بغداد وأربيل: مخاطر لعبة النفط والغاز
بغداد وأربيل: مخاطر لعبة النفط والغاز
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
Op-Ed / Middle East & North Africa 4 minutes

بغداد وأربيل: مخاطر لعبة النفط والغاز

حكومة المركزية في بغداد دون التوصل إلى تسوية ملحة بشأن الأراضي والموارد في شمال العراق، مما يترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام احتمال اندلاع الصراع في البلاد

يقترب الصراع الذي يطبخ على نار هادئة من درجة الغليان. ففي مطلع أبريل (نيسان) 2012، علّقت حكومة إقليم كردستان ضخ النفط من أجل التصدير من خلال أنبوب النفط العراقي الوطني، مدعية أن بغداد لم تكن قد دفعت بشكل كامل التكاليف التشغيلية للشركات المنتجة. وردّت الحكومة الفيدرالية بالتهديد باقتطاع ما كانت ستحصل عليه على شكل إيرادات نفطية، من مخصصات حكومة إقليم كردستان في الموازنة السنوية، مما يعني تخفيضها إلى النصف. لقد ألقى هذا التوتر الأخير الضوء على العلاقات المتوترة بين أربيل وبغداد وعلى الحقيقة المثيرة للقلق وهي أن الطرفين لم يخفقا فقط في تسوية خلافاتهما، بل إنهما، وباتخاذهما مسارين أحاديين، قد فاقما هذه الخلافات إلى درجة يبدو معها الحل أبعد من أي وقت مضى

حتى الآن، لا يبدي أي من الطرفين ميلا لتسوية الصراع بشكل سلمي من خلال المفاوضات الجادة والمستديمة، حيث يعتقد كل طرف أن القدر بدأ يبتسم له، وأن الوقت لصالحه. إلا أنهما مخطئان: فالوقت ينفد، والتحركات الأحادية التي تلحق الضرر بالطرفين تدفع بالعلاقات نحو نقطة الانهيار

لقد انتظر الأكراد اللحظة التي سينجحون فيها في التخلص من أغلال دولة مركزية متسلطة، وفي بعض الأحيان شديدة القمع. وهم يدركون أنه عندما تكون بغداد ضعيفة، يكون بوسعهم اتخاذ خطوات تجعل من حلمهم في إقامة الدولة أقرب إلى التحقق، وبالعكس فعندما يكون المركز قويا فإنه سيفعل ما بوسعه لإعادتهم إلى ما كانوا عليه، أو إلى ما هو أسوأ. ولهذا السبب، فإن الأكراد تروعهم محاولات رئيس الوزراء نوري المالكي لتركيز السلطة بين يديه على حساب خصومه ولإعادة بناء دولة قوية تحت سلطته المطلقة، مسلحة بالأسلحة الأميركية

منذ وصولهم إلى بغداد على أذيال الغزو الأميركي عام 2003، كان من الطبيعي أن يستغل الأكراد مكانتهم الجديدة وضعف المركز لتطوير إقليمهم، حيث يسعون إلى إنهاء التاريخ الطويل من التمييز والإهمال الاقتصادي وإلى إقامة مخرج نجاة في حال ساءت العلاقات مع بغداد إلى درجة يتعذر فيها إصلاحها. إلا أن هذه المقاربة قد تحقق النبوءة التي يخشونها، إذ ليس ثمة شك في أن الأكراد، باستغلالهم لمكانتهم المتميزة، يفاقمون المشاكل، ويقنعون الحكومة الفيدرالية بأن هدفهم هو الانفصال وضم جزء كبير من المناطق المتنازع عليها الغنية بالنفط والغاز التي يزعمون أنها شكلت تاريخيا جزءا من كردستان النظرية

وقد يكون أكثر ما يقلق مضاجع بغداد، هو أن القادة الأكراد دعوا الشركات الدولية لاستكشاف واستثمار الثروات المتوقعة للمنطقة من النفط والغاز. كما أنهم لم يتوقفوا عند الخط الأخضر الذي يفصل إقليمهم عن باقي أنحاء العراق؛ بل أبرموا عقودا تشمل مساحات كبيرة من الأراضي الواقعة في المناطق المتنازع عليها. وقد كانت آخر الشركات (وكبراها) التي تشارك في هذه اللعبة هي «إيكسون موبيل»، حيث تضم الكتل الست التي تضمنتها الصفقة كتلتين وزاوية من كتلة ثالثة تقع وراء الخط الأخضر. وهكذا فقد وضعت نفسها في قلب الصراع، مما يمكن أن يؤدي إلى تعزيز القوى النابذة التي تمزق النسيج العراقي، في حين أن «إيكسون موبيل» ربما كانت تعتقد أنها بالقيام بذلك يمكن أن تساعد في جمع بغداد وأربيل على طاولة المفاوضات وتسهم في تحقيق تقدم بشأن قانون النفط والغاز الفيدرالي، فإن الحصيلة الأكثر رجحانا هي تمسّك كل من الجانبين بموقفه، مما يزيد فرص اندلاع صراع عنيف. من وجهة نظر بغداد، فإن الأكراد يقوضون أية محاولة لوضع استراتيجية نفطية فيدرالية موحدة؛ كما تنظر إليهم على نحو متزايد على أنهم شركاء في الحكومة لا يمكن الوثوق بهم، لأنهم يسعون إلى شرذمة البلاد

