العراق: المعركة القادمة يوست هيلترمان
العراق: المعركة القادمة يوست هيلترمان
Op-Ed / Middle East & North Africa 2 minutes

العراق: المعركة القادمة يوست هيلترمان

مع اقتراب معركة دامت ثمانية أشهر لاستعادة مدينة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية من نهايتها في الأزقة المتداخلة للمدينة القديمة، هناك معركة موازية لإلحاق الهزيمة بمقاتلي التنظيم تزداد شدة في مدينة الرقة السورية. لكن ثمة معارك أخرى تنتظر الوقوع؛ وستدور رحاها في دير الزور، في الصحراء الشاسعة التي تمتد على طول الحدود العراقية – السورية، وفي جزء كبير من الأراضي الواقعة إلى الغرب من مدينة كركوك العراقية. بالنسبة للدول الأعضاء في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وبالنسبة للجمهور الغربي، كانت هذه حملة عسكرية ضرورية موجّهة ضد تنظيم جهادي تشكل أساليبه الوحشية وطموحاته لشن هجمات في العواصم الغربية تهديداً لا يمكن التساهل إزاءه.

أما بالنسبة للسكان المحليين، فإن الصورة مختلفة تماماً؛ حيث إن الهزيمة العسكرية التي ستلحق بتنظيم الدولة الإسلامية، والتي يعتقد المسؤولون الغربيون بأنها ستحدث في وقت لاحق من هذا العام أو في مطلع العام القادم لن تضع حداً للصراعات التي أدت إلى ظهور هذا التنظيم في المقام الأول. الجزء الأكبر من المعركة التي شنت ضد تنظيم الدولة جرت أحداثه في منطقة دار حولها الصراع منذ اكتُشف النفط في كركوك في ثلاثينيات القرن العشرين. الصراعات الأعمق هنا – بين العرب والكرد، وبين الشيعة والسنة، وبين الدول المجاورة مثل إيران وتركيا، وبين الأكراد أنفسهم – من شأنها فقط أن تتصاعد مع انخراط القوى المنتصرة، المعززة بما تلقته من سلاح ومن تدريب عسكري قدمته حكومات غربية، في تنافس مجنون على الغنائم.

عندما استولى تنظيم الدولة الإسلامية على المناطق ذات الأغلبية العربية السنية في العراق قبل ثلاث سنوات، تواجه مع القوات الكردية على طول الجبهة الممتدة وسط ما يمكن للمرء أن يسميه الأراضي الحدودية بين العراق العربي، وعاصمته بغداد، والعراق الكردي، الذي يُحكم من أربيل في الشمال. يدعي القادة الأكراد أن أجزاء كبيرة مما يسمى بالأراضي المتنازع عليها هي في الواقع "كردستانية،" ما يقصدون به أنه حتى لو لم يكن السكان المحليون أكراد في غالبيتهم، فإن هذه المناطق ينبغي أن تكون جزءاً من الإقليم الكردي، وبالتالي جزءاً من دولة كردية مستقبلية مأمولة. من ناحية أخرى، فإن العديد من السكان العرب المحليين يصرون على أن هذه المناطق عراقية بشكل لا يقبل التصرف وينبغي أن تبقى تحت سلطة بغداد. تم الإقرار بمشكلة المناطق المتنازع عليها في الدستور العراقي لما بعد عام 2003، والذي وضع خطة لتسوية وضعها، لكن هذا لن يتحقق. ثم أتى وصول تنظيم الدولة الإسلامية ليوفر للقادة الأكراد ما اعتقدوا أنه فرصة لتسوية المسألة لصالحهم، حيث سيطروا على مساحات كبيرة من الأرض في معركتهم ضد التنظيم الجهادي. إلا أن هذا لم يسهم سوى في تأجيج التوترات أكثر فأكثر.

