العراق بعد الحويجة: نحو التعافي أو الانتكاس
العراق بعد الحويجة: نحو التعافي أو الانتكاس
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
Alert / Middle East & North Africa 4 minutes

العراق بعد الحويجة: نحو التعافي أو الانتكاس

لقد أطلقت المواجهة التي دامت أشهر حتى الآن في العراق بين المحتجين العرب السنة والحكومة المركزية انحداراً خطيراً نحو المواجهة. يمثّل نشوء قوس من عدم الاستقرار وصراع يربط لبنان، وسورية والعراق، تغذيه الطائفية ويتسم بالحدود التي يسهل اختراقها، هذا إضافة إلى التحالفات المتجاوزة للحدود، مخاطرة كبيرة. إن الفشل في إدماج العرب السنة في نظام سياسي تمثيلي حقيقي في بغداد يخاطر بتحويل الأزمة الداخلية العراقية إلى صراع إقليمي أوسع.

في 23 نيسان/أبريل، قُتل 50 شخصاً وجرح أكثر من 110 أشخاص عندما هاجمت قوات الأمن اعتصاماً في بلدة الحويجة، في محافظة كركوك. في حين أن بغداد جادلت بأن عمليات القمع التي قامت بها يبررها رفض المتظاهرين تسليم الأسلحة والأشخاص الضالعين في هجوم سابق على نقطة تفتيش تابعة للجيش، فإن الرد غير المتناسب أثار غضباً متوقعاً بين المحتجين، كما أثار هجمات انتقامية ضد أجهزة الأمن بشكل يهدد بالتسبب برد فعل أكثر شدة من السلطات. وحدها الاستجابة ذات المصداقية لمطالب المحتجين المشروعة ـ أي ضمان التمثيل السني الحقيقي في النظام السياسي ـ يمكن أن تضمن للحكومة عدم بقاء القيادة السنية العربية الحالية رهينة شارع ينتابه قدر متزايد من الإحباط أو عدم تخلّي هذا الشارع عنها على نحو تدريجي. ووحده القيام بذلك يمكن أن يمكّن العراق من القضاء على المد المتصاعد لحالة العنف الذي يمكن، في وقت يتميز بالاستقطاب الطائفي المتنامي في سائر أنحاء المنطقة، أن ينذر بكارثة.

تشكل حركة الاحتجاج الشعبية التي بدأت بالتطور في أواخر عام 2012 في المناطق ذات الأغلبية السنية عَرَضاً لشعور واسع الانتشار بالحرمان من الحقوق والتمثيل. يشعر المتظاهرون بأنهم باتوا غرباء عن بغداد (التي يُنظر إليها على أنها مركز القوة الشيعية الجديدة)؛ وعن الأشخاص الذين يُفترض أن يكونوا ممثليهم (والمتهمين بالمحافظة على مصالحهم الخاصة الضيقة على حساب الناس الذين انتخبوهم)؛ وعن قوات الأمن (المتهمة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان على أساس طائفي). كما تلعب الحرب في سورية أيضاً دوراً هاماً؛ حيث، ومع تصاعد حدة الصراع، فإن العرب السنة يشعرون بتضامن متزايد مع أشقائهم في البلد المجاور ويشاطرونهم شعوراً بالعداء حيال ما يتم تصويره على أنه محور شيعي يربط حزب الله، ودمشق، وبغداد وطهران. سرعان ما راهن زعماء القبائل العربية السنية، والقادة الدينيين والسياسيين ـ بمن فيهم بعض الأشخاص الذين كان رئيس الوزراء نوري المالكي قد استمالهم في الماضي ـ على المحتجين في القواعد الشعبية، وسعوا لجني المكاسب السياسية؛ وسرعان ما تبعهم في ذلك بقايا النظام القديم والجماعات المسلحة التي ظهرت وانتشرت بعد أن كانت قد انتهت.

حتى وقت قريب، كان كلا الطرفين قد أظهرا ضبطاً نسبياً للنفس. ظلت الحركة الاحتجاجية، التي خشيت من التصعيد المكلف، ورغم النقاشات الداخلية، سلمية إلى حد بعيد. كما أن الحكومة تبنت استراتيجية حكيمة في الاحتواء. قبل أحداث الحويجة، اصطدمت قوات الأمن بالمتظاهرين في مناسبتين، في الفلوجة في 25 كانون الثاني/يناير وفي الموصل في 8 آذار/مارس يذكر أن 7 أشخاص قتلوا في الحادثة الأولى؛ وقتل شخص في الحادثة الثانية. قامت السلطات في نفس الوقت بتوجيه التفاتات سياسية ثانوية لتنفيس الغضب والاحتقان وتقسيم المعارضة؛ وقد شملت هذه الخطوات إطلاق سراح السجناء ومنح المعاشات التقاعدية للأشخاص الذين عملوا مع النظام السابق. في المحصلة، فإن السلطات راهنت على أن الناس سيتعبون من التظاهر وأن الأشخاص الذين نصّبوا أنفسهم قاعدة للمتظاهرين سيقفزون من السفينة ويعودون إلى مغازلة المالكي للحصول على مكاسب شخصية.

