العراق: ما لم تقله لنا كتب التاريخ
العراق: ما لم تقله لنا كتب التاريخ
La cuerda floja estratégica de la campaña de Hezbolá contra Israel
La cuerda floja estratégica de la campaña de Hezbolá contra Israel
Op-Ed / Middle East & North Africa 3 minutes

العراق: ما لم تقله لنا كتب التاريخ

بعد خمس سنوات من سقوط نظامه، فإن صدام حسين لم يصبح جزءاً من الماضي بعد. من الواضح أن إرث الدكتاتور لا يزال يؤثر بعمق في العراق اليوم. غير أن ما نعرفه عن عهد صدام لا يزال مبعثراً وهشاً، كما أن الصعوبات العملية لإجراء أي دراسة جادة تجعل من المغري تجاهل تلك الحقبة بشكل كامل. علاوة علي ذلك، فقد ظهرت بنية فكرية تقوم علي تبسيط التعقيدات وحالات الغموض وتجادل بأن النظام السابق قام بمحو المجتمع والسياسة، وأن عليهما الآن أن ينشآ مرة أخري من الفراغ. إن خطاب اليوم إما يتجاهل تماماً الحقبة السابقة أو يبني علي تعميمات غير دقيقة بقدر ما هو مشكوك بصحتها. بدلاً من الاستمرار في كتابة تاريخ ناقص، فإن نظرة إبداعية ونزيهة إلي تلك الحقبة ستمكن العراقيين ـ والعالم بأسره ـ من رؤية صورة أكثر دقة لبلدهم

إن نظرة شاملة إلي انهيار مؤسسات البلاد في عام 2003 (بما في ذلك انهيار الجيش وحزب البعث)، وتدمير البنية التحتية الوطنية، وعدم قدرة السكان علي تنظيم أنفسهم في وجه مجموعة من العائدين من المنفي الذين لا يثق أحد بهم، وتوقُع الجميع في البداية بأن الولايات المتحدة ستقوم بإدارة البلاد، إن نظرة كهذه تكشف عن عملية تفكك وطني . وكل ما فعله الاحتلال هو أنه أطال وأكمل هذه العملية. بني صدام حسين سلطته الشخصية علي حساب كل المؤسسات، بما في ذلك عشيرة الرئيس وعائلته، والأجهزة الأمنية، والحزب والدولة، إضافة إلي تلك المؤسسات المُدعَمة للمجتمع. غير أن النظام مر بمرحلة انتقالية في عام 1990 من نظام شمولي إلي نظام يركّز علي مجرد البقاء، وأوجد فضاء للديناميات الاجتماعية التي لم يتم تحديدها وفهمها حتي الآن

ُيوصَف العراقيون ذلك الانغماس المتسارع لحركة التمرد علي أنه حالة وهابية تسللت إلي العراق طوال تسعينيات القرن العشرين. رغم أن هذا التيار كان واضحاً في العراق، إلاّ أن شاشات الرادار العالمية لم تلتقطه ـ علي عكس الحملة الوطنية الإيمانية ، التي كانت حركة دعائية حميدة. مع سقوط النظام، كان عدد من الشخصيات الدينية قد لجأ إلي الموارد الواسعة للإنترنت وكانوا قد أصبحوا أعضاء في الإطار العالمي للأمة الإسلامية . ورغم الطبيعة السلطوية للنظام، فإنه لم يكن في مأمن عن ظاهرة الأفغان العرب ، كما اتضح لاحقاً من سجل تحركات بعض قادة المتمردين العراقيين في الفلوجة

يكشف التيار الصدري، الذي نما وتطور بسرعة بعد سقوط النظام، عن انقسام طبقي قديم في صفوف شيعة العراق. في عهد صدام، كان هذا التيار قد دُفع إلي وضع من الخضوع وعدم الظهور، لكن ورغم ذلك فقد تعمق هذا الشرخ بصمت بين ائتلاف محافظ جمع بين علماء الدين الشيعة أنصار التهدئة، والمصالح التجارية المرتبطة بزيارة العتبات المقدسة والطبقة الوسطي الشيعية من جهة، والطبقة الفقيرة من سكان المدن التي نشأت من الهجرة الريفية إلي المدن طوال عقود من جهة أخري

