Tunisian demonstrators in Tunis, Tunisia, October 3, 2021. REUTERS / Zoubeir Souissi
Report / Middle East & North Africa 20+ minutes

تونس سعَيِّد: تشجيع الحوار وإصلاح الاقتصاد لتخفيف حدة التوترات

التوترات السياسية التي غذّاها إحكام الرئيس قيس سعيِّد قبضته على السلطة وما تلا ذلك من سياسات تُخاطر بدفع تونس التي تكتنفها الأزمات إلى الهاوية. ولذلك، ينبغي على سعيِّد أن ينظم حواراً وطنياً وأن يعيد البلاد إلى نظام دستوري متفاوض عليه. واستجابة لذلك، يتعين على الشركاء الدوليين طرح آفاق اقتصادية جديدة للبلاد.

  • Share
  • حفظ
  • الطباعة
  • Download PDF Full Report

الاستنتاجات الرئيسية

ما الجديد؟ منذ إحكام سيطرته على السلطة في 25 تموز/يوليو 2021، فرض الرئيس قيس سعَيِّد حالة الطوارئ، وعلق البرلمان وأقال رئيس الوزراء، وجمع السلطات في يديه. الاقتصاد التونسي في وضع سيء، الأمر الذي قد يدفع شرائح واسعة من المجتمع إلى الفقر.

ما أهمية ذلك؟ لقد وسّع إحكام قبضة الرئيس سعَيِّد على السلطة وما تلا ذلك من سياسات، وسع الفجوة القائمة بين الفصائل الموالية لسعَيِّد وتلك المعادية له، ويمكن أيضاً أن يشعل فتيل العنف. الشركاء الرئيسيون لتونس، وخصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يضغطون على الحكومة من خلال التهديد بقطع المساعدات الثنائية، الأمر الذي يمكن أن يلحق المزيد من الضرر بالاقتصاد.

ما الذي ينبغي فعله؟ ينبغي على الرئيس سعيد أن يمكّن حكومته بحيث تحدد مسار اقتصاد البلاد، بدلاً من محاولة القيام بذلك بنفسه. وينبغي أن يطلق حواراً وطنياً شاملاً كمقدمة للعودة إلى نظام دستوري متفاوض عليه. واستجابة لذلك، ينبغي على الشركاء الأجانب أن يمنحوا تونس آفاقاً بمستقبل اقتصادي أكثر إشراقاً.

الملخص التنفيذي

بعد إحكام الرئيس قيس سعيِّد قبضته على السلطة في 25 تموز/يوليو 2021، فإن تونس تواجه خطر اندلاع عنف غير مسبوق. فالتحديات الاقتصادية والاجتماعية مُكربة، مع تصلب الخطاب الوطني والشعبوي للرئيس، بعد قيامه بتعليق الدستور جزئياً. بالمقابل، زاد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضغوطهما على سعيد للعودة عن هذا المسار، وهددا بتخفيض المساعدات، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم من حدة الأزمة، خصوصاً إذا لم تكن الدولة قادرة على دفع ديونها الخارجية. يمكن لهذا الوضع أن يزيد من الاستقطاب الحاصل في البلاد، حيث تقف القوى المؤيدة لسعيد في جهة والعناصر المعادية له في الجهة المقابلة. وقد يلجأ الرئيس إلى اتخاذ إجراءات قمعية من شأنها أن تُحدث اضطرابات حادة وتزيد من عزلته السياسية، بشكل يدفع البلاد إلى المجهول. لمنع هذه الحصيلة، ينبغي أن يوافق سعيد على إجراء حوار وطني وأن يسمح لوزراء حكومته بتولي أمر السياسة الاقتصادية. وينبغي على شركاء تونس الرئيسيين تشجيع الرئيس على قبول العودة إلى نظام دستوري متفاوض عليه بغرض توفير آفاق اقتصادية أكثر إشراقاً للبلاد.

