Op-Ed / Middle East & North Africa 14 minutes

فجر الأكراد الزائف

حلم الأكراد يوماً بتشكيل دولتهم الخاصة من رماد الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية؛ أما الآن فإنهم يقاتلون للمحافظة على مجرد بقائهم.

قبل بضعة أشهر وحسب، بدا أن أكراد العراق وسورية كانوا أكبر الرابحين في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. بالنظر إلى تعزز قواهم بتشكيل تحالفات مع نفس القوى الغربية التي كانت قد خذلتهم وقسّمتهم في الماضي، تجرأوا على أن يحلموا بأنهم باتوا على وشك تصحيح ما كانوا يتصورون أنه ظلم تاريخي، عندما حرمتهم المناورات الجيوسياسية من إقامة دولة في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

لكن، وبدلاً من أن يشهدوا تأسيس وطن مستقل، تعرض الأكراد لانتكاسة كبرى. مع وصول الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلى مرحلتها الأخيرة، فإن حماسة الولايات المتحدة وحلفاءها لاستخدام الأكراد للقتال نيابة عنهم ضد التنظيم الجهادي لم تترجم إلى دعم عسكري أو دبلوماسي طويل الأمد وبالتأكيد لم تترجم إلى دعم لإقامة دولتهم.

لقد وعى الزعماء الأكراد دائماً مثل هذه الأخطار، لكن رغم ذلك وافقوا على السير في ركابها، سعياً منهم للحصول على مكافأة منصفة للتضحيات التي قدموها، أي آلاف الضحايا والاستثمارات الهائلة التي تم تحويلها بعيداً عن تنمية المناطق الكردية إلى الاستيلاء على مناطق ذات أهمية كبرى للولايات المتحدة وحلفائها لكن ليس بالضرورة للقوات الكردية نفسها. تسببت مثل تلك المهمات بإحباط عميق في أوساط الشعب الكردي. محام كردي في مدينة القامشلي السورية لاحظ أن القوات الكردية كانت قد حاربت لتحرير عدد كبير من البلدات العربية بينما كانت أغلبية المناطق الكردية لا تزال تعاني من غياب البنية التحتية الرئيسية، مثل المدارس والكهرباء.

ما جعل الأمور أسوأ هو أن هذا المزيج من تخلي الغرب عنهم والاختلال الوظيفي السياسي الداخلي ترك الأكراد في موقع أكثر خطورة من أي وقت مضى. على مدى العام الماضي، تخلت السلطات الكردية في العراق عن استراتيجيتها الحذرة في تحقيق الاستقلال على أمل أن الدعم الأمريكي سيسمح لها بالقفز فوق العقبات المتبقية والوصول بسرعة إلى خط النهاية – وثبت أنهم مخطئون. وأفضى قرارهم بالمضي قدماً بإجراء استفتاء إشكالي على الاستقلال، في تحدٍ لإرادة دول أكثر قوة، أفضى إلى انتكاسة بأبعاد تاريخية.

كان يفترض بالاستفتاء الذي أجري في أيلول/سبتمبر 2017 أن يطلق العملية التي ستمكن أكراد العراق من حصد المكافآت على دورهم في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، وسع الاستفتاء ليشمل مناطق تعرف بالمناطق المتنازع عليها – وهي المناطق الحدودية بين الجزأين العربي والكردي من العراق التي يدعي الطرفان الحق بها والمهمة بسبب ثرواتها النفطية. حكومة بغداد برئاسة حيدر العبادي اعترضت بشكل خاص على هذا القرار، ورأت فيه خطوة أولى نحو ضم إقليم كردستان لهذه المناطق.

كان رد الحكومة العراقية سريعاً وحاداً: في أعقاب الاستفتاء، أرسل العبادي قوات فيدرالية إلى المناطق المتنازع عليها لاستعادة سلطة بغداد عليها. كانت الحكومة قد خسرت هذه المناطق لصالح مقاتلي البشمركة الأكراد قبل أكثر من ثلاث سنوات، عندما انهار الجيش العراقي أمام الهجوم الأولي الذي شنه تنظيم الدولة الإسلامية. في تشرين الأول/أكتوبر، وبعد استعادة حقول نفط كركوك، استمرت قوات الأمن العراقية بالتقدم فاستعادت مساحات واسعة من المناطق المتنازع عليها في شمال شرق العراق – أكثر مما كان الأكراد قد استولوا عليه في العام 2014.

