انتخابات ليبيا تحت التهديد
انتخابات ليبيا تحت التهديد
Alert / Middle East & North Africa 3 minutes

انتخابات ليبيا تحت التهديد

مع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية الأولى في ليبيا المقررة بعد أيام، فإن المحتجين المسلحين يعرضون هذه الانتخابات للخطر، حيث يدفعهم شعورهم باستمرار التهميش الاقتصادي والسياسي إلى تعطيل عملية الاقتراع في الجزء الشرقي من البلاد.  بدلاً من التظاهر بأن الوضع الأمني المحيط بانتخابات 7 تموز/يوليو تحت السيطرة، فإن على السلطات الانخراط في حوار حقيقي مع المحتجين ومعالجة الأسباب الحقيقية لمظالمهم.  أما البدائل، المتمثلة في إلغاء الانتخابات في سائر أنحاء المنطقة الشرقية، أو اللجوء إلى القوة، أو السماح بالتدخل العنيف من قبل كتائب أخرى، فإنه يخاطر بتقويض العملية الانتقالية الهشة أصلاً.

في 1 تموز/يوليو، وفي استعراض صارخ للقوة وتحدٍ مباشر للسلطات المركزية، هاجم مسلحون مراكز الاقتراع في عدد من المدن الشرقية، بما فيها بنغازي، مهد انتفاضة عام 2011، ونهبوا ودمروا محتوياتها.  منذ أواخر أيار/مايو، جمعوا عربات مسلحة ونصبوا حواجز في الوادي الأحمر، المنطقة الحدودية الرمزية على الطريق الساحلي على بعد حوالي 600 كم شرق طرابلس والذي يفصل شرق ليبيا عن غربها، ومنعوا مرور العربات الحكومية والعسكرية (وأحياناً التجارية).

تتعلق مظالمهم الرئيسية بما يعتبرونه استمرار إهمال الحكومة للمنطقة الشرقية وعدم استعدادها سواء لمنحها درجة أكبر من الاستقلال السياسي أو تعزيز المخصصات المالية لمنطقة تحتوي على أربعة أخماس الموارد الطبيعية في البلاد.  وفي نفس السياق، فإنهم يلومون الحكومة على إبرامها لعقود بملايين الدولارات مع كتائب من الزنتان ومصراته، المركزين الرئيسيين للجماعات المسلحة في المنطقة الغربية.  كغيرهم من الليبيين في مناطق أخرى من البلاد، فإنهم لا يثقون بالمجلس الوطني الانتقالي، الذي عيّن نفسه سلطة تشريعية انتقالية، ويتهمونه بالافتقار إلى الشفافية.  رغم أن رئيس المجلس، مصطفى عبد الجليل يتحدر من تلك المنطقة، فإنهم ينتقدونه بشدة "لخيانته لبرقة" – التعبير المحلي الذي يستعمل لوصف المنطقة الشرقية.  باختصار، فإنهم يشعرون فعلياً بالغبن اليوم كما كانوا يشعرون في ظل نظام القذافي.

لا شك أن أولئك الذين يهددون بمقاطعة الانتخابات أقلية، رغم أن كثيرين في المنطقة الشرقية يتعاطفون مع مطالبهم.  الأمر الحاسم هو ألاّ ترتكب السلطات الليبية خطأ التقليل من قدرة هؤلاء على تعطيل العملية السياسية؛ حيث أن المجموعة التي تهدد بمقاطعة الانتخابات لا تتكون فقط من قبيلتين شرقيتين رئيسيتين، ومجلس برقة الفدرالي، بل تضم أيضاً قوى ثورية ساخطة تتجمع في الوادي الأحمر.  بعض هؤلاء جنود انشقوا عن الجيش الوطني الناشئ والضعيف، وآخرون كانوا في الماضي تحت السيطرة الرسمية لوزارة الدفاع، ومعظمهم قاتلوا ضد القذافي خلال الانتفاضة.

