تعميق التخندق الطائفي في البحرين
تعميق التخندق الطائفي في البحرين
Football and Politics in the Gulf
Football and Politics in the Gulf
Op-Ed / Middle East & North Africa 3 minutes

تعميق التخندق الطائفي في البحرين

إلى أن وصلتها رياح الانتفاضات العربية في شهر فبراير من العام الماضي، كانت البحرين تستمد معظم شهرتها من تنظيمها لسباق الفورمولا ون المرموق، والذي كان يعكس للخارج صورة بلاد مستقرة ومتقدمة. إلا أن عمليات القمع العنيفة ضد الحراك الاحتجاجي في مارس العام الماضي أظهرت البلاد بصورة مختلفة تماماً. وتحول سباق الجائزة الكبرى هذه السنة من كونه مصدر فخر واعتزاز للمملكة الصغيرة الى مصدر أرق يقض مضاجع السلطات التي لم تتمكن من تجنب اسبوعين من الجدل الإعلامي، ولا من منع الصحفيين من تغطية الاحتجاجات التي فرقتها أجهزة الشرطة من خلال اللجوء المفرط للغاز المسيل للدموع، ولا أن تحتوي الانفعالات التي هيجتها ملاقاة أحد المتظاهرين لمصرعه

عقب تقديم لجنة متابعة تنفيذ توصيات بسيوني لتقريرها، هنأت العائلة المالكة آل خليفة نفسها لقدرتها على إعادة الحياة الطبيعية إلى البلاد. غير أن الصورة على أرض الواقع قبيل أيام فقط من عقد سباق الجائزة الكبرى لهذا العام تشير إلى نسبية هذا 'النجاح'. فمع أن أحلك أيام القمع قد مضت، إلا أنه لا يبدو أن الأوضاع في البلاد قد تحسنت. إذ تعاني الجزيرة الآن من توترات طائفية تزيد طينة الخلاف السياسي بين المعارضة والنظام بلة

حصدت وحشية أجهزة الشرطة حياة العديد من المتظاهرين، ولم تتوقف انتهاكات الحقوق الإنسان التي تجري في زوايا الأزقة المظلمة أو في مراكز الاعتقال غير الرسمية. كما بدأت المعارضة باللجوء إلى قنابل المولوتوف وتنفيذ هجمات عنيفة ضد رمز السلطة الذي تجسده أجهزة الشرطة. واستؤنفت اعمال العنف اليومية في القرى الشيعية على غرار ماكنت عليه قبيل أزمة فبراير العام الماضي ولكن بوتيرة أعلى
أما اللافت للنظر اليوم فهو حرب الكتابة على الجدران أو 'الغرافيتي' في القرى الشيعية. فتماماً كلعبة القط والفأر، تهب السلطات لطمس هذه الشعارات المناهضة للنظام ولكن سرعان ما تقوم المعارضة بإعادة رشها كلما أمكن ذلك. وغدت شبكات الترابط الاجتماعية، لا سيما 'تويتر'، منابر للتعبير عن المطالب والادعاءات . ففي شهر مارس الماضي، أثارت إقالة معلمة اتُهمت بأنها أجبرت طالب من الطائفة السنية يبلغ من العمر أربع سنوات على تقبيل قدميها، والشائعات عن مراهق قيل أنه اٌختطف وعُذب من قبل المخابرات لرفضه القيام بدور المُخبر، أثارت موجة سونامي من 'التغريدات' التي تدفعها الكراهية والمرارة، وهي أعراض خطيرة لتطييف الصراع البحريني

لم تعد هذه التوترات عفوية كما قد يتصور المرء، فإثارتها تبدو مفيدة جدا لحكومة لا تتمتع بسجل ناصع البياض في مجال الفساد والحكم الرشيد. ترفض النخب الليبرالية في البحرين أن تدخل في لعبة تطييف السياسة والمجتمع، مشيرين الى وجود عدد كبير من الزيجات المختلطة، أو مستحضرين ذكريات سنوات من التعايش. تقول منيرة فخرو، الناشطة الديمقراطية، أن الكراهية تولد من رحم الخوف، وهو ما كان و لا يزال ممكناً تبديده من خلال التفاعل الدائم بين أفراد الطائفتين

