Palestinians fleeing north Gaza walk towards the south, amid the ongoing conflict between Israel and Palestinian Islamist group Hamas, in the central Gaza Strip, November 9, 2023. REUTERS/Mohammed Salem
Briefing / Middle East & North Africa 20+ minutes

سُبُل الخروج من أزمة غزَّة

 

يُوقِع الهجوم الإسرائيلي في قطاع غزة خسائر بشرية مروِّعة مرشَّحة للارتفاع كلما طال أمد القتال، مع تعاظم مخاطر اتساع رقعة الحرب. ولذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تدفع بقوة ودون تأخير للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

  • Share
  • حفظ
  • الطباعة
  • Download PDF Full Report

ما الجديد؟ بعد "هدنة إنسانية" دامت سبعة أيام، استؤنف الهجوم على قطاع غزَّة، إذ اندفعت القوات الإسرائيلية إلى جنوب القطاع؛ وذكرت التقارير اندلاع قتال عنيف حول مدينة خان يونس. وتقول وكالات المساعدات الإنسانية إن الدمار والمعاناة وصلا إلى مستويات لم تشهدها في أي مكان من قبل.

لماذا حدث ذلك؟ في 7 تشرين الأول/أكتوبر، قادت حماس هجوماً في جنوب إسرائيل حيث قام مقاتلون فلسطينيون بقتل 1,200 شخص وأخذ كثيرين آخرين رهائن. ومنذ ذلك الحين، سوَّى القصف الإسرائيلي والعمليات البريَّة جزءاً كبيراً من قطاع غزَّة بالأرض. الهدنة، التي أطلقت حماس خلالها سراح رهائن وأطلقت إسرائيل سراح معتقلين فلسطينيين، انهارت في 1 كانون الأول/ديسمبر.

ما أهمية ذلك؟ سيكون تحقيق الهدف الرئيسي الذي وضعه القادة الإسرائيليون، والمتمثل في تدمير حماس، هدفاً بعيد المنال دون تدمير ما بقي من قطاع غزَّة. إذ إن عدد الضحايا المرتفع يصعب تخيُّله أصلاً. وكلَّما استمرت الحملة، تفاقم خطر إشعالها حرباً أوسع في الشرق الأوسط.

ما الذي ينبغي فعله؟ تتمثل الأولوية القصوى في التوصُّل إلى وقف إطلاق نار فوري يُدخل المساعدات المنقذة للحياة إلى قطاع غزَّة. وتتبع ذلك محادثات حول مزيد من تبادل الرهائن–الأسرى، ووقف أطول لإطلاق النار، ووضع ترتيبات مؤقتة للقطاع. لا يمكن لأيٍّ من هذه الأمور أن يحدث ما لم تمارس الولايات المتحدة ضغطاً أكبر على إسرائيل لإنهاء الحرب.

I. لمحة عامة

كان الشهران الماضيان بين أقسى ما عاناه الإسرائيليون والفلسطينيون؛ فقد أحدث رعب الهجوم الذي قادته حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر ونطاقه صدمة لدى الإسرائيليين، وحطَّم شعورهم بالأمن، بحيث قام مقاتلو حماس بقتل 1,200 شخص في إسرائيل، معظمهم مدنيين، وأخذ أكثر من 200 رهينة. بالمقابل، فقد كانت العمليات الإسرائيلية في قطاع غزَّة شديدة القسوة، حيث أدَّت إلى مقتل أكثر من 17,000 فلسطيني، بمن فيهم أكثر من 7,000 طفل، وهجَّرت معظم سكان القطاع وسوَّت بالأرض جزءاً كبيراً من شماله. وفَّرت هدنة قصيرة، أطلقت حماس خلالها سراح 105 رهائن (81 إسرائيلياً و24 آخرين)، وأطلقت إسرائيل سراح 243 فلسطينياً معتقلاً في سجونها، استراحة قصيرة. ثم استؤنف الهجوم في 1 كانون الأول/ديسمبر، هذه المرة في جنوب قطاع غزَّة. ويقول القادة الإسرائيليون إنهم سيقضون على حماس، أو على الأقل على جناحها العسكري، لكن سِجِلّ الأحداث يُظهر حتى الآن أن من غير المرجح لهذا الجهد أن ينجح – ليس دون تدمير جزء كبير مما بقي من قطاع غزَّة. ولذلك، ينبغي على الولايات المتحدة، التي دعمت الهجوم الإسرائيلي في حين تُظهر عدم ارتياح بسبب ارتفاع عدد ضحاياه، أن ترمي بثقلها وراء وضع حد للقتال الآن.

تُفاقِم العمليات في جنوب قطاع غزَّة ما وصفه منسق الأمم المتحدة للإغاثة، مارتن غريفيث، بأنها أوضاع أشبه بـ "يوم القيامة". إذ إن الإجراءات الجديدة التي تدَّعي إسرائيل أنها اتخذتها لتخفيف الأضرار الواقعة على المدنيين ليست فعالة؛ فكثير من الفلسطينيين، والذين هُجِّر بعضهم عدة مرات من قبل، ينتقلون جنوباً باتجاه مصر. ولكن على الرغم من أن القاهرة تصمّم على إبقائهم على جانب قطاع غزَّة من الحدود، إلا إن الأمور سيئة للغاية لدرجة أن الكثيرين قد ينتهي بهم الأمر بعبور الحدود إلى مصر. يلوح احتلال عسكري للقطاع في الأفق، حيث تسيطر القوات الإسرائيلية على أجزاء من قطاع غزَّة لبعض الوقت ويُحشَر الفلسطينيون في أحياء أو مخيمات أصغر، ويظلّون على قيد الحياة بفضل مساعدات وكالات الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات الإنسانية. ومن المرجح أن يفضي استئناف الحرب ليس إلى بداية الجهود الرامية لإحياء عملية السلام، كما يأمل بعض القادة الأوروبيين، بل إلى نهاية أي أفق سياسي، ولا سيما بالنظر إلى ارتفاع حدَّة السلوك الافتراسي الذي يمارسه المستوطنون ومصادرة الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.

