استعادة الأمم المتحدة لقيادتهالعملية السلام في ليبيا
استعادة الأمم المتحدة لقيادتهالعملية السلام في ليبيا
The UN Secretary-General's Special Representative for Libya and Head of UNSMIL Ghassan Salame speaks during a joint press conference with Italian Foreign Minister Angelino Alfano following their meeting in Rome, Italy, on 8 August 2017. Riccardo de Luca/ANADOLU AGENCY
Statement / Middle East & North Africa 7 minutes

استعادة الأمم المتحدة لقيادتهالعملية السلام في ليبيا

لقد تشتت الجهود الرامية لإعادة توحيد ليبيا بعد ست سنوات من الصراع الداخلي. والآن، على القوى العالمية والإقليمية اغتنام فرصة انعقاد اجتماع رفيع المستوى للأمم المتحدة حول ليبيا ووجود مبعوث خاص جديد للأمم المتحدة كي تتحدث بصوت واحد وتعمل على بناء عملية سلام شاملة وفعالة.

في 20 أيلول/سبتمبر، سيرأس الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، اجتماعاً رفيع المستوى حول ليبيا على هامش اجتماعات الجمعية العامة. بعد انقضاء مدة طويلة من تشتت الدبلوماسية الدولية، فإن هذه تشكل فرصة لإضفاء درجة أكبر من وضوح الهدف على بعثة الأمم المتحدة في ليبيا. بعد الاجتماع، على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التحدث بصوت واحد حول الحاجة الماسة لمعالجة الانقسامات الدستورية في البلاد، والتصدي للتحديات الاقتصادية والأمنية الملحة وتمكين الممثل الخاص الجديد للأمين العام، غسان سلامة، من إيجاد أفضل السبل لإعادة إطلاق عملية سياسية فعالة وشاملة.

توضح المؤشرات الأولية أن سلامة، الذي يُتوقع أن يقدم خطته للمفاوضات، سيسعى للعمل داخل إطار الاتفاق السياسي الليبي الذي وقّع في الصخيرات، المغرب، في كانون الأول/ديسمبر 2015 في الوقت نفسه الذي يسعى فيه إلى إعادة التفاوض بسرعة على بعض عناصر ذلك الاتفاق. ثمة إجماع دولي واسع النطاق على أن الاتفاق السياسي الليبي، رغم عيوبه، يشكل الإطار الوحيد القابل للحياة في الوقت الراهن؛ وأن انهياره سيحدث فراغاً مؤسساتياً وقانونياً. يُتوقع أن تطلق الأمم المتحدة عملية إعادة المفاوضات بالسعي لجعل المؤسستين الرئيسيتين الرئيستين اللتين يقر الاتفاق دورهما، وهما مجلس النواب (البرلمان الذي انتخب في حزيران/يونيو 2014 ومقره مدينة طبرق في شرق البلاد)، ومجلس الدولة (وهو الهيئة الاستشارية التي أنشأها الاتفاق السياسي الليبي والذي اختير معظم أعضائه من برلمان سابق) يقومان بوظائفهما المتضمنة في الاتفاق – وهو ما لم تقم به أي من هاتين المؤسستين منذ إنشائهما. كما أن الهدف هو جعل هاتين المؤسستين تتفقان على ترتيبات جديدة لتركيبة ومهمة المجلس الرئاسي، وهو الهيئة التي أنشأها الاتفاق السياسي الليبي والذي يفترض أن يقوم بمهام رئيس الدولة لفترة انتقالية، وحكومة الوفاق الوطني، وهي الهيئة التنفيذية التي يفترض أن تدير شؤون الدولة. سيكون مثل هذا التطور موضع ترحيب. كما جادلت مجموعة الأزمات من قبل، فإن تشكيل حكومة جديدة وفصل واجباتها عن واجبات المجلس الرئاسي يشكل مخرجاً معقولاً من المأزق الراهن في تنفيذ الاتفاق السياسي الليبي. كما أن مثل هذه الحصيلة تتطلب أيضاً دعم طيف أوسع من اللاعبين الذين يتكون منهم المشهد السياسي والعسكري الليبي المجزأ.

