دور موسكو في الأزمة السورية
دور موسكو في الأزمة السورية
Op-Ed / Middle East & North Africa 4 minutes

دور موسكو في الأزمة السورية

يُؤمل الآن ولاسيما بعد الانتهاء من الانتخابات الروسية أن يفسح الخطاب الانتخابي بشأن الأزمة السورية المجال أمام سياسة روسية خارجية فعالة بشأن واحدة من أخطر الأزمات حالياً

بعد الفيتو الذي شهرته لحماية نظام بشار الأسد في مجلس الأمن، قاطعت موسكو الاجتماع الأول لأصدقاء سوريا، معلنة بكل بشكل لا لبس فيه أنها لن تشارك في اجتماع غير رسمي على تلك الدرجة من العدائية للرئيس السوري. إلا أنها في الوقت نفسه لم تطلق أي مبادرة دبلوماسية لنزع فتيل الوضع الذي يزداد تفجراً يوماً بعد اخر. ولتصوير نفسها على أنها الصديق الحقيقي الوحيد لسوريا، فان أفعالها تقتصر في الوقت الراهن على دعم الأسد على الرغم من إدارة الأخير الكارثية للأزمة في البلاد. إن ترك الوضع يتطور على هواه في منطقة غاية في التعقيد، فقد يفضي إلى حرب أهلية واسعة النطاق ذات عواقب وخيمة لا تعد ولا تحصى، ليس على سوريا وحدها فحسب، وإنما على المنطقة بأسرها. حان الوقت لموسكو أن تنخرط على نحو بناء واستغلال أول زيارة لكوفي عنان إلى دمشق لإرسال رسالة واضحة للنظام السوري تعبر عن دعمها المطلق لمهمة الأمين العام السابق للأمم المتحدة

لدى روسيا من الأسباب ما يكفي لتنظر بعين الريبة إلى الغرب. أولاً، ترى موسكو أنها لعبت دوراً بناءً عندما مررت  قرار 1973 الأممي بشأن  ليبيا لتتفاجأ في ما بعد بمدى انتهاك غارات منظمة حلف شمال الأطلسي لنص وروح هذا القرار والتي استمرت حتى سقط النظام واغتيل القذافي. لا تزال موسكو مقتنعة ليس بامتلاك الأسد للوسائل الكافية للبقاء في السلطة فحسب، بل وبأنه يمثل أفضل درع ضد الجماعات الجهادية التي تهدد بتفكيك سوريا. لا تثق موسكو بالمعارضة وترى أن دعم الغرب لها ينبع من غياب الوعي السياسي الذي من شأنه إغراق سوريا في حالة من الفوضى العارمة كالتي أغرقت العراق في أعقاب الغزو الامريكي. أخيراً، كانت روسيا حتى وقت قريب في خضم حملة انتخابية تعين خلالها

على "الثنائي" في السلطة مواجهة اللغط الذي أثارته الطبقة الوسطى الساخطة والتي استمرت بالتظاهر على مرمى حجر من الكرملين للمطالبة بالمزيد من الشفافية والديمقراطية الحقيقية في السلطة ... وفي هذه الأجواء المتوترة، أراد بوتين أن لا يظهر بمظهر اللين على الساحة الدولية

مثلت الأزمة السورية للسلطات الروسية فرصة لتقديم نفسها كقوة عظمى ليس من خلال تصديها للغرب فحسب، وإنما أيضا في مقدرتها على حشد تأييد الصين لمواقفها. يعرض التلفزيون الروسي الوضع في سوريا على أنه وقبل كل شيء مواجهة جديدة بين الشرق والغرب لا يمكن لموسكو فيها أن تتراجع عن موقفها. وإن كان لنا أن نصدق الاخبار المسائية على القناة الاولى، فإن المشكلة الرئيسية في سورية تكمن في تصميم الغرب، الذي ساهم في اسقاط عدة رؤساء عرب بما فيهم الحلفاء الأكثر إخلاصا لأمريكا، على دمقرطة الشرق الأوسط بشق الأنفس، وخصوصا على إزاحة زعيم البلد الوحيد في المنطقة حيث لدى موسكو مصالح  اقتصادية وعسكرية وجيوستراتيجية مهمة

وتلاقي وجهة النظر تلك صدى واسع في أوساط الفئات المجتمعية البارزة في موسكو التي تحلل وتنشر عن السياسة الخارجية الروسية. حيث يُنظر إلى الثورات العربية في المقام الأول من منظور لعبة جيواستراتيجية للكبار، تشغل فيها الصحوة الاجتماعية في العالم العربي ومطالبها بالإصلاح والردود الحكومات العنيفة المقعد الخلفي، تاركة القيادة لمخاوف القوى الخارجية الغربية