إلا أن الحكومة لجأت أيضاً إلى تكتيكات أخرى أكثر خطراً. لقد حاولت حشد الدعم بالادعاء بأن المتظاهرين ترعاهم تركيا وأنظمة الخليج الملكية، وأن بينهم إرهابيين ينتمون إلى حزب البعث السابق أو أنهم مدفوعين بالعداء الطائفي وحده. وقد كانت النتيجة تحوّل الطائفة الشيعية نحو قدر أكبر من الراديكالية، حيث يعتبر الكثير من أفرادها حالياً هذا التحدي للوضع الراهن تهديداً وجودياً. قد يكون هذا، مصحوباً بتوسّع وزيادة قوة الأجهزة الأمنية، قد أقنع الحكومة أن بوسعها القضاء على الحركة الشعبية جسدياً دون أن يترتب عليها القضاء عليها سياسياً.

تشكل عملية الحويجة مؤشراً على ذلك. يبدو أن الهدف من تلك العملية التي كانت واسعة النطاق والتي يبدو أنه خطط لها بشكل جيد، هو إقناع المتظاهرين بعدم اللجوء إلى العنف وذلك بتوجيه ضربات مباشرة لهم ـ وضربات قوية جداً. إذا كانت هذه هي النظرية التي عملت السلطات على أساسها، فقد أثبتت أن فيها مواطن خلل عميقة؛ فقد تصاعدت الهجمات الانتقامية. في حلقة ناشئة من العنف، فإن المحتجين، الذين توقّعوا المزيد من الهجمات من قبل قوات الحكومة، هددوا بتحضير أنفسهم لمقاومة عسكرية أكثر قوة.

تتمثل المهمة الأكثر إلحاحاً اليوم في إخماد لهيب الحرائق، ويقع عبء ذلك على الحكومة. من بين الخطوات الملحّة التي ينبغي أن تتخذها سحب قواتها الأمنية من ساحة الحويجة حيث تم تنظيم الاعتصام؛ والتفاوض مع سلطات كركوك على التعويض على الضحايا؛ والإحجام عن اتخاذ خطوات استفزازية (الغارات، والاعتقالات واسعة النطاق وحالات حظر التجول) إضافة إلى الامتناع عن نشر المزيد من قوات الأمن في المحافظات التي تشهد احتجاجات؛ وتعزيز التعاون بين قوات الأمن الوطني والشرطة المحلية بحيث يمكن للشرطة المحلية أن تحفظ الأمن بشكل أساسي.

كما أن من الضروري اتخاذ خطوات سياسية لمعالجة المظالم الكامنة وراء هذه الاحتجاجات. لن تكون التنازلات الأحادية والمجزّأة كافية؛ بدلاً من ذلك، فإن مفاوضات ذات معنى مع الحركة الاحتجاجية ـ فيما يتعلق بقانون العدالة والمساءلة، الذي يعتبره السنّة تمييزياً؛ والتشريعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب؛ وتركيبة القوى الأمنية ـ لابد منها. بالمقابل، فإن هذا يتطلب تهيئة الظروف المناسبة لنشوء قيادة تمثيلية بشكل حقيقي في المحافظات التي يقطنها العرب السنة. لقد تم تأجيل الانتخابات المحلية في محافظتي الأنبار ونينوى وتم تحديد موعد لاحق لها في تموز/يوليو. ينبغي أن تجرى هذه الانتخابات بالسرعة الممكنة ودون أي تدخل من قبل الحكومة.

إذا أريد لحدة العنف أن تتراجع وللمفاوضات أن تبدأ، فإن المتظاهرين يتحملون مسؤولية أيضاً. إن العمليات العدوانية ضد قوات الأمن الحكومية ستحدث أثراً عكسياً؛ كما ينبغي على الشخصيات الدينية المؤثرة وزعماء العشائر أن يصرّوا على التسوية السلمية وأن يحثّوا على عدم استعمال العنف. في نفس الوقت، ثمة جهود مطلوبة لإنتاج قيادة أكثر تماسكاً ووحدة في جميع المحافظات ذات الصلة والتي يمكن أن تتفاوض بشكل يتسم بالمصداقية مع الحكومة.

إن الإخفاق في إدارة المخاوف والمظالم المشروعة للسكان السنة في العراق يمكن أن يشجع بعض الفصائل الضالعة في الاحتجاجات بشكل أكبر على تعزيز علاقاتها مع لاعبين إقليميين يدعمون المعارضة السورية، وبالتالي يدفع الحكومة إلى التحالف بشكل أوثق مع النظام السوري. إن وقف النزعة الكلية لهذه الاحتجاجات يتجاوز قدرة ونطاق أي حكومة بمفردها. رغم ذلك، فإن المالكي قدّم نفسه حتى الآن على أنه رجل الدولة الأول في البلاد، وأنه مصمم على حماية وحدتها ومستعد للتصدي حتى للمجموعات التي يمثلها من أجل تحقيق ذلك. وهذا هو الوقت الذي ينبغي أن تتطابق فيه أفعاله مع أقواله.

بغداد

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.