هجوم الحديدة في اليمن الذي كان من الممكن تحاشيه في الماضي بات وشيكاً الآن
هجوم الحديدة في اليمن الذي كان من الممكن تحاشيه في الماضي بات وشيكاً الآن
Yemen Conflict Alert: Last Chance to Prevent a Destructive Hodeida Battle
Yemen Conflict Alert: Last Chance to Prevent a Destructive Hodeida Battle
Workers inspect damage at the site of an air strike on the maintenance hub at the Hodeida port on 27 May, 2018. Abduljabbar Zeyad/REUTERS
Commentary / Middle East & North Africa 8 minutes

هجوم الحديدة في اليمن الذي كان من الممكن تحاشيه في الماضي بات وشيكاً الآن

عندما انهارت خطة المشاورات بين الأطراف المتحاربة في اليمن، والتي كان من المقرر أن تبدأ في جنيف في 8 أيلول/سبتمبر، استؤنفت المعركة المجمدة للسيطرة على ميناء الحديدة على البحر الأحمر. قد تثبت هذه المعركة أنها مهلكة لعدة ملايين من البشر الذين يعيشون أصلاً على حافة المجاعة.

على مدى الأسبوعين الماضيين، انهارت آخر المحاولات لوضع اليمن على مسار السلام، الأمر الذي أطلق ما قد يصبح أكثر المعارك دموية في حرب تقترب من سنتها الرابعة. في رسالة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 14 أيلول/سبتمبر، أعلنت الإمارات العربية المتحدة أنها تخطط لتجديد حملتها لانتزاع الحديدة، المدينة ذات الميناء على ساحل البحر الأحمر، من سيطرة حركة الحوثيين المتمردة. أتى هذا بعد أسبوع من الموعد الذي كان محدداً لإجراء محادثات سلام تمهيدية في جنيف. لقد تعهد الحوثيون بمحاربة القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة حتى آخر رجل فيهم.

رغم أن الانهيار السريع لجهود السلام لم يكن غير متوقع، فإنه يشكل خيبة أمل عميقة. في حزيران/يونيو، وافقت القوات اليمنية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة على وقف حملتها للسيطرة على الحديدة، أولاً من أجل السماح بإجراء مفاوضات حول انسحاب حوثي ومن ثم السماح لمبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث بقيادة المشاورات بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. أتى وقف القتال بعد ضغوط متزايدة من الكونغرس الأميركي – الذي هدد بوقف إمدادات السلاح الأميركية إلى التحالف الذي تقوده السعودية – وأيضاً من إدارة ترامب، التي كانت قادرة على استخدام التهديد بإجراء يتخذه الكونغرس كوسيلة للضغط على شركائها في الخليج. لكن مأساة كان من الممكن تحاشيها باتت تبدو محتومة الآن في غياب تدخل سريع وحازم من قبل الدول الأعضاء في مجلس الأمن، والولايات المتحدة بشكل خاص.

في 8 أيلول/سبتمبر، أخبر ممثلو الحوثيين الذين كان من المزمع أن يسافروا إلى جنيف لإجراء مشاورات، أو "محادثات تسبق المحادثات"، أخبروا فريق غريفيث بأنهم لن يذهبوا. في اللحظة الأخيرة، طلبوا أن يتم نقلهم من العاصمة صنعاء على متن طائرة عُمانية بدلاً من طائرة تابعة للأمم المتحدة وأن ينقلوا مقاتلين جرحى معهم. السعودية، التي تسيطر على المجال الجوي اليمني وتمنع أي رحلات لا تُسيّرها الأمم المتحدة من الهبوط في مطار صنعاء، اعترضت على ذلك. سعت الأمم المتحدة لإيجاد حل وسط، قائلة إنها ستصادق على بيان ركاب طائرة عُمانية – لكن الحوثيين بدورهم رفضوا السماح بأي عملية تفتيش. ومع تبادل التحالف والحوثيين للاتهامات، كان غريفيث قد أجل المشاورات واستؤنفت المعركة للسيطرة على الحديدة.

"يبدو أن استراتيجية التحالف هي محاصرة الحوثيين في الحديدة وخنقهم".

