السودان يواجه خطر العودة إلى الحرب.. ونقطة الانطلاق: أبيي
السودان يواجه خطر العودة إلى الحرب.. ونقطة الانطلاق: أبيي
What’s Left of Sudan After a Year At War?
What’s Left of Sudan After a Year At War?
Op-Ed / Africa 3 minutes

السودان يواجه خطر العودة إلى الحرب.. ونقطة الانطلاق: أبيي

لعلّ السودان ينزلق مجدداً إلى حربٍ أهليّةٍ. ففي الأسبوع المنصرم، لقد تجددت المواجهات في منطقة أبيي الغنيّة بالنفط مخلّفةً الدمار في مدينة أبيي وتهجّر عشرات الآلاف من سكان الدينكا من بيوتهم. ويُحتمل أن تُسقِط أبيي اتفاقية السلام الموقّع عليه عام 2005 والتي شكّلت إنجازاً عظيماً وضع حدّاً لحرب مدنيّة طالت عقوداً بين الشمال والجنوب

الأحزاب المتقاتلة أي حزب المؤتمر الوطني الذي تسيطر عليه القوّات المسلّحة في السودان والمجموعة الثوريّة السابقة أي الجيش الشعبي لتحرير السودان، هما اللذان وقّعا اتفاقيّة السلام الشامل منذ ثلاث سنوات. وقبل ذلك بكثير، وقبل أن تتصدّر أزمة دارفور عناوين الصحف، دامت هذه الحرب أكثر من عشرين سنة وحصدت أكثر من مليوني قتيل. وأوجدت الاتفاقيّة حكومةً جنوبيّةً مستقّلةً تشارك في جزءٍ كبير من ثروة البلاد، وهي دعت لعقد انتخابات وطنيّة عام 2009 وإلى استفتاء جنوبي حول تقرير المصير عام 2011

تعرّضت الصفقة لبعض الانتكاسات في السابق ولكنّ سفك الدماء في أبيي اليوم هو أعظم اقتتال بين الطرفين منذ التوقيع على اتفاقيّة السلام. فإذا انهارت هذه الاتفاقيّة، تعرّض السودان للدمار

وما بدا في الأسبوع الماضي على أنّه خلاف صغير بين الجيش الشعبي لتحرير السودان والقوّات المسلّحة في السودان، تصعّد في 14 أيار/مايو ليتحوّل اعتداءً عسكريّاً شاملاً في مدينة أبيي. وحيث يتولّى الجيش في الوقت الراهن ما تبّقى من المدينة المهدّمة، يتضح أنّ المدنيين المهجرين من المدينة والقرى المجاورة لها التجأوا في معظمهم اليوم إلى جنوب نهر كير إلى جانب قوّات الجيش الشعبي لتحرير السودان التي تُسارع إلى حشد صفوفها لشنّ اعتداء مضاد

وتبقى أبيي أكثر نواحي اتفاقيّة السلام الشامل عرضةّ للمشاكل. فهي جغرافيّاً واثنيّاً وسياسيّاً عالقة بين شمال السودان وجنوبه. تضمّنت الاتفاقيّة بروتوكولاً حول أبيي يُعطي الأرض المتنازع عليها، والتي تضمّ نسبةً كبيرةً من احتياطي السودان من النفط، صفةً إداريّةًَ خاصة قبل استفتاء العام 2011: فتُمكنها من الاختيار بين البقاء مع الشمال أو الانضمام إلى جنوب قد يكون مستقلاً

وستحتاج الأطراف إلى إقامة حوارٍ مفتوح حول مواضيع النفط، بما في ذلك خطّة لإقامة اتفاقيّة تشارك في العائدات بين الشمال والجنوب لأبعد من العام 2011 على افتراض أن تصوّت أبيي لصالح الانضمام إلى الدولة الجديدة في الجنوب. كما يجب على هذه الأطراف أن تقيم فسحةً سياسيةً للحوار المحليّ بين نغوك دينكا وقبائل مسيريّة العربيّة المجاورة بهدف امتصاص خطر نزاع محليّ بين المجتمعات الأهليّة وبناء الثقة بأن تفيد جميع الأطراف من اتفاقيّة السلام