ثمة سؤال جوهري لا يزال ينتظر إجابة: إلى أي مدى ستستمر روسيا في دعمها لنظام يقوم بمفاقمة الأزمة يوم بعد يوم؟ نظام تزيد أساليبه من عمق الشرخ في نسيج المجتمع السوري، وتفتح الأبواب على مصراعها  أمام الجماعات الإرهابية التي تخشاها موسكو والتي يجد فيها النظام أبطالاً لروايته القائلة أنه لا يشهر سلاحه في وجه المتظاهرين السلميين، وإنما في وجه إسلاميين خطيرين. تم سرد هذه الرواية بلغة أكثر دبلوماسية لوزير الخارجية الروسي مما دفع الأخير إلى تأييد النظام السوري في الدفاع عن نفسه وفي الحفاظ على وحدة تراب بلاده

بالطبع يمكن لموسكو بكل سهولة أن تشير إلى الأخطاء التي ارتكبها الغرب وإلى المخاطر التي ينطوي عليها نهج سيستند من جديد على الانخراط المباشر في حرب أهلية. يزيد افتتان الغرب الحالي بصحوة الشعوب العربية، بعدما ساندوا وقاموا بتسليح حكام المنطقة الأكثر استبدادا وتعطشا للدماء لعقود، يزيد من سخرية موسكو. إلا أنها حتى اللحظة لا تبدو قادرة على تقديم بديل حقيقي لمقترحات الجامعة العربية والغرب. ويُظهر قصف مدينة حمص في أعقاب الفيتو الصيني-الروسي في مجلس الأمن كيف تفسر دمشق هذا الدعم على أنه تفويضاً مطلقاً للقمع الوحشي. يزيد هذا الدعم غير المشروط – وخاصة انه لا يأتي مصحوباً لا بمبادرة سياسية ولا دبلوماسية من شأنها أن تجبر الرئيس الأسد على تقديم التنازلات بشأن السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بالوصول الفوري إلى جميع مناطق مدينة حمص مبدئياً، ومن ثم على التفاوض على رحيله – يزيد المخاطر ليس على سوريا التي يزداد عمق أزمتها فحسب، وإنما أيضا على التواجد الروسي في العالم العربي. وتستمر التكاليف السياسية والاقتصادية الناجمة عن إدارة الأسد الخرقاء للأزمة الراهنة من سقوطه أمر يكاد أن يكون محتم

الملايين من السوريين الذين قادهم القتل والتعذيب إلى التطرف مستعدين اليوم لفعل أي شيء لإسقاط النظام سواء كانوا يمثلون الأغلبية أم لا. ما سيحل بمصالح روسيا في سوريا التي ستنبثق من تحت الانقاض إذا اقتصر دور موسكو على الدعم المطلق لنظام يغرق؟ بالطبع ثمة شريحة مهمة من السوريين، وخصوصا ممن يعمل في الأجهزة الأمنية، الذين قرروا الاستمرار في دعم الأسد مهما كان الثمن. سيمثل أخذ تطلعات كلا الطرفين في الاعتبار، واستغلال نفوذ روسيا على الأسد لعقد مفاوضات مكثفة لتأسيس مرحلة انتقالية سلمية قابلة للحياة تحديا كبيرا للدبلوماسيين الروس المخضرمين الذين يعرفون البلد جيدا مما يمكنهم من المساهمة في إيجاد مخرجا للأزمة يفرضه الكبار

ولكن قبل  الدخول في عملية بهذا الحجم، يتعين على روسيا أن تستأنف لغة الحوار مع تركيا وجامعة الدول العربية والغرب. دعت موسكو علنا لوقف الأعمال العدائية وقد أعرب بوتين عن شكه في قدرة النظام على البقاء في السلطة. يجب أن ترمي موسكو بثقلها الآن وراء الجهود التي يبذلها كوفي عنان من خلال ايفاد دبلوماسي روسي رفيع المستوى على سبيل المثال. يتعين أن تنبع قوة دفع سياسية واضحة من قمة هرم السلطة في روسيا. وهنا يكمن التساؤل المهم: هل ستتولد قوة الدفع تلك في الأيام المقبلة لا سيما بعد زوال حمى الانتخابات في موسكو؟ ليس ثمة ما هو أقل تأكيداً من ذلك، ولكن ليس ثمة ما نتمناه أكثر من ذلك

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.