من الواضح أن الإمارات العربية المتحدة كانت مستعدة لحدوث هذا. مع تراجع احتمال إجراء المحادثات، فإن القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة – والتي كانت قد استخدمت توقّف القتال لتحسين مواقعها على الأرض بعد سلسلة من الانتكاسات العسكرية على طول ساحل البحر الأحمر في وقت سابق من العام – شنت هجوماً للسيطرة على الطريق المتجه شرقاً من الحديدة والذي يربطها بصنعاء والمراكز السكنية الأخرى في المرتفعات الوسطى في البلاد. في 12 أيلول/سبتمبر، أعلنوا أنهم أحكموا السيطرة على الطريق، رغم أن الحوثيين أعلنوا أيضاً منذ ذلك الحين أنهم استعادوه. في هذه الأثناء، أبلغت الإمارات العربية المتحدة مجلس الأمن خطياً بأنها تعتقد أن السبيل الوحيد لإجبار الحوثيين على التفاوض بجدية يتمثل في استئناف حلفائها المحليين للحملة العسكرية للسيطرة على الحديدة. يبدو أن استراتيجية التحالف تتمثل في محاصرة الحوثيين في الحديدة وخنقهم. لكن فعل ذلك سيحرم ملايين الناس في المناطق الداخلية من البلاد، وكثيرون منهم على حافة المجاعة، من الوصول إلى الطعام والسلع الأساسية التي تصل إليهم عبر الميناء.

لقد قضى السعوديون والإماراتيون الأسابيع الأخيرة في تعزيز جبهة مهمة أخرى في واشنطن دي سي. في 12 أيلول/سبتمبر، أعلن وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو أنه سيوقع شهادة تشكل أحد بنود قانون تفويض الدفاع الوطني، لاستمرار الولايات المتحدة بتزويد الأسلحة للسعودية والإمارات العربية المتحدة. نصت الشهادة على أن دول الخليج كانت تعمل لتخفيض مخاطر إلحاق الضرر بالمدنيين والبنية التحتية المدنية، وتقوم بجهود نوايا حسنة لدعم المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة وتعمل على تخفيف الأزمة الإنسانية في اليمن. صدرت الشهادة بعد أسابيع فقط من حادثين أدت فيهما عمليات القصف السعودية إلى مقتل عشرات المدنيين، ما يشير إلى أن القوات الجوية السعودية لم تتخذ مثل تلك الإجراءات.

الكلفة الإنسانية الهائلة

  كانت مجموعة الأزمات قد حذرت في الماضي،  إن معركة للسيطرة على الحديدة سيكون لها كلفة هائلة؛ حيث إن معارك المدن – إذا وصلت الأمور إلى ذلك النوع من المعارك – وحشية ودموية، وسيحاصَر سكان الحديدة المدنيين البالغ عددهم 600,000 نسمة في تقاطع النيران. لم يظهر لا الحوثيين ولا التحالف الذي تقوده السعودية أي اهتمام حقيقي بحماية الناس العاديين خلال المعارك السابقة. وجد تقرير لمجموعة من خبراء الأمم المتحدة البارزين لشؤون اليمن نشر في آب/أغسطس أن الضربات الجوية للتحالف تسببت بشكل مباشر بمقتل المدنيين في اليمن وأن القيود التي يفرضها التحالف على الوصول البحري والجوي إلى اليمن يشكل انتهاكات للقانون الإنساني الدولي. كما يدين التقرير الحوثيين لاستخدامهم أسلحة تحدث آثاراً على مساحات واسعة في حرب المدن (الأسلحة التي لا تميز بطبيعتها بين المقاتلين والمدنيين)، وبسبب إطلاقهم للصواريخ البالستية على السعودية والقيود التي يفرضونها على الوصول الإنساني حول مدينة تعز بشكل خاص.

