ما وراء الانسحاب الأمريكي من العراق
ما وراء الانسحاب الأمريكي من العراق
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
Op-Ed / Middle East & North Africa 3 minutes

ما وراء الانسحاب الأمريكي من العراق

تسلّم العراق يوم الجمعة آخر قاعدة عسكرية أميركية في البلاد في إطار عملية الانسحاب الأميركي الكامل، التي يفترض أن تكتمل بنهاية العام الجاري لتعيد للعراق سيادته الكاملة. ويُظهر العذاب الذي طال أمده حول حسم مسألة ما إذا كان سيتم نشر عدد من القوات الأمريكية أم لا أنها بالفعل مسألة بغاية الأهمية، ليس بالنسبة لرئيس الوزراء نوري المالكي فحسب بل ولمعظم العراقيين. قد يتفقوا قريباً على أن يعيدوا بعض المدربين العسكريين الأمريكيين أو البريطانيين إلى العراق، ولكن ذلك سيكون بشروط عراقية وبعد مفاوضات بين دولتين تتمتعان بالسيادة. لا ينبغي أن يساء فهم هذه اللحظة الوشيكة على أنها أي شيء أقل من نقطة تحول فاصلة في تاريخ علاقات العراق مع هؤلاء الذين كانوا حتى اللحظة محررين/محتلين


كما يشكل رحيل القوات نقطة تحول نفسية للنخبة السياسية في بغداد. فقد تمتعت الأحزاب والساسة العراقيين المنفيين الذين عادوا إلى العراق عام 2003 بصحبة الولايات المتحدة العسكرية بدعمها وحمايتها منذ ذلك الحين، كما شاركوا في اللعبة السياسية رغم افتقار بعضهم للتأييد الشعبي. أما الآن فعليهم أن يستغنوا عن حاميهم وأن يبنوا بأيديهم دوراً جديداً لأنفسهم إذا ما أرادوا البقاء. وسيكون من المثير للاهتمام مراقبة كيف سيقومون بالتموضع في الحقبة الجديدة


ستحوّل نهاية الاحتلال ما تبقى من المقاومة المسلحة للوجود العسكري الأمريكي إلى شيء آخر. إذ يمكن للجماعات المسلحة أن توجه ضرباتها إلى الحكومة، كما فعل بعضها بالفعل لبعض الوقت، أو إلقاء سلاحها والتلاشي، أو الالتحاق بالحياة السياسية. قد يسعى البعض منها إلى مواصلة حملاتها العنيفة ضد الولايات المتحدة من خلال استهداف وجودها المدني في السفارة والقنصليات، فضلاً عن مواقع غربية أخرى في جميع أنحاء البلاد. والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت قوات الأمن العراقية قادرة على كبح جماح هذه الجماعات العنيفة من دون الدعم العسكري الأمريكي


ثمة أربعة تحديات رئيسية تلوح في أفق العراق. أولاً، يرجع التحدي الأول إلى القرار الإستراتيجي النافذ منذ انتخابات عام 2005 بتشكيل حكومة ائتلافية واسعة لطمأنة جميع الأطراف الرئيسية بأن لديهم كرسي على طاولة المفاوضات فضلاً عن أنهم سيكتسبون صوتاً، ما سيجعل عملية صياغة السياسات واتخاذ القرارات شديدة الصعوبة، ونتيجة لذلك فإن سجل العراق في الإدارة كان سيئاً للغاية. وفي حين تم بالفعل تجنب صراعات كبرى، إلا أن حكومة المالكي ستواجه شكوكاً متعاظمة من قبل المواطنين إذا لم يتم تحسين تقديم الخدمات، وخصوصاً مع ارتفاع عائدات النفط. ونظراً إلى أنهم يرون للفساد المستشري، فإن العراقيين سيضعون الحكومة تحت مطرقة المساءلة، وشهدنا بالفعل علامات على ذلك على شكل احتجاجات شعبية متقطعة جاءت كصدى للربيع العربي في العراق


ثانياً، ورغم الوجود الرسمي للوحدة الوطنية إلا أن النظام السياسي لا يزال منقسماً على نحو عميق. قد يكون هناك ائتلاف حاكم، ولكن يبدو أن حلفاء المالكي هم كذلك بالاسم فقط، إذ يبدو أنهم أكثر اهتماماً بالإطاحة برئيس الوزراء من العمل معه، لولا افتقارهم لوسيـــلة ناجعة لتحقيق ذلك. يعكس ذلك ما كان عليه الوضع ما قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2010، وبالتالي يشير إلى وجود خلل عميق في الجسد السياسي. الأمر الوحيد الذي يمكنه كسر هذا الجمــود السياسي هو الصعود التدريجي، ولكن الحتمي، لفئة جديدة من القادة في المعارضة للأحزاب الموجودة التي يقود معظمها منفيين سابقين


ثالثاً، في حين أن الوضع ظل سلمياً الى حد كبير منذ عام 2003، إلا أن الصراع بين بغداد وإربيل، أو باللغة الإثنية بين العرب والأكراد، ما زال ينتظر الفرج، كما ثمة توترات تكفي لتصعيد الحوادث المحلية وتحويلها إلى صراع مفتوح. يدور النزاع حول الأرض والسلطة والموارد، واجتمعت هذه الأبعاد الثلاثة في القرار الذي اتخذته مؤخراً شركة إكسون موبِل لتوقيع عقد مع حكومة إقليم كردستان، واعتبرت بغداد ذلك غير قانوني وفقاً للدستور، لاستكشاف قطاعات نفطية تقع ثلاثة منها في الأراضي المتنازع عليها


أخيراً، ما دامت الدولة العراقية ضعيفة فإن قبضة نفوذ القوى الإقليمية كإيران وتركيا ستبقى مطبقة عليها. ومع أن احتمال التدخل المسلح غير وارد على المدى القصير، إلا أن من شأن التنافس على النفوذ والحروب بالوكالة أن تبقيه في حالة عدم استقرار لزمن طويل وتمنعه من استعادة قوته، وتدخله في حلقة مفرغة


يتعين على المجتمع الدولي أن يتعامل مع الوضع الجديد في العراق بحذر شديد. فالعراق، في المقام الأول، سيكون دولة ذات سيادة كاملة وسيتوقع أن يتم التعامل معه تبعاً لذلك. كما لا ينبغي أن تنظر الدول الأجنبية إلى العراق على أنه وكيل لإيران لأنه ليس كذلك، ولكن لا ينبغي أيضاً اعتباره ضمن المحور الأمني المعادي لإيران، إذ سيمثل ذلك وصفة ستضمن فشل العلاقة مع العراق


وللمساهمة بشكل بناء في تنمية العراق، ينبغي على المجتمع الدولي تقديم الدعم لتعزيز المؤسسات العراقية بما في ذلك وجود قضاء مستقل وبرلمان نابض بالحياة، ووكالات رقابة قوية. كما ينبغي أيضاً أن يدعم جهود الأمم المتحدة في العراق، وتحديداً فيما يتعلق بالقضايا العالقة مع الكويت، ومسألة الحدود الداخلية المتنازع عليها (كركوك والمناطق الأخرى)، والانتخابات المستقبلية


تبشّر نهاية الاحتلال بفرصة على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما اغتنامها لوضع علاقتها مع العراق على أسس جديدة أكثر صحة. ينبغي ألا تسيء هذه الدول تفسير هذه اللحظة الحرجة أو تبديدها

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.