عندما يقتل مسلم اخاه المسلم: مأساة دارفور في «العربية»؟
عندما يقتل مسلم اخاه المسلم: مأساة دارفور في «العربية»؟
What’s Left of Sudan After a Year At War?
What’s Left of Sudan After a Year At War?
Op-Ed / Africa 2 minutes

عندما يقتل مسلم اخاه المسلم: مأساة دارفور في «العربية»؟

باستثناء الصراع العربي - الإسرائيلي و ذبذبات آماله بالسلام - بالتناوب مع انباء تفجيرات السّيّارات المفّخخة فى العراق - يبدو الرأي عام العربي غير مكترث للتعاسة الإنسانيّة الهائلة فى بعض انحاء العالم العربي والإسلامي. فلا عجب عندما تواجه وسائل الإعلام العربيّة مصاعب حتّى في تغطية مأساة بحجم ما يجري في درافور حالياً .

في السابق حاولت وسائل إعلام عربية محترمة نقل حجم فظاعة المآسي الإنسانيّة السارية في درافور فاجتذبت شجاعتها غيظ حكومة الخرطوم. في كانون الاوّل (دارفور) 2003 بثّ تلفزيون «الجزيرة» شريطاً وثائقيّاً مؤلماً عن حملة التطهير العرقي في درافور قبل ان تجذب هذه المأساة انتباه العالم. صوّرت «الجزيرة » قرى عديدة تمّ حرقها بالكامل على يد القوّات الحكوميّة السّودانيّة والميليشيات المؤتمرة بأمرها. وأسفر هذا البث عن اغلاق مكاتب «الجزيرة» في الخرطوم واعتقال مراسلها في السّودان لشهور عديدة بتهم مزيّفة واقصيت القناة موقتاً عن لائحة الفضائيّات التي تسمح لها الحكومة السّودانيّة بالبث .

و في آخر حدث من هذا النّوع صوّرت قناة «العربية » فيلماً وثائقياً فريداً من نوعه تحت عنوان «جهاد على الجياد»، وهو يعرض المآسي التي يعيش فيها اللاجئون المسلمون، وهم حالياً على حافّة الموت من الجوع، في مخيّمات دارفور ومخيّمات اللاجئين في جمهوريّة تشاد المجاورة. كان من المفترض بث هذا الوثائقي في 24 شباط (فبراير) وأن تتبعه مناقشة حول المحتوى في اطار برنامج «مشاهد وآراء»، لكن ارجئ العرض أسبوعاً .

طالبت الحكومة السّودانيّة بهذا التأجيل بذريعة انّ الوزير المشارك في المناقشة يحتاج وقتاً لتحضير اجوبته! وجاء التأجيل بعدما فشلت الخرطوم بتسليم «العربية» الوثائق والأشرطة التي وعدتها بها مدعية بأن تلك الوثائق تبرّؤها من تهمة التورط في مقتل الآلاف من المسلمين من مواطنيها في درافور .

طلب الوزير مهلة، لكن هل من المسموح إهدار اسبوع كامل فيما يموت الآلاف من المسلمين؟ يموتون في الهجمات المستمرّة وبسبب الجوع والأوبئة في معسكرات النّازحين من درافور .

السّبب الاساسي لطلب الخرطوم المهلة هو حاجتها الى المزيد من الوقت للضغط على «العربية». وقرأنا على موقع «العربيّة.نت» انّ صحيفة «الوفاق» السّودانيّة نقلت عن الحكومة رغبتها في الاتّصال بالجهات المموّلة للقناة لحثّها على عدم بث الشريط. تأمل «إنترناشونال كرايسز جروب» (المجموعة الدولية للأزمات) في ان تبث «العربيّة» الوثائقي الذي حقيقة المأساة الإنسانية في درافور .

الرّأي العام العربي لا يعلم ما يحدُث في درافور يتوقّف عند أرقام جافّة: ما يضاهي 300000 قتيل و 2,6 مليون لاجىء. لعل وضع وجوه على الأرقام يهز الرأي العربي، كوجه بحري سليمان طاهر (وأخريات) التي رفض زوجها فكرة تخلصها من جنين بعد اغتصابها جماعيا طوال أسبوع على يد ميليشيات «الجنجويد». أو مشهد مسلمات شبه عاريات حاولن بائسات الصلاة من مخيّماتهنّ في تشاد باتّجاه مكّة المكرّمة... كما يصوّر هذا الوثائقي مقابر جماعيّة، وطائرات مقاتلة سودانيّة تقصف قرى دارفور ولقاء مع موسى هلال أحد أشهر زعماء «الجنجويد» يقرّ فيه بأنه نفّذ أوامر الخرطوم .

عندما يبث كل هذا من قناة «العربية»، فالإحتمال كبير بأن يزداد وعي الرأي العام العربي بحقيقة ما يجري في درافور حيث يقتل المسلم أخاه المسلم على نطاق واسع .

الوصف الذي اوردته «العربية» لمحتوى الوثائق على موقعها في 20 شباط أثار عشرات من ردود الفعل، وعبرت رسائل عن خيبة آمال كاتبيها في احتمال إلغاء بث فيلم يعد انتاج اول كاميرا عربيّة تدخل مخيّمات لاجئي دارفور في تشاد. قال احد المعلّقين أنّ الخرطوم ما كانت لتخشى هذا الوثائقي لو لم تكن مذنبة » ، وأشار آخر الى أنه «لو كان هناك إسلام مسلمين لما وجدتم أحد يصلي وهو عاري ».

من جهة أخرى فإن الحكومات العربية التي دعمت الخرطوم بكل إمكاناتها الديبلوماسية ستواجه رأيها العام حين يستيقظ لأحداث دارفور المفجعة والتي صمتت عليها الصحافة العربية الحكومية .

قدمت الدول العربية القليل من المساعدة الى السودانيين لحل نزاعاتهم الدائمة منذ عشرات السّنين، مفضّلة حماية الحكومة السودانية والتغطية عليها. ان لامبالاة العربي بمأساة دارفور تضعف مطالب العرب للعدالة في قضايا أخرى . و لكن هذين التوجهين سينعكسان تماماً بفضل بعض وسائل الإعلام العربية، كما في حال «العربية» اذ تفضح قضيّة دارفور علناً لتكسر عدم اكتراث الرأي العام العربي .

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.