخسر ماء وجهه في الوقت الذي يتحاشى فيه استفزاز بغداد.

إن تأجيل الاستفتاء سيشكل السيناريو الأفضل، لكن ليس بأي ثمن. في محاولات اللاعبين الدوليين – وعلى رأسهم الولايات المتحدة – لوقف الاستفتاء، عليهم أن يسيروا بحذر وأن يتحاشوا دفع ثمن قد يندمون عليه لاحقاً. بعض الالتزامات منطقية، مثل دعم الاستئناف الفوري للمفاوضات بين أربيل وبغداد حول كامل نطاق القضايا التي تفرقهما. التزامات أخرى ستكون مشحونة أكثر بالمشاكل، مثل أي التزام يؤثر بوضع كركوك أو المناطق المتنازع عليها، أو الدعم الأعمى لإجراء استفتاء في تاريخ معين إذا فشلت المفاوضات مع بغداد، بصرف النظر عما إذا كان سيتم إجراء الاستفتاء في كركوك أو المناطق المتنازع عليها. بعبارة أخرى، فإن رمي الكرة إلى الأمام أمر منطقي، لكن ليس في أي اتجاه. وإلا، فإن كلفة التأجيل يمكن أن تكون مكلفة أكثر على المدى البعيد من كلفة الاستفتاء نفسه.

إذا مضى الاستفتاء كما هو مخطط له، من المرجح أن تنشأ توترات مصحوبة بإغراء معاقبة أربيل.

ينبغي اتباع بعض القواعد التوجيهية في سيناريوهي التأجيل أو عدم التأجيل. إذا تم تأجيل الاستفتاء، ينبغي استخدام الوقت الذي يتم كسبه من أجل إجراء وساطة نشطة من قبل شركاء العراق والأكراد لتخفيف تصعيد الوضع والضغط على بغداد وأربيل للتفاوض بنية طيبة حول تعديلات الإطار القانوني الذي يحكم علاقتهما.

إذا مضى الاستفتاء كما هو مخطط له، من المرجح أن تنشأ توترات مصحوبة بإغراء معاقبة أربيل. غير أن المسار الأذكى بالنسبة لبغداد، وكذلك بالنسبة للاعبين الإقليميين والدوليين، سيكون التخفيف من أهمية الحدث وتجاهله فعلياً. ما لم يتخذ برزاني الخطوة التالية، والأكثر خطورة بكثير، في مسعاه للتحرك أحادياً نحو الاستقلال، فإن قيمة الاستفتاء ستنكمش بمرور الوقت حيث لن يتغير شيء على الأرض كما لن يتغير وضع إقليم كردستان. إذا تم التعامل مع الاستفتاء بشكل سليم، بشكل أساسي على أنه لا يشكل حدثاً، فإنه قد لا يكون له تبعات ضارة جداً.

الاعتماد الفعال على الذات

بالنسبة للأكراد، يمكن أن يشكل هذا خيبة أمل مريرة؛ فالعديد منهم يقرؤون تاريخهم على أنه صراع على مسار مستمر نحو الدولة. في الواقع، فإن الصراع القومي الكردي في العراق لم يكن مستمراً بقدر ما كان متقلباً، ووظيفة من وظائف وضع الدولة المركزية. كلما تعرض النظام في بغداد للتهديد، كان يلجأ إما لقمع الأطراف الكردية للدولة بوحشية أو للانسحاب من هذه المناطق، والسماح للأحزاب الكردية بأداء وظائف الإدارة الأساسية والأمن المحلي بينما يقاوم محاولاتها للحصول على الاستقلال التام. حدث هذا بعد هزيمة صدام حسين في حرب الخليج عام 1991 وبعد الإطاحة به في العام 2003. تطورات اليوم تعكس ضعف الدولة المركزية في وجه تنظيم الدولة الإسلامية.

بهذا المعنى، فإن الاستفتاء لا يشكل انعكاساً لتقدم تاريخي مستمر نحو دولة كردية بقدر ما هو انعكاس للأزمات المحيطة بالعراق. ولا يشكل إثباتاً على أن دولة كردية يمكنها أن تقف بمفردها بقدر ما هو منتج جانبي لضعف الدولة العراقية حالياً ولمنطقة في حالة اضطراب. بصرف النظر عن وضعهم المستقبلي، فإن الأولوية بالنسبة لأكراد العراق ينبغي أن تكون ترتيب بيتهم الداخلي بدلاً من السعي لاستغلال الفوضى الإقليمية المحيطة بهم، والتي سيكونون دون شك عرضة لأخطارها.

باختصار، فإن الأحزاب الكردية التي قادت الصراع القومي على مدى القرن الماضي تواجه الآن التحدي المتمثل في تحويل قوتها وسلطتها إلى مؤسسات كردية. ويكمن مفتاح ذلك في تجديد قيادة الحزبين الكرديين التاريخيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، لتمكين جيل جديد من القادة الأكراد الذين، بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية، يمكنهم أن يجعلوا أولويتهم تدريب ورعاية جهاز بيروقراطي كفؤ وقوات أمن محترفة. بفعل ذلك، يمكن أن يحولوا الإقليم الكردي إلى كيان أكثر فعالية واعتماداً على الذات، وهو ما سيعود عليهم بالنفع بصرف النظر عن أي تصرف مستقبلي في الوضع القانوني. وبنفس الروح، ينبغي عليهم أيضاً تحاشي إثارة الصراع مع بغداد والمجموعات العراقية غير الكردية. وهذا ينطبق على نحو خاص على مسألة الحد الذي يفصل إقليم كردستان عن باقي أنحاء العراق. ينبغي التفاوض على وضع "المناطق المتنازع عليها" لأنه لا يمكن فرض هذا الوضع من قبل أي من الطرفين. الأمر الذي لا يقل أهمية هو أن على القادة الأكراد طرح رؤية لكردستان العراق يمكن أن تتشاطرها جميع الحركات السياسية والأقليات غير الكردية.

A compact, formatted PDF of this commentary can be downloaded here. 

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.