A volunteer stirs food to be distributed to people in Omdurman, Sudan, September 3, 2023.
A volunteer stirs food to be distributed to people in Omdurman, Sudan, September 3, 2023. REUTERS/El Tayeb Siddig
Statement / Africa 16 minutes

السودان: سنة من الحرب

دمَّر الاقتتال بين الفروع المتنافسة للقوات المسلحة السودان. مع مواجهة ملايين الناس للمجاعة، ينبغي على الدبلوماسيين الضغط على الطرفين المتحاربين الرئيسيين بقوة أكبر للقبول بوقف لإطلاق النار – قبل أن يقضي الانقسام في صفوف الطرفين على جهود وقف المذابح بالفشل.

تلوح ذكرى قاتمة في أفق السودان، حيث تستعر الحرب ويلوح احتمال حدوث مجاعة. في 15 نيسان/أبريل، سيكون قد مضى عام منذ انفجر صراع على السلطة في البلاد بين فرعين من قواتها المسلحة وتحول إلى صراع شامل. لقد كانت آثار اثني عشر شهراً من الأعمال القتالية مروعة. فقد قتل الآلاف في المعارك أو في فظاعات ناجمة عن القتال، ويعاني الملايين من درجة يائسة من الجوع. لقد انهارت الدولة السودانية عموماً. مع انضمام ميليشيات جديدة إلى الصراع وتأرجح الزخم في ميدان المعركة، من الواضح أنه كلما استمر الصراع لمدة أطول، ستكون الصعوبة أكبر في إعادة توحيد السودان. لقد أعادت الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إحياء الجهود الدبلوماسية بتعيين مبعوثين جدداً، لكن الجهود الجماعية لتعزيز السلام ما تزال تفتقر إلى التماسك والشعور بإلحاح المهمة. يجب أن تعمل كل الدول والهيئات ذات النفوذ، بما في ذلك القوى العربية الثلاث التي تدفع بهدوء من أجل تسوية، معاً للضغط على الطرفين لإنهاء الحرب. ويجب على قادة العالم الوقوف مع الشعب السوداني من خلال معالجة نقص المساعدات، بما في ذلك من خلال مؤتمر للمانحين سيعقد في باريس في 15 نيسان/أبريل، والمطالبة بالوصول الكامل للمساعدات الغذائية لمنع حدوث مجاعة شاملة.

صراع متأرجح

نشأ الصراع في نيسان/أبريل 2023 في قلب العاصمة، الخرطوم، وسط مواجهة بشأن خطط تهدف إلى ضم قوات الدعم السريع شبه العسكرية إلى الجيش. لقد حكم عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، ومحمد حمدان دقلو "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع، معاً منذ الاستيلاء على السلطة في عام 2019 على ظهر حركة شعبية قامت احتجاجاً على نظام الدكتاتور عمر البشير. لكن العلاقات بين الرجلين كانت متوترة دائماً. بعد أن شاركا معاً في حل الحكومة المدنية في انقلاب قاما به في عام 2021، لم يكن أي منهما مستعداً للتنازل للآخر في قضية دمج قواتهما. في مطلع عام 2023، مع تزايد الخلافات بينهما وتعرضهما لضغوط خارجية كبيرة للوفاء بالتزامهما باستعادة الحكم المدني، وضع القائدان قواتهما في حالة مواجهة.

من غير الواضح من أطلق الرصاصة الأولى، لكن ما تلاها كان كارثة لا جدال فيها على البلاد برمتها. كما أنها كانت غير مسبوقة؛ فقد شنت الحكومات السودانية حروباً على المتمردين في أطراف البلاد طوال الفترة التي تلت الاستقلال في عام 1956، لكن لم يحدث من قبل أن يشمل القتال الخرطوم أو أجزاء أخرى داخلية على جانبي النيل. لقد تطورت المعركة للسيطرة على العاصمة على مدار العام، وتحولت إلى حرب أهلية شملت البلاد بأسرها، مع مشاركة جملة منوعة وواسعة من المجموعات، إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، في بلد يعج بالبنادق. 