"تخلي الغرب عنهم والاختلال الوظيفي السياسي الداخلي ترك الأكراد في موقع أكثر خطورة من أي وقت مضى."

وجد البرزاني بسرعة أن حلفاءه كانوا قد تخلوا عنه وأن أعداءه كانوا متحدين ضده. إيران، التي طالما عارضت أي تحرك لتقسيم العراق، نشرت بعض المجموعات الشيعية التي كانت قد دربتها وسلحتها ضد القوات الكردية، التي انسحبت في وجه جيش العبادي المتقدم. تركيا، حليف البرزاني، كان لديها مخاوف من أن النزعة الانفصالية يمكن أن تنتشر بين سكانها الأكراد. هددت بإغلاق حدودها الحيوية مع الإقليم الكردي ووقفت على الحياد وتركت إيران تتوسط في اتفاق سمح لحكومة بغداد بالتقدم ضد الأكراد.

المسؤولون الأميركيون من جهتهم كانوا قد عارضوا منذ وقت طويل أي تغييرات على حدود الشرق الأوسط خشية إحداث أثر دومينو لا يمكن إيقافه، وأيضاً أي تحرك يهدد بتقويض الحكومة المركزية العراقية، وأخبروا البرزاني علناً بألا يمضي قدماً بإجراء الاستفتاء في الأسابيع التي سبقته. ولم تحرك واشنطن ساكناً عندما علمت أن العبادي كان قد عقد صفقة مع إحدى المجموعات الكردية، فصيل الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة طالباني، لاستعادة حقول نفط كركوك دون إراقة دماء. يبدو أن تلك الصفقة أنجزت بوساطة إيرانية.

قد تمثل سيطرة الحكومة العراقية على حقول النفط المحيطة بكركوك ضربة أكبر لتطلعات الأكراد مما تشكله خسارة المدينة نفسها. النفط محوري لمحاولة استقلالهم؛ حيث يوفر عائدات تمنحهم نفوذاً اقتصادياً لدى جيرانهم. أما فقدان السيطرة على تلك الحقول فيعني عودتهم إلى حقبة سابقة كانوا فيها يعتمدون على بغداد للحصول على دخل من حقول النفط العراقية الجنوبية الأكبر. وتوحي مقاربة بغداد منذ استعادت السيطرة على كركوك في أواسط تشرين الأول/أكتوبر إلى أن هذا الوضع بالتحديد هو الذي تعتزم استعادته، أي اعتماد إقليم كردستان شبه الكامل على بغداد.

القيادة الكردية ارتكبت خطأين في حساباتها أديا إلى الوضع الراهن الخطير. تمثل الخطأ الأول في أن البرزاني توقع أن تدعمه الولايات المتحدة في مسعاه لإقامة دولة، استناداً إلى ما اعتبره فائدة الأكراد للغرب وما يفترض من تعاطف الغرب معهم. يعتقد القادة الأكراد بأنهم أثبتوا قيمتهم كحلفاء للولايات المتحدة مرة تلو المرة ودأبوا على تسويق كردستان بوصفها شريكاً يمكن الاعتماد عليه في كبح الطموحات الإيرانية في المنطقة.

كما دأب القادة الأكراد منذ وقت طويل على استحضار دعمهم للمبادئ الديمقراطية، والادعاء بأنهم نموذج للشرق الأوسط بعد العام 2003. إنهم لا ينفكون عن ذكر حمايتهم للأقليات الإثنية ولأكثر من مليون نازح عراقي في إقليم كردستان. ويجادلون بشكل مبرر أن مسعاهم لإقامة دولة لا يقل شرعية عن مسعى أميركا في حربها من أجل الاستقلال وأن مبدأ حق تقرير المصير حق راسخ في القانون الدولي.

قد تمثل سيطرة الحكومة العراقية على حقول النفط المحيطة بكركوك ضربة أكبر لتطلعات الأكراد مما تشكله خسارة المدينة نفسها.

أما سبب عدم نجاح حملة الإقناع والتودد فتعود جزئياً إلى المصدر الثاني للخطأ في حسابات البرزاني، وهو مصدر ذو صلة أكبر بالديناميكيات الداخلية. الحقيقة غير السارة هي أن القادة الأكراد يحبون التبجح بأنهم أقاموا حصناً للديمقراطية المزدهرة في الشرق الأوسط الذي يطغى عليه الحكم الاستبدادي – لكنهم في الواقع لم يفعلوا ذلك. بعد سقوط صدام حسين، لم يسخّر الحزبان الكرديان الرئيسان – الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البرزاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني – طاقاتهما في بناء مؤسسات وظيفية لسيادة القانون أو تنويع الاقتصاد. بدلاً من ذلك، استخدما أموال النفط لإثراء نفسيهما، وعائلاتهما، وكوادرهما الحزبية.