القادة الأكراد محقون في رؤيتهم لتنظيم الدولة الإسلامية بوصفه نتيجة لزواج أيديولوجي بين القوميين العرب المتعصبين والمتطرفين الإسلاميين، وكلاهما يحمل القدر نفسه من عدم التسامح إزاء "الآخر" الإثني والديني مع هيمنة التيار الديني حالياً. لكن العديد من الأكراد لا يقدرون أن تنظيم الدولة الإسلامية يستغل الغضب في أوساط العرب السنة في شمال العراق حيال الأفعال الكردية في المناطق المتنازع عليها، خصوصاً حول الموصل وفي كركوك. ومع ضعف الحكومة المركزية، يبدو أن العديد من هؤلاء السكان العرب المحليين يقبلون بحماية أي مجموعة سياسية تبقي الأكراد بعيدين، حتى لو كانت هذه المجموعة هي تنظيم الدولة الإسلامية.

من المهم أن نتذكر أن تنظيم الدولة الإسلامية نشأ في العراق وأن غالبية قادته وأتباعه عراقيون (حتى وإن كان مؤسسه أبو مصعب الزرقاوي أردنياً)؛ وقد تمكن من اجتذاب العناصر الأجنبية بشكل رئيسي بسبب استعداده لمحاربة النظام السوري وتعهده بتأسيس الخلافة. قد تتكفل الهزيمة العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية بالعنصر الأجنبي، لكن أتباع التنظيم من العراقيين، والمتجذرين بين السكان المحليين من خلال الأواصر الأسرية والقبلية، سيشكلون تحدياً على المدى البعيد، بما في ذلك في المناطق المتنازع عليها.

*

يقطن هذه المناطق مجموعة تتسم بغنى تنوعها السكاني حيث تشمل، إضافة إلى العرب والأكراد، التركمان والمسيحيين الكلدان والآشوريين، والإيزيديين وحتى مجموعات أصغر. كما يصادف أن المنطقة غنية بالنفط أيضاً. وهي تمتد من الحدود الإيرانية في الجنوب إلى الحدود السورية في الشمال، وتحيط بالجبال الكردية. وقد كان هذا في الماضي ممراً تجارياً استراتيجياً تحميه مدن فيها حاميات عسكرية وضع فيها الحكام العثمانيون الجنود والحرفيين من آسيا الوسطى، ممن بات يشار إليهم على أنهم تركمان. وفي وسط هذه المنطقة تقع محافظة ومدينة كركوك. نظام صدام حسين استهدف هذه المناطق بالهندسة الديموغرافية؛ حيث أجبر العديد من الأكراد المحليين أو أغراهم بالانتقال إلى المنطقة الكردية، ووطّن عرباً من أجزاء أخرى من العراق في كركوك وحول حقول النفط.

الغزو الأمريكي دفع هذا الوضع في الاتجاه المعاكس. سيطرت الأحزاب الكردية والميليشيات المرتبطة بها على أجزاء كبيرة من المناطق المتنازع عليها، بما فيها كركوك، وبدأت بتقديم الحوافز للأكراد النازحين لتغريهم بالعودة؛ كما قامت بتوطين أكراد آخرين في هذه المناطق وطردت السكان العرب الذين وطّنهم النظام السابق. ومنذ ذلك الحين، تصاعدت التوترات وساد سلام هش. إلا أن هذا الوضع قد ينتهي قريباً.

ثمة ثلاثة أحداث جرت مؤخراً تنبئ بالمعركة القادمة. كان أول هذه الأحداث الإعلان الذي أطلقه مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان، في مطلع حزيران/يونيو بأنه يعتزم إجراء استفتاء على استقلال الأكراد في 25 أيلول/سبتمبر. لن يكون هذا أول استفتاء من نوعه؛ حيث أجري استفتاء سابق قبل 12 عاماً. وكسابقه، فإن هذا الاستفتاء سيكون له قيمة رمزية وحسب، فقد رفضت بعثة الأمم المتحدة في العراق أي مشاركة فيه لأنه لا يحظى بدعم الحكومة العراقية. إلا أن في الإعلان بُعداً تحريضياً من شأنه أن يطلق شرارة حرب أهلية؛ حيث أوضح برزاني أن الاستفتاء لا ينبغي أن يجرى داخل حدود كردستان وحسب، بل أيضاً في تلك الأجزاء من المناطق المتنازع عليها التي يتكون سكانها من الأكراد – لكن ليس حصرياً من الأكراد – والتي تقع حالياً تحت سيطرة الميليشيات الكردية. بعبارة أخرى، فإن هذه محاولة أحادية صارخة لضم هذه المناطق إلى ما يؤمل أن تصبح دولة كردية مستقلة. كما أخبرني أحد مستشاريه في بداية حملة الموصل العام الماضي، فإن "للحرب منطقها الخاص، لكن علينا أن نحاول تشكيل هذا المنطق".