لقد تفوقت قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي على الجيش على مدى جزء كبير من الحرب، فسيطرت على معظم الخرطوم في الأيام الأولى من الصراع وحافظت على زخم القتال لبعض الوقت مع مواجهة خصمها صعوبة في الرد. بعد توسيع قبضتها على الخرطوم الكبرى في الأشهر الأولى من العام، بما في ذلك السيطرة على مصفاة النفط الرئيسية في السودان، مما يشكل تعزيزاً لعملياتها، حوَّلت قوات الدعم السريع في تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر اهتمامها إلى مكان آخر. لقد سيطرت على معظم دارفور، وهي الولاية الغربية التي ظهرت فيها أولاً من بقايا الجنجويد، الميليشيا التي دعمها البشير والمسؤولة عن فظاعات ضد الأغلبية غير العربية في المنطقة في مطلع الألفية. كما أطلقت قوات الدعم السريع هجمات جديدة في ولاية كردفان، وصدمت كثيراً من السودانيين بإطلاق ضربتها الأولى جنوب غرب الخرطوم في كانون الأول/ديسمبر، حيث سيطرت على ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة التي تشكل سلة خبز السودان. كان كثير من سكان الخرطوم قد هربوا إلى ود مدني، وهي معقل للجيش، عندما بدأت الحرب. مع نهاية عام 2023، تساءل بعض السودانيين عما إذا كانت قوات الدعم السريع ستستمر في مسيرها شرقاً لمهاجمة المعقل الجديد للجيش في بورتسودان على البحر الأحمر.

تعطل زخم قوات الدعم السريع، حيث بدا أن قوات حميدتي انتشرت في مناطق أوسع من قدرتها على السيطرة في حربها على جبهات تمتد من الغرب إلى الشرق.

لكن تعطل زخم قوات الدعم السريع، حيث بدا أن قوات حميدتي انتشرت في مناطق أوسع من قدرتها على السيطرة في حربها على جبهات تمتد من الغرب إلى الشرق. لقد فرضت الصدامات الدائرة في سائر أنحاء البلاد، ولا سيما في كردفان وأم درمان، الضاحية الرئيسية للخرطوم غرب النيل، ضغوطاً كبيرة على خطوط إمداد قوات الدعم السريع ومواردها، رغم أن قدراتها القتالية ما تزال كبيرة، مع تدفق مستمر للأسلحة والمقاتلين. رغم ذلك، تبدو قوات الدعم السريع غير قادرة على إدارة المناطق الواقعة تحت سيطرتها، أو غير مهتمة بذلك، ولا سيما أن بعض سكان تلك المناطق معادين لها بقوة، جزئياً بسبب عمليات النهب العشوائية والانتهاكات التي ترتكبها – وقد وجدت صعوبة في السيطرة على مجنديها الجدد. لقد أغضبت الفظاعات التي ارتكبتها القوات، والتي تشمل القتل، والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات والنهب المنهجي، الكثير من السودانيين، ودفعت عشرات الآلاف إلى حمل السلاح ضد قوات الدعم السريع، سواء بالانضمام إلى معسكرات تدريب الجيش أو الانتظام في ميليشيات إثنية مرتبطة به. في الوقت نفسه، فإن كثيراً من أولئك الذين انضموا إلى قوات الدعم السريع فعلوا ذلك لأنهم يتوقعون غنائم كبيرة. وكثير منهم يدينون بالولاء لقادة محليين في مواطنهم أكثر من ولائهم لسلسلة القيادة الصارمة في قوات الدعم السريع.