عندما انهار النظام، تكشفت الطبيعة الحقيقية لعلاقة العشائر بالسلطة المركزية ولا سيما بعد حالة التشتت التي شهدتها تلك العشائر. التقت الخلفية الريفية للنخبة المنهارة، وانتشار واستغلال الولاءات التقليدية، وانهيار أي عملية بناء للأمة، وسقوط الدولة، التقت كلها في تغذية الفكرة الواسعة الانتشار المتمثلة في إعادة انبعاث عشائرية ، حيث بإمكان زعماء العشائر إعادة بسط سلطتهم واستقلالهم في وجه السلطة المتراجعة للمركز. كما تبين عام 2003، كان شيوخ التسعينيات ، الذين كانوا يوصفون باستهزاء أيضاً بالمشايخ الذين صنعوا في تايوان ، الذين لم يكن لديهم أية مصادر تقليدية للسلطة، كانوا قد بنوا حياتهم علي الامتيازات والحوافز التي كان يقدمها النظام، وكانوا قد أصبحوا زبائن يعتمدون بشكل مطلق عليه. عندما جفت الموارد، رأي العديد من شيوخ العشائر ـ الذين ظلوا في العراق ـ سلطتهم تتلاشي، إلي أن أدي تغيير أجرته الولايات المتحدة أخيراً علي تكتيكاتها إلي ظهور جيل جديد من شيوخ الألفينات ـ بمعني شيوخ أعوام الـ 2000 ـ وهو تعبير استهزائي يستخدم في العراق

بصورة أكثر عمومية، فإن العنف متعدد الأوجه في العراق كشف بقوة عن خطوط تماس وخصوصيات وتباينات جغرافية كانت كامنة وغير منظورة في الماضي. إن الديناميات الأهلية في بغداد جعلت من الممكن، وعلي نحو مأساوي، وضع خريطة أكثر تفصيلاً للتركيبة الاجتماعية لأحياء العاصمة. إن فهم نشوء وتطور هذه التركيبة يتطلب نبذ أي تفسير يستند إلي تقسيم فج بين سنة وشيعة، والاعتماد علي جملة مجتمعة من العوامل تتمثل في: انسجام وتلاحم وقابلية الاشتعال في الصرايف ، أو الضواحي التي نمت وكبرت نتيجة للهجرة الريفية التي اتجهت إلي الجنوب في ظل الحكم الملكي والتي يسيطر عليها جيش المهدي، وقابلية الضواحي السكنية الواسعة للاختراق، وقدرة المناطق التجارية والأحياء التاريخية التي لا غني عنها علي البقاء والمقاومة، وأهمية الروابط مع المحيط الريفي الداخلي، ووجود تمثيل كامن للطبقة الوسطي الشيعية ـ علي النقيض من الطبقة الوسطي السنية. كل هذه الأبعاد كانت عوامل رئيسية في الخطط المعقدة للحملات التي يصممها وينفذها اللاعبون الرئيسيون في الحرب الأهلية وتوفر صورة أكثر وضوحاً للجغرافيا السياسية للبلاد

لم يقم النظام بتحقيق التجانس في المجتمع لكنه لم يفتٌته كلياً. بدلاً من ذلك، قام باحتكار الفضاء العام وجعل المجتمع العراقي غير مرئي لنفسه وللآخرين. في عام 2003، عندما انهارت أسطورة الوحدة الوطنية وكذلك المؤسسات التي يفترض أن تحميها، انكشفت تركيبة البلد وانشقاقاته وأصبحت مرئية للجميع. إن كتابة تاريخ العراق، وخصوصاً علي نحو يتناقض مع الرأي السائد اليوم، تشكل جزءاً من عملية مصالحة أوسع، وذلك عن طريق مساعدة المجتمع العراقي علي تكوين صورة عن نفسه يمكنه في النهاية التعايش معها

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.