الوساطة الليبية لإنهاء الصراع في شرق السودان: المهدَّدات ومتطلبات النجاح
الوساطة الليبية لإنهاء الصراع في شرق السودان: المهدَّدات ومتطلبات النجاح
What’s Left of Sudan After a Year At War?
What’s Left of Sudan After a Year At War?
Op-Ed / Africa 3 minutes

الوساطة الليبية لإنهاء الصراع في شرق السودان: المهدَّدات ومتطلبات النجاح

تنعقد تحت رعاية ليبية في السابع من شباط (فبراير) الجاري جولة المفاوضات الأولى بين «جبهة شرق السودان» والحكومة السودانية، بعدما تأجّل عقدها ثلاث مرات في الشهور الثلاثة الأخيرة. عقبات ومهددات عدة تتربص بهذه المبادرة مما يقتضي أن يبذل الوسيط الليبي جهداً مركزاً في التعرف على هذه المهددات وايجاد المعالجات للأزمة للتعامل معها بالجدية المطلوبة، ومن هذه العقبات:

تعامل حزب المؤتمر الوطني الحاكم مع الأزمة في شرق السودان من منطلق مصلحي وتصادمي ضيّق. وأسفر عن ذلك ارسال الحكومة – التي يسيطر المؤتمر الوطني على أجهزتها الأمنية كامل السيطرة – مئات الجنود الى مدينة همشكوريب في الحادي عشر من كانون الثاني (يناير) وتهديد تلك القوات بطرد الحركة الشعبية لتحرير السودان ومقاتلي «جبهة الشرق» من المدينة. حدث هذا التصعيد على رغم اتفاق حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان قبل أسبوع من ذلك، في حضور ممثلين لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في السودان، على تأجيل تاريخ انسحاب قوات الحركة من المنطقة التي تسيطر عليها شرق السودان من 9 كانون الثاني الى 9 شباط (فبراير) 2006. عليه أتت الحملة العسكرية بمثابة تهديد باستعمال القوة ضد «جبهة شرق السودان» اذا أصرت الأخيرة على مواصلة السيطرة على المدينة بعد انسحاب الحركة الشعبية منها في 9 شباط.

اصرار مسؤولي الحزب الحاكم على عسكرة القبائل في مساعيهم للحفاظ على السلطة، على رغم المأساة الانسانية التي أدّت اليها هذه السياسة في جنوب السودان وغربه حيث أدّت الى مقتل ما يزيد على مليوني مواطن سوداني والمعاناة المستمرة لملايين أخرى في الاقليمين. وفي فصل جديد من هذه السياسة الاجرامية استعانت القوات الحكومية في حصارها لمدينة همشكوريب بميليشيات من فصيل موال لها من شعب البجا في محاولة واضحة لإضعاف «مؤتمر البجا»، الفصيل الرئيس في «جبهة الشرق».

سعى المؤتمر الوطني الى استقلال المبادرة الليبية في شق صف «جبهة الشرق» بإبرامه فاقاً منفرداً في الأسبوع الأخير من كانون الأول (ديسمبر) مع حركة «الأسود الحرة» لقبيلة الرشايدة، الشريك الأصغر في «جبهة الشرق». وفي رد فعل غاضب على تلك المناورة أعلن «مؤتمر البجا» انسحابه من الوساطة الليبية، الا ان شمل «جبهة الشرق» التأم مرة أخرى بعد ذلك، وأعلنت أخيراً تمسكها بالمبادرة الليبية.

لكن أكبر المهددات للعملية التفاوضية يتمثل في فشل الحركة الشعبية لتحرير السودان حتى الآن في استخدام نفوذها الجديد في حكومة الوحدة الوطنية بطريقة بناءة لدفع المؤتمر الوطني، شريكها في الحكم، الى التخلي عن تعامله الصدامي والمصلحي الضيق مع قضايا الاقليم التي اضطرتها عقود من الإهمال الحكومي الى رفع السلاح ضد سلطة الخرطوم.

وأمام هذه المحاذير الصعبة، فإن مجموعة الأزمات الدولية ترفع التوصيات التالية للوسيط الليبي عسى أن ينجح في مساعيه الجارية لتوفير ويلات التمثيل الحكومي: يجب الاصرار على أن تمثل حكومة الوحدة الوطنية في المفاوضات بوفد رفيع المستوى بحضور مشترك مع حزب المؤتمر الوطني، الحركة الشعبية لتحرير السودان والأطراف الأخرى المشاركة في الوساطة الانتقالية الحالية.

وفد «جبهة الشرق»: مطالبة الخرطوم بالسماح لناشطي «جبهة الشرق» من الخرطوم ومن شرق السودان بالمشاركة في التفاوض وفق ما يحدده «مؤتمر البجا» و»الأسود الحرة» والأطراف الأخرى المشاركة في «جبهة الشرق».

الوقف الفوري للأعمال العدائية: على الوسيط الليبي مطالبة الحكومة و»جبهة الشرق» بتوقيع وقف موقت للأعمال العدائية، وفي غياب ذلك هناك خطر حقيقي من أن الفراغ الأمني الذي سيحدث متى ما أكملت الحركة الشعبية لتحرير السودان انسحابها من همشكوريب، والمحدد له حالياً 9 شباط 2006 قد يؤدي الى اندلاع القتال بين الطرفين في سباقهما للسيطرة على المدينة.

هيكلة وأجندة المفاوضات: من الضروري وضع خطة للسلام الدائم مبنية على أساس اتفاق السلام الشامل الذي وقعت عليه في كانون الثاني (يناير) 2005 الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني. ويجب أن تستند هذه المفاوضات في هيكلتها وأهدافها على الصيغ المستخدمة لتقاسم السلطة والثروة في اتفاق السلام الشامل.

ان لشرق السودان، مثل دارفور والجنوب، مطالب مشروعة للمزيد من اقتسام السلطة والثروة في حكومة اتحادية تتمتع فيها الاقاليم بسلطات حقيقية وليست اسمية. وما لم تعالج تلك المظالم الآن ستنتشر دائرة العنف المدمرة في السودان مرة أخرى.

الحضور الدولي: على ممثلي المجتمع الدولي، ونعني بذلك الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والاتحاد الأوربي، وبقية الدول التي ساندت مفاوضات الإيغاد واتفاق السلام الشامل، وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنروج وايطاليا، والدول الاقليمية المعنية بالصراع كإريتريا، أن تساعد المبادرة الليبية باعتبارها مقبولة لدى الطرفين. وعلى الوسيط الليبي تسهيل حضور هذه الأطراف كمراقبين للعملية التفاوضية ولإعطاء ضمانات دولية بأن الاتفاق المنشود سيتم بدعم دولي كامل.

عقبات صعبة لكن تجاوزها ليس مستحيلاً اذا تحلى الوسيط الليبي بالحياد التام والارادة السياسية المطلوبة لدفع الأطراف بعزم نحو السلام المنشود.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.