مع تعثر قوات حميدتي، شن الجيش أولى هجماته المعاكسة الرئيسية في كانون الثاني/يناير، وركز على الخرطوم الكبرى وولاية الجزيرة. استعمل في هجومه المسيَّرات المسلحة، التي يذكر أن إيران زودته بها، وحققت قوات البرهان تقدماً مستمراً في استعادة أجزاء كبيرة من أم درمان. قد تتحول المعركة قريباً إلى بحري، المدينة الشقيقة للخرطوم إلى الشمال، وأيضاً إلى باقي أنحاء العاصمة، وهي المناطق التي كانت في أيدي قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب. كما أن من المرجح أن يسعى الجيش إلى إخراج قوات الدعم السريع من مصفاة النفط شمال الخرطوم، التي ما تزال هذه القوات شبه العسكرية تعتمد عليها في تأمين الوقود. لقد تحركت حملة الجيش الموعودة لاستعادة الجزيرة ببطء أكبر، جزئياً بسبب العمليات الدفاعية التي يقودها ضابط سابق في الجيش يقود الآن ميليشيا محلية متحالفة مع قوات الدعم السريع.

مع تمركز القوتين الآن بشكل رئيسي على خط الجبهة بين الشرق والغرب، ازدادت حدة التهديدات الإنسانية التي تواجه السودانيين. ينزع كل تقدم لقوات الدعم السريع إلى أن يحدث انهياراً آخر لما تبقى من خدمات الدولة السودانية؛ فمؤسسات الدولة التي ما تزال تعمل فقط في المناطق التي يسيطر عليها الجيش. خارج دارفور، تشكل المناطق التي احتلتها قوات الدعم السريع ملاذات للنهب والفظاعات. وسط درجة مفرطة من انعدام الأمن، والدمار والنزوح الجماعي (إلا في أوساط المجتمعات التي لديها مخاوف كبيرة من الهرب أو المحاصرة)، فقد توقفت الزراعة وسُبل العيش الأخرى. ونتيجة ذلك، توقف الإنتاج المحلي للغذاء في السودان. كما تضاءلت الواردات من الغذاء حيث يواجه التجار تكاليف وتحديات هائلة في إيصال المنتجات إلى الأسواق.

بعد سنة من الحرب، قسّم الطرفان المتحاربان الرئيسيان البلاد بينهما إلى قسمين تقريباً، إذ تسيطر قوات الدعم السريع على معظم الغرب، بينما تسيطر القوات المسلحة السودانية على معظم الشرق. المصدر: أبحاث مجموعة الأزمات. Mapcreator, OSM, Copernicus. CRISIS GROUP

حالة طوارئ إنسانية وجبهات متشظية

من الصعب أن تكون الأوضاع في السودان أكثر سوءاً. تذكر الأمم المتحدة في تقاريرها أن 18 مليون نسمة، أي أكثر من ثلث السكان، يواجهون انعدام أمن غذائي حاد. لقد أعاق كلا الطرفان الجهود الإنسانية عبر إعاقة الوصول إلى العمليات الإغاثية. نحو 90 بالمئة من أولئك الذين يعانون انعدام أمن غذائي حاد عالقون في مناطق يسودها صراع نشط، بما في ذلك ملايين السكان في الخرطوم الكبرى والجزيرة. يُظهر كلا الجانبين عدم اكتراث قاسٍ بمحنة المدنيين، حيث تطالب قوات الدعم السريع برسوم مفرطة في الارتفاع من شاحنات المساعدات على نقاط التفتيش أو تسرق شحناتها، في حين يحاول الجيش منع وصول الإغاثة إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، حيث لم يتمكن كثير من مخيمات النازحين والبلدات المدمرة من تلقي المساعدات. في نيسان/أبريل، حث التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، الذي يقدم تحليلات لحالات الطوارئ الإدارية لمنظمات الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة، حث "الشركاء المعنيين على العمل فوراً لمنع حدوث مجاعة"، بينما حذر من أن "فجوات في البيانات" و "تحديات في التواصل" كانت قد منعته من تحديث تحليله منذ كانون الأول/ديسمبر.

يمكن لأعمال قتالية واسعة النطاق أن تندلع في أي وقت بين قوات الدعم السريع والمجموعات المسلحة غير العربية في دارفور.