يبدو أن رسم مخرج للأزمة قابل للحياة مستحيل تقريباً، لكن البداية لا بد أن تكون وقف القتال. عندها يتوقف إطلاق صواريخ المسلَّحين من قطاع غزَّة، وأيضاً العمليات العسكرية الإسرائيلية. ويمكن أن تدخل المساعدات المنقِذة للحياة والمكوَّنة من الضروريات الأساسية إلى القطاع، بعد خضوعها للتفتيش. مثالياً، يمكن لمثل تلك الهدنة أن تبدأ فوراً، رغم أن جولة أخرى من تبادل الرهائن مقابل المعتقلين قد تكون ضرورية للوصول إلى ذلك الهدف. تتبع ذلك محادثات حول إطلاق سراح جميع الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزَّة والفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، والتوصل إلى وقف إطلاق نار أطول وترتيبات مؤقتة. ويتعيَّن أن تعالج المحادثات موضوع تقديم الخدمات – في البداية ربما بمشاركة مجالس من أعيان غزَّة أو موظفين إداريين سابقين كبار، يمكن حتى أن تعيِّن شرطة – وفي النهاية حكم قطاع غزَّة، الذي ستتخلى عنه حماس. وسيتمثل الأمر الأكثر إشكالية في إقناع إسرائيل بسحب قواتها من جزء كبير من قطاع غزَّة والسماح بدخول المواد إلى القطاع من أجل إعادة إعماره (ويمكن لبعضها أن يخدم غايات عسكرية أيضاً). ومن أجل تحقيق ذلك، سيتعيَّن على حماس أن تقدِّم أكثر من إطلاق سراح الرهائن، ربما تسليم بعض أسلحتها، على سبيل المثال. كما لا يمكن أن تصمد أي هدنة في قطاع غزَّة إذا استمرت عمليات القمع وعنف المستوطنين في الضفة الغربية.

سيكون وقف إطلاق النار على هذا الأساس غير عادل، وناقصاً ويصعب التوصل إليه، لكنه سيكون أفضل من البديل المحتمل. سيظل الإسرائيليون يعيشون بجوار حماس التي تم إضعافُها. وسيظل الفلسطينيون تحت الاحتلال. ولن يخضع للمساءلة عمَّا حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر وفي قطاع غزَّة منذ ذلك الحين أحد إلَّا المسلحين الذين اعتقلتهم إسرائيل أصلاً، على الأقل ليس في البداية. إلَّا أن مثل هذا الاتفاق سيمكِّن جميع الإسرائيليين الذين يحتجزهم المسلحون الفلسطينيون من العودة إلى عائلاتهم. ولا يبدو أن تكراراً للهجمات التي قادتها حماس ممكن أو محتمل. مثالياً، يمكن أن تخفَّ حدة حصار القطاع. ويمكن لوقف إطلاق النار أن يقلِّص جذرياً التهديد المتمثل في اشتعال حرب إقليمية كارثية، وهو التهديد الذي تم تجنُّبه حتى الآن، لكنه آخذ بالتنامي. ومن شأنه أن يبقي على فرصة العثور على أفق سياسي للحرب، والذي بدونه لن يدوم أي وقف لإطلاق النار إلى الأبد – ولو أنه يجب الاعتراف بأن العقبات كبيرة جداً والتغلب عليها سيتطلب جهداً أكبر بكثير من قبل قادة العالم مقارنة بما استثمروه في السنوات الأخيرة. والأهم من ذلك هو أن وقف إطلاق النار سيوفر لسكان قطاع غزَّة وسيلة للخروج من الجحيم الذي يعيشون فيه.

لا يمكن لأي من هذه الأمور أن يحدث دون أن تتغير النوايا في واشنطن. لم يفهم الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي كان سِجل سياسته الخارجية جيداً على الأغلب حتى الآن، قطاع غزَّة. فقد أسهمت الدبلوماسية الأميركية من وراء الكواليس في التوصل إلى الهدنة في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر. وربما تكون قد عدَّلت التكتيكات الإسرائيلية، إلّا أن عدد الضحايا في قطاع غزَّة يشير إلى أنها لم تعدِّلها بشكل كافٍ. لكن بصورة عامة، فإن الإدارة متواطئة، ويُنظَر إليها على أنها كذلك في جميع أنحاء العالم، في تدمير القطاع. إن الدفع لجعل تنفيذ العمليات العسكرية أكثر إنسانية بدلاً من الدفع لوقفها لا يحقق الهدف؛ إذ إن السماح لإسرائيل بإكمال عملياتها سيعني على الأرجح إنهاء قطاع غزَّة، ومعه أي أمل بالتوصل إلى حلٍّ قابل للحياة بعد أكثر من نصف قرن من الاحتلال وبعد فظائع 7 تشرين الأول/أكتوبر. لا يتمتع البيت الأبيض، بأي حال من الأحوال، بنفوذ كامل على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لكن يمكن أن يفعل المزيد لإنهاء الحرب. ولا يمكنه أن ينتظر بضعة أسابيع أخرى ليتصرف.

كانون الأول/ديسمبر 2023

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.