الضربات العسكرية لا تشكل رداً بسيطاً على صعود القاعدة في اليمن
الضربات العسكرية لا تشكل رداً بسيطاً على صعود القاعدة في اليمن
Les raids antiterroristes américains au Yémen, une arme aux mains d’Al-Qaida
Les raids antiterroristes américains au Yémen, une arme aux mains d’Al-Qaida
Yemeni security forces gather in Aden's Mansura district, where a car bomb was used by suspected al-Qaeda fighters to target the city's police chief on 1 May 2016. AFP/Saleh Al-Obeidi
Commentary / Middle East & North Africa 6 minutes

الضربات العسكرية لا تشكل رداً بسيطاً على صعود القاعدة في اليمن


يخاطر سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين في آخر غارة جوية شنتها الولايات المتحدة ضد الإرهاب في اليمن بمفاقمة صراع يشكل السبب الرئيسي لنمو القاعدة في البلد المدمر بدلاً من المساعدة على تسويته.
 

أول غارة جوية ضد الإرهاب أمر بتنفيذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال نهاية الأسبوع استهدفت القاعدة في اليمن. إلى أي حد كانت العملية فعالة، وماذا نعرف عن الاستراتيجية الأوسع للإدارة الجديدة حيال اليمن؟

تشكل الغارة الجوية على البيضاء، إحدى الجبهات الرئيسية في الحرب الأهلية في اليمن، حيث تشارك القاعدة في شبه الجزيرة العربية وفرعها المحلي، أنصار الشريعة، في الصراع، مثالاً جيداً على ما لا ينبغي فعله. يتسبب استخدام الجنود الأمريكيين وسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين – حيث ذكرت المصادر المحلية مقتل عشر نساء وأطفال على الأقل - بتهييج المشاعر وتوليد الاستياء من أمريكا لدى سائر أجزاء الطيف السياسي اليمني وهو ما يصب في مصلحة القاعدة في شبه الجزيرة العربية. تتجاهل الغارة السياق السياسي المحلي، على حساب وجود استراتيجية فعالة لمحاربة الإرهاب. كان رجال القبائل الذين تم استهدافهم يرتبطون بصلات بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية/أنصار الشريعة، لكن العديد منهم، إن لم يكن معظمهم، لا تحفزهم الأجندة الدولية للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك استهداف الغرب، بل يحفزهم أكثر صراع محلي على السلطة يُنظر فيه إلى القاعدة في شبه الجزيرة العربية على أنها حليف ضد الحوثيين (الميليشيا الزيدية/الشيعية) والمقاتلين المتحالفين مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح. على المستوى المحلي، فإن الغارة لا تعزز فقط رواية القاعدة في شبه الجزيرة العربية حول الحاجة لإبداء معارضة عنيفة لما يزعمون أنه حرب أمريكية ضد المسلمين، بل تمنح القاعدة في شبه الجزيرة العربية أيضاً فرصة لاتهام الولايات المتحدة بمساعدة قوات الحوثي/صالح في حربها للاستيلاء على البيضاء، وهو اتهام من المرجح أن يلقى صدى لدى السكان المعادين للحوثي/صالح في هذه المنطقة. وهذه مفارقة، لأن الولايات المتحدة تساعد السعودية في قصف قوات الحوثي/صالح.

من المبكر جداً تحديد ماهية الاستراتيجية الأوسع لإدارة ترامب في اليمن، إذا كان هناك في الأصل أية استراتيجية. فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب، يبدو أنه سيستمر في سياسة الرئيس السابق باراك أوباما بالاعتماد بشكل كبير على الطائرات دون طيار والعمليات الخاصة. إلا أن هجمات الطائرات دون طيار أظهرت فعالية محدودة ونزعة لإحداث آثار عكسية سياسياً عندما تتسبب بسقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين. رغم أنها وجهت ضربات متكررة للقاعدة في شبه الجزيرة العربية بقتل قادة ودعاة ومنظرين رئيسيين فيها، فإنها أخفقت في وقف نموها السريع – لأن الفرص التي توفرها الحرب تفوق الخسائر التي تحدثها الضربات.

