الاعتبارات السياسية للاستفتاء على الاستقلال الكردي
الاعتبارات السياسية للاستفتاء على الاستقلال الكردي
How to Mitigate the Risks of Iraqi Kurdistan's Referendum
How to Mitigate the Risks of Iraqi Kurdistan's Referendum
Op-Ed / Middle East & North Africa 1 minute

الاعتبارات السياسية للاستفتاء على الاستقلال الكردي

يخطط الزعيم الكردي العراقي مسعود برزاني لإجراء استفتاء على استقلال الأكراد في 25 أيلول/سبتمبر. لن تكون نتائج الاستفتاء ملزمة قانونياً، لكن القيادة الكردية، بدعوتها لهذا الاستفتاء، تكون قد وضعت مجتمعها وشركاءها الأجانب في مأزق. ورغم أن الاستفتاء يمكن أن يطيل من عمر قيادة كردية في حالة تراجع، فإنه يدعو إلى وحدة تخمد المعارضة المحلية وتخاطر بإثارة أزمات ستترك كردستان مكشوفة خارجياً.

 

وضع مصلحة الأحزاب فوق مصلحة المؤسسات

لقد عادت مشاركة القوات الكردية العراقية في الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية على مدى الأعوام القليلة الماضية قادة الإقليم بمساعدات عسكرية أجنبية غير مسبوقة ووسعت سيطرتها على مناطق مختلطة إثنياً ومتنازع عليها على طول حدودها الداخلية مع باقي أنحاء العراق. لكن مع وصول الحملة إلى أوجها في استعادة السيطرة على الموصل هذا الصيف، فإن الدعم العسكري الخارجي والاهتمام الدولي قد يتقلص. على سبيل المثال، فقد أقر البنتاغون مؤخراً بأنه ورغم إمكان توقع بقاء قوات التحالف في العراق بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، فإن الوجود الأمريكي سيكون أكثر محدودية وفي عدد أقل من القواعد. وبالتالي فإن بعض القادة الأكراد يعتقدون أن أمامهم فرصة محدودة لتنظيم استفتاء، وهي المحاولة الثانية منذ العام 2005.

لقد أثار الاستفتاء المقترح ردود فعل مختلطة بشدة بين الأكراد العراقيين. رغم أن البعض، خصوصاً في أوساط الجيل الأكبر سناً، يعتقد بصدق أن الاستفتاء سيكافئ الأكراد على صراعهم الذي دام عقوداً لنيل الاستقلال، فإن آخرين، وبشكل أساسي في أوساط الجيل الشاب، يرون فيه حيلة لا علاقة لها بالمبادئ من قبل القادة الأكراد للبقاء في السلطة. كثيرون – وربما الأغلبية – يشعرون بعدم ارتياح، وبأنهم ممزقون بين الرغبة باغتنام الفرصة التي يدعي الاستفتاء بأنه يقدمها وانعدام الثقة بالقيادة التي طرحته. زعماء بارزون في المجتمع المدني، بمن فيهم بعض الصحفيين والنشطاء، عارضوا الاستفتاء علناً، وبعض القوى السياسية ظلت صامتة أو عبرت عن دعم مشروط.

يبدو من الواضح فعلاً أن الحرس القديم – جيل القادة الذين شكلوا رأس حربة في الصراع المسلح من أجل الاستقلال الكردي قبل عدة عقود – تمسك بالسلطة لفترة أطول مما ينبغي وبات يشكل العقبة الرئيسية أمام نشوء كردستان قوية ومستقلة.

حصد هؤلاء القادة ثمار معركتهم بعد أن سحب صدام حسين قواته من شمال العراق في العام 1991. حينذاك، بدأت الأحزاب الكردية بوضع أسس الحكم الذاتي. أجرت الأحزاب انتخابات، وأسست حكومة إقليم كردستان، وبدأت بحرفنة قواتها العسكرية (البشمركة) الخاصة بكل منها. لكن حقيقة أن الأحزاب هي التي أوجدت مؤسسات الإقليم تحولت إلى نقطة ضعف، حيث أدت إلى نشوء اعتماد متبادل لكن غير صحي بين الطرفين. سرعان ما أدى الاقتتال الداخلي بين الحزبين الرئيسيين – الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني – إلى ظهور إدارات متنافسة داخل كردستان قسمت الإنجاز التاريخي إلى نصفين.

