On Thursday, plumes of smoke fill the sky as a result of Israeli airstrikes.
On Thursday, plumes of smoke fill the sky as a result of Israeli airstrikes, providing a view of a destroyed house in Gaza City. Saher Alghorra / Middle East Images / Middle East Images via AFP
Statement 20+ minutes

وقفٌ لإطلاق النار في غزة

بصرف النظر عمن يتحمل مسؤولية الانفجار الذي قتل المئات في أحد المستشفيات، فإن عدد القتلى في حرب غزة مرتفع على نحو مفرط. ينبغي أن ينضمّ القادة الغربيون إلى الدعوات الرامية للتوصّل إلى هدنة لإنقاذ حياة الناس، ومنع انتشار القتال وإعطاء الدبلوماسية فرصة.

في مساء 17 تشرين الأول/أكتوبر، أودى انفجار في مستشفى في مدينة غزة بحياة 471 شخصاً، طبقاً للسلطات المحلية، غالبيتهم العظمى من المدنيين. حمّلت وزارة الصحة في قطاع غزة مسؤولية الانفجار إلى ضربة جوية إسرائيلية؛ وفي وقت لاحق، أشارت إسرائيل، ودعمتها لاحقاً الولايات المتحدة، إلى صاروخ أطلقته مجموعة فلسطينية متشددة أخطأ مساره. وطوال الليل، تعرض قطاع غزة لقصف إسرائيلي مكثف، كما حدث على مدى الأيام العشرة الماضية، حيث تعرضت للقصف أيضاً مناطق في الجنوب الذي هرب إليه كثير من الناس. وهذا القصف جزء من عملية إسرائيل "السيوف الحديدية"، التي أُطلقت رداً على هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر على التجمعات السكنية الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة، حيث قتل مسلحون 1,400 إسرائيلي، معظمهم من المدنيين، وأخذوا نحو 200 رهينة. وبحلول 18 تشرين الأول/أكتوبر، أدّت الحملة الإسرائيلية إلى مقتل نحو 3,500 فلسطيني، بمن فيهم مئات الأطفال. أجَّج انفجار المستشفى غضباً شديداً في جميع أنحاء المنطقة، حيث خرجت مظاهرات كبيرة في مدن عربية، وإيرانية وتركية. وانسحب قادة عرب من قمة كان من المزمع عقدها في العاصمة الأردنية عمّان مع الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي زار إسرائيل في 18 تشرين الأول/أكتوبر.

ينبغي أن تتوقف إسرائيل عن القصف للسماح بفتح ممر إنساني حقيقي ... في هذه الأثناء، يتعين على حماس إطلاق سراح الرهائن.

كانت الأحداث التي توقع أعداداً كبيرة من الضحايا، تسرِّع من جهود إنهاء حروب عربية–إسرائيلية سابقاً؛ وينبغي لانفجار المستشفى أن يفعل الشيء نفسه. نتيجة هجمات حماس، تعرضت إسرائيل إلى كارثة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث تبدد شعورها بالأمن. لإسرائيل حق واضح في الدفاع عن نفسها وتأمين التجمعات السكانية الإسرائيلية في الجنوب. لكن إذا استمر ردّها على المسار الراهن نفسه، فإن إسرائيل لن تسحق غزة، التي يقطنها 2,3 مليون نسمة وحسب، بل تخاطر بإشعال حرب إقليمية من شأنها أن تشكل خطراً أكبر على إسرائيل نفسها. في 18 تشرين الأول/أكتوبر، ذُكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبِحثٍّ من بايدن، قال إن إسرائيل لن تمنع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى غزة من مصر (رغم أنه أضاف أنها "ستحبط" أي محاولة من قبل حماس للحصول على الإمدادات لنفسها عبر هذه الوسيلة). ينبغي أن تتوقف إسرائيل عن القصف للسماح بفتح ممر إنساني حقيقي. بموازاة ذلك، يمكن أن تحدد لشركائها الغربيين شروطها لوقف إطلاق نار دائم يشمل طريقة للتعامل مع حماس ومسألة مستقبل الحكم في غزة. في هذه الأثناء، يتعين على حماس إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم هي ومجموعات متشددة أخرى.