هجوم تنظيم الدولة الإسلامية الذي اعتمد القطع والحرق في شمال العراق في حزيران/يونيو 2014 جعل الأمور أسوأ. القتال ضد تهديد مشترك منح البرزاني مجالاً للتحرك، ومبرراً لإغلاق البرلمان، وفرصة لتمديد فترة بقائه رئيساً للإقليم. استبدل حكم الحزب بحكم قائم على الشخص. وكان خط الجبهة مع تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني على حد سواء تقوده شبكة من الشخصيات السياسية، والعسكرية، والتجارية التي تربطها بشكل رئيسي علاقة بقادة الحزبين عبر صلات شخصية أو عائلية.

الاستيلاء المشترك على مغانم الحرب من قبل حفنة من الزعماء الذين كانوا يزدادون قوة قوض النظام السياسي. كان وزراء الحكومة الأعضاء في أحزاب المعارضة يتمتعون بقدر أقل من السلطة من موظفيهم من الحزب الديمقراطي الكردستاني أو الاتحاد الوطني الكردستاني في نفس الوزارات، والذين أصبحوا المصادر الرئيسة لنظام الرعاية والمحسوبية في الإقليم الكردي. مسرور البرزاني، ابن مسعود، عزز من سيطرته على الجهاز الأمني للحزب الديمقراطي الكردستاني في صراع على السلطة مع ابن عمه نيجيرفان البرزاني، رئيس وزراء الإقليم وهو شخص براغماتي يركز على تنمية الاقتصاد.

الدعم العسكري الغربي غير المشروط عزز من هذه النزعات. قدمت الولايات المتحدة والدول الأوروبية كميات كبيرة من الأسلحة للقوات الكردية – اسمياً لحكومة الإقليم لكن في الواقع بشكل رئيس للحزب الديمقراطي الكردستاني. اندفعت قوات الأمن التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني أكثر فأكثر إلى المناطق المتنازع عليها، ودمرت بعض المناطق غير الكردية خلال قتالها ضد تنظيم الدولة الإسلامية ومنعت المدنيين من العودة إلى بيوتهم ما لم يعلنوا ولاءهم للأحزاب الكردية.

الاستيلاء المشترك على مغانم الحرب من قبل حفنة من الزعماء الذين كانوا يزدادون قوة قوض النظام السياسي.

خلال الاستعدادات لمعركة استعادة السيطرة على الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية في أواخر العام 2016، بدأ المزيج المكون من الحكم السيء، والاستقطاب السياسي، والاستياء الشعبي بالغليان. البعض رأى في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق خارج إقليم كردستان أداة في يد الزعماء الأكراد لإثراء أنفسهم، دون منافع ملموسة للأكراد العاديين. "لماذا ينبغي علينا القتال من أجل هذه الطبقة السياسية؟" تساءل أحد مقاتلي البشمركة في بداية حملة الموصل. "لماذا يتوجب علينا القتال في الموصل إذا لم تكن الموصل جزءاً من كردستان؟"

تعمق الانقسام بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني وأدى إلى انقسام مناطقي داخل كردستان؛ إذ يشعر المرء لدى دخوله أربيل الخاضعة لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني من السليمانية الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني الآن وكأنه يعبر حدوداً إلى بلد آخر. بشكل ما، فإن الاستفتاء ورد الفعل الذي تلاه كانا مدفوعين بجهود الحزبين لضمان بقائهما ضد بعضهما البعض؛ فمن أجل حشد التأييد الشعبي للاستفتاء، عقد فصيل مسعود – مسرور البرزاني في الحزب الديمقراطي الكردستاني هدنة قلقة مع قادة الاتحاد الوطني الكردستاني الذين شعروا بأنهم مهددين بالتهميش من قبل فصيل طالباني في الحزب. هذا الرهان شجع مجموعة طالباني، من خلال وساطة إيرانية، على التوصل إلى تفاهم مع بغداد وسحب قواتها من كركوك.