بعد سقوط صدام في العام 2003، حقق كردستان العراق العديد من المكاسب التي عززت التعاون بين الأحزاب ومنحت قدراً من الاحترام للحريات الديمقراطية. غير أن بعض قادة الأحزاب قاوموا التخلي عن السلطة للمؤسسات، التي ظلت رهينة علاقاتهم المتقلبة باستمرار. على سبيل المثال، فإن وزارة شؤون البشمركة، التي تتصدى لقضايا الدفاع، تقوضها مجموعة من القوات الأمنية التي تعمل بشكل مستقل عنها وتتبع لشخصيات حزبية متنافسة. وقد أصبحت هذه القوات الأمنية أكثر قوة من وحدات البشمركة المشتركة للحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني معاً التي تتبع للوزارة. وظهرت قوة سياسية جديدة أيضاً، لكنها لم تتمكن من فك الاحتكار الثنائي الذي يفرضه الحزبان الرئيسيان أو من تقديم مسار قابل للحياة يفضي إلى الإصلاح المؤسساتي.

في العام 2012، أدت الاضطرابات الإقليمية إلى تقويض أي تقدم يمكن أن يكون قد تحقق بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. نشوء تنظيم الدولة الإسلامية ترك الحزبين منقسمين داخلياً وأكثر اعتماداً على رعاتهما الإقليميين المتنافسين، تركيا بالنسبة للحزب الديمقراطي الكردستاني وإيران بالنسبة للاتحاد الوطني الكردستاني. ذلك الدعم العسكري الأجنبي عاد بالفائدة، وبشكل غير متناسب، على الأحزاب وليس على المؤسسات، ما فاقم المشكلة المحورية في الإقليم. البرلمان، الذي كان قد شُلّ بسبب نزاع حول الحدود الزمنية للفترة الرئاسية، انعقد مؤخراً فقط للمرة الأولى منذ عامين تقريباً.

بموازاة ذلك، فإن اقتصاد كردستان تراجع بشدة؛ فمنذ الانخفاض الحاد في أسعار النفط في العام 2014، تأخرت حكومة إقليم كردستان، التي يهيمن عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني، وبشكل متكرر، عن دفع رواتب موظفي القطاع العام الذي تضخم حجمه في الإقليم. في هذه الأثناء، انكمشت الاقتصادات الخاصة وغير الرسمية أيضاً. لقد انضم آلاف الأكراد الشباب إلى موجات الهجرة إلى أوروبا بحثاً عن حياة أفضل، ما يشكل تصويتاً بسحب الثقة من النظام الذي بناه قادتهم.

خيارات سيئة

بدلاً من معالجة مشكلة الشرعية، فإن القادة الذين يقفون وراء الاندفاعة نحو الاستفتاء يرفعون الرهانات على أوراق ضعيفة. يزعم الاستفتاء بأنه يقدم خياراً، لكن في الواقع فإنه يفعل العكس؛ فباستحضارهم قضية الاستقلال الكردي الجامعة، فإن دعاة الاستفتاء يضعون خصومهم – سواء كانوا سياسيين، أو شباباً، أو مجتمعاً مدنياً، أو محللين – في مأزق: إما أن يدعموا الاستفتاء، وبالتالي القيادة التي طرحته، أو يعارضوا الاستفتاء ويعرّضوا أنفسهم لاتهامات بخيانة التطلعات القومية الكردية. بعض الذين تجرؤوا على معارضة الاستفتاء يشعرون أصلاً بأنهم مهددون. أحد هؤلاء النشطاء أخبرنا مؤخراً بأنه يشعر بأن عليه مغادرة البلاد خشية الأعمال الانتقامية على يد الذين سيصوتون بـ "نعم" إذا نجح الاستفتاء.

كما أن الاستفتاء يخاطر أيضاً بتكثيف التهديدات الخارجية التي ستقلص بدورها، وبشكل أكير، الفضاء المتاح للمعارضة الداخلية. رغم أن القادة الأكراد أشاروا إلى أن الاستفتاء لن يؤدي تلقائياً إلى الاستقلال، فإنه ينشر التصور بأن حكومة إقليم كردستان تحاول الانفصال – وهي سابقة ستكون الدول المجاورة، التي يشكل الأكراد جزءاً مهماً من سكانها، مصممة على عكس مفاعيلها. يمكن لتركيا وإيران استغلال الهشاشة الأمنية والاقتصادية لكردستان العراق لدفع حلفاء كل منهما من الأكراد للاقتتال فيما بينهم. على سبيل المثال، يمكن لطهران أن تدعم القادة المعادون للحزب الديمقراطي الكردستاني في السليمانية وبغداد، وأن تدفعهم لمواجهة الحزب الديمقراطي الكردستاني والشخصيات الموالية له في دهوك وأربيل، والذين تربطهم علاقات قوية بأنقرة. كما يمكن لهذا التدخل أن يفاقم من الضغوط التقسيمية داخل الأحزاب، ما يجعل الانقسامات الداخلية أكثر ترجيحاً.