في الوقت نفسه، ليس هناك علامات تذكر على تحسن الوضع الأمني، مع مواجهة عدة مناطق لمخاطر محددة لتصاعد الصراع. يمكن لأعمال قتالية واسعة النطاق أن تندلع في أي وقت بين قوات الدعم السريع والمجموعات المسلحة غير العربية في دارفور. والمخاطرة أكثر ما تكون حدة في شمال دارفور، حيث اشتبكت قوات الدعم السريع مع جملة من المجموعات المسلحة غير العربية، التي قاتلت الحكومة السودانية منذ مطلع الألفية، لكن عدداً منها يدعم الجيش الآن. لقد كانت التوترات مرتفعة منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، عندما أوقفت قوات الدعم السريع هجوماً على مواقع الجيش في الفاشر، عاصمة شمال دارفور. لقد تحالفت عدة جماعات مسلحة من دارفور مع الجيش، بل حتى انضمت إلى الصراع في الخرطوم والجزيرة، الأمر الذي أثار مخاوف من أن قوات الدعم السريع والميليشيات التابعة لها قد تقوم برد انتقامي ضد المجتمعات غير العربية في دارفور. علاوة على ذلك، ظهرت انقسامات داخل عدة مجموعات مسلحة في دارفور، ما يمكن أن يشكل حاضنة لصراع بين فصائل أعلنت ولاءها لقوات الدعم السريع وفصائل أخرى تدعم الجيش. 

الأوضاع مختلفة لكنها ليست أقل إثارة للقلق في معقل الجيش في شرق السودان، حيث يعتمد البرهان أيضاً على تحالف متنوع على نحو متزايد من الحلفاء لمحاربة قوات الدعم السريع. لقد انخرط الجيش في حملة لتسليح قوات مقاومة شعبية يُذكر أن أفرادها يعدون بعشرات الآلاف. كما يتدرب خليط من مجموعات أخرى، بما في ذلك ميليشيات من دارفور ومجتمعات أخرى، للمشاركة في المعارك في الشرق، ولا سيما في ولايتي القضارف وكسلا. ويحشد الإسلاميون من عهد الرئيس المخلوع البشير، الذين عادوا ليهيمنوا على وزارات حكومة البرهان والأجهزة الأمنية، ميليشيات جيدة التدريب، غالباً من ولاية نهر النيل، وولايتي الشمالية وكسلا، للقتال إلى جانب الجيش، ولا سيما في الخرطوم وأم درمان. حتى حلفاء البرهان يشعرون بالقلق من أن الجيش يفقد السيطرة على نحو متواصل على الائتلاف الذي يقوده، ويمكن أن ينهار من الداخل، بالنظر إلى العدد الكبير من الميليشيات التي تساعده في محاربة قوات الدعم السريع.

مع انخراط أعداد متزايدة من المجموعات في الصراع، قد يجد البرهان وحميدتي صعوبة متزايدة في الاحتفاظ بالسيطرة على الميليشيات المتحالفة معهما. كما يشكل التشظي المحتمل في الحرب الأهلية السودانية أيضاً نذير شؤم لأنه سيعرِّض للخطر جهود تسوية الصراع من خلال مفاوضات رفيعة المستوى بين القائدين. في الوقت نفسه، يتردى الصراع بسرعة إلى حروب إثنية، ولا سيما بين عرب دارفور والشعوب التي تعيش قرب الأنهار، وأيضاً بين العرب وغير العرب في دارفور. وقد غذى الوصول إلى أسلحة أكثر خطورة، وارتفاع عدد الفظاعات المرتكبة وانتشار خطاب الكراهية دعوات القادة العسكريين وقادة المجتمعات المحلية لإبادة المجموعات المتحالفة مع العدو. من المؤكد أن العنف المدفوع إثنياً، إضافة إلى القتل الجماعي وتهجير غير العرب في غرب دارفور من قبل قوات الدعم السريع والجهات المتحالفة معها، والفظاعات المماثلة التي يرتكبها الجيش الذي يستهدف العرب في شمال وجنوب وشرق دارفور، سيصبح أكثر انتشاراً في جميع أنحاء السودان طالما ظل الصراع مستمراً.