ما مدى جدية التهديد الذي يشكله الفرع اليمني للقاعدة؟

القاعدة في شبه الجزيرة العربية أقوى من أي وقت مضى. في حين أن تنظيم الدولة الإسلامية هيمن على عناوين الأخبار في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن القاعدة كانت قصة نجاح في اليمن. على مدى عملية الانتقال السياسي الفاشلة في البلاد، استغلت انهيار الدولة، وتبدُّل التحالفات، ونشوء اقتصاد الحرب وتنامي الطائفية لتوسيع قاعدة أنصارها، وتحدي سلطة الدولة وحكم بعض المناطق أحياناً. لقد تحولت إلى قوة معارضة مسلحة داخلية، وربطت نفسها بمعارضة "سنية" أكبر لتحالف الحوثي/صالح وتستخدم استراتيجية تعتمد على التدرج لتجنب الإساءة بعدوانية للأعراف المحلية والعمل مع المجتمعات المحلية لتحسين الخدمات والتقديم السريع للعدالة. وباتت القاعدة في شبه الجزيرة العربية جزءاً من اقتصاد حرب يشمل مختلف الفصائل السياسية، بما في ذلك مقاتلي الحوثي/صالح، وقد حصلت على موارد جديدة من خلال مداهمة المصارف، والسيطرة على ميناء المُكلا لأكثر من عام، ونهب قواعد الجيش والحصول بشكل غير مباشر على الأسلحة من التحالف الذي تقوده السعودية بدعم أمريكي والذي يدعم الحكومة اليمنية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً ضد قوات الحوثي/صالح.

رغم أن القاعدة في شبه الجزيرة العربية تبنت استراتيجية "اليمن أولاً" وذلك بمعالجة المظالم المحلية والاندماج في الصراعات المحلية، فإنها تستمر بموازنة الأهداف المحلية مع أهدافها العالمية، حيث تدعو إلى هجمات، خصوصاً هجمات يقوم بها "ذئاب منفردون"، ضد الغرب. ثمة جدل حول درجة التهديد الذي يشكله التنظيم للولايات المتحدة، بوجه خاص، إلا أن التهديد بعيد المدى يظل قائماً.

من هم أصدقاء وأعداء القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن؟

للنخب السياسية اليمنية تاريخ طويل من التعاون مع المجموعات الجهادية السنية واستمالتها، بما فيها القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وهذا يخلق عقبات أمام محاربة التنظيم، حيث إن للنخب القدرة وأحياناً المصلحة في استخدامه لتحقيق مكاسبها المالية أو السياسية الخاصة. من ناحية أخرى، وبالنظر إلى أن القاعدة في شبه الجزيرة العربية وفرعها المحلي، أنصار الشريعة، هي بشكل أساسي تنظيمات يمنية لها مظالم محلية مشروعة – مثل الافتقار إلى تقديم العدالة، والخدمات والوظائف – فإن ثمة فرصاً لإضعاف قيادتها ذات التوجه الدولي من خلال معالجة هذه الشواغل المحلية.

في حين أن جميع الأطراف اليمنية والإقليمية المتحاربة تزعم أن القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية عدوّان لها، فإنها جميعاً أسهمت في صعودهما. اندفاعة جبهة الحوثي/صالح العسكرية إلى المناطق ذات الأغلبية السنية أتاحت فرصاً واسعة للقاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية لحشر نفسيهما وسط معارضة "سنية" أوسع. لتحالف الحوثي/صالح نزعة ذات أثر عكسي تتمثل في جمع طيف كامل من الخصوم، بما في ذلك الانفصاليون الجنوبيون، والحزب الإسلامي السني، الإصلاح، والقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتنظيم الدولة الإسلامية. الكتلة المعادية للحوثي من جهتها كانت تعمل على أساس مبدأ "عدو عدوي صديقي"، وكانت تنقلب على القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية حالما يتم إخراج الحوثيين من منطقة معينة. لقد ركز التحالف الذي تقوده السعودية على تقدم تحالف الحوثي/صالح، الذي يعتبره جزءاً من النزعة التوسعية الإيرانية، بوصفه الأولوية القصوى، فسمح للقاعدة في شبه الجزيرة العربية أن تحكم مناطق واسعة لفترات زمنية طويلة وحصد المزايا المالية المترتبة على ذلك. في نيسان/أبريل 2016، أخرجت قوات من الإمارات العربية المتحدة في التحالف القاعدة في شبه الجزيرة العربية من المُكلا، على سبيل المثال، إلا أن التنظيم لم يهزم بل انصهر في المناطق الداخلية. في هذه الأثناء، فإن التنظيم يستفيد من استمرار الصراع، خصوصاً على الجبهات. باختصار، فإن القاعدة في شبه الجزيرة العربية في موقع يشكل مفارقة من حيث إنها تشكل عدواً لجميع الأطراف في الوقت الذي يمكن اعتبارها المستفيد الأكبر من الحرب.

