ينبغي على أميركا أن تتحدث إلى الحوثيين
ينبغي على أميركا أن تتحدث إلى الحوثيين
Op-Ed / Middle East & North Africa 1 minute

ينبغي على أميركا أن تتحدث إلى الحوثيين

بإمكان ضربة حوثية على شكل صاروخ أو طائرة مسيرة تستهدف السعودية، أو الإمارات العربية المتحدة أو خطوط الملاحة في البحر الأحمر أن تشعل صراعاً أوسع تنخرط فيه الولايات المتحدة، وحلفاؤها الخليجيون وإيران.

في السنة الخامسة من حرب لا هوادة فيها بين أنصار الله، الحركة المدعومة إيرانياً والمعروفة باسم الحوثيين، والتحالف الذي تقوده السعودية وتدعمه الولايات المتحدة، صنعاء، العاصمة اليمنية، لا تستقبل العديد من الزوار الأميركيين. وثمة أسباب قوية لذلك.

يسيطر الحوثيون على صنعاء وعلى نحو خُمس المساحة الإجمالية للبلاد؛ ويعيش أغلبية سكان اليمن البالغ عددهم 30.5 مليون نسمة في مناطق يسيطر على الحوثيون. إلا أن انتشار البؤس أوسع من ذلك بكثير. تصنف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في اليمن على أنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ حيث إن ثلثي السكان بحاجة لشكل من أشكال المساعدة، و10 مليون نسمة يعانون من سوء التغذية، ونحو ربع مليون نسمة يموتون جوعاً.

قبل أسبوعين، سافرت مع بعض الزملاء إلى صنعاء. كان انطباعنا الأول شعور طاغٍ بعزلة المدينة عن العالم الخارجي. حتى قبل الحرب، كانت صنعاء تعطي الانطباع بأنها عالقة في حقبة تعود إلى ما قبل عدة عقود من الزمن. ومنذ ذلك الحين، فإن أماكن الحداثة القليلة فيها، التي تتجلى على شكل مقاهٍ تعمل على نمط "الباريستا"، ومعارض سيارات ومراكز تسوق تحاول تقليد الجماليات الخليجية المبتذلة، إما أغلقت أبوابها أو باتت في حالة مزرية.

الحدود البرية مع السعودية مغلقة بسبب القتال على الجبهات، وكذلك الصلات مع جميع موانئ اليمن باستثناء ميناء واحد. في صنعاء يوجد مطار واحد صغير متضرر بشدة؛ إلا أن السعودية التي تسيطر على مجاله الجوي تضمن عدم قدوم أو مغادرة الطائرات التجارية. المرضى الذين يحتاجون لرعاية طبية عاجلة لا يستطيعون مغادرة البلاد. والأشخاص المنفصلون عن أحبائهم في الخارج لا يستطيعون السفر للقائهم.

إن عزل صنعاء يحمل تبعات بالغة السوء على سكانها. كما أن تجاهل أولئك الذين يحكمونها يحمل أثماناً سياسية أيضاً. يتحمل الحوثيون مسؤولية كبيرة عن هذه المأساة، لكنهم يحملون أيضاً المفاتيح التي تضمن إنهاء الحرب أو استمرارها. إن ضربة صاروخية أو عبر طائرة مسيرة يطلقها الحوثيون في المكان أو الزمان الخطأ على السعودية، أو الإمارات أو خطوط الملاحة في البحر الأحمر يمكن أن تشعل صراعاً أوسع تنخرط فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الخليجيون وإيران. ولذلك فمن غير المنطقي ألا يتحدث المسؤولون السعوديون أو الأميركيون إليهم.

يبدو سكان صنعاء مذهولين وغاضبين مما يعتبرونه اهتماماً دولياً غير متناسب يحظى به كل هجوم حوثي عبر صاروخ أو طائرة مسيرة على السعودية، مقارنة بعمليات القصف المنهجي المدمر التي يشنها التحالف الذي تقوده السعودية والذي يتعرض له اليمنيون منذ آذار/مارس 2015.

من الصعب معرفة مدى الحرية التي يتمتع بها السكان المحليون في التعبير. قد يلوم كثيرون في مجالسهم الخاصة الحوثيين على قرارهم المتهور بمواجهة جارتهم الشمالية. إذا كان الأمر كذلك، فإن هذه المشاعر مخبأة جيداً. فحتى قادة حزب مقرب تقليدياً من السعوديين ومختلف مع الحوثيين عبروا عن غضبهم العميق من السعودية.

يسخر سكان صنعاء قائلين: "لو يعطينا السعوديون ثمن صاروخ، لدمرنا منازلنا نيابة عنهم. وشعر سكان صنعاء بالسخط الشديد عندما قصفت إحدى مقابرهم فقالوا: "حتى موتانا ليسوا آمنين".

كما أن أنصار الحوثيين يعبرون عن دهشتهم عندما تعزى الهجمات على السعودية إلى إملاءات إيرانية، كما لو أن حربهم مع المملكة لا تشكل تفسيراً كافياً. لقد أقنعهم تركيز العالم على عملياتهم على الحدود أن هذا ما يتطلبه الأمر لجذب اهتمام العالم وجعل السعوديين يغيرون سياستهم. لدى السعودية الكثير مما تخسره في هذه المخاطرة؛ أما اليمنيين فليس لديهم ما يخسرونه إلى الدرجة التي تجعلهم يكترثون.