حرب بالوكالة ودبلوماسية باهتة

لقد أصبح السودان أيضاً حلبة لصراع إقليمي بالوكالة. ففي حين تُعد مصر الداعم الخارجي الرئيسي للجيش، فإن إيران أيضاً تقدم له الأسلحة. كثيرون يعزون الإنجازات الأخيرة للجيش في ميدان المعركة للمسيَّرات الإيرانية. على الجانب الآخر، تُعد الإمارات العربية المتحدة الراعي الرئيسي لقوات الدعم السريع، كما اصطفت قوى إقليمية أخرى إلى جانب أحد الطرفين، حيث تدعم إريتريا، التي تخشى من تقدم قوات الدعم السريع أكثر إلى الشرق، الجيش على نحو عام، بينما جارتها إثيوبيا، الحليف المقرب من الإمارات العربية المتحدة وخصم مصر، تبدو أكثر قرباً من قوات الدعم السريع. تعزز هذه التشابكات الخارجية احتمالات تفاقم كبير في العنف كلما تجاوزت الحرب وآثارها حدود السودان، وهي عملية جارية بالفعل. في شباط/فبراير خرج خط أنابيب تصدير النفط الرئيسي لجنوب السودان، الذي يمر في السودان، عن الخدمة نتيجة عدم الصيانة بسبب القتال، الأمر الذي يخاطر بانهيار اقتصادي من شأنه أن يعمق انقساماته الداخلية ويزعزع استقرار البلاد مرة أخرى. كما يمكن لانتشار العنف من السودان أن يزعزع استقرار تشاد، التي يتحدر منها بعض مقاتلي قوات الدعم السريع؛ أو يمكن أن يجر إثيوبيا وإريتريا، إضافة إلى قوى إقليمية أخرى. كما يمكن للفراغ في الحكم أن يخلق فرصاً للجهاديين لتأسيس قواعد لهم في السودان. ليس أقل هذه المخاطر أن كثيراً من القوى العربية والأفريقية الضالعة في الحرب تنظر إلى السودان على أنه محوري في التنافس للوصول إلى البحر الأحمر ذي الأهمية الإستراتيجية والسيطرة عليه، الأمر الذي سيرفع حدة التوترات.

تتعثر الجهود الدبلوماسية لإنهاء القتال وتبدو باهتة.

في هذه الأثناء تتعثر الجهود الدبلوماسية لإنهاء القتال وتبدو باهتة. بوساطة من الرياض وواشنطن، ركزت جولتان أوليتان من المباحثات في جدة، السعودية - الأولى من أيار/مايو إلى حزيران/يونيو والثانية من تشرين الأول/أكتوبر إلى تشرين الثاني/نوفمبر - على التوصل إلى حالات وقف إطلاق نار إنسانية محددة زمنياً، لكنهما لم تحققا تقدماً. وسط انتشار الإحباط، حاولت الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، جمع الطرفين السودانيين معاً في كانون الأول/ديسمبر. لكن هذا الجهد الذي أطلقته جيبوتي الرئيسة الحالية للمنظمة، إضافة إلى كينيا، وبدعم من الولايات المتحدة ودول أخرى، توقف في كانون الثاني/يناير.

مع ترنح عملية جدة ومسار إيغاد، عمل المصريون والإماراتيون عبر القنوات الخلفية وبعيداً عن الأضواء للقيام بوساطة بين الطرفين. أفضت المحادثات في العاصمة البحرينية المنامة إلى اجتماعات وجهاً لوجه بين نائبي القائدين المتحاربين في السودان، ضمت لاحقاً ممثلين أميركيين وسعوديين أيضاً. وهناك، وقَّع النائبان إعلان مبادئ يُلزم الجانبين بالقبول بحكومة مدنية، وإجراء انتخابات بعد مرحلة انتقالية ووجود قوات مسلحة موحدة تتكون من الجيش، وقوات الدعم السريع ومجموعات مسلحة أخرى. كما اتفق الجانبان على الحد من نفوذ الشخصيات التي كانت جزءاً من نظام البشير، واعتقال أولئك الذين كانوا قد هربوا من السجن (في إشارة على الأرجح إلى مجموعة من الشخصيات البارزة، بمن فيهم مسؤولون في حكومة البشير، الذين يُزعَم أنهم يقاتلون الآن إلى جانب الجيش)، وتسليم المشتبه بهم المدانين إلى محكمة الجنايات الدولية. يشمل أولئك الذين اتهمتهم المحكمة بارتكاب فظائع في دارفور في مطلع ومنتصف العشرية الأولى من الألفية البشير نفسه، إضافة إلى رجل الأمن القوي أحمد هارون، الذي ما يزال طليقاً، ويذكر أنه نشط في الحرب الدائرة حالياً. لكن هذه المحادثات المباشرة توقفت أيضاً. سحب البرهان نائبه مع تسرب أخبار عن الاجتماعات السرية، وسط ضجة أثارها المسؤولون السابقون في عهد البشير الذي يدعمون البرهان الآن. 