أما الحدث الثاني فتمثل في القرار الذي اتخذه نجم الدين كريم، محافظ كركوك، بجعل علم إقليم كردستان رمزاً رسمياً للمحافظة. لقد كانت الأحزاب الكردية منذ مدة طويلة ترفع العلم على مقراتها المحلية؛ وبات غير الأكراد يتقبلون على مضض السيطرة الكردية ويتكيفون مع هذا الواقع. لكن في آذار/مارس، قرر المحافظ، وهو كردي، طرح مسودة قرار على المجلس المحلي يسمح برفع العلم على الأبنية الحكومية إلى جانب العلم العراقي. وبالنظر إلى أن الأحزاب الكردية ذات أغلبية في المجلس، فإن مقاطعة أعضاء المجلس من العرب والتركمان لم تتعدَ كونها تعبيراً رمزياً عن الاعتراض. وهكذا رفع العلم على عدة مبانٍ حكومية؛ وكما كان متوقعاً، خرجت احتجاجات غاضبة اعتراضاً على ذلك. حتى بعض السياسيين الأكراد وصفوا ذلك بأنه استفزاز غير ضروري.

قال خصوم برزاني إن حادثة العلم أظهرت نية برزاني ضم كركوك، وحذروا من أن هذا من شأنه أن يتسبب في حرب أهلية. كريم جادل بأن رفع العلم من شأنه أن يهدئ من غلواء القوميين الأكراد ويمنعهم من محاولة ضم كركوك إلى إقليم كردستان. إلا أن أكثر التحليلات التي سمعتها إقناعاً هو أن كريم تعمد إحداث أزمة صغيرة كي يدفع بغداد إلى التركيز على مطالب الأكراد بالاستقلال. إذا كان هذا دافعه، فقد نجح في ذلك، لكن على حساب إحداث اضطرابات أكبر في كركوك.

الحدث الثالث كان اندفاع الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً، والمسماة الحشد الشعبي، إلى الحدود العراقية السورية في أواخر أيار/مايو. تأسس الحشد في العام 2014 لمواجهة هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، لكنه يشكل في الواقع تجسيداً للمجموعات المسلحة غير النظامية التي ظهرت لملء الفراغ الأمني الذي حدث عندما فككت السلطة الانتقالية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الجيش العراقي في العام 2003. وكان هدفه حينذاك حماية الأحزاب الإسلامية الشيعية، التي استلمت السلطة بعد ذلك بوقت قصير. منح انهيار الجيش الذي يهيمن عليه الشيعة في الموصل وأماكن أخرى في حزيران/يونيو 2014 الميليشيات شرعية متجددة، حيث أصبحت مهمتها الآن حماية البلاد من تنظيم الدولة الإسلامية. لقد كان وصول الميليشيات إلى الحدود السورية، وهي منطقة لا تحتوي أي سكان شيعة، حدثاً غير مسبوق وبدت على أنها جزء من محاولة بوحي من إيران لوصل ميداني المعركة في العراق وسورية، ودمج المصير السياسي للبلدين، وربما إقامة ممر بري متصل بين إيران ولبنان. هذا الإنجاز العسكري الذي حققته الميليشيات يعني أنه إذا أراد قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني السفر من طهران إلى بيروت، فقد بات بوسعه الآن السفر بالسيارة مروراً بمناطق قد لا تكون صديقة بالضرورة، لكنها تقع تحت سيطرة إما وكلاء إيران أو حلفائها، أو مجموعات يمكنه التوصل إلى اتفاق تكتيكي معها (وفي هذه الأثناء التقاط صور السلفي، كما يفعل في كثير من الأحيان).