كان دور الطالبانيين حاسماً. كانوا قد منحوا دعماً فاتراً ومتأخراً لخطط الاستفتاء التي طرحها البرزاني. عندما لاحظوا مدى الإدانة الإقليمية والدولية التي لحقت بالرئيس جراء قراره بالاندفاع قدماً في إجراء الاستفتاء، وجدوا فرصتهم بقلب الطاولة عليه. نتيجة لانسحابهم من كركوك، لم يواجه الجيش العراقي، مدعوماً بفصائل عسكرية مدعومة من إيران، فعلياً أي مقاومة لتقدمه.

بدا البرزاني مصدوماً بهذه التطورات – في دليل على ما يبدو على اعتقاده بأن الدعم الغربي وعائدات النفط كانت قد حصنته ضد الحاجة إلى التوصل إلى تسوية. كان حزبه قد اتبع مقاربة انفرادية: "إذا لم تنضم السليمانية إلينا، فإننا سنبني كردستان في دهوك، وأربيل وسهل نينوى،" على حد تعبير رجل أعمال تحول إلى مقاتل بشمركة قبل الأحداث الأخيرة، في إشارة إلى المناطق التي يتمتع فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني بسيطرة حصرية فعلياً.

وبسبب هذه الغطرسة، فإن ثمة شكوكاً متزايدة في أنهم سيتمكنون من بناء كردستان في أي مكان على الإطلاق.

المجموعة التي تحكم المناطق الكردية في شمال سورية قد تواجه تحديات مشابهة قريباً. هي أيضاً كانت مستعدة لخوض معارك أميركا مقابل المعدات العسكرية، وقد يثبت أن هي أيضاً يمكن الاستغناء عنها مع تداعي ما تبقى من معاقل تنظيم الدولة الإسلامية وانصراف اهتمام واشنطن إلى مسائل أخرى. ما الذي سيحدث عندها لمناطق الحكم الذاتي بحكم الأمر الواقع التي تمكن الأكراد من اقتطاعها على مدى السنوات الخمس الماضية؟

كإخوتهم عبر الحدود في العراق، فإن أكراد سورية استغلوا ضعف الدولة المركزية. في العام 2012، انسحب نظام الرئيس بشار الأسد المأزوم من الشمال، تاركاً فراغاً ملأه جناح مرتبط بحزب العمال الكردستاني في تركيا. تلقت هذه المجموعة – المعروفة بوحدات حماية الشعب – دعماً عسكرياً أمريكيا رغم حقيقة أن قادتها تدربوا لدى حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره الولايات المتحدة منظمة إرهابية.

الحقيقة غير السارة هي أن القادة الأكراد يحبون التبجح بأنهم أقاموا حصناً للديمقراطية المزدهرة في الشرق الأوسط الذي يطغى عليه الحكم الاستبدادي – لكنهم في الواقع لم يفعلوا ذلك.

كما في العراق فإن التسليح والتدريب مكّنا وحدات حماية الشعب من إلحاق الهزيمة تلو الأخرى بتنظيم الدولة الإسلامية. وكان لهذه الانتصارات نتيجتين متناقضتين؛ فقد غذت شهية الأكراد السوريين لبناء إقليم كردي مستقل في سورية كذاك الموجود في العراق، كما أنها مكنت القادة الذين دربهم حزب العمال الكردستاني ويعملون في سورية والذين أصبحوا المتحدثين الرئيسيين مع الولايات المتحدة. هؤلاء القادة ممزقون بين رغبتهم باستثمار مكاسبهم في سورية في دعم صراع حزب العمال الكردستاني في تركيا وضمان، أولاً وقبل كل شيء، الاستقلال في سورية.

أدى الاحتكار السياسي الذي مارسته الكوادر المدربة على يد حزب العمال الكردستاني إلى ابتعاد وحدات حماية الشعب عن الطبقات الوسطى الكردية التجارية والمهنية في شمال سورية، التي قد تكون ممتنة لحصولها على حماية المجموعة لكنها تشعر بالغيظ لوقوعها تحت سيطرتها المحكمة وتشعر بالتهميش المتزايد من قبل متربحي الحرب الذين يلتفون حولها. على حد تعبير أحد أفراد الطبقة الوسطى في القامشلي: لقد أصبح سائقو التكسي ضباط شرطة أقوياء، و "بات من الممكن مشاهدة أصحاب دكاكين بسطاء يقودون سيارات مرسيدس موديل 2017 لأنهم يهرّبون النفط ويصدرون الإسمنت." وتابع متذمراً من أن مثل هذه التغيرات تثير الغضب في وقت يقوم فيه المدرسون، والمحامون، والأطباء بأعمال متفرقة بسيطة إضافة إلى أعمالهم لمجرد البقاء على قيد الحياة.