ركز الرئيس سعيد سلطة الحكم في يديه بعد فرض حالة الطوارئ في 25 تموز/يوليو. كما قام بتعليق البرلمان، وإقالة رئيس الوزراء وإصدار مرسوم ينظم حالة الطوارئ في 22 أيلول/سبتمبر. كما شكل مجلس قضاء أعلى مؤقتاً وضعه تحت سيطرته، وحل البرلمان في 30 آذار/مارس. رغم أن التونسيين ما زالوا يتمتعون بالحريات المدنية، فقد تم سجن الكثير من الشخصيات السياسية، خصوصاً من تنظيم النهضة وتحالف الكرامة اللذان لهما ميول إسلامية؛ ويعبّر معظم المراقبين عن قلقهم إزاء التحول نحو الاستبداد.

ما يزال الرئيس يحظى بالشعبية، رغم أن المعارضة لحكمه تتنامى. أنصار سعيد، وهم عدة آلاف لكن أعدادهم تتناقص، يواجهون مجموعة أفضل تنظيماً من المعادين لسعيد تضم أيضاً عدة آلاف من مؤيديها. تتكون المجموعة الأولى بشكل رئيسي من قوميين عرب متشددين، ومن الشباب اليساري المتشدد والمحروم الذي لا يرى ضمانة لمستقبله، إضافة إلى من يصفون أنفسهم بـ "السياديين"، وهم من الوطنيين المعادين لحزب النهضة. أنصار سعيد الأكثر حماسة يشجعونه ليس فقط على الإمساك بجميع خيوط السلطة في يده بل يشجعون أيضاً خططه لإحداث نظام سياسي جديد، يكون عبارة عن ديموقراطية شعبية. أما المجموعة المعادية لسعيد فتتكون من ناشطين إسلاميين ومتعاطفين معهم، إضافة إلى مستقلين، وكثير منهم يعملون في مهن فكرية كانوا قد عارضوا في كثير من الأحيان الرئيس زين العابدين بن علي (1987-2011). هذا الفصيل، الذي يخشى العودة إلى الاستبداد، يدفع إلى إنهاء حالة الطوارئ. وبالنظر إلى أن هاتين المجموعتين تعارضان بعضهما بعضاً، فإن ذلك يغذي الاستقطاب السياسي الحاصل، بسبب المنشورات التحريضية على وسائل التواصل الاجتماعي وأيضاً بسبب جولة من الاحتجاجات وقمع تلك الاحتجاجات.

في هذه الأثناء، تنحدر البلاد إلى حالة من التردي الاجتماعي–الاقتصادي الشديد. ولا يتمتع سعيد وحكومة نجلاء بودن، التي تولت مهامها في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2021، بهامش مناورة كبير على مستوى الاقتصاد الكلي وسط ضغوط خارجية قوية. الرئيس وحده يسيطر على سياسة الدولة، ويرى السياسة الاقتصادية للبلاد على الأغلب من خلال منظور رسالة أخلاقية لمعالجة الفساد و"المضاربين"، لكنه فشل حتى الآن في تحقيق التوازن في الميزانية الوطنية. بقيام مودي وفيتش بتخفيض الترتيب السيادي لتونس في منتصف تشرين الأول/أكتوبر ومنتصف آذار/مارس، على التوالي، فإن الوكالتين أنهتا عملياً وصولها إلى الأسواق المالية العالمية. في بداية عام 2021، امتنع صندوق النقد الدولي عن تجديد تسهيلات قروضه لتونس بالنظر إلى فشل البلاد في تبني استراتيجية إصلاحية واقعية بمشاركة ممثلين سياسيين وعن قطاع الأعمال والنقابات أو تحقيق شروطه المسبقة المتمثلة في تخفيض فاتورة أجور القطاع العام. ودون التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في عام 2022، تخاطر البلاد بعدم التمكن من دفع ديونها الخارجية.

علاوة على ذلك، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان تبنيا منظوراً سلبياً على نحو خاص لسيطرة سعيد على السلطة، دعيا بإلحاح للعودة إلى النظام الدستوري. وهما يفرضان ضغوطاً اقتصادية من شأنها أن تؤدي إلى تقليص في الأموال المخصصة للتعاون الثنائي. ومن شأن مثل تلك التحركات، على سبيل المثال تخفيض المساعدات الثنائية، أن تدفع شرائح كاملة من المجتمع إلى الفقر وتغذية توترات اجتماعية وسياسية على المدى القصير والمتوسط يمكن أن تتحول إلى العنف.