يشكل قصف إسرائيل لغزة ردُّها، أو على الأقل المرحلة الأولى منه، على عملية طوفان الأقصى التي شنتها حماس، والتي خلّفت 3,500 جريح، 102 منهم بحالة خطرة، إضافة إلى الذين قتلتهم. ومن بين الرهائن الذين أخذتهم حماس إسرائيليون، بمن فيهم 26 طفلاً على الأقل، وعدد من الأجانب؛ وتدّعي حماس أن مجموعات فلسطينية أخرى أخذت معها 50 رهينة أخرى. من الصعب المبالغة في تقدير الصدمة والألم اللذين تسببت بهما الهجمات غير المسبوقة في تاريخ إسرائيل للإسرائيليين، ليس بسبب نطاقها وحسب، بل لأنها كشفت ضعف البلاد وهشاشة مؤسساتها. من وجهة نظر إسرائيلية، فإن تبعات ذلك يمكن أن تكون وجودية؛ ولذلك، فقد كانت الحملة العسكرية الإسرائيلية أشد حدة وتدميراً من حروبها السابقة مع حماس. فإضافة إلى التسبب بمقتل وجرح عدد كبير من الأشخاص، فإنها سوَّت بالأرض أحياء كاملة في قطاع غزة، الجيب الساحلي الذي يسوده الفقر المدقع والذي تحاصره إسرائيل (ومصر) منذ عام 2007. لقد أوقفت إسرائيل هجومها البري خلال الوقت الذي قضاه بايدن في البلاد، لكن مثل تلك العملية ما تزال تبدو وشيكة؛ وقد حشدت إسرائيل 360,000 جندي احتياط وأمرت سكان المناطق الشمالية والوسطى في قطاع غزة (نحو 1.2 مليون نسمة، أي أكثر من نصف السكان) بإخلاء هذه المناطق. كثيرون فعلوا ذلك، لكن ما يُقدَّر بنصف مليون نسمة ما يزالون موجودين فيها.

وتستمر الأسئلة حول الكيفية التي ستدير فيها إسرائيل حملتها والأهداف التي ترمي إلى تحقيقها. حدد عضو في الحكومة الإسرائيلية المصغرة (الكابنيت) في 15 تشرين الأول/أكتوبر – بعد أسبوع من إعلانها الحرب رسمياً، وللمرة الأولى منذ عام 1973 – أربعة أهداف لعملية قطاع غزة: "إسقاط حماس وتدمير قدراتها العسكرية"؛ و"إزالة تهديد الإرهاب المنطلق من القطاع"؛ و"بذل أقصى الجهود لإيجاد حل لقضية الرهائن"؛ و"الدفاع عن حدود ومواطني الدولة". هذه كلها أهداف مشروعة، لكن لا يمكن فصلها عن الوقائع في قطاع غزة أو الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني الأوسع. بالنظر إلى جذور حماس وتاريخها الطويل في قطاع غزة، وأيضاً عدد أفرادها، ومنشآتها السرية، وشعبيتها في أوساط بعض الشرائح، فإن تدمير قدراتها العسكرية – وإن لم يكن تدمير الحركة برمتها – من المرجح أن يكون عملية طويلة ودموية. سيعني ذلك مواجهة حماس على أرضها، وهي معركة تحضِّر لها الحركة منذ وقت طويل. وسيكون تخليص قطاع غزة على نحو مستدام من جميع تجليات ما يرى فيه الإسرائيليون إرهاباً، وما يسميه كثير من الفلسطينيين مقاومة، مستحيلاً في غياب تغيير سياسي أوسع. تواجه إسرائيل عملية مفاضلة بين أهدافها، ولا سيما بين إعادة الرهائن وتدمير البنية التحتية العسكرية لحماس.