ولكنّ الوضع لا ينفك يتدهور بسبب تعنّت حزب المؤتمر الوطني وخرقه الاتفاقيّة عبر رفض الحكم «الأخير والملزم» الصادر عن لجنة ترسيم حدود أبيي في يوليو (تموز) 2005، مخلّفاً بذلك فراغاً إداريّاً وسياسيّاً خطيراً في المنطقة. ولقد ترتب عن هذا الفراغ تعاظم التوتر السياسي بين الفعاليّات المحليّة والوطنيّة، كما حدا بالعديد من المراقبين الدوليين مثل مجموعة الأزمات الدولية، إلى التحذير بصورة متكررة من الحاجة لأن تُحمّل الأسرة الدوليّة الأطراف مسؤوليّة الالتزام بأحكام الاتفاقيّة والالتزام سريعاً بإيجاد حلّ في أبيي

ومن الواضح أنّه إذا لم يتم التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار وتطبيقٍ للاتفاقيّة، لن يبقى للسودان إلا خيار الحرب. فيوم الجمعة الفائت، اتفقت الأطراف مع بعثة الأمم المتحدة إلى السودان بشأن التوصل إلى وقفٍ فوريٍّ لإطلاق النار وإلى سحب فائض القوّات في الجيشين من داخل أبيي ومن محيطها. ولكنّ وقف إطلاق النار لمّا يصمد، وفشلت القوّات المسلّحة في السودان في أن تُعيد نشر الكتيبة الحادية والثلاثين من أبيي بحسب الاتفاق. ويوم 20 مايو، أطلق الجيش الشعبي لتحرير السودان اعتداءً مضاداً على المنطقة مما أدّى إلى تصعيد الوضع

ونظراً إلى هشاشة أبيي وتفادياً لحربٍ جديدةٍ في السودان، يتعيّن على قيادة الجيش الشعبي لتحرير السودان المتمركزة في جوبا وقيادة الحزب الوطني الحاكم في خرطوم المسارعة إلى سحب جيوشهما وتفادي أي تصعيد جديد. ويتعيّن على الأسرة الدوليّة أن تضغط على خرطوم لسحب الكتيبة الحادية والثلاثين للقوات المسلّحة في السودان من أبيي وإلزام الطرفين بالامتثال لشروط وقف إطلاق النار الموقع عليه في 18 مايو (أيار) الحالي

ويجب على ما حصل أخيراً من دمار وعلى الاستعداد لمزيد من العنف أن يدقّ ناقوس الخطر. لقد آن الأوان للأسرة الدولية بأن تلتزم إلى جانب قيادة الطرفين قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة. وهذا يقتضي أكثر من مجرّد تصريحات صحفيّة من عواصم أجنبيّة. فيجب امتصاص التوتر القائم في أبيي وفي محيطها ويجب أن تتولّى بعثة الأمم المتحدة إلى السودان قيادة جهودٍ مماثلة بدعمٍ كاملٍ من الجهات الراعية الدوليّة لإتفاقيّة السلام الشامل. وتتحمّل الولايات المتحدة مسوؤليّة خاصة لأنّها كانت وراء بروتوكول أبيي بين الأطراف. ويتعيّن على مجلس الأمن أن يُدرج قضيّة أبيي في صدارة أولويّاته خلال زيارته المقبلة إلى المنطقة

دعا مجلس الأمن إلى ضبط النفس ووضعت بعثة الأمم المتحدة في السودان كلا القضّيتين الحساستين على طاولة البحث مرّات عدّة. ولكنّ هذا ليس كافياً. ويتعيّن على الدول الأعضاء النافذة في الأمم المتحدة دعوة قيادة كلا الطرفين إلى حلحلة الوضع في أبيي. ولا بد من إعطاء الأولويّة إلى خطوات على المدى القصير ولكن ما يجب التوصّل إليه في نهاية المطاف هو اتفاق بشأن الحدود وتعيين إدارة محليّة عملاً بمقتضيات اتفاقيّة السلام. فالجلوس مكتوفي الأيدي ومشاهدة أكبر دول إفريقيا تنزلق إلى حرب داميةٍ جديدةٍ ليس بخيار مطروح

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.