كما يلاحظ الزائر لصنعاء شعوراً مفاجئاً بالاستقرار الداخلي؛ إذ يبني الحوثيون شيئاً قريباً من دولة بوليسية؛ حيث إن غياب الحواجز ونقاط التفتيش أو المظاهر الأخرى للأمن في العاصمة يشكل إعلاناً عن إحكام قبضتهم على المدينة.

معظم الناس في صنعاء يعتبرون الولايات المتحدة ضالعة في الحرب، وأنها هي التي تمكن التحالف الذي تقوده السعودية من شنها، وهم محقون في ذلك. من المفهوم أن الأميركيين لا يرتاحون لاعتناق الحوثيين شعارات مثل "الموت لأميركا"، و"اللعنة على اليهود"، التي يكتبونها على جدران المدينة. إلا أن سكان صنعاء يرحبون بحرارة بالزائر الأمريكي النادر في المدينة.

القيادة الحوثية تعرف كل هذا، فهي تعرف العداء الشعبي للتحالف الذي تقوده السعودية؛ والسيطرة الملحوظة التي حققتها الحركة، وتجد مبررات أخرى لثقتها بنفسها. إنهم يشعرون أن الوقت يعمل لصالحهم؛ فرغم التفاوت العسكري الهائل، صمدوا في وجه تحالف مكون من دول غنية وبدعم وتسليح من الغرب.

جبهات القتال مجمدة فعلياً؛ فالأعداء المحليون، الذين تقودهم اسمياً الحكومة المعترف بها دولياً برئاسة عبد ربه منصور هادي والتي تتخذ من عدن مقراً لها، تظهر علامات انقسام. الإماراتيون أعلنوا مؤخراً إعادة انتشار تقلص إلى حد كبير المخاطرة في حدوث هجوم يشنه التحالف على مدينة الحديدة ومينائها الحيوي. كما أن المشاعر المعادية للسعودية تتنامى في قاعات الكونغرس الأميركي.

رغم ثقتهم، فإن الحوثيين لا يعرفون كيف أو متى ستنتهي هذه الحرب. اللازمة الوحيدة التي يكررونها هي أنهم مستعدون للتفاوض، ليس مع السيد هادي أو حلفاءه، الذين يعتبرونهم "مرتزقة"، بل مع السعوديين، الذين يحركون السيد هادي كدمية، كما يدعون، أو مع الولايات المتحدة، التي يعتقدون أنها تحرك خيوط السعودية.

إنهم يقدمون خارطة طريق، فيعدون بوقف الهجمات عبر الحدود ضد السعودية إذا أوقفت السعودية هجماتها ضدهم. بموجب هذه الخارطة، سينسحبون من الأراضي السعودية. وستسمح الرياض بإعادة فتح مطار صنعاء. وسيناقشون علاقة طويلة الأمد يؤكدون أنها ستكون أقرب من علاقة الحوثيين بإيران.

الحوثيون عن تسوية سلمية وعن علاقات وثيقة مع السعودية؛ وفي الوقت نفسه يحذرون من مفاجآت تنتظر الرياض إذا لم توافق على وقف لإطلاق النار. يشعرون بالإهانة عند تسميتهم وكلاء لإيران، لكنهم يقرون بأن الحرب جعلتهم أقرب إليها ويقدمون إنكاراً باهتاً عندما يسألون عما إذا كانت إيران تقدم لهم السلاح. ويؤكدون أحياناً على الطبيعة المحلية الصرفة لحربهم؛ وفي أحيان أخرى، بشكل أكثر ثورية، على هويتها الإسلامية. ولذلك يمكن أن يُعذر المسؤولون السعوديون والأميركيون عندما يشعرون بالتشوش والاختلاط حيال ذلك.

كما أن ثمة غموضاً في وصف الحوثيين للتسوية الداخلية التي يمكن التوصل إليها في النهاية. يدعي الحوثيون أنه حالما تنتهي الحرب مع السعودية، فإنهم سيجلسون مع اليمنيين الآخرين للتفاوض على تشكيل حكومة تكنوقراط، وعلى إجراء انتخابات جديدة ونزع سلاح جميع المجموعات المسلحة. لكن مرة أخرى، فإن هذه الادعاءات مشروطة؛ إذ يقولون إنهم سيتخلون عن أسلحتهم الثقيلة حالما تتم استعادة الثقة، وهي عملية قد تستغرق وقتاً طويلاً بعد المعارك الوحشية التي جرت بينهم وبين خصومهم. يشك خصومهم في أن ذلك لن يحدث أبداً، ويقولون إن الحوثيين لن يتخلوا عن السلطة التي راكموها بسهولة، وبالتأكيد ليس عن طيب خاطر.

ليس مؤكداً كيف يمكن أن يرد الحوثيون إذا توقفت الولايات المتحدة عن مساعدة التحالف الذي تقوده السعودية وأنهى التحالف حملته. لكن السنوات الأربع الماضية تعطينا فكرة جيدة عما سيحدث إذا لم يتحقق ذلك. من المرجح أن يكون الحوثيون أقوى، وأن تكون المعارضة أكثر تشرذماً، وأن تكون إيران أكثر نفوذاً، والسعودية أقل أماناً وعرضة لقدر أكبر من الانتقاد. وسيكون اليمنيون أكثر فقراً ويأساً.

ونحن نغادر صنعاء، كان السكان يسألوننا بشكل متكرر عما ستفعله الولايات المتحدة لوضع حد لبؤسهم. تمنينا لو استطعنا إجابتهم.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.