كما يعني تقدم هذه الميليشيا أن هذه المناطق العربية السنية أصلاً من العراق باتت الآن تحت سيطرة قوة تعمل تحت إمرة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وتتخذ موقفاً غير مرحب بالمطالب الكردية بكركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها. لقد عبر قادة الحشد عن ثقتهم بأن وجودهم في المناطق المتنازع عليها ووضعهم الرسمي كقوات تعمل تحت سلطة الدولة سيضمن بقاء هذه المناطق تحت السيطرة العراقية. وقد دفعوا أصلاً ضد وجود المقاتلين الأكراد في عدة أماكن، وقاموا أحياناً بنشر قوات سنية محلية تعمل لصالحهم.

من الأحاديث التي أجريتها مع العشرات من المسؤولين والمدنيين في كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها على مدى الأعوام الخمسة عشر الماضية، أعرف أن معظم السكان العرب والتركمان المحليين لن يقبلوا الانفصال عن العراق تحت الحكم الكردي. كثيرون منهم يفضلون أن تصبح كركوك إقليماً منفصلاً يستفيد سكانه مباشرة من ثرواته النفطية بدلاً من رؤية الموارد تختفي في خزائن بغداد أو أربيل – وكلاهما عاصمتان اكتسبتا سمعة سيئة في استشراء الفساد فيهما.

*

يمكن توقع رد خصوم الاستفتاء الذي طرحه برزاني على استقلال الأكراد بعدة طرق بين آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر؛ حيث يمكن لممثليهم السياسيين الاستئناف أمام المحكمة العراقية العليا لإعلان الاستفتاء غير قانوني في المناطق المتنازع عليها، وهي المناطق التي لا تزال رسمياً تحت الولاية القانونية لبغداد. كما أنهم سيطلبون من الحكومة المركزية محاولة منع إجراء الاستفتاء. إذا أخفقت هذه الجهود، من المرجح أن يقاطع العديد من العرب والتركمان الاستفتاء، وقد يلجأ بعضهم إلى العنف. سياسي محلي أخبرني عندما زرت كركوك في نهاية أيار/مايو: "لن نعطي كركوك للأكراد، وسنقاتل من أجلها إذا توجب علينا ذلك".

رغم الموقع القوي للأكراد في الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فإنهم قد يجدون أن تطلعاتهم لتحقيق الاستقلال قد أحبطت مرة أخرى، إذ تبقى احتمالات عدم نجاحهم – الداخلية والخارجية على حد سواء – هائلة. قد يكون برزاني رئيس إقليم كردستان، لكنه تجاوز مدته القانونية في المنصب مرتين ويعتبره خصومه الأكراد زعيماً لجزء فقط من الإقليم، أي الجزء الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي الكردستاني. في محافظة السليمانية، لا يحظى برزاني وحزبه، الحزب الديمقراطي الكردستاني، بأي شعبية؛ وتدار المحافظة من خلال علاقة مضطربة بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (الذي كان يقوده سابقاً الرئيس العراقي جلال طلباني، الذي لم يعد قادراً على العمل)، والذي يمسك بالقوة العسكرية، ومجموعة ذات توجهات إصلاحية تسمى غوران انشقت على حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وتتمتع بأغلبية سياسية.

أقر نشطاء مستقلون بأن برزاني لا يحظى بأي دعم شعبي في السليمانية إلى درجة أنه رغم أن العديد من الأكراد هناك يدعمون فكرة الاستقلال، فإنهم سيرفضونه إذا كان بقيادة برزاني. أمر جدير بالاهتمام أن شورش حاجي، أحد مسؤولي غوران، قال إنه يتوجب على برزاني جعل الاستفتاء يشمل كركوك، خشية أن ينظر إليه على أنه يتخلى عن مطالب الأكراد فيها، لكن عملياً لا يستطيع أن يجعل الاستفتاء يشملها لأن بغداد لن تسمح بذلك. وأضاف إنه في المحصلة فإن الأكراد لا يستطيعون فرض حل لكركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها؛ بل إن المسألة يمكن تسويتها فقط من خلال المفاوضات مع بغداد.

