سودانان جديدان بالمشاكل القديمة ذاتها
سودانان جديدان بالمشاكل القديمة ذاتها
What’s Left of Sudan After a Year At War?
What’s Left of Sudan After a Year At War?
Op-Ed / Africa 3 minutes

سودانان جديدان بالمشاكل القديمة ذاتها

يمثل استقلال جنوب السودان اليوم (السبت) 9 يوليو 2011 إلى حد ما نهاية مرحبا بها لواحد من أكثر الصراعات دموية في تاريخنا المعاصر. عندما جاء إبرام اتفاق السلام الشامل عام 2005 لينهي عقودا من الاقتتال بين الشمال والجنوب، كان قد قضى عدة ملايين نحبهم إبان الحرب الأهلية، فيما تشرد ملايين آخرون. وكتتويج لاتفاق السلام ذاك، يأتي الاستقلال كفصل أخير في هذه الملحمة. إلا أنه ليس كذلك للأسف ! 

فقد يكون الانفصال رسميا السبت المقبل خطوة لا مفر منها، أو حتى ضرورية، إلا أن هاتين الدولتين ستظلان مرتبطتين لسنوات عديدة قادمة. ستتطلب محاولة معالجة خلافاتهما العالقة، ومنها ما قد غدا دمويا، مفاوضات صعبة، ودهاء سياسيا، ومشاركة دولية حذرة لضمان تطور كل من الشمال والجنوب إلى دولتين سلميتين ومستقرتين

لا تبدو الدلائل في هذه المرحلة مبشرة للغاية. فقد خرق كلا الجانبين اتفاقية السلام، كما أثار تصاعد التوتر الصراع في المناطق الحدودية الحساسة. شنت قوات الخرطوم في مايو (أيار) هجوما على بلدة أبيي المتنازع عليها. وما هو أكثر مدعاة للقلق أن ثمة اقتتالا على نطاق واسع بين القوات الشمالية والجنوبية في ولاية جنوب كردفان الحدودية. وحسب بعض التقارير فقد لقي نحو 360000 شخص مصرعهم على مدار الأشهر الستة الماضية، أكثر من نصفهم في الشهر الماضي وحده 

يتحرك الشمال، ولا سيما حزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، بجرأة لتأكيد سيطرته على الأراضي الشمالية، ولتحسين موقفه التفاوضي في مواجهة الجنوب حول ترتيبات ما بعد الاستقلال. ومن بين تلك الترتيبات، قد يكون تقاسم عائدات النفط الهم الأكبر للشماليين بما أن الخرطوم ستفقد حصة الأغلبية من مصدر دخلها الرئيسي، وذلك لوجود معظم النفط في الجنوب. وفي جميع الأحوال، فإنه من المرجح أن تبقى كل من مسألة تقاسم العائدات، وترسيم الحدود، والوحدات العسكرية الجنوبية من المناطق الشمالية، فضلا عن الترتيبات المستقبلية بشأن المواطنة وإدارة الموارد الطبيعية، من المرجح أن تبقى جميع هذه المسائل نقاطا خلافية لسنوات قادمة، وقد تطلق شرارة أعمال عنف واسعة النطاق 

فيما يتعين على كل من الشمال والجنوب العمل معا وعن كثب بشأن هذه القضايا لتجنب تجدد الحرب، يواجه كل منهما تحديات داخلية صعبة للغاية. ففي الخرطوم، يزداد استياء الأعضاء العاديين في حزب المؤتمر الوطني على نحو مطرد. وعلى الرغم من التدابير التقشفية التي اتخذتها الحكومة، فإنها لا تزال تواجه عجزا خطيرا في الميزانية وتضخما متصاعدا، كما أنها غير قادرة على دفع جميع الرواتب. وتنفر سياسات حزب المؤتمر الوطني ذات الطابع الأمني أعدادا متزايدة من السودانيين 

تحاول أحزاب المعارضة الشمالية وجماعات التمرد (من دارفور ومن مناطق أخرى) التهيؤ لمرحلة ما بعد يوليو، إلا أن قرار البعض منها بالدخول في مفاوضات أحادية الجانب مع حزب المؤتمر الوطني قد أضعف موقفها 

ما لم تشكل قوى المعارضة جبهة أكثر توحدا، فمن المرجح أن يستمر حزب المؤتمر الوطني في إحباط محاولات إحداث إصلاحات، علما بأن الحكومة في أمس الحاجة إليها 

وفي المقابل يتعين على زعماء الجنوب الانتقال من مرحلة التضامن مع النضال التحرري إلى قضية أكثر أهمية، وإن كانت أكثر دنيوية، وهي مهمة إدارة دولة ديمقراطية. المؤشرات ليست مشجعة، فمشروع الدستور الانتقالي الجديد يتضمن عدة بوادر مقلقة، بما فيها تعديل يمنح الرئيس صلاحية إقالة محافظين منتخبين ديمقراطيا لو شاء. يتعين على الحزب القائد في الجنوب، وعلى الحركة الشعبية لتحرير السودان، فتح الفضاء السياسي - سواء داخل أو خارج الحزب – لإرساء الأسس لمشهد سياسي يضمن تعددية حزبية أكثر شمولا 

أما المجتمع الدولي فلديه أيضا دور مهم للاضطلاع به.. إذ يتعين عليه استيعاب أنه من المرجح أن تستمر الصراعات المحلية في المناطق الحدودية الجديدة، أو حتى تتصاعد إذا تركت من دون علاج. وبالتالي عليه مواصلة اضطلاعه بدور الوسيط النزيه ومتقصي الحقائق والحكم، فيما يستمر في التعامل مع الرئيس البشير الذي أدانته المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية 

وللتعامل مع ولاية كردفان الجنوبية، يتعين على الأطراف الخارجية الفاعلة حث القادة على العودة إلى طاولة المفاوضات مع إرادة سياسية كافية لاحتواء العنف، بما في ذلك وقف إطلاق النار وترتيبات أمنية جديدة للولايات الانتقالية. المبادرة التي اضطلع بها الفريق الر المستوى للاتحاد الأفريقي بشأن السودان الذي يترأسه ثابو مبيكي، هي خطوة أولى جيدة.. إذ ساعدت في الإفضاء إلى اتفاق بشأن أبيي، وهي تهدئة مرحب بها. إلا أنه ليس بوسع المجتمع الدولي سوى الإبقاء على الوضع الراهن، فيما يتعين على كل من الخرطوم وجوبا اتخاذ قرارات صعبة وتقديم تنازلات ضرورية من أجل التعايش السلمي 

سيعني استقلال الجنوب أيضا أن على المجتمع الدولي إعادة تقويم علاقاته مع الحركة الشعبية وتجنب الميل إلى تجاهل انتهاكاتها وتضييقها للفضاء السياسي. إن كان هناك رسالة واحدة يتعين إرسالها إلى جميع الأطراف، فهي بالتأكيد «التعددية». زعماء الشمال والجنوب في حاجة ماسة إلى فهم الطيف الواسع لشعوب ومصالح دولتيهما الجديدتين. أما المجتمع الدولي فيتعين عليه مواصلة انخراطه ودعمه لضمان تطور كل من الشمال والجنوب إلى دولة سلمية قابلة للحياة

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.