انفجار بيروت: حادث بالاسم فقط
انفجار بيروت: حادث بالاسم فقط
A view of the port the day after a massive explosion at the port on August 5, 2020 in Beirut, Lebanon. Houssam Hariri / NurPhoto via AFP
Statement / Middle East & North Africa 5 minutes

انفجار بيروت: حادث بالاسم فقط

يعد الانفجار الكارثي في ميناء بيروت تجلياً لعطالة النخبة السياسية اللبنانية وطابعها الافتراسي. وفي أوساط المواطنين اللبنانيين الذين يعانون منذ وقت طويل تتحول الصدمة بسرعة إلى غضب عارم. وقد تكون هذه الفرصة الأخيرة للقوى الموجودة في السلطة لإجراء إصلاحات بنيوية طال أمد انتظارها.

كل ما نعرفه هو أن الانفجار الذي دمر جزءاً كبيراً من ميناء العاصمة اللبنانية بيروت في وقت مبكر من مساء 4 آب/أغسطس كان حادثاً، لكن إذا كان الأمر كذلك، فهو حادث بالاسم فقط. إذ إن تخزين أكثر من 2,750 طن من نترات الأمونيوم عالية الانفجار، رغم التحذيرات المتكررة، لمدة سبع سنوات وفي ظروف غير مناسبة بالقرب من منطقة مكتظة بالسكان كان بمثابة دعوة لحدوث الكارثة. لقد كان الإهمال الصارخ، وربما الإجرامي، وعدم الكفاءة البيروقراطية هي الأسباب المباشرة للانفجار الذي أودى بحياة أكثر من 150 شخصاً وجرح أكثر من 5,000 شخص، وهجّر نحو 300,000 شخص وتسبب بأضرار تقدر بملياري دولار للمدينة، وما يزال حجم الأضرار في ارتفاع.

وبهذا المعنى، فإن الكارثة تعد الأحدث، وإن كانت الأكثر دراماتيكية وتدميراً، في سلسلة من تجليات العطالة التي اتسمت بها الدولة اللبنانية على مدى ثلاثة عقود.

وبهذا المعنى، فإن الكارثة تعد الأحدث، وإن كانت الأكثر دراماتيكية وتدميراً، في سلسلة من تجليات العطالة التي اتسمت بها الدولة اللبنانية على مدى ثلاثة عقود. وهي نتاج النخبة السياسية الافتراسية التي أحكمت قبضتها على مؤسسات الدولة وأكلتها لحماً وتركتها عظماً وسمحت للخدمات العامة المقدمة للمواطنين العاديين بالانهيار إلى درجة التلاشي. فشبكات النفوذ السياسي، والمحسوبية والفساد التي بنتها هذه النخبة قوضت المساءلة، والإجراءات القانونية المتبعة والسلوك الاحترافي على جميع المستويات. وقد دفع سلوك أفراد هذه النخبة لبنان فوق حافة الإفلاس وأفقر إلى درجة الإملاق شريحة كبيرة من السكان. لقد أبرز العنوان الرئيسي في ديلي ستار (Daily Star)، وهي صحيفة محلية، الحد الأدنى لهذا الوضع بوضوح: "مسؤولو لبنان هم أسوأ أعدائه". وما لم تستجب هذه النخب السياسية أخيراً إلى الدعوات المطالبة بإجراء إصلاحات جوهرية، فإن لبنان سينزلق أكثر فأكثر إلى هاوية اقتصادية، وقد يؤدي الغضب الشعبي إلى الاضطرابات والعنف.

سيسرع الانفجار في انهيار الاقتصاد اللبناني، ويؤدي إلى إفقار شريحة أكبر وأكبر من سكان لبنان البالغ عددهم 6.8 مليون، وخُمسهم من اللاجئين السوريين. لقد فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 80% من قيمتها منذ تشرين الأول/أكتوبر، وأدى ذلك إلى إفقار المواطنين اللبنانيين الذين باتوا يصارعون الآن لتأمين السلع الأساسية، المستوردة في معظمها. وقد رفضت المصارف إجمالاً الإفراج عن مدخرات زبائنها، فيما تحاول معالجة حالة الإفلاس تعاني منها هي نفسها. في 6 آب/أغسطس، أعلن مصرف لبنان المركزي دعمه للشركات والأفراد الساعين لإصلاح الأضرار، إلا أن الخبراء يظلون متشككين بقدرة المصرف على تأمين ما يكفي من الدولارات من احتياطياته المتقلصة من العملات الأجنبية لتحقيق فرق حقيقي. لقد أجبرت أزمة السيولة، وزوال إمكانية الاقتراض وما نتج عن ذلك من انهيار الطلب المحلي، وهو الوضع الذي تعمق أيضاً بسبب جائحة كوفيد–19، أجبر الشركات على تقليص عملياتها أو الإغلاق نهائياً وصرف أو إعطاء إجازات مفتوحة لعشرات آلاف الموظفين. وقد تضاءلت كميات الكهرباء التي توفرها الدولة إلى بضع ساعات يومياً، مع شح كميات الوقود المتوفرة.

وقد استجاب السياسيون اللبنانيون للأزمة السياسية–الاقتصادية للبلاد بما عُرف عنهم من افتقار للجدية، والمماحكات فيما بينهم حول نطاق الخسائر التي منيت بها المصارف اللبنانية المرتبطة سياسياً، وحول من ينبغي أن يعيد إليها عافيتها. ونتيجة لذلك وصلت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول حزمة إنقاذ اقتصادي إلى طريق مسدود.