قد تكون بغداد ضعيفة حالياً، لكن لها حلفاء أقوياء يريدون أيضاً منع استقلال الأكراد. إيران مصممة على منعه، وقد أعلنت أصلاً معارضتها للاستفتاء. كما تعارض تركيا استقلال الأكراد، لكنها تكتفي بجعل إيران تقوضه من خلال التهديدات والتخويف، وهو أمر أثبتت أنها ضليعة فيه في الماضي. كما أن إيران تستخدم ميليشيات شيعية لإجبار العرب السنة على اللجوء إلى كركوك، وبذلك تؤثر في التوازن الإثني. إيران (التي تدعم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني) وتركيا (التي تدعم الحزب الديمقراطي الكردستاني) خبيرتان في استغلال الانقسامات الكردية الداخلية، وستتآمران ضد اندفاع الأكراد نحو الاستقلال الذي من شأنه أن يسهم في تحريض السكان الأكراد في كلا البلدين.

رغم كل استفزازاته، فإن كريم، محافظ كركوك، قال علناً إنه يعارض، على الأقل حتى الآن، انضمام كركوك إلى إقليم كردستان. وأخبرني أنه يدعم قيام إقليم منفصل لفترة انتقالية، يتبعه استفتاء منفصل يتوقع أن يحظى بالقبول، ليس فقط من قبل السكان الأكراد، بل أيضاً من قبل أعداد كبيرة من العرب والتركمان. وقال إن ما سيدفعهم إلى ذلك هو أنهم سيكونون قد رأوا المزايا الاقتصادية والأمنية لحكم الأكراد. هذه حجة مشكوك بصحتها. لقد كانت كركوك تحت حكم الأكراد تقريباً منذ دعم الجيش الأمريكي ذلك في العام 2003 ويبدو أن السكان غير الأكراد يشعرون بأن هذا الوضع لا يعود بالفائدة عليهم. الأمن جيد بالنسبة للسكان الأكراد؛ أما غير الأكراد الذين ينتقدون الأحزاب الكردية فإنهم يتعرضون للمضايقة والتخويف. لقد اغتيل عضوان عربيان في المجلس المحلي خلال السنوات الأربع الماضية – ويقول حلفاؤهم السياسيون بأن الأكراد هم الذين فعلوا ذلك؛ أما الأكراد فيقولون إن الفاعل هو تنظيم الدولة الإسلامية. (الأحزاب الكردية، التي تسيطر على الإدارة المحلية، والأمن، والمخابرات، والشرطة، لم تقدم دليلاً على هوية القتلة.)

تذهب الشكاوى أبعد من ذلك؛ فمن أجل ضمان الانصياع، تمنح الأحزاب الكردية في كركوك امتيازات للسياسيين غير الأكراد، فلكل إجراء مقابله، ويمكن للأكراد وضع الشروط. يتعرض السكان العرب، الذين يقيمون في كركوك منذ وقت طويل ويمتلكون عقارات ويعملون في القطاع العام، للترحيل من المحافظة إذا كان مذكوراً على بطاقات هوياتهم أنهم أقاموا في وقت من الأوقات في مكان آخر، يمكن لهؤلاء وللمهجرين داخلياً، أن يتجنبوا الهجرة القسرية إذا لجأوا إلى أحد الأحزاب الكردية – وليس للإدارة المحلية – وأعلنوا ولاءهم السياسي (الذي سيتم إثباته عندما يتم إجراء الاستفتاء) مقابل بطاقة هوية يسعى كثيرون للحصول عليها تسمح لهم بالبقاء. لا شيء من هذا يشبه التكتيكات الوحشية للنظام السابق، إلا أن أجهزة صدام كانت أيضاً تستخدم هذا النوع من الإغراءات من أجل تغيير التركيبة الديموغرافية لكركوك (على سبيل المثال بإجبار التركمان على إعلان أنهم عرب في بطاقات هويتهم خشية أن يعاملوا على أنهم أكراد) قبل اللجوء إلى العنف المباشر.