مع تقدم القتال، فإن سكان الحديدة سيصبحون أكثر عرضة للأمراض سريعة الانتشار مثل الكوليرا. تقدر الأمم المتحدة أن مئات آلاف الأشخاص يمكن أن يموتوا نتيجة لذلك. ومن الصعب القول إن القتال لن يمنع دخول السلع الأساسية إلى ميناء الحديدة ونقلها إلى مناطق أخرى من البلاد. بالنسبة لنحو 18 مليون نسمة يعيشون في مناطق اليمن التي يسيطر عليها الحوثيون، فإن 70% من جميع الواردات الغذائية إلى اليمن تدخل عبر ميناء الحديدة الذي يشكل خط حياة إنسانياً وتجارياً. إن أي تعطيل لسلسلة الإمدادات بسبب القتال في الميناء أو حوله، أو على الطرق الذي يصل المدينة بباقي أنحاء البلاد، يمكن أن يكون مهلكاً. لقد وُصف اليمن بأنه على حافة الانهيار منذ أكثر من عقد من الزمن، إلا أن خسارة الحديدة كممر للواردات ستشكل على الأرجح نقطة التحول فيما تصفها الأمم المتحدة بأنها أكبر أزمة إنسانية في العالم.

الجميع يتحملون مسؤولية الكارثة المنتظر وقوعها. كان ينبغي على الأمم المتحدة أن تعرف أن نفس القضايا اللوجستية التي ظهرت في كل مرة أجرت فيها محادثات في الماضي ستظهر مرة أخرى، وكان ينبغي عليها معالجة التفاصيل مقدماً؛ حيث كان ينبغي استشارة الحوثيين بشأن موضوع الرحلات الجوية وإحضارهم إلى جنيف في وقت مبكر لمنع التلاعب في اللحظة الأخيرة. الحوثيون، الذين يحبون أن يلعبوا دور الضحية ويقولون إنهم مستعدين للانخراط في عملية سلام إذا كانت شروطها منصفة، بعثوا برسالة واضحة أنهم غير جادين. وبفعلهم ذلك، أكدوا شكوك التحالف، الذي كان قد جادل بأنه ينبغي أن يسيطر على الحديدة لإجبار الحوثيين على تقديم تنازلات، ويعتبر الانتقادات الموجهة إليه بالتعنت غير منصفة. (على النقيض من ذلك، فإن ممثلي حكومة عبد ربه منصور هادي وصلوا إلى جنيف، بدعم من التحالف). الولايات المتحدة، بمصادقتها على أن السعوديين والإماراتيين يحققون المتطلبات الواردة في قانون تفويض الدفاع الوطني دون أي تحفظات، بعثت برسالة خاطئة في اللحظة الخاطئة تماماً، أي أن بوسع التحالف الاستمرار بالعمل دون خشية من العقاب مع تقدمه للسيطرة على الحديدة.

إن معركة للسيطرة على الحديدة ستكون كارثية. لا يزال موقف مجموعة الأزمات هو أن الحل الأفضل يتمثل في تسوية لموضوع الميناء من خلال الوساطة من النوع الذي كانت تجري دراسته في حزيران/يونيو. حينذاك، عرض الحوثيون تسليم الميناء، وإزالة التعزيزات من المدينة والتعاون مع الأمم المتحدة بشأن الأمن الداخلي في المدينة. لكن التحالف رفع مطالبه من تسليم الميناء إلى انسحاب الحوثيين بشكل كامل من ساحل البحر الأحمر. في غياب مثل هذه الصفقة، ينبغي على الحوثيين إثبات قدرتهم على التصرف بنية طيبة وتسليم الميناء لموظفين يمنيين تكنوقراط حياديين وللأمم المتحدة. سيقلص هذا بشكل كبير مبررات الإمارات العربية المتحدة لمهاجمة الميناء والمدينة ويمكن أن يسمح لغريفيث باستئناف المشاورات.

السماح بمرور المساعدات

إذا لم يكن بوسعهم التوصل إلى حل وسط، ينبغي على الحوثيين والتحالف الالتزام من جديد بالسماح بمرور السلع الأساسية عبر الحديدة إلى المناطق الأكثر كثافة سكانية في اليمن حتى ولو اندلع القتال في المدينة. في حزيران/يونيو، كرر مسؤولو المساعدات الدولية طرح قضية طريق صنعاء – الحديدة على الكونغرس، والحكومة الأميركية والتحالف. وتلقوا تطمينات متكررة من التحالف أنه سيبقي الطريق مفتوحاً، طبقاً لمسؤول رفيع لشؤون المساعدات. بعد أقل من ثلاثة أشهر، أصبح الطريق الجبهة الرئيسية في القتال بين القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة والحوثيين مع محاولة التحالف الإحاطة بالمدينة.

