كيفية​ ​خروج​ ​مصر​ ​من​ ​المرحلة​ ​الانتقالية​ ​المضطربة
كيفية​ ​خروج​ ​مصر​ ​من​ ​المرحلة​ ​الانتقالية​ ​المضطربة
Op-Ed / Middle East & North Africa 4 minutes

كيفية​ ​خروج​ ​مصر​ ​من​ ​المرحلة​ ​الانتقالية​ ​المضطربة

 نجح الرئيس المصري محمد مرسي في التوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في 22/11/2012، ثم قام في اليوم التالي بإصدار إعلان دستوري يمنحه صلاحيات مطلقة، وهو ما يعد دليلا على تمتع الرئيس المصري ببراعة سياسية ملحوظة، وفي الوقت نفسه يعد دليلا على المأزق الذي وصلت إليه المرحلة الانتقالية في مصر وعلى الاتجاه المثير للقلق الذي تتبناه جانب جماعة الإخوان المسلمين للتغلب على المشاكل التي تواجهها؛ حيث تقوم بتجاهل منتقديها بدلا من الجلوس معهم للتوصل إلى تفاهم أو تسوية

وفي الحقيقة، يملك مرسي المبررات الكافية لشعوره بالإحباط من الوضع الراهن؛ حيث توجد سلطة قضائية مسيسة إلى حد كبير تقوم بكل ما في وسعها لعرقلة الجهود التي تبذلها القيادة الجديدة وعرقلة أي محاولة لتحقيق الإرادة الشعبية الممثلة في المؤسسات المنتخبة، علاوة على أن المعارضة غير الإسلامية لم تظهر أي رغبة في البناء والتصالح. ومع ذلك، تعامل الرئيس مع هذه المشكلة الحقيقية بصورة خاطئة؛ حيث لجأ إلى استخدام «المنشار» في الوقت الذي كان يتعين عليه استخدام «المشرط» لاستئصال تلك المشكلات. في الواقع، يمكن التغلب على المأزق الحالي عن طريق التوصل لحل وسط يسمح بعبور البلاد لهذه المرحلة الانتقالية بوتيرة معقولة، في الوقت الذي يتم فيه تقديم ضمانات موضوعية للمعارضة المتخوفة من الإعلان الدستوري

ويهدف الإعلان الدستوري إلى إحداث تغيير على المدى البعيد؛ حيث يقيل النائب العام الذي لا يحظى بشعبية كبيرة والذي تم تعيينه في عهد مبارك، ويمهد الطريق نحو إعادة محاكمة المسؤولين المتورطين في أحداث العنف ضد المتظاهرين والذين تم تبرئتهم في الآونة الأخيرة، ويحمي مجلس الشورى واللجنة التأسيسية لوضع الدستور من الحل بحكم قرار محتمل من القضاء، ويطيل أمد عمل اللجنة التأسيسية لمدة شهرين إضافيين، ويحصن قرارات الرئيس من أي حكم قضائي حتى يتم وضع دستور جديد. ولم تأت هذه القرارات من فراغ، ولكن لجأ إليها الرئيس مرسي بعدما امتدت الفترة الانتقالية لمدة عامين تقريبا وبدت على وشك الانهيار. وكانت أحكام قضائية قد صدرت بحل مجلس الشعب المنتخب ولجنة صياغة الدستور خلال الأشهر السبعة الماضية، كما كانت هناك تكهناك كبيرة بأن القضاء سوف يطلق نيرانه على المؤسستين المتبقيتين وهما مجلس الشورى واللجنة التأسيسية ويقوم بحلهما أيضا

ولا يقتصر الأمر على ذلك، ولكن كان هناك أخطار أخرى تلوح في الأفق؛ حيث كان من المفترض أن تقوم المحكمة الدستورية العليا في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) بالنظر في الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري والذي منح نفسه بمقتضاه صلاحيات تشريعية وتنفيذية غير مسبوقة. ولو حدث ذلك، ستصبح جميع قرارات مرسي لاغية وباطلة من الناحية النظرية

وفي الحقيقة، أدت هذه الخطوات إلى تعكير المشهد السياسي المصري لأنها لا علاقة لها بالهيئات التمثيلية في الدولة، علاوة على أنها قد تجاهلت الإرادة الشعبية التي تم التعبير عنها في استفتاء مارس (آذار) 2011 وأعاقت بناء المؤسسات وأدت إلى تأخير كتابة الدستور وأثارت الكثير من علامات الاستفهام حول المستقبل الذي ستواجهه البلاد. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي هذه الخطوات إلى تداعيات اقتصادية مدمرة. وبالفعل أدت الاضطرابات التي شهدتها البلاد عقب الثورة والفترة الانتقالية التي تتسم بالغموض وعدم الرؤية والاحتجاجات العنيفة التي تشهدها البلاد على فترات متقطعة إلى تفاقم الوضع؛ حيث تعاني مصر من عجز هائل في الميزانية وبنية تحتية متداعية ومعدلات بطالة مرتفعة للغاية، علاوة على انخفاض احتياطي النقد الأجنبي بشكل سريع، كما شهدت البورصة هبوطا حادا عقب صدور الإعلان الدستوري والاحتجاجات اللاحقة

