تونس: مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية
تونس: مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية
To Deal or Not to Deal: How to Support Tunisia out of Its Predicament
To Deal or Not to Deal: How to Support Tunisia out of Its Predicament
Op-Ed / Middle East & North Africa 3 minutes

تونس: مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية

برزت تونس في خضم الاضطراب العربي كنموذج لتغيير ديمقراطي سلمي نسبيا. لكن الاضطرابات التي تضطرم تحت السطح - من اضطرابات عمالية محتدمة إلى أعمال شغب سلفية متفجرة، التي تجتذب الشباب المهمش الغاضب - إشارات واضحة على أن الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تسببت في أحداث الربيع العربي قادرة على تأجيج الوضع مرة أخرى. جلبت الثورة تغييرات سياسية رئيسية، وحكم على بن علي، الذي كان رحيله مطلبا أساسيا للثورة، مؤخرا بالسجن مدى الحياة لقتل أكثر من 300 شخص العام الماضي. بيد أن الدمار الاقتصادي للثورة للإطاحة به ممتزجا بالتأثيرات الجانبية للانكماش الاقتصادي الأوروبي يساعد في تقويض الثقة في الحكومة الجديدة. وقد حذر الرئيس المرزوقي مؤخرا من أنه إذا لم يتم إصلاح الاقتصاد التونسي، الذي يشكل الأولوية الأولى، ستحدث «ثورة على الثورة».

لم تصل تونس بعد إلى مرحلة ربيع عربي كامل آخر. فلا الأحزاب السياسية ولا النقابات العمالية تتوق إلى مواجهة أخرى. لكن لاحتواء الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية المتنامية، يجب على رئيس الوزراء حمادي الجبالي وفريقه أن يتعاملوا مع قضايا ثلاث رئيسية. الأولى، أنه ينبغي عليهم التعامل مع البطالة، وخاصة العاطلين من خريجي الجامعات، الذين نزلوا إلى الشوارع منذ يناير (كانون الثاني) 2011. ثانيا تحتاج تونس إلى التعامل مع التباينات الصارخة التي تحرم المناطق الداخلية والمحيطة بالمدن من التنمية الاقتصادية. ثالثا، يجب على الحكومة أن تتصرف بشكل حاسم لمنع ممارسات الفساد التي يقوم بها داعمو النظام السابق من مجرد تغيير الأفراد إلى موظفين جدد على نفس الدرجة من التدمير، وإن كانوا أقل فظاعة أو فسادا.

تدرك حكومة الجبالي، التي يقودها حزب النهضة الإسلامي المعتدل، بشكل كامل المشكلات. لكنها فشلت حتى الآن في الحفاظ على زخم مطالب التغيير منذ انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2011، التي شجعت التونسيين الأكثر تهميشا اقتصاديا على اختيار الأحزاب الثورية «غير الفاسدة»، لكنها في الوقت ذاته لا تتحلى بالخبرة، لتشكيل تحالف حاكم عوضا عن سياسيين بارزين معروفين «موصومين» بأنهم فاسدون بتسوياتهم مع السلطة. لكن هل سيشهد العمال الثوريون والشباب العاطل فوائد مظاهراتهم من خلال تنفيذ بعض تدابير الرفاهية فقط.

رغم إقالة رئيس البنك المركزي مؤخرا، لكن المؤسسات المالية التونسية والشركات تعمل بكفاءة. ورغم الضرر الشديد الذي لحق بقطاع السياحة، فإنه يشهد حاليا انتعاشة بطيئة. وقد قدمت الحكومة التونسية بعد التدابير الناجحة لسد الفجوة، بما في ذلك مخصصات متواضعة لنحو 200,000 خريج عاطل، وعشرات الآلاف من الوظائف العامة والإعانات الضخمة على المواد الغذائية مثل الحليب والبيض الدقيق والسكر، ثم الوقود. والهدف من ذلك هو الاعتماد على هذه الأسس الاقتصادية دون إثارة مطالب جديدة من شأنها تأخير انتعاش القطاع الخاص والعام.

وللحفاظ على استمرار دوران العجلة، ينبغي على الحكومة تطبيق سياسات اجتماعية واقتصادية بعيدة المدى. أولا، ينبغي على الجمعية الوطنية للدستور أن تدشن إجراءات طارئة لكسر الحواجز الإدارية التي تحول دون حصول خريجي الجامعات على الوظائف وتعيق التنمية الإقليمية. ويأتي ذلك عبر إنشاء مفوضية لمنح موافقات سريعة للمشروعات التي تتعامل مع المشكلات الأساسية. وكذلك إنشاء لجان استجواب من وسطاء محليين وقوات أمنية يتم تفعيلها لحل النزاعات المحلية العنيفة، وخاصة في المناطق الجنوبية والغربية الأكثر فقرا، وفي حوض التعدين والمناطق المحيطة بالمدن. وفي أعقاب المشاورات المحلية، ينبغي تمكين الوزراء والسلطات المحلية من تنفيذ هذه التوصيات.

وكحال السواد الأعظم من العمالة في المنطقة يعمل غالبية التونسيين في القطاع غير الرسمي. ويحتاج هذا القطاع إلى التحول من وضعية غير قانونية إلى محرك للنمو. كما ينبغي القضاء على الروتين الحكومي والمعاملة المهينة التي منعت محمد بوعزيزي وأكثر من ثلاثين شخصا آخر أقدموا على حرق أنفسهم من كسب عيشهم. وينبغي تعميم أنشطة القطاع غير الرسمي دون خسارة لحياة الأفراد. ينبغي لهؤلاء العمال أن يساهموا في نهاية المطاف في القاعدة الضريبية للاقتصاد الجديد، وتعزيز المحاسبة الحكومية. كما ينبغي على الدولة أن تبسط الإجراءات لبدء وإدارة الشركات الصغيرة، وينبغي على تونس تطوير قدرة رأس المال الاستثماري المحلي.

ينبغي أيضا بدء عملية تسجيل كامل لحملة الشهادات فوق العليا، مقترنة بمعايير موضوعية وشفافة للحصول على الوظائف في شركات القطاعين العام والخاص. وقد وقع العديد من أعمال العنف حتى بين القبائل، بسبب ممارسات التوظيف غير العادلة. من جانبها ينبغي على النقابات العمالية أن تركز على تدريب وإعادة تدريب القوى العاملة لمساعدة الأفراد في فهم الحاجة إلى حل النزاعات عبر المفاوضات الجمعية وتطوير مهارات جديدة يحتاجها الاقتصاد العالمي. في الوقت ذاته يمكن للمجتمع الدولي دعم التنمية المحلية والإقليمية عبر المساعدات التقنية وتوسيع قدرة الإقراض المصغر.

الحاجة إلى تحرك اقتصادي لا يمكن المبالغة بشأنها. وتحاول الأحزاب بالفعل إعادة توطين نفسها من جديد قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة. وخلال قيامهم بذلك، ربما تتواصل الاضطرابات الاجتماعية مقترنة بقضايا الهوية والسياسية ويمكن أن تتفاقم إلى أزمة شرعية فعلية للحكومة. يجب أن يكون ضمن أي مجموعة من الحلول مشاورات وحوارات أكبر مع جميع أصحاب المصلحة. فبعد سنوات من الحكم الاستبدادي وشهور من المظاهرات والمصاعب الاقتصادية لا يحتاج التونسيون إلى أقل من ذلك.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.