تعد هذه الأزمة متعددة الأوجه – التي تتجلى في حالة من الاستقطاب السياسي الحاد، والاحتجاجات الشعبية والضغوط الدولية – خطيرة وغير مسبوقة. ومن أجل المحافظة على سيطرته، قد يلجأ الرئيس إلى مضاعفة الإجراءات القمعية، خصوصاً باستهداف المجتمع المدني وقطاع الأعمال. كما يمكن لخطابه الشعبوي أن يثير العداء بين أتباعه نحو الأجانب والأغنياء. وفي إطار خطته لإحداث نظام سياسي جديد، يمكن لقيامه بترقية أنصاره إلى مواقع في السلطة المحلية، إضافة إلى قيامه بحل الإدارات البلدية المنتخبة، أن يطلق منافسة محلية عنيفة عبر الإخلال بالتوازن بين الشبكات الزبائنية. وبإحكام قبضته على السلطة، واتخاذ القرارات دون نقاش أو حوار، وتبني إجراءات محاربة الفساد التي لا تفعل الكثير لتحسين حياة غالبية السكان، يخاطر الرئيس بعزل نفسه سياسياً، وتقليص الدعم الذي يتمتع به وحتى تعريض نفسه، بالمقابل، لأن تتم الإطاحة به عبر وسائل غير دستورية، ما سيفسح المجال للتنافس على سلطاته وما لذلك من آثار مزمنة مزعزعة للاستقرار.

لمنع تحقق مثل هذا السيناريو ولتقليص حدة الاستقطاب، ينبغي على الرئيس إطلاق حوار سياسي وطني، انسجاماً مع الدعوات المتكررة من المجموعات السياسية، والنقابات والجمعيات. وينبغي أن يمضي هذا الحوار إلى أبعد من الخطط القائمة، مثل المنصة التي أطلقت حديثاً للتشاور مع المواطنين على الإنترنت، وأن يشمل نطاقاً واسعاً من التنظيمات، بما فيها المنظمات السياسية، والنقابات والجمعيات، وينبغي أن يتم إجراء هذا الحوار الشامل والتشاركي قبل الاستفتاء الدستوري الذي يزمع سعيد إجراءه في 25 تموز/يوليو 2022 بحيث يتم تقريب الرئيس من الجهات الفاعلة على الأرض والمساعدة في منع حدوث توترات محلية. كما أنه سيمنح صوتاً أكبر لشرائح أوسع في المجتمع لوضع برنامج للإصلاحات الاقتصادية الواقعية والمصادقة عليه.

في هذه الأثناء، ينبغي على سعيد مراجعة المرسوم 117 تاريخ 22 أيلول/سبتمبر 2021 بشأن إجراءات الطوارئ. وينبغي أن يمنح رئيسة الوزراء بودن مساحة كافية لتعيين الوزراء ووضع استراتيجية اقتصادية. سيساعد القيام بذلك في إجراء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والتي يبدو نجاحها محورياً كوسيلة لتحاشي التخلف عن دفع القروض على المستوى المتوسط.

وينبغي على شركاء تونس الدوليين الرسميين، خصوصاً الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تخفيف ضغوطهما لتحاشي التسبب بالمزيد من الأضرار للوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. إذا ضمن الرئيس، بعد إطلاق حوار وطني، عودة إلى نظام دستوري متفاوض عليه في خريطته السياسية، ينبغي على شركائه الدوليين منح الأولوية لدعم جهود تعزيز اقتصاد البلاد. على سبيل المثال، يمكن للاتحاد الأوروبي معالجة مسألة تحسين إدماج تونس في المنطقة الاقتصادية الأوروبية واليورو–متوسطية، وتشجيع فكرة إقامة مؤتمر دولي بشأن تونس وجمع دول مجموعة السبع لإجراء حوار حول تحويل الديون الثنائية إلى مشاريع تنموية. كما يمكن للاتحاد أن يمكّن برنامج آلية جديدة للقروض على مدى أربع سنوات مع صندوق النقد الدولي تشمل مكوناً اجتماعياً مهماً، في الوقت الذي تدعم فيه التغييرات التكنولوجية والصناعية في البلاد الجارية أصلاً والتي سرّعتها جائحة كوفيد–19.

تونس/بروكسل، 6 نيسان/أبريل 2022

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.