ليس لأزمة قطاع غزة ولا للصراع الإسرائيلي–الفلسطيني بصورة عامة حل عسكري. وليس من الواضح ماهية الشروط التي سيضعها نتنياهو لوقف إطلاق نار دائم، أو إلى أي حد يمكن أن تنجح الدبلوماسية في تلبيتها. قد يكون القادة الغربيون أيضاً حذرين الآن في الطلب من إسرائيل وقف قصفها في الوقت الذي قال البنتاغون نفسه إن صواريخ فلسطينية فشلت في الانطلاق قد تكون تسببت في انفجار المستشفى. في 18 تشرين الأول/أكتوبر، عارضت الولايات المتحدة قراراً لمجلس الأمن الدولي، بدعم من معظم أعضاء المجلس، كان سيطالب، إضافة إلى إدانة هجمات حماس في إسرائيل، بهدنة إنسانية من قصف إسرائيل لقطاع غزة. لكن بينما تستمر الحرب، فإن وقوع المزيد من الحوادث الشبيهة بتفجير المستشفى أمر وارد جداً. وحتى لو كان متشددون فلسطينيون هم المسؤولين في هذه الحالة، فإن عشرة أيام من القصف الإسرائيلي تسببت في مقتل عدد مروع من الأبرياء في قطاع غزة. وفي حين أنه لا إيران وحلفاؤها من غير الدول في جميع أنحاء المنطقة، ولا إسرائيل والولايات المتحدة، تبدو راغبة بحدوث مواجهة إقليمية، فإن خطر اندلاع حرب أوسع يتنامى. ودخول قوات برية إسرائيلية سيفاقم هذه المخاطر.

يتمثل الخيار الأفضل الآن في أن تضغط الولايات المتحدة وحلفاؤها على إسرائيل لوقف القصف، والالتزام بتعهدها بالسماح بالوصول الإنساني إلى قطاع غزة، ووضع شروط لوقف دائم لإطلاق النار، بما في ذلك لإعادة بناء قطاع غزة. وبالمقابل توقف حماس والمجموعات المتشددة الأخرى إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، وتطلق سراح الرهائن. في هذه الأثناء، وحتى مع عمل الدول الغربية على منع انتشار الحرب، فإنها قد تزرع أيضاً بذور نقاشات حول عملية خفض تصعيد إقليمية أوسع، والتي ستكون ضرورية للسلام والأمن الدائمين. يمكنها، على سبيل المثال، بعد وقف إطلاق النار، إعادة إطلاق النقاشات حول تطبيع العلاقات، ولا سيما بين إسرائيل والسعودية، التي واجهت انتكاسة خلال الأيام العشرة الأخيرة، ومحاولة التوصل إلى اتفاق أكبر بين إسرائيل ودول عربية رئيسية، إضافة إلى تركيا، تعالج شعور إسرائيل المتصدع بالأمن، وتكبح جماح حماس من خلال ضامنين إقليميين. لكن الواجب الأكثر إلحاحاً يتمثل في شراء الوقت للتوصل إلى هدنة إنسانية في قطاع غزة ومن أجل الدبلوماسية.

فظاعات حماس وتداعياتها

أخذت هجمات حماس إسرائيل على حين غرة. فمع انهمار آلاف الصواريخ على إسرائيل، اخترق مقاتلون متشددون التحصينات المحيطة بقطاع غزة، واكتسحوا 22 بلدة بجوار الحدود، إضافة إلى 80 موقعاً عسكرياً. ويُذكر أن 336 جندياً إسرائيلياً كانوا بين القتلى؛ لكن معظم الضحايا كانوا من المدنيين، بمن فيهم عدد كبير من الأطفال. لم تستغرق حماس والمجموعات المتشددة الأخرى سوى ساعات لقتل عدد من الإسرائيليين يفوق ما قُتل خلال كل الانتفاضة الثانية (2000-2005). بعد عشرة أيام، ومع استمرار سقوط الصواريخ في إسرائيل واستمرار إغلاق المدارس في جزء كبير من البلاد، فإن حالة الطوارئ لم تنتهِ بعد. في عدة بلدات، أبيدت عائلات بأكملها، وأُطلقت النار على الأهل أمام أطفالهم، وحُرق أشخاص أحياءً وهم يحاولون الهرب بسياراتهم، وعُثر على أطفال رضَّع وقد مزقهم الرصاص. جرى تداول صور مروعة في البلاد وخارجها، الأمر الذي استحضر مقارنات في إسرائيل والغرب مع جرائم تنظيم الدولة الإسلامية، أو داعش. حقيقة أن بعض قادة حماس ربما فوجئوا بسرعة ونطاق انهيار الدفاعات الإسرائيلية، وحتى بالمجازر، لا تعفي الحركة من مسؤوليتها.