سترتكب السلطات المركزية خطأ فادحاً إذا لجأت للقوة ضد الجماعات المسلحة مهما بلغت استفزازاتها؛ وفي نفس السياق، ينبغي أن تبذل قصارى جهدها لمنع الكتائب أو الأفراد الغاضبين إزاء هذه الأحداث في المنطقة الشرقية من أخذ زمام الأمور في أيديهم.  إن اللجوء إلى العنف سيفاقم من سخط المحتجين بدلاً من دفعهم إلى التراجع، وسيعزز من مشروعية صراعهم من أجل مزيد من الاستقلال في أعين مؤيديهم.

المطلوب الآن هو إجراء مفاوضات حقيقية.  لقد تم إطلاق مفاوضات هادئة مع عبد الجليل من خلال وسطاء يفاوضون نيابة عن المحتجين.  إلاّ أنه، وبصرف النظر عن رئيس المجلس الوطني الانتقالي، على الحكومة، المسؤولة عن أمن الانتخابات، أن تكون جزءاً من النقاشات أيضاً.  اتخذت الحكومة خطوة إيجابية في 28 حزيران/يونيو بإيفاد نائب رئيس الوزراء مصطفى أبو شاقور إلى الوادي الأحمر للاستماع إلى مطالب المحتجين.  لكن ما يزال هناك حاجة لتحقيق مزيد من التقدم فيما يتعلق بمحتوى المفاوضات.  كما أن ضم بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا أو جهة دولية حيادية أخرى إلى المفاوضات سيكون مفيداً أيضاً في تحاشي حدوث مواجهة مفتوحة.

يتركز المطلب الرئيسي للمحتجين على مراجعة الصيغة التي وضعت لمقاعد الجمعية الوطنية التي ستعطي الشمال الغربي (منطقة طرابلس) حصة أكبر بكثير.  إنهم يطلبون المساواة للمنطقة الشرقية (برقة).  إلاّ أن هذا المطلب يبدو، من وجهة نظر الحكومة، غير قابل للتفاوض – على الأقل لأنه سيتطلب تجميد الانتخابات في أجزاء على الأقل من المنطقة الشرقية.  زد على ذلك أن المجلس الوطني الانتقالي مقتنع بأنه قدم تنازلاً كبيراً بموافقته على تعديل المادة 30 من الإعلان الدستوري التي أصبحت تنص على أن تُمثَّل المناطق الثلاث بالتساوي في اللجنة المكونة من 60 عضواً والمكلفة بوضع دستور المستقبل.  في 28 حزيران/يونيو، قدم المجلس الوطني الانتقالي تنازلاً آخر بالقول بأن كل كتلة إقليمية في الجمعية الوطنية ستختار ممثليها العشرين في اللجنة.  كإجراء أولي، على المجلس الوطني الانتقالي والحكومة أن يبرزا هذه التغييرات، والإعلان عنها وإيضاحها مباشرة لأولئك الذين يهددون الآن بتعطيل الانتخابات.

وعلى نطاق أوسع، على المجلس الوطني الانتقالي، ونائب رئيس الوزراء أبو شاقور والوسطاء الذين سيشكلون طرفاً ثالثاً في المحصلة أن يركزوا بشكل ملحّ على المطالب الخمس الأخرى، التي تضم:

  • نقل المنطقة الإدارية خليج السدرة (التي تمتد على طول الساحل من الوادي الأحمر إلى راس لانوف) من تحت سلطة سرت، المعقل السابق للقذافي، وجعلها تابعة لمدينة أجدابيا الشرقية؛
     
  • وضع خطة لنزع الألغام من خليج السدرة؛
     
  • دفع تعويضات عن الأضرار التي سببتها الحرب؛
     
  • توفير مشاريع تنمية محلية ومزيد من فرص العمل للشباب المحليين؛
     
  • المعالجة الطبية في الخارج لجرحى المنطقة الشرقية.

من شأن مثل هذه التنازلات الهامة، إذا نُفّذت بسرعة، أن تهدئ معظم المحتجين.  بوجود حكومة مركزية ضعيفة، وجماعات مسلحة قوية ومتنافسة ومشاعر إقليمية قوية، فإن ليبيا تمر بمرحلة انتقالية حرجة.  إن بقاء العملية الانتقالية في حالة حرجة أو تطورها لتصبح خطرة يعتمد على كيفية معالجة السلطات للتحديات الأكثر إلحاحاً.

بروكسل

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.