ثمة مخاطر قد يكون بعض القادة الأكراد، وبعد صراع طويل للحصول على دولة، مستعدون لمواجهتها. لكن أولئك الذين يطرحون هذا الاستفتاء ليسوا هم الذين سيعيشون مع نتائجه. يمكن للاستفتاء أن يزيد من الضغوط الخارجية، وبذلك يفاقم المشاكل الحالية لكردستان، وجميعها ستؤثر بشكل أساسي على الجيل الشاب. في سيناريو الوضع الأسوأ، يمكن للقادة الأكراد استحضار التهديدات الخارجية المتزايدة لتبرير أسلوب حكم أكثر قمعاً في الداخل، ومرة أخرى على حساب الشباب الذين سيشعرون بعدم قدرتهم على تحدي الوضع الراهن الذي لا يخدمهم.

كما يمكن للاستفتاء أن يضع شركاء كردستان، خصوصاً الولايات المتحدة، في مأزق. إذا استخدم القادة الأكراد نتيجة "نعم" لرفع مستوى جرأتهم في المطالبة بالمناطق المتنازع عليها، فإنه قد لا يكون أمام رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خيار سوى الاعتماد على الفصائل الشيعية المدعومة من طهران، والتي تتمتع بوجود عسكري قوي في تلك المناطق، لتحدي سيطرة أربيل. في ذلك السيناريو، فإن المناطق المتنازع عليها ستصبح أرضاً خصبة لفصل جديد من الصراع في حقبة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية. يمكن للفصائل الشيعية أن تعزز مصداقيتها بوصفها مدافعة عن وحدة العراق في تلك المعركة، ما سيقوض سلطة بغداد. إن تحولاً في توازن القوى في أوساط شيعة العراق لصالح طهران سيكون مناسباً للقيادة الكردية، ولن يترك للولايات المتحدة شركاء سوى الأكراد.

إن كردستان عراقية قوية ومستقلة هي تلك التي تستطيع الوقوف على قدميها بصرف النظر عما يفعله جيرانها. ولتحقيق ذلك ينبغي على القادة الأكراد، وبدعم من الولايات المتحدة وغيرها من الشركاء الدوليين، السعي نحو مسار أطلقوه بعد العام 2003، بتعزيز قوة المؤسسات وليس قوة مكاتبهم السياسية. عليهم أن يضمنوا أن يصبح البرلمان وحكومة إقليم كردستان، بما في ذلك وزارة البشمركة، منصة للتعاون الكردي الداخلي وجهة رقابية على سلطة الحزبين السياسيين المهيمنين. وفي الوقت نفسه، سيكون من المهم للإقليم تنويع اقتصاده – على سبيل المثال، إعادة الاستثمار في الزراعة وتشجيع ريادة الأعمال بقيادة الشباب – والانعتاق من ديناميكيات الدولة الريعية التي تعزز الانقسامات الداخلية وتولد الاعتماد على القوى الخارجية.

الأمر الأكثر إلحاحاً هو أنه ينبغي على القادة الأكراد أن يكونوا مستعدين لتسليم السلطة لجيل شاب. إن القومية الكردية لم تكن أبداً متعلقة برسم حدود دولة، بل، وكما يفهم قادتها الحاليين جيداً، وكما دعوا منذ وقت طويل، تتعلق بالقيم السياسية التأسيسية للدولة. إن شعوراً مشتركاً بالانتماء إلى أمة عابرة للمناطق المحلية والأجيال يشكل شرطاً مسبقاً لنشوء كردستان عراقية قادرة على توفير الحكم الرشيد والأمن لشعبها، سواء كان لذلك الإقليم حدوداً صلبة أو لا.

The full article in English can be read at Foreign Affairs while the Arabic version can be read here.

Contributors

Former Senior Adviser, Iraq
Cale Salih

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.