منذ الهجوم، أشار قادة إسرائيليون على نحو متكرر إلى أن المدنيين في قطاع غزة يتحملون المسؤولية عن هجمات حماس. وقال سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، جلعاد إردان: "أشعر فعلاً بالأسف لمعاناة الناس في قطاع غزة، لكن علينا أن نتذكر أنهم انتخبوا حماس قبل ثمانية عشر عاماً". حتى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ، الذي يعد معتدلاً، مضى إلى حد التلميح ضمناً إلى أنه ما من فلسطيني في قطاع غزة بريء: "ليس صحيحاً هذا الخطاب القائل بأن المدنيين لا يعرفون، ولا علاقة لهم. هذا غير صحيح على الإطلاق. كان بوسعهم الانتفاض [ضد حماس]". والسياسة الإسرائيلية تعكس المعتقد نفسه. فوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، قال في 9 تشرين الأول/أكتوبر: "لقد أمرت بفرض حصار كامل على قطاع غزة. لن يكون هناك كهرباء، ولا غذاء، ولا وقود". وزير الطاقة إسرائيل كاتز، أمر لاحقاً بقطع إمدادات المياه: "لن يُضغط على زر كهربائي، ولن تُفتح مضخة مياه، ولن يدخل صهريج وقود إلى أن يعود المختطفون إلى بيوتهم". هذه السياسات – التي كانت الولايات المتحدة قد ضغطت على إسرائيل لتخفيفها، دون جدوى حتى الآن – دفعت منظمات حقوق الإنسان ووكالات إنسانية مثل المنظمة الإسرائيلية بتسيلم واللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى اتهام إسرائيل بعدم حماية المدنيين طبقاً لالتزاماتها الدولية.

لا تعفي عملية الإخلاء واسعة النطاق إسرائيل من مسؤوليتها القانونية في حماية المدنيين الذين ظلوا ... وأولئك الذين غادروا.

وصلت المنظمات إلى الاستنتاجات نفسها بشأن إبلاغ إسرائيل لسكان المناطق الشمالية والوسطى في قطاع غزة بضرورة إخلاء مناطقهم والتوجه إلى جنوب القطاع. ألقيت المنشورات التي تحمل هذه الرسالة في مناطق يقطنها أكثر من 1.2 مليون مدني، أُمروا بالخروج خلال 24 ساعة، وهي مهلة مُدِّدت لاحقاً. لا تعفي عملية الإخلاء واسعة النطاق إسرائيل من مسؤوليتها القانونية في حماية المدنيين الذين ظلوا موجودين على نحو يتعارض مع رغباتها وأولئك الذين غادروا منازلهم بموجبها. دفعت مهلة الإخلاء القصيرة والظروف الإنسانية القائمة في الشمال والجنوب على حد سواء الأمم المتحدة إلى طلب إلغاء الأمر. ومع طلب حماس من السكان البقاء، وعدم قدرة كثيرين على المغادرة، وخشية كثيرين من أن يصبحوا لاجئين للمرة الثانية خلال قرن – إذ يشكل اللاجئون من حرب عام 1948 أو أبناؤهم وأحفادهم 70 بالمئة من فلسطينيي قطاع غزة – فإن نحو 500,000 نسمة ما يزالون في شمال ووسط القطاع (رغم أن كثيرين منهم أُجبروا على ترك منازلهم).

شهد الأسبوع الذي بدأ في 9 تشرين الأول/أكتوبر نقاشاً لعملية تهجير أخرى، من قطاع غزة إلى مصر، حيث ذُكر أن بعض الحكومات تضغط على القاهرة لاستضافة الفلسطينيين المهجَّرين من قطاع غزة في صحراء سيناء مقابل مساعدات مالية وحوافز أخرى. لكن يبدو أن المعارضة الإقليمية، ولا سيما من مصر، أنهت ذلك النقاش في الوقت الراهن. في 15 تشرين الأول/أكتوبر، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان: "عندما يغادر الناس بيوتهم في حالة صراع، فإنهم يستحقون العودة إلى تلك البيوت – إلى تلك المنازل. وهذا الوضع ليس مختلفاً".