هل يمكن أن تحقق المفاوضات اختراقاً؟

رغم المشهد القاتم للمناطق التي تحمل آثار الحرب، فقد توفرت الآن بعض المكونات لجهد دولي صلب ومتضافر من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وإن تكن متأخرة أكثر مما ينبغي. لقد عيَّنت الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي وإيغاد جميعها مسؤولين جدداً لقيادة جهود كل منها، حيث عيَّنت الولايات المتحدة عضو الكونغرس السابق والدبلوماسي توم بيريللو مبعوثاً خاصاً، وعينت الأمم المتحدة وزير الخارجية الجزائري السابق والمسؤول الرفيع في الاتحاد الأفريقي رمطان العمامرة مبعوثاً. وشكل الاتحاد الأفريقي، من جهته، لجنة رفيعة المستوى يرأسها محمد بن شمباص، الذي قاد سابقاً بعثته في دارفور، بينما عينت إيغاد المحامي لورانس كورباندي من جنوب السودان مبعوثاً خاصاً لها. لقد حفزت هذه التعيينات الجهود الدولية لإنهاء الحرب. 

أكدت مجموعة الأزمات منذ بداية الحرب على أن المشاركة المصرية والإماراتية في أي عملية سلام من المرجح أن تكون شرطاً لازماً لنجاحها.

يمكن للدبلوماسية المصرية–الإماراتية أن تلعب دوراً حيوياً في وضع حد للأعمال القتالية، بالنظر إلى نفوذ هذين البلدين على طرفي الصراع والعلاقات التي تزداد دفئاً بين أبو ظبي والقاهرة. كما أكدت مجموعة الأزمات منذ بداية الحرب، فإن المشاركة المصرية والإماراتية في أي عملية سلام من المرجح أن تكون شرطاً لازماً لنجاحها. فالعلاقات بين القوتين العربيتين أصبحت أوثق بعد إعلان تقديم الإمارات حزمة مالية بمقدار 35 مليار دولار لمصر في شباط/فبراير. إن طبيعة الحرب التي لا يمكن لأي من طرفيها الانتصار فيها، والنفوذ المتزايد للإسلاميين من عهد البشير (الذين لا تثق بهم للقاهرة ولا أبو ظبي)، وجهود إيران لزيادة نفوذها في السودان من خلال دعمها للجيش، توفر جميعاً أسباباً لكلا البلدين لتعزيز جهودهما الدبلوماسية، حتى لو ظلت حذرة حتى الآن.

لكن رغم بعض التطورات الإيجابية، ما يزال هناك عقبات كبيرة جداً.