قد يكون من المنصف التساؤل ما إذا كان بوسع العرب والأكراد الاستمرار بالعيش معاً داخل نفس الحدود. إن تجربة الأكراد مع التعرض للهجمات بالغازات السامة وعمليات القتل الجماعي من قبل نظام صدام منذ ثمانينيات القرن العشرين وفشل بغداد في ممارسة الديمقراطية منذ العام 2003 أقنعت كثيرين بذلك. ينطبق هذا بشكل خاص على جناح برزاني من الحركة القومية الكردية، وعبر عنه أفضل تعبير في أيلول/سبتمبر الماضي ابن أخ برزاني، شيروان برزاني، الذي يقود القوات الكردية جنوب الموصل: "ينبغي أن نقسّم هذا البلد. ما الفائدة من هذه الفكرة الشهيرة المسماة وحدة العراق؟ لم يمر يوم واحد على مدى المئة عام الماضية دون أن يتعرض المدنيون للقتل. إنه زواج سيء. ... حدود إقليم كردستان واضحة جداً. بعد أن نجري استفتاء على الاستقلال، يمكن لأولئك الذين لا يرغبون بالبقاء أن يذهبوا إلى [جانب] الإرهابيين."

لقد حصلت أصلاً أمثلة على قيام الأكراد أنفسهم باقتلاع سكان محليين من مناطقهم لتعزيز قوتهم. في معاركها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، دمرت القوات الكردية قرى عربية لضمان ألا يخاطر السكان المحليون، النازحون من أماكن أخرى من العراق، بالعودة قريباً. (انظر تقارير هيومان رايتس ووتش وأمنستي إنترناشيونال). سوّيت البلدة العربية الصغيرة الملتقى في محافظة كركوك بالأرض في آذار/مارس 2015 من قبل قوة كردية يقودها قائد متحمس، ظاهرياً للضرورة العسكرية في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. انتهى القتال، لكن لم يسمح لسكانها بالعودة بسبب قرب البلدة من الجبهة. كما أنها تقع قرب حقل النفط الرئيسي في كركوك الذي يسيطر عليه الأكراد ويطالبون به كجزء من كردستان.

يمكن للمرء أن يرى لماذا يرغب القادة الأكراد بإبقاء العرب الذين يمكن أن يكونوا معادين لهم بعيدين عن أصول استراتيجية كالنفط، خصوصاً وأنهم ينظرون إلى العرب على أنهم متعاطفين محتملين مع تنظيم الدولة الإسلامية. لكن تبقى الحقيقة أن هناك سكاناً أخرجوا قسراً من أراضيهم. هل يمكن للمرء أن يتوقع أن يتخلوا عن مطالبهم المشروعة بممتلكاتهم، أو ألا يسعوا للانتقام عندما تتغير حظوظهم السياسية؟

لمنع مثل هذه الحلقة من الردود الانتقامية، ثمة حاجة لوضع سياسة كردية جديدة. غير أن هذا سيتطلب من القيادة أن تفهم مشكلة التطرف العربي بشكل مختلف إلى حد ما. يحتوي تحليل القادة الأكراد لتنظيم الدولة الإسلامية على خلل جوهري. إنهم محقون في النظر إلى التنظيم على أنه عراقي بشكل أساسي، على عكس جزء كبير من التفكير الغربي، الذي يبالغ بالتأكيد على المقاتلين الأجانب في صفوفه. كما قال رئيس الوزراء نيشرفان برزاني لـي: "ما هو داعش؟ داعش هو نتيجة للسياسات الخاطئة." بالنسبة له، فإن العراق يقدم درساً بليغاً في كيف يمكن للخاسرين أن يصبحوا خطرين إذا أخفق المنتصرون في معاملتهم باحترام وكرامة. وقال: "نتيجة لذلك، تأسس داعش في 'هذا' البلد. إنه تنظيم 'عراقي'". "لكن الأكراد لا يرون كيف أن أفعالهم هم أنفسهم دفعت أيضاً بعض السكان العرب المحليين إلى دعم تنظيم الدولة الإسلامية.