لكن الأكراد يواجهون مشكلة؛ ففي حين أنهم يسعون لوضع سياسة نفطية مستقلة، وقد اتخذوا خطوات مهمة لبلوغ تلك الغاية بوضعهم مسودة لقانون نفط خاص بهم في عام 2007 وتوقيع أربعين عقدا مع شركات نفط أجنبية دون مشاركة بغداد أو موافقتها، فإنهم يفتقرون إلى الأدوات التي تمكّنهم من تصدير نفطهم دون مساعدة بغداد وبالتالي دون إذنها. وحتى الآن، استعملت الحكومة الفيدرالية سيطرتها على شبكة الأنابيب الوطنية، وكذلك سيطرتها على الخزينة والموازنة، لكبح جماح طموح الأكراد

ولشعور أربيل بأنها مطوقة من قبل بغداد ونظرا لرغبتها في أن تحقق اكتفاء ذاتيا من الناحية الاقتصادية، فإن أربيل تحوِّل نظرها إلى سوق محتملة أخرى لنفطها في تركيا. يذكر أن مسعود برزاني قال لزواره في معقله الجبلي، إنه إذا ظل المالكي في الحكم إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2014، فإن الأكراد سيشقون مسارا خاصا بهم. ليس من قبيل المصادفة أن عام 2014 هو العام الذي يتوقع فيه إقليم كردستان أن يكمل بناء خط نفط استراتيجي خاص به، وهو خط يدور حول أراض عراقية (تابعة للحكومة الفيدرالية) قبل أن يصل إلى الحدود مع تركيا. بالنسبة للقادة الأكراد، فإن الاعتماد الاقتصادي على جار ديمقراطي لديه نافذة تطل على الغرب أفضل بكثير من أن يظل مخنوقا من قبل نظام يظهر نزعات سلطوية

أما السؤال الذي يفرض نفسه، فهو ماذا سيكون رد أنقرة إذا طلب منها الأكراد أن تشتري نفطهم دون موافقة بغداد؟ لقد كان الهدف الرئيسي لتركيا في العراق هو المحافظة على وحدة البلاد. ولهذا، فقد اتخذت خطوات اقتصادية منذ عام 2007 من شأنها أن تربط الأجزاء المختلفة للبلاد في اتحاد اقتصادي، على أمل أن العلاقات السياسية، خصوصا العلاقة بين بغداد وأربيل، ستتخذ نفس المسار. كما أنها شجعت الجانبين على الموافقة على قانون فيدرالي للنفط والغاز، حيث إن الميزة الإضافية لمثل هذا القانون هي أن تركيا الفقيرة في مصادر الطاقة يمكنها أن تستورد النفط والغاز من حقول العراق الجنوبية الهائلة، وكذلك من إقليم كردستان، مقتربة بذلك من تحقيق تطلعاتها إلى أن تصبح ممرا رئيسيا للنفط والغاز في المنطقة. إلا أن الأكراد يأملون أن تعطّش تركيا للنفط والغاز سيتلاقى مع تعطشهم لإقامة دولة مستقلة

من غير المرجح أن تغير أنقرة مسارها، رغم إحباطها من إخفاق جيرانها في التوصل إلى قانون للنفط ورغبتها في شراء النفط والغاز من إقليم كردستان، إذ يمثل الوضع المثالي بالنسبة لها استيراد المنتجات الكردية دون تعريض علاقتها مع بغداد للخطر، رغم أن ذلك يبدو بعيد المنال

لم يفقد الأكراد الأمل، إذ يرون أن من شأن أزمة إقليمية كتقسيم سوريا أو صراع أميركي - إيراني أن تشكل حدثا يغير قواعد اللعبة، ويقنع أنقرة بالمخاطرة بعلاقتها مع بغداد مقابل الأمن الذي ستحققه في مجال الطاقة وتحقيق الاستقرار في منطقة (كردية) عازلة بينها وبين عراق عربي وتسلطي بشكل متزايد وموالٍ لإيران تعمه الفوضى. إلا أن مثل تلك السيناريوهات قد لا تحدث، بل ونأمل ألا تحدث. فالمخرج من المأزق الحالي لا يتمثل في تمني وقوع حدث كارثي على الجميع. لا يجدر التعويل على تخلي الحكومة العراقية عن أراض غنية بالموارد تعتبرها ملكا لها وتمتلك وسائل للحفاظ عليها بالقوة. كما لا ينبغي المراهنة على تحول راديكالي من قبل تركيا نحو صفقة منفصلة مع حكومة إقليم كردستان، خصوصا أن لأنقرة مخاوفها العميقة من أن يقوم ذلك بإنعاش أقليتها الكردية

لقد تأخر الوقت أصلا، إلا أن أفضل وسيلة لإحراز التقدم تتمثل في التوصل إلى اتفاق بين بغداد وأربيل، يركز على قانون فيدرالي للنفط والغاز وتسوية حول الأراضي المتنازع عليها. ينبغي أن يطلق اللاعبون الدوليون مبادرة جديدة لإعادة الطرفين إلى طاولة الحوار. الأمم المتحدة بخبرتها التقنية، والولايات المتحدة بالنظر إلى مسؤولياتها الفريدة وإلى مصالحها الاستراتيجية في المحافظة على التوازن في العراق

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.