أولاً، لا يمكن للتقدم المضني والانخراط السياسي رفيع المستوى أن يخفي حقيقة أن الدبلوماسيين لم يحققوا اختراقاً بعد. ففي حين أن المبادرة المصرية–الإماراتية السرية وعملية جدة الأكثر علانية يمكن أن تعززا بعضهما بعضاً، بل أن تندمجا في مبادرة واحدة، فإنهما يمكن أيضاً أن تتنافسا وتقوضا بعضهما بعضاً. وتبدو المخاطرة حقيقية، بالنظر إلى العداء بين الرياض وأبو ظبي، واستياء المسؤولين المصريين والإماراتيين من استبعادهما من محادثات جدة ورغبة السعودية بالمحافظة على جدة بوصفها مسار الوساطة الرئيسي. كما أكدت مجموعة الأزمات، فإن الولايات المتحدة في موقع يمكّنها من المساعدة في جسر هذه الفجوات وتشكيل اندفاعة دبلوماسية موحدة أكثر، وهو هدف وضعه بيريللو أصلاً أولوية له. ويعمل العمامرة والاتحاد الأوروبي أيضاً على التنسيق بين مختلف الأطراف الفاعلة. 

ثانياً، لم يترك مشهد الوساطة الغائم مجالاً أو دوراً يذكر لقوى وهيئات مهمة أخرى، بما في ذلك أفريقيا وأوروبا، اللتان ينبغي لجهودهما ومواردهما أن تدفع في نفس الاتجاه كجزء من جهد جماعي لتحقيق السلام في السودان.

ثالثاً، ستبقى المقاومة السياسية من السودان نفسه تحدياً كبيراً. إذ ما تزال مقاومة كلا الرجلين القويين لمناشدات السلام كبيرة جداً. ليس من الواضح ما إذا كان البرهان، على نحو خاص، حريصاً على التفاوض، بالنظر إلى النجاحات الأخيرة للجيش؛ إذ تُظهر التجربة السابقة أن الجيش انسحب مراراً من المباحثات عندما بدا أنه يحقق تقدماً. كما أن من غير المؤكد أن يكون البرهان مستعداً للتراجع عن تحالفاته مع إسلاميي عهد البشير، وهو مطلب رئيسي لقوات الدعم السريع، وأيضاً للقوى الغربية والعربية. بالفعل، تستمر المخاوف من أن الجيش يمكن أن ينقسم إذا تسارعت محادثات السلام. في حين بدا حميدتي منذ وقت طويل أكثر اهتماماً بالمحادثات، فإنه قد لا يكون مستعداً للمساومة على شروط مقبولة لمعظم السودانيين.

وهناك عقبات أخرى؛ إذ لا يتفق الطرفان على شروط وقف إطلاق النار، بالنظر إلى أن الجيش ما يزال يصر على انسحاب قوات الدعم السريع من مواقع في الخرطوم والجزيرة كشرط مسبق للتفاوض على هدنة – وهو مطلب يردده كثير من السودانيين من هذه المناطق، في حين ترفضه قوات الدعم السريع. كما لا يتفق الطرفان على شكل العملية السياسية التي تتبع أي وقف لإطلاق النار: من سيشارك، أو أي المناصب في الدولة والحياة العامة سيشغلها البرهان وحميدتي. ومن المرجح أيضاً أن تظل التفاصيل المتعلقة بكيفية دمج مختلف القوات المسلحة في جيش سوداني موحد، وهي القضية التي أشعلت فتيل الحرب الأهلية في المقام الأول، قضية شائكة في أي مفاوضات مستقبلية.

قضية عاجلة

تتمتع الولايات المتحدة، والسعودية، ومصر والإمارات العربية المتحدة – وهي الأطراف الخارجية التي لها نفوذ كبير على الأطراف المتحاربة – بالفرصة الأكبر لإقناع الطرفين بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها والشروع في العمل المضني لإعادة توحيد السودان. أما البديل فأكثر قتامة من أن يتصوره المرء، بالنظر إلى أن البلاد تتأرجح على حافة الفوضى، والمجاعة وحرب يمكن أن تنتشر عبر حدودها إلى منطقة مضطربة. ويعد الوقت عنصراً جوهرياً – ولا سيما أن الطرفين يحاولان إقناع أمراء حرب جدد بالانضمام إلى القتال بوعود بحصة من غنائم النصر النهائي، وهو أمر يجعل المفاوضات لإنهاء الحرب أكثر صعوبة.