وأتى الآن ما جعل الأزمة الوطنية اللبنانية أسوأ بكثير. فمع تعطل ميناء بيروت، وعدم قدرة المرافق الأصغر على طول الساحل اللبناني، على الأرجح، على التعامل مع جزء كبير من هذا العبء، فإن استقدام إمدادات كافية من الغذاء والدواء سيشكل تحدياً. كما دمر الانفجار أيضاً الصوامع الرئيسية لتخزين الحبوب ومخزونات المعدات الطبية. الشركات التي تمكنت من البقاء حتى الآن رغم الأزمة ستجد صعوبة أكبر في استيراد المعدات والمواد للتمكن من الاستمرار في عملها أو تصدير منتجاتها. كما ستنخفض عائدات الدولة من الضرائب والرسوم الجمركية أكثر فأكثر، ما سيجبر الحكومة على تمويل موازنتها عبر طبع المزيد من الأوراق النقدية، الأمر الذي سيحدث جولة جديدة من التضخم المفرط.

حتى قبل حدوث هذه الكارثة الأخيرة، كان لبنان بحاجة للمساعدات الإنسانية. أما الآن فقد أصبحت الحاجة ماسة، وازداد حجم المساعدات اللازمة، وخصوصاً الطواقم والإمدادات الطبية، والأغذية لتعويض المخزونات التي دمرت وتوفير مواد البناء لإصلاح أماكن الإيواء المتضررة. لحسن الحظ، فإن عدداً من البلدان في الشرق الأوسط وأوروبا بدأوا بتقديم المساعدة أصلاً. لكن ينبغي عليهم فعل المزيد، مع اتضاح آثار تدمير مرفأ بيروت ونزوح مئات آلاف اللبنانيين، وهو ما يفاقم البؤس الذي تعاني منه البلاد. ينبغي على هذه الدول تقديم المساعدة مباشرة للسكان المتضررين ومن خلال المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية الموجودة على الأرض.

ربما ما يزال أمام القيادة السياسية في لبنان فرصة لفعل الصواب وإجراء الإصلاحات التي طال أمد انتظارها، كما يطالب الشعب اللبناني، والتي اشترطها المانحون الدوليون لتوفير الإنقاذ الاقتصادي. لا يمكن السماح للترتيبات السياسية الفاسدة التي أفلست البلاد وأدت في النهاية إلى كارثة 4 آب/أغسطس بالاستمرار؛ فقد وصلت إلى نهايتها، ولن يتم إنعاشها بجرعة إعجازية من الأموال الأجنبية.

"ربما ما يزال أمام القيادة السياسية في لبنان فرصة لفعل الصواب وإجراء الإصلاحات التي طال أمد انتظارها."

قبل شهرين، نشرت مجموعة الأزمات تقريراً حول كيفية إخراج لبنان من الحفرة. وأكدنا أن النخبة السياسية التي حكمت لبنان على مدى الثلاثين عاماً الماضية ينبغي أن تجري إصلاحات بنيوية تمنع العُصب الفاسدة، التي تعمل فقط لخدمة مصالحها الخاصة، من الاستيلاء على موارد الدولة والمنافع العامة لكسب الدعم الدولي الكبير الذي تحتاجه البلاد للخروج من الأزمة الاقتصادية.

الآن، تواجه تلك النخب مرة أخرى حنق مواطني البلاد، كما فعلت في تشرين الأول/أكتوبر 2019، عندما تظاهر مئات الآلاف ضد السياسيين الموجودين في السلطة. أتت تلك الاحتجاجات في أعقاب حادث مهين آخر أظهرت الحكومة فيه أيضاً انعدام حيلتها للسيطرة على حرائق الغابات بعد إهمال دام سنوات في دفع المبالغ اللازمة لصيانة مروحيات مكافحة الحريق التي كانت قد قُدمت هبة إلى لبنان.

وتشكل الكارثة الأخيرة إخفاقاً مماثلاً، لكن على نطاق هائل ومهلك أكثر بكثير. ومن المرجح أن تؤدي إلى انطلاق موجة جديدة من الغضب الشعبي؛ فاللبنانيون يعبرون عن غضب شديد على وسائط التواصل الاجتماعي. وقد بدأت مجموعات الناشطين التي لعبت دوراً بارزاً في الحركة الاحتجاجية في تشرين الأول/أكتوبر بالحشد والتعبئة من جديد، ورفعت شعارها الشعبي المطالب بإزاحة النخب المتجذرة في البلاد: "كلن يعني كلن". في نيسان/أبريل وأيار/مايو، كانت الاحتجاجات ضد الأحوال المعيشية المتردية قد أدت إلى مواجهات عنيفة مع قوات الأمن، وأدت إلى وقوع ضحايا. ويمكن للمظاهرات الجديدة أن تخرج عن نطاق السيطرة بشكل كامل؛ فقد دعي لمظاهرة كبيرة في 8 آب/أغسطس.

إذا كان أمام النخب اللبنانية فرصة لإصلاح ما خرّبته، فإنها قد تكون فرصتها الأخيرة. سيتوجب عليها، وعلى السياسيين الذين رقّتهم والمسؤولين الذين ساعدت على تعيينهم، مواجهة الجمهور اللبناني بعد سنوات عديدة من الإهمال وإساءة استخدام السلطة، والذي تعرض الآن للترهيب من قبل حكومته ذاتها عبر انفجار بحجم وقوة تدميرية تاريخيين عالميين كان يمكن منعه بالكامل. من حق الجمهور أن يشعر بهذا الغضب العارم، مع اضمحلال ما يملكه ويمكن أن يخسره أكثر فأكثر.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.