ومع ذلك، كان رهان الرئيس سيئا في حقيقة الأمر؛ لأن الدفاعات المزدوجة للرئيس – بأن يتصرف نيابة عن إرادة الشعب، تقول المادة السادسة «إنه يمكن أن يتخذ جميع التدابير الضرورية (لحماية الدولة وأهداف الثورة)» وأن هذه التدابير تلقائية وسوف تنتهي بمجرد وضع دستور جديد للبلاد – هي قديمة قدم الاستيلاء على السلطة نفسها. ويعد هذا الإعلان سابقة خطيرة ومثيرة للقلق؛ لأنه يركز الصلاحيات في يد فرد واحد ويعفيه من أي إشراف قضائي، وهو ما قد يجعل صياغة دستور توافقي أمرا شبه مستحيل، مهما كانت دقة ونزاهة وديمقراطية مضمونه في نهاية المطاف

وعلاوة على ذلك، أدى هذا الإعلان إلى تعميق حالة الانقسام في الدولة التي قد لا تتحمل مزيدا من الاستقطاب، فالسلطة التنفيذية على خلاف مع السلطة القضائية العريقة، كما طالب الكثير من القضاة المحاكم بالإضراب عن العمل، بل إن البعض طالب بإقالة الرئيس من منصبه. ومن غير المرجح أن يحدث أي من هذه السيناريوهات، ولكن الشيء المؤكد هو أن المواجهة بين السلطتين التنفيذية والقضائية سيكون لها عواقب وخيمة. كما احتدمت المعركة بين الإسلاميين وغير الإسلاميين الذين يرون أن الخطوة التي أقدم عليها الرئيس قد أكدت صحة شكوكهم ومخاوفهم من جماعة الإخوان المسلمين بأنها تسعى للتفرد بالسلطة

وقد شهدت الأيام القليلة الماضية اندلاع أحداث عنف كبيرة؛ حيث تم إحراق مقرات حزب الحرية والعدالة – الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين – كما قتل شاب ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين. وعلاوة على ذلك، ترسخ نمط جديد للتحالفات السياسية يعمق هوة الاختلاف الأيديولوجي والطائفي. في الحقيقة، لم تعد الدولة تحتمل مزيدا من الاستقطاب واستعراض القوى، في الوقت الذي تعاني فيه من فراغ مؤسسي وحالة من انعدام الثقة بين جميع الأطراف، من دون وجود أي حكم شرعي أو قواعد توافقية

ويجب أن يولي الرئيس أهمية قصوى للاعتماد على الحوار والمفاوضات – وليس القرارات أحادية الجانب – لعلاج المشكلات المزدوجة التي تعانيها البلاد والتي دفعته لاتخاذ هذه التدابير غير الحكيمة وإلى تفاقم حالة العداء من جانب سلطة قضائية، تبدو وكأنها تنحاز لأطراف بعينها في الساحة السياسية، والتي يبدو أيضاً أنها مصممة على حل جميع المؤسسات الموجودة، وللتغلب أيضا على حالة الشلل التي تصيب الجمعية التأسيسية التي ينسحب منها الأعضاء غير الإسلاميين بشكل جماعي

وفي الواقع، من الصعب التوصل إلى تسوية بين الرئيس والسلطة القضائية والمعارضة، ولكن الشيء الواضح هو أنه يتعين على الرئيس والمجلس الأعلى للقضاء الاتفاق على تراجع الرئيس عن قراره، وذلك بتعديل الإعلان الدستوري لاستعادة الإشراف القضائي على قراراته التنفيذية والتشريعية باستثناء تلك المتعلقة بصيانة وعمل المؤسسات السياسية التمثيلية، وهي مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لكتابة الدستور؛ ويجب على المحاكم احترام هذا الاتفاق وعدم المغالاة في إطلاق أحكام للفصل في مخاصمات سياسية والسماح للفترة الانتقالية أن تسير في مسارها، كما يتعين على أعضاء الجمعية التأسيسية الذين انسحبوا احتجاجا على تمثيل الإسلاميين بصورة كبيرة العودة إلى الجمعية مرة أخرى؛ وفي إشارة إلى حسن النية يتعين على بعض الأعضاء الإسلاميين الانسحاب من الجمعية، على أن يتم استبدالهم بخبراء في القانون الدستوري

وليس هناك أدنى شك في أن مصر في حاجة ماسة إلى تصحيح مسارها؛ لأن المرحلة الانتقالية قد أصبحت في ورطة كبيرة، ولكن لم يكن هذا هو السبيل للخروج من هذا المأزق. ويجب أن تركز الجهود خلال الأيام المقبلة على علاج العيوب الأساسية التي ابتليت بها المرحلة الانتقالية منذ الإطاحة بمبارك من سدة الحكم، والتي تتمثل في عدم وجود مجموعة من المبادئ المتفق عليها، وخارطة طريق سياسية تحدد الوجهة النهائية، وطريق آمن للخروج من هذه الأزمة

لا تقع المسؤولية على الرئيس وحده، وإن افتقرت مبادرته للحكمة، ولكن هناك مسؤولية أيضا على المعارضة التي يجب أن تثبت أنها طرف جاد ومسؤول في العملية السياسية

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.