الأسبوع الماضي، قدم مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد إحاطة لمجلس الأمن وأوصى بفرض وقف فوري لإطلاق النار. ما مدى قرب الأطراف من التوصل إلى أي اتفاق لوضع حد للقتال؟

ليس هناك فرصة كبيرة في التوصل إلى تسوية في الوقت الراهن، بشكل أساسي لأن التحالف الذي تقوده السعودية وحكومة هادي يبدوان مصممين على تحقيق مكاسب عسكرية على طول ساحل البحر الأحمر قبل العودة إلى محادثات ذات معنى. في تشرين الأول/أكتوبر، وافق تحالف الحوثي/صالح على التفاوض على أساس "خطة كيري"، التي جمعت تنازلات أمنية وسياسية تسمح بانسحاب الحوثي/صالح من صنعاء، ونزع السلاح على مراحل، وتشكيل حكومة وحدة وطنية يكونون جزءاً منها. لكن لم يتضح إلى أي حد سيقدمون التنازلات حول تفاصيل الانسحاب ونزع السلاح، وهي التفاصيل المهمة بالنسبة للسعوديين وحلفائهم. 

في المحصلة، تبين أن تدخّل وزير الخارجية جون كيري كان ضئيلاً ومتأخراً أكثر مما ينبغي، حيث إن حكومة هادي رفضت الخطة، فيما يعد مؤشراً على فهمها بأن إدارة أوباما كانت قد أصبحت بطة عرجاء غير قادرة على الضغط على السعوديين للتوصل إلى اتفاق سلام. الآن، باتت جهود إعادة إطلاق المفاوضات ميتة فعلياً. رغم أن الأمم المتحدة تبقى مظلة جوهرية ليتم التفاوض تحتها حول تسوية، فبعد ثلاث جولات من محادثات السلام الفاشلة والمحاولات التي لا حصر لها لوقف إطلاق النار، فإنها فقدت مصداقيتها لدى جميع الأطراف ومن غير المرجح أن تستعيد مفاوضات ذات معنى في غياب تغير في حسابات المتحاربين الرئيسيين حيال ما يشكل تسوية مقبولة.

إذا كانت احتمالات إنهاء الحرب بتسوية تفاوضية تبقى بعيدة، ما الذي يمكن فعله على المدى القصير للحد من التهديد الذي تشكله القاعدة وغيرها من التنظيمات الجهادية؟

تتمثل الطريقة الأكثر فعالية في عكس مكاسب القاعدة في شبه الجزيرة العربية وذلك بمعالجة الظروف التي جعلت هذه المكاسب ممكنة، إي بإنهاء الحرب عبر تسوية سياسية دائمة وشاملة. وبما أن هذا يبقى احتمالاً بعيداً، فإن ثمة خطوات عدة من شأنها أن تقلص من نفوذ التنظيم. بالنسبة للدول والمجموعات العاملة في المناطق التي تقع حالياً أو كانت تقع سابقاً تحت سيطرة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، مثل حكومة هادي، والميليشيات المرتبطة بها والإمارات العربية المتحدة، فإن هذه الإجراءات تشمل: منح الأولوية للأمن الأساسي، وتقديم الخدمات والعدالة، خصوصاً تسوية النزاعات بشكل سريع وشفاف؛ وفصل المجموعات الإسلامية السنية عن بعضها بعضاً بدلاً من جمعها؛ واستخدام الأدوات العسكرية والشُرَطية بحكمة وطبقاً للأعراف والقوانين المحلية. بالنسبة للولايات المتحدة وغيرها من الحكومات المهتمة بمحاربة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، فإن هذا يعني الاستعداد لتقييم وتقييد الشركاء المحليين والإقليميين الذين يمكن أن يتسامحوا مع أو حتى أن يشجعوا القاعدة في شبه الجزيرة العربية/تنظيم الدولة الإسلامية لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية خاصة. كما أنه يعني تجنب الأعمال العسكرية ثقيلة الوطأة خارج استراتيجية سياسية، مثل الغارة التي شنت في 29 كانون الثاني/يناير في البيضاء، والتي من المرجح أن تفاقم المشكلة بدلاً من تهدئتها. يمكن لكتلة الحوثي/صالح أن تساعد من خلال تجنب المزيد من التوغلات العسكرية في المناطق ذات الأغلبية السنية، وهي التي ألهبت التوترات الطائفية وغذت الحملة الدعائية للقاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية. على جميع الأطراف اليمنيين والإقليميين المتحاربين الإحجام عن تصنيف أعدائهم بعبارات طائفية فجة.
 

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.