تواجه وحدات حماية الشعب أزمة خطيرة؛ فكي تكون قوية عسكرياً، هي بحاجة للارتباط بحزب العمال الكردستاني، الذي تستقدم كبار قادتها من حقول تدريبه. إلا أن فعل ذلك سيمنعها من كسب الدعم من السكان المحليين الذين لا يجدون مصلحة لهم في رفع القادة المدرَبين على يد حزب العمال الكردستاني لعلم القضية الكردية في سورية. مهما كان رأي السكان المحليين بأيدولوجية المجموعة، فإنهم يعترضون على ممارستها السلطة، التي لا تسمح بأية معارضة. وفي الوقت نفسه فإن ارتباط وحدات حماية الشعب بحزب العمال الكردستاني يجعلها عدوة مباشرة لتركيا، التي حاولت خنق شمال سورية اقتصادياً. إذا لم يكن أكراد سورية حذرين، فإنهم سيجدون أنفسهم معزولين عن جيرانهم؛ حيث يمكن لأنقرة ودمشق أن تتواطأا في المستقبل لإزاحة وحدات حماية الشعب واستعادة السيطرة المركزية، تماماً كما أعطت أنقرة الضوء الأخضر لطهران لوضع حد للتطلعات الكردية في شمال العراق.

كأخوتهم عبر الحدود في العراق، فإن أكراد سورية استغلوا ضعف الدولة المركزية.

أمام وحدات حماية الشعب مسارين لتجنب هذا المصير. يمكنها التخلي عن السيطرة على المناطق غير الكردية لحلفائها غير الأكراد بعد إلحاق الهزيمة العسكرية بتنظيم الدولة الإسلامية ومن ثم التركيز على بناء حكم ذاتي قابل للحياة بالنسبة للمناطق ذات الأغلبية الكردية. ولفعل ذلك، عليها الاعتماد على الطبقة الوسطى المتعلمة المرتبطة بأحزاب غير حزب العمال الكردستاني وكوادره العسكرية المدربة وأن تأمل بأن تقدم الولايات المتحدة الحماية لها. وقد يكون هذا مقبولاً أيضاً لتركيا، التي يمكن أن تتساهل حيال وجود كيان كردي على حدودها، كما في العراق، لكن ليس كياناً يهيمن عليه عدوها اللدود، حزب العمال الكردستاني.

إلا أن هذه الاستراتيجية تعقدها حقيقة أن تحالف الولايات المتحدة مع الأكراد السوريين أقل استقراراً حتى من شراكة واشنطن مع الأكراد في شمال العراق. في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر أشار الرئيس دونالد ترامب إلى أن الولايات المتحدة قد توقف مساعداتها العسكرية لوحدات حماية الشعب. إذا كانت هذه إشارة إلى أن الولايات المتحدة تعتزم التخلي عن وكيلها في المستقبل المنظور – وهو احتمال يخضع لنقاش محتدم داخل وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني – فلن يكون أمام المجموعة الكردية خيار سوى تنويع تحالفاتها إذا أرادت البقاء.

بالنظر إلى هذا الواقع، فإن المسار الآخر أمام القادة الأكراد السوريين سيكون اندماج حكمهم المحلي ومؤسساتهم الأمنية في إطار الدولة السورية، التي تلاشت قدراتها بشكل حاد. لقد كانت وحدات حماية الشعب موجودة في شمال سورية بتساهل من النظام وداعميه الأقوياء، وقد تعايش مقاتلوها بشكل عام مع قوات الأمن السورية في مدينتي القامشلي والحسكة. كما أن لحزب العمال الكردستاني تاريخ في عقد صفقات مع النظام على الأقل منذ العام 1978، عندما كان له مكاتب في دمشق وكان يدرب مقاتليه في وادي البقاع اللبناني تحت السيطرة السورية.

ستحسن وحدات حماية الشعب صنعاً إذا ركزت على بناء مؤسسات حكم فعالة بالتعاون مع الأحزاب الكردية المحلية والتفكير بالدعوة إلى عودة الوزارات الخدمية للدولة السورية إلى مناطقها. يمكن لهذه المقاربة أن تفتح الأبواب أمام التجارة مع العراق من خلال الحدود المشتركة، التي تسيطر عليها الآن فصائل مسلحة مرتبطة بالعراق وإيران على الجانب العراقي، لأن الحكومة العراقية قد تنظر بعين الرضا إلى تفاهم بين وحدات حماية الشعب ودمشق.