لتحقيق أي تقدم بشأن أية خارطة طريق جديدة، [...] ينبغي أن يحظى مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة بالدعم الكامل والعلني للدول الأكثر انخراطاً في الحراك الدبلوماسي بشأن ليبيا.

لتحقيق أي تقدم بشأن أية خارطة طريق جديدة، ينبغي أن يحظى مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة بالدعم الكامل والعلني للدول الأكثر انخراطاً في الحراك الدبلوماسي بشأن ليبيا، أيفرنسا أي فرنسا، وروسيا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن؛ وجيران ليبيا، بما في ذلك الجزائر، ومصر، وتونس وإيطاليا؛ والقوى الإقليمية الأبعد مثل قطر وتركيا؛ والمؤسسات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي. لقد نجم عن الفراغ الدبلوماسي الذي نشأ العام الماضي عدد أكثر مما ينبغي من المبادرات المتنافسة التي أثارت التشوش والاختلاط بين الفصائل الليبية، أو تم استغلاله من قبل هذه الفصائل. ثمة حاجة لدرجة أكبر من التوافق الدولي لاستعادة مكان الصدارة للأمم المتحدة في إدارة عملية السلام الليبية. كما أن التشاور مع سلامة يعد أمراً جوهرياً لتحاشي تقويض مساعيه. وهذا يشمل استشارته حول التدخلات الرامية إلى مواجهة مهربي البشر في حوض المتوسط أو المجموعات الجهادية، وهي التدخلات التي إن نفذت أحادياً، فمن شأنها أن تلحق الضرر بأجندته. إن التوصل إلى تسوية سياسية هو في المحصلة أفضل طريقة لمعالجة التداعيات الكثيرة والمختلفة الناجمة عن انعدام الاستقرار الراهن في ليبيا.

تحاشي المواعيد النهائية الاعتباطية عشوائياً

في الحد الأدنى، ينبغي على اللاعبين الخارجيين وضع توقعات مشتركة للجولة الجديدة من المفاوضات. ينبغي التخلي عن فكرة أن 17 كانون الأول/ديسمبر 2017 (الذكرى السنوية الثانية لتوقيع اتفاق الصخيرات) بوصفه موعداً أخيراً اعتباطياًعشوائياً لانتهاء صلاحية الإطار المؤسساتي الذي وضعه الاتفاق السياسي الليبي. سيفرض ذلك ضغوطاً غير ضرورية على جهود إعادة إطلاق مفاوضات سلام ذات معنى ستستغرق وقتاً للإقلاع. كما جادلت مجموعة الأزمات في عام 2015، فإن الاتفاق السياسي الليبي تم التوصل إليه على نحو متسرع؛ ولا ينبغي للمجتمع الدولي أن يكرر ذلك الخطأ.

أما مسألة ما إذا كان ينبغي إجراء انتخابات، ومتى يتم إجراؤها، فهي أكثر تعقيداً. لقد دعا عدد من اللاعبين الليبيين والخارجيين إلى إجراء انتخابات جديدة في أقرب وقت ممكن. كما دعا إلى ذلك الإعلان الصادر في 28 تموز/يوليو بعد استضافة فرنسا لاجتماع لرئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، وقائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر. من الناحية النظرية، فإن الدعوات لإجراء انتخابات جديدة صحيحة؛ حيث إن الترتيبات المؤسساتية التي وضعها الاتفاق السياسي الليبي كان يُقصد بها دائماً أن تكون انتقالية، وأنه ينبغي أن تتاح لليبيين الفرصة لتعيين قادتهم بشكل ديمقراطي وأن الوضع الراهن بات على وشك الانهيار. لكن عملياً، من المرجح أن تؤدي العقبات القانونية والسياسية إلى إعاقة إجراء هذه الانتخابات في وقت قريب.