على هذه الخلفية، فإن الولايات المتحدة والسعودية عازمتان على إعادة إجراء المحادثات في جدة. ينبغي أن تتسع الجولة الجديدة لتشمل أدواراً لمصر والإمارات العربية المتحدة، كما جادلت مجموعة الأزمات منذ وقت طويل، إضافة إلى المبعوثين الجدد من الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة وإيغاد، بالنظر إلى الفرصة المتاحة لإعادة إحياء الدبلوماسية التي توفرها التعيينات الجديدة. من شأن عملية تفاوضية واحدة معززة أن تسمح بدرجة أكبر وأكثر تماسكاً من الضغوط الخارجية على الجانبين، بينما تغلق الطريق على المتحاربين للاستمرار في الاختيار بين المنصات المختلفة لتجنب المفاوضات الجدية. وينبغي أن تهدف هذه المحادثات صراحة إلى التوصل إلى وقف عاجل ودائم لإطلاق النار، بدلاً من التركيز على إجراءات بناء الثقة كما في السابق. إذا تعثرت الخطط لتحويل محادثات جدة إلى منصة رفيعة المستوى لمفاوضات وقف إطلاق النار، يتعين على الجهات الفاعلة الرئيسية (ولا سيما الولايات المتحدة والأمم المتحدة) العثور على طريقة لجعل مسارات التفاوض المختلفة تعزز بعضها بعضاً بدلاً من تقويض بعضها بعضاً. ينبغي أن يكون الهدف التقدم بأكبر درجة من السرعة والرشاقة نحو التوصل إلى اتفاق، باستعمال القنوات الرسمية وغير الرسمية وتكثيف الضغوط المستمرة على الجانبين، بصرف النظر عن المكان الذي تجرى فيه المفاوضات.

لا يمكن لتحركات تجنيب ملايين السودانيين المجاعة أن تنتظر.

في الوقت نفسه، لا يمكن لتحركات تجنيب ملايين السودانيين المجاعة أن تنتظر. ينبغي على جميع أولئك الذين يتمتعون بالنفوذ على أطراف الصراع أن يضغطوا عليهم سراً وعلانية كي يسمحوا بوصول المساعدات الغذائية، دون أي إعاقة، إلى المجتمعات التي تحتاجها. ينبغي على القوى الخارجية أن تستكشف خيارات أخرى لإيصال الغذاء إلى المناطق الأكثر تأثراً في البلاد، بما في ذلك دارفور الكبرى، إذا أحجم القادة المتحاربون عن التعاون. ويتعين على الجهات المانحة أن تدرس إمكانية تحويل الأموال من خلال متطوعين محليين، ولا سيما في مناطق الخرطوم، ودارفور، وكردفان والجزيرة، حيث يعاني ملايين الناس بعد هروب جميع منظمات المساعدات الرئيسية تقريباً. كما يتعين أن تكون الجهات المانحة مستعدة لتقديم المال لدعم عملية الاستجابة التي تعاني من قلة التمويل. ويمثل المؤتمر الإنساني المزمع عقده في باريس في 15 نيسان/أبريل فرصة للتوصل إلى التزام أكثر جدية وتنسيقاً لإنقاذ حياة السودانيين.

لكن أفضل علاج، وربما العلاج الوحيد، للأهوال التي تسببت فيها أطراف الصراع في السودان – من الجوع والمجاعة إلى الانهيار البطيء للدولة - يبقى وقف إطلاق نار مستقر يسمح بوصول الإمدادات الإغاثية إلى جميع أنحاء البلاد، والذي يمكن أن يتطور، إذا حالفه الحظ، إلى نهاية دائمة للأعمال القتالية. ومن هناك، سيكون المسار نحو إعادة بناء دولة سودانية محطمة أو إيجاد الظروف المناسبة للسماح للمواطنين بالعودة إلى أوطانهم مساراً مضنياً. لقد أودت سنة من الحرب بحياة عشرات آلاف السودانيين، وهجَّرت الملايين وجعلت الدولة قشرة فارغة يصعب التعرف عليها. لا يمكن لوقف مجزرة ومنع انتشارها أن يكون أكثر إلحاحاً.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.