ليس من الواضح إذا ما كان الأسد سيوافق على أي شيء أقل من الاستعادة الكاملة للسيادة السورية على المناطق الكردية، لكن من غير الواضح أيضاً ما إذا كانت لديه القدرة على انتزاعها. لقد أشارت موسكو إلى أنها قد لا تعارض قيام حكم ذاتي كردي. ولذلك فإن الكثير سيعتمد على ما إذا كانت الولايات المتحدة، مع روسيا، ستوافق على التوسط للتوصل إلى ترتيب ما بعد الصراع يمكن أن يسمح للمناطق الكردية بالخروج من الحرب السورية بدرجة ما من الحكم الذاتي.

بإزالة الحدود بين العراق وسورية، فإن تنظيم الدولة الإسلامية تحدى النظام السياسي الذي حكم الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى. الأفعال الخشنة للتنظيم ساعدت في تغذية الأحلام الكردية بالاستقلال؛ فقد أدت إلى التدخل الغربي إلى جانب الأكراد ووفرت الفرصة لتغيير حدود المنطقة لصالح الأكراد. على جانبي الحدود السورية – العراقية، انتظر القادة الأكراد انهيار الدولتين المركزيتين تحت ضغط الحرب الأهلية بينما عززوا من قواتهم بمساعدة الأسلحة الغربية. في العراق، على وجه الخصوص، بدا أنهم يراهنون على شيء أكثر أهمية: الدعم الغربي لإقامة دولة حالما تنتهي تلك المعركة. لكن هذا يبدو على نحو متزايد أنه رهان خاسر.

سيكون على القادة الأكراد الآن البدء من جديد.

ثمة طريقة أفضل أمام الأكراد للسعي نحو الاستقلال من الاعتماد على قوى خارجية وزيادة القمع في الداخل. حتى عام مضى، كان لدى القادة الأكراد العراقيين استراتيجية ممتازة لإقامة دولة تتمثل في عملية بناء نفوذ تدريجي استناداً إلى وجود النفط والغاز داخل إقليم كردستان. ولما يقارب العقد من الزمن، تمكنوا من اجتذاب شركات نفط وغاز قوية على نحو متزايد للاستثمار في هذه الكتل غير المستكشفة إلى حد بعيد، ومراكمة الدعم السياسي خلال هذه العملية من حكومات بلدان هذه الشركات، بما في ذلك الولايات المتحدة، وتركيا، وروسيا. ما كان يمكن لهذه المقاربة أن تحقق الاستقلال قريباً، لكنها وضعت أسسه.

سيكون على القادة الأكراد الآن البدء من جديد. وسيتطلب فعل ذلك الاستثمار في ذلك النوع من المؤسسات التي يمكن أن تفضي إلى دولة مستقلة والمحافظة عليها، إذا تحول ميزان القوى الإقليمي، وعندما يتحول، لمصلحة الأكراد. إن برلماناً نابضاً بالحياة وجهازاً قضائياً مستقلاً يشكلان مؤسستين محوريتين، وكذلك وجود هيئة مستقلة لمكافحة الفساد تعمل بالتوازي مع الجهاز القضائي.

لقد شجعت المعركة المدعومة غربياً ضد تنظيم الدولة الإسلامية القادة الأكراد على تعطيل ذات الأسس اللازمة لقيام دولة مستدامة. وقد أدى مزيج من الإفراط في الثقة السياسية والجشع للسيطرة على الأراضي إلى الانتكاسة الكارثية بالنسبة للأكراد في العراق، ويمكن أن يحدث الأمر نفسه قريباً في سورية أيضاً. إذا كان الأكراد يريدون أي احتمال مستقبلي لتحقيق الاستقلال إذا تغيرت المعادلة الإقليمية، وعندما يحدث ذلك، يحسن بقادتهم أن يجعلوا من الإصلاح السياسي أولوية في الداخل. إذا لم يفعلوا ذلك، فإنهم قد يواجهون، بعد سبع سنوات من الربيع العربي، ربيعاً كردياً خاصاً بهم، مدفوعاً بتركيبة سكانية شابة – غاضبة، ومحبطة، وحريصة على معاقبتهم على خطأهم التاريخي، وسوء إدارتهم السياسية، وفسادهم العصي على الإصلاح.

Contributors

Program Director, Middle East and North Africa
JoostHiltermann
Former Senior Adviser, Iraq

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.