إن مجالات الاختلاف بين مختلف المعسكرات جوهرية وتشمل الخطوط الأساسية لنظام جديد.

دون التوصل إلى شكل من أشكال الاتفاق الأولي الذي يتم التوصل إليه بمشاركة واسعة، من المرجح أن تؤدي الانتخابات إلى عرقلة الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية. إن مجالات الاختلاف بين مختلف المعسكرات جوهرية وتشمل الخطوط الأساسية لنظام جديد: هل ينبغي أن تكون ليبيا ملكية أو جمهورية؛ هل ينبغي أن تكون فيدرالية أو مركزية؛ وهل ينبغي أن تكون الانتخابات برلمانية، أو رئاسية، أو كليهما؛ وما هو القانون الانتخابي الذي ينبغي تطبيقه؛ ومن هم المسؤولين من حقبة القذافي الذين يمكن أن يترشحوا في هذه الانتخابات، وإذا كان ينبغي أن يسمح لهم بالترشح في الأساس. إذا كانت الجهات المتصارعة اليوم لا تستطيع الاتفاق على ما إذا كان ينبغي إجراء الانتخابات أم لا وعلى الهدف من هذه الانتخابات، فما الأمل بأنها يمكن أن تنتج حلاً قابلاً للحياة؟

إن المسار الأفضل يتمثل في التوصل إلى ترتيبات انتقالية قبل الانتخابات. أنصار إجراء الانتخابات بسرعة يأملون أن يكون من شأن تلك الانتخابات أن تنتج شرعية جديدة عبر صندوق الاقتراع. إلا أن الصراع الليبي الراهن سببه جزئياً تبني هذا المنطق في الاندفاعة الاندفاع نحو انتخابات حزيران/يونيو 2014، والتي تم الاعتراض عليها فوراً (من خلال الوسائل القانونية والعسكرية) من قبل المعسكر الخاسر في حين تم تفسيرها على أنها شيك على بياض من قبل المعسكر الفائز. لتحاشي إعادة إنتاج نفس الديناميكيات، ينبغي أن تركز عملية السلام ليس على الانتخابات بوصفها غاية بحد ذاتها، بل على ضمان ألا ينظر إلى نتائجها بوصفها لعبة صفرية.

الاقتصاد والأمن

الأمم المتحدة محقة في التركيز على إعادة هيكلة العملية السياسية، واستعادة دورها القيادي في المفاوضات لتعديل الاتفاق السياسي الليبي بشكل يسمح بتنفيذه. هذه مهمتها الرئيسية. لكن، وبالنظر إلى واقع أن تحقيق التقدم من المرجح أن يستغرق وقتاً، فإن ثمة حاجة أيضاً لتحقيق التقدم بشأن قضيتين تتسمان بأهمية عاجلة: معالجة الوضع الاقتصادي في ليبيا وإطلاق مسار أمني. بالنظر إلى الموارد المحدودة للأمم المتحدة، فإنها لا تستطيع القيام بذلك دون دعم لاعبين إقليميين ودوليين رئيسيين.

في خطابه أمام مجلس الأمن في 28 آب/أغسطس، كان سلامة محقاً في تسليط الضوء على الوضع الاقتصادي في ليبيا، وجادل بأنه ما لم "تتم معالجة التحديات الاقتصادية، وقريباً جداً، فإن الأزمة الإنسانية في ليبيا ستتعمق". وتشمل مثل تلك التحديات: معالجة الانقسام بين الفروع المتنافسة لمؤسسات اقتصادية رئيسية مثل مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط وضمان أن تعمل هذه المؤسسات بفعالية؛ وتحسين جودة حوكمتها، بما في ذلك العلاقات بين المصرف المركزي والحكومة؛ وتسوية أزمة السيولة التي تواجهها المصارف الليبية؛ ومواجهة حالة الافتراس الاقتصادي المستشرية. بعض هذه الأمور سيتطلب خبرة وتوجيهاً اقتصادياً خارجيين، سواء من الدول أو من مؤسسات مالية دولية، ودرجة أكبر من التعاون من قبل الجهات الفاعلة المعنية. في حالة تهريب الوقود، على سبيل المثال، سيترتب على جيران ليبيا التنسيق مع الجهات التي تمتلك القدرة على مواجهة المهربين براً وبحراً.