مقاربة أفضل يمكن أن تتمثل في تخلي القادة الأكراد عن المناطق الواقعة خارج إقليم كردستان استولوا عليها من تنظيم الدولة الإسلامية والشروع في مفاوضات مع بغداد، بمساعدة الأمم المتحدة، حول المناطق المتنازع عليها على أساس كل منطقة على حدا (وهو جهد حاولت الأمم المتحدة إطلاقه قبل تسع سنوات). ينبغي أن تشمل المفاوضات المسألة بالغة الأهمية المتمثلة في النفط: من يمتلكه، ومن يحصل على عائداته. هذه مسائل معقدة، لكنها ليست عصية على الحل. يتمتع الأكراد بميزة أنهم يستطيعون استخدام حلفائهم في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية لضمان إجراء المفاوضات والخروج بتسوية تضمن مصالحهم الحيوية. أخيراً، على الرئيس مسعود برزاني تأجيل الاستفتاء على الاستقلال إلى ما بعد تسوية هذه المسائل، أو على الأقل إلى أن يتمكن من تسوية الخلافات الكردية الداخلية.

لم تظهر إدارة ترامب اهتماماً يذكر بما يحدث في العراق وسورية بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في ميدان المعركة. ذكر أن الإدارة الأمريكية أبلغت الزعماء الأكراد في وقت سابق من هذا العام أنها تعارض إجراء الاستفتاء في هذا الوقت، بالنظر إلى استمرار القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية وإلى أن هناك انتخابات عراقية ستجرى العام القادم. إلا أن تصميم برزاني على المضي قدماً، وتصاعد التوترات بين السكان المحليين في كركوك، وحول الموصل، وفي أجزاء أخرى من المناطق المتنازع عليها أمور لم تختف. لنفكر في كلمات الليفتانت جنرال فنسانت ستيوارت، رئيس وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية الذي ناقش مسألة استقلال الأكراد خلال إفادة قدمها أمام مجلس الشيوخ في أيار/مايو:

ستشكل تسوية حقل نفط كركوك، والعائدات المرتبطة بحقول النفط، وتسوية ملكية مدينة كركوك تحديات سياسية كبيرة للحكومة العراقية. إن عدم معالجة تلك التحديات والخروج بحل سياسي، سيؤدي في المحصلة إلى صراع بين جميع الأطراف لتسوية هذه المسألة والعودة إلى ما يمكن أن يتطور إلى صراع أهلي في العراق. ... واستقلال الأكراد يدفع الأمور ليس باتجاه ما إذا كان ذلك سيحدث، بل متى سيحدث. وسيعقد الوضع ما لم يكن هناك اتفاق في بغداد، اتفاق يمكن لجميع الأطراف التعايش معه.

الأكراد ليسوا بحاجة لإجراء استفتاء يؤكد على ما يعرفونه مسبقاً. أي أنهم يرغبون بأن يكون لهم بلد خاص بهم. الأمر الأكثر إلحاحاً هو التوصل إلى تسوية مع بغداد حول المسألة التي لا يمكن تجنبها والمتعلقة بماهية الحدود بين الكيان الكردي – بصرف النظر عن وضعه الرسمي – وباقي العراق، وكيف سيتم تقاسم الموارد الطبيعية في المناطق المتنازع عليها. إن اندفاع الأكراد لإجراء استفتاء بأي ثمن قبل التوصل إلى اتفاق مع بغداد، يعرضهم لمخاطرة فقدان مكاسبهم الحالية من الأراضي – وكذلك موقع القوة الذي يحتلونه. إذ يمكن أن يتم التصدي لهم ليس فقط من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في انبعاثة جديدة، وهو التنظيم الذي اختفى ما تبقى من أعضائه بين السكان ولا يزال قوة يعتد بها تتغذى على الاستياء العربي العميق من استيلاء الأكراد على الأرض والنفط، بل أيضاً من قبل حكومة مركزية تتمتع بدعم الدول المجاورة حيال المسألة الكردية وباتت أكثر جرأة بفضل انتصارها في الموصل.

Read the full article at The New York Review of Books.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.