تتعرض جمعية المعارضة الرئيسية 'الوفاق' لانتقادات من جانب السنة والشيعة على حد سواء، وذلك بسبب أجندتها السياسية المحافظة فيما يتعلق بحقوق المرأة والعلاقة بين الدين والدولة، مما أدى إلى اتهامها بإتباع النهج الديني للنظام الإيراني. وهو ما بدا للحكومة كهبة من السماء استغلتها مراراً وتكراراً لتعبئة الطائفة السنية ضدها. فمن خلال تلوين المطالب الشيعة المنادية بوضع حد للتمييز وإدانتها لأجهزة الدولة القمعية باللون الديني، تحاول سلالة آل خليفة إنكار البعد السياسي لهذه المطالب الديمقراطية، وتوطيد سلطتها تحت غطاء ضرورة حفظ الأمن

وفي هذا السياق، فإن اللغو حول البعبع الإيراني يخدم النظام بفاعلية كبيرة. إذ يحاجج الأخير على نحو ساذج أنه على عكس الطائفة السنية، فإن على كل على فرد من الطائفة الشيعة أن يختار ويتبع مرجعية دينية، وأن الشيخ البحريني عيسى أحمد قاسم الذي يُنظر إليه على أنه تابع للمرشد الاعلى في ايران آية الله خامنئي، يعد بدوره المرشد الروحي لجمعية 'الوفاق'، وهكذا ،حسب حجتهم الواهية، فإن إيران تقف وراء حركة الاحتجاج ومحاولات الاطاحة بالعائلة المالكة، وتصعيد العنف ضد الشرطة. كما أن تشكيك النظام بنقاء نوايا المعارضة التي لا تزال تعد نفسها اصلاحية، والإيحاء بأنها تغذي مشروعاً سرياً لإقامة دولة دينية على الطراز الإيراني، فإنها تقوض كافة المطالب الإصلاحية للمعتدلين

أما الدليل الوحيد الذي قدمته الحكـــــومة لإثبات ادعائها بوجود تدخل ايراني في السياسة الداخلية للبحرين كانت التصريحات التي أدلت بها شخصيات بحرينية معروفة موالية لإيران وشخصيات إيرانية في وسائل الإعلام الإيرانية أو تلك الموالية لها. غير أن، وكما اعترفت الولايات المتحدة، قد يكون ذلك نبوءة تحقق ذاتها، حيث تدفع اتهامات المنامة للطائفة الشيعة إلى أحضان طهران

تُترجم استراتيجية 'التطييف' إلى تهميش الإصلاحيين داخل النظام المتجمعين حول ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد، لصالح أعضاء أكثر تشدداً في العائلة المالكة. وقد ساهم فشل محاولة ولي العهد في عقد حوار مع المعارضة في مارس من العام المنصرم في تقوية المحافظين داخل النظام الذين يحظون بدعم الجارة السعودية القوية التي يروجون لتأثيرها الاقتصادي والثقافي والسياحي ولتواجدها العسكري. ويريد هؤلاء الرافضين لأية تسوية مع المعارضة الإعتقاد أن من شأن اقتراح تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى 'اتحاد' سياسي أن يؤدي إلى ولادة فدرالية بحرينية-سعودية تعزز التضادد مع سلطة الرياض، حتى ولو تم تأجيل هذا المشروع حتى وقت لاحق

في محاولة لتجنب تدخل إيراني وهمي، تخلق سلالة الخليفة الظروف المواتية للتأثير المتزايد للنموذج السعودي. إلا أن ذلك قد يؤدي إلى الحد من الحريات التي يعتز بها البحرين وتعزيز النزعات الاستبدادية للنظام، مما سيلقي بظلاله على كافة مواطني المملكة الصغيرة مهما كان لونهم المذهبي

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.