منذ بداية جهود الأمم المتحدة في العام 2015، لم يقلع المسار الأمني لمفاوضات السلام.

منذ بداية جهود الأمم المتحدة في العام 2015، لم يقلع المسار الأمني لمفاوضات السلام. تركز البعثة الراهنة للأمم المتحدة فيما يتعلق بالأمن على جعل طرابلس آمنة بالنسبة للمجلس الرئاسي والعودة المعتزمة لموظفي الأمم المتحدة على حد سواء. في الحد الأدنى، ينبغي توسيع هذا ليشمل إقامة حوار بين اللاعبين الأمنيين في مختلف أجزاء البلاد، بداية بالمستوى المحلي (على سبيل المثال، في جنوب ليبيا) وانتهاء بتوسيع هذا ليشمل البلاد بأسرها. يشكل هذا استكمالاً ضرورياً للحوار السياسي، خصوصاً وأن القضايا الأمنية – بما في ذلك قيادة المؤسسات الأمنية – هي في جوهر الاختلافات على الاتفاق السياسي الليبي. المهم في الأمر أن هذا سيمكّن أيضاً من توسيع المفاوضات لتشمل طيفاً أوسع من المتفاوضين الأربعة الرئيسيين الذين اختارهم المجتمع الدولي: السراج (لاعب سياسي دون قاعدة عسكرية)، وحفتر (لاعب عسكري مهم دون طموحات سياسية)، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح (لاعب سياسي يتمتع بدعم عسكري محلي في الشرق) ورئيس مجلس الدولة عبد الرحمن السويحلي (لاعب سياسي يتمتع ببعض النفوذ بين المجموعات العسكرية في الغرب). كما يمكن للمحادثات الأوسع أن تشرك طيفاً واسعاً من اللاعبين السياسيين – العسكريين الذين يتمتعون بنفوذ على المستويين الوطني والمحلي، دون أن يكون لهم موقع مؤسساتي.

أمر ذو صلة هو الدعم السياسي والعسكري الذي قدمه العديد من اللاعبين الدوليين لمختلف أطراف الصراع. في حالة الدعم العسكري، فإن هذا يحدث في انتهاك صارخ للحظر على الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، كما كشف تقرير للجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة حول ليبيا في حزيران/يونيو 2017. في حين أن جميع الأطراف تمارس هذه الانتهاكات، فإن التقرير أبرز على نحو خاص الانتهاكات الفاضحة دعماً للفصيل الذي يقوده حفتر. ثمة سجل حافل يظهر فيه أن مثل هذه الأفعال تجعله يحجم عن تقديم التنازلات. ينبغي على مصر، وفرنسا، وروسيا، والإمارات العربية المتحدة، التي تتمتع بأكبر قدر من النفوذ على حفتر والأكثر نشاطاً في الانخراط معه، أن تضمن أن يكون لديه الحافز للتعاون مع جهود السيد سلامة.

بشكل عام، فإن هذا يمثل مهمة شاقة بالنسبة للمبعوث الخاص الجديد الذي سيترتب عليه إيجاد الترتيب الزمني الصحيح لعملية سياسية وتحقيق التوازن بين المصالح المتناقضة أحياناً لليبيين واللاعبين الخارجيين على حد سواء. مهمته شاقة بما يكفي – وستصبح أكثر صعوبة إذا لم يتمتع بالدعم السياسي والموارد التي يمكن أن يقدمها مجتمع دولي أكثر اتحاداً وفعالية.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.