في أيار/مايو 2018 كرر مجلس الأمن قراره بأن الأزمات الإنسانية وأزمات الجوع يمكن أن تعتبر جرائم حرب. ينبغي على مجلس الأمن ومفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، أن يوضحا بجلاء أن لجنة خبراء الأمم المتحدة ومجموعة الخبراء البارزين العاملتين تحت رعاية كل منهما على التوالي، واللتان وجهتا انتقادات لكل من الحوثيين والتحالف، ستراقبان بشكل وثيق معركة الحديدة. وفي الوقت نفسه، ينبغي على غريفيث وأعضاء مجلس الأمن العمل بشكل وثيق مع وكالات الأمم المتحدة الإنسانية – مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، بشكل خاص – ومع التحالف والحوثيين على اتفاق لاعتبار الميناء والطريق المتوجه شمالاً من الحديدة، والخالي حالياً من القتال، مناطق حيادية وأن توضع هذه الممرات والميناء تحت إشراف الأمم المتحدة. وينبغي على مجلس الأمن إصدار بيان رئاسي أو قرار بضمان هذه الاتفاقية وبشكل ينص على عقوبات واضحة لأي انتهاكات تصل إلى عقوبات بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي يستهدف أي طرف يعمل بطريقة تقوض السلم والأمن في اليمن بعقوبات مالية وعقوبات أخرى.

كما ينبغي تحميل الحوثيين مسؤولية إدخال عملية السلام في حالة من الاضطراب. سيكون تحقيق التوازن بين توجيه اللوم للجماعة في بيانات علنية وفي الوقت نفسه إبقاء الباب مفتوحاً أمام عملية السلام – والمفاوضات بشأن الحديدة – أمراً صعباً. ينبغي على غريفيث، الذي زار صنعاء في 17 أيلول/سبتمبر للاجتماع مع القيادة الحوثية، إعادة بناء درجة من الثقة بين الجماعة والأمم المتحدة وكذلك بينهم وبين خصومهم في التحالف. إن الانتقادات الموجهة من الولايات المتحدة والتحالف، وهما الطرفان اللذان يعتبرهما الحوثيون خصومه، من غير المرجح أن تغير في موقف قيادة المتمردين. ينبغي على دول الاتحاد الأوروبي التي تقيم علاقات أكثر دفئاً مع الجماعة، وكذلك عُمان، التي تستضيف ممثلي الحوثيين، أن تبعث برسائل قوية بأن الحوثيين يلحقون الضرر بقضيتهم عندما يمارسون ألاعيب اللحظة الأخيرة وأن يهددوا بالتوقف مؤقتاً عن التواصل مع قادة الجماعة المعزولين أصلاً. كما ينبغي على روسيا، التي قدمت نفسها كميسر حيادي، أن تفعل الشيء ذاته.

وينبغي أيضاً كبح جماح التحالف. والولايات المتحدة في موقع يمكنها من فعل ذلك. للأسف، فإن بومبيو بمصادقته على قانون تفويض الدفاع الوطني كما فعل، تخلى عن النفوذ الذي كان الكونغرس قد منحه إياه. أثبت متطلب المصادقة أنه أضعف من أن يتمكن من تقييد إدارة ترامب العازمة على منح السعوديين والإماراتيين مجالاً واسعاً. عضو الكونغرس رو كانا قال إنه مستعد لقيادة محاولة لفرض تصويت على مشاركة الولايات المتحدة في عملية تبادل المعلومات الاستخبارية وعملية التزويد بالوقود، وهما العمليتان الحيويتان لعمليات التحالف. إذا سيطر الحزب الديمقراطي على مجلس النواب بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، يمكنه أن يحول تشريعاً أكثر صرامة إلى واقع. إذا لم تتصرف الإمارات العربية المتحدة والسعودية بحذر، فإنهما قد يجدا تحالفهما مع الولايات المتحدة – وحملتهما في اليمن – مقيدان بقيود جديدة يفرضها الكونغرس. وإذا مضى الهجوم المرجح شنه على الحديدة قُدماً، ستتحمل الولايات المتحدة المسؤولية عن إخفاقها في استخدام نفوذها الكبير لمنع وقوع كارثة إنسانية. وتلك النتيجة يمكن لواشنطن أن تتحاشاها، بل ينبغي أن تتحاشاها.   

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.