أهداف إسرائيل

يقول المسؤولون الإسرائيليون إن عملية حماس أظهرت أن النموذج الأمني الإسرائيلي كان خاطئاً. كانوا قد اعتقدوا أنه يمكن لإسرائيل التعايش مع حماس في قطاع غزة لأنها، كما كانوا يعتقدون، قد رُدِعت؛ وبالنظر إلى أنها ليست كذلك، فإنهم يعتقدون أن إسرائيل يجب أن تنزع من حماس قدرتها على تهديد إسرائيل وإعادة ترسيخ الردع، سواء في قطاع غزة أو في الشرق الأوسط كله. يريدون أن تُحدث عملية "السيوف الحديدية" انطباعاً في غزة والمنطقة بأن إسرائيل لا تُقهر؛ كما أحدثت عملية طوفان الأقصى انطباعاً لدى الإسرائيليين بهشاشة دولتهم. من شبه المؤكد أن يعني هذا الهدف قتل أكبر عدد ممكن من أفراد كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس والمكوَّن من أكثر من 30,000 مقاتل (يقول محللون إسرائيليون إن بيانات نتنياهو بأن جميع أفراد حماس سيقتلون أشارت إلى المقاتلين وحسب، وليس إلى العدد الأكبر من أفراد الحركة، ومعظمهم من المدنيين). طبقاً للنموذج القديم، كانت إسرائيل تعزز قوة ردعها، على حد تعبير قادتها من خلال "قص العشب" – بشكل دوري بحيث تُظهر كلفة تجاوز الخطوط الحمر وتقليص قدرات حماس القتالية. وبعملية "السيوف الحديدية"، يبدو أنهم يهدفون إلى شيء أشبه بعملية تفريغ تُغيِّر النظام البيئي في قطاع غزة بحيث تمنع عودة حماس إلى النمو في القطاع وتوفر حماية أفضل لإسرائيل من الهجمات.

إذا شنت إسرائيل هجوماً برياً، يبدو من المرجح أن تسعى أولاً إلى السيطرة على الأجزاء الشمالية والوسطى في قطاع غزة أو ترسيخ وجود فيها، بما في ذلك في مدينة غزة. ويمكن لإسرائيل أن تسعى إلى حماية محيطها المجاور لقطاع غزة من إعادة بناء حماس لنفسها في النهاية عبر ترسيخ وجود طويل الأمد داخل القطاع – أي منطقة أمنية تسيطر عليها إسرائيل في شمال قطاع غزة وعلى طول حافتها الغربية، على سبيل المثال. أما ما إذا كانت ستحاول السيطرة على المزيد من الأرض أو تفريغها من البنية التحتية لحماس فيبقى أمراً غير مؤكد، ربما حتى للقادة الإسرائيليين أنفسهم في هذا الوقت، وربما سيعتمد على كلفة الحملة على إسرائيل، ودرجة تحمل الإسرائيليين لسقوط ضحايا بين العسكريين، والرأي العام العالمي فيما يتعلق بمعاناة الفلسطينيين، والمخاطرة بتصعيد إقليمي، والمأزق الذي تشكله مسألة من سيحكم قطاع غزة تالياً. ثمة عامل أخير يتمثل فيما إذا كان الوضع في جنوب قطاع غزة سيصبح كارثياً بحيث تُجبَر مصر – وبشكل يتناقض مع رفضها الراهن – على السماح بدخول أعداد كبيرة إليها. قد يمر بعض الوقت قبل أن تتضح أهداف إسرائيل.

لا تترك الأهداف المعلنة لإسرائيل ... مجالاً يذكر لعودة حماس إلى السلطة.

لا تترك الأهداف المعلنة لإسرائيل – ولا سيما "الإطاحة بحماس وتدمير قدراتها العسكرية" – مجالاً يذكر لعودة حماس إلى السلطة. ويبدو أن وجهة النظر التي يتبناها معظم أعضاء الحكومة الأمنية الإسرائيلية هي أن إسرائيل ستطهِّر قطاع غزة من حماس وتنسحب. بعد ذلك، سترد على تجدد النشاط العسكري، لكن لن تتدخل في السياسة في قطاع غزة. لكن ما لم تنته العملية البرية الإسرائيلية في وقت أقصر مما هو مخطط لها، إما بسبب خسائر إسرائيل أو بسبب الضغوط الخارجية، من الصعب تخيُّل أن تعود حماس إلى الحكم مرة أخرى في وقت قريب. لا تتعلق المسألة بالفظاعات التي ارتكبتها حماس وحسب، وبوابل الخطاب الإسرائيلي والغربي ضد الحركة، وتصميم إسرائيل على توجيه ضربة حاسمة للحركة. إذ قد لا ترغب حماس نفسها بالحكم. فقد تكون الخطة "أ" لهجومها في 7 تشرين الأول/أكتوبر استعمال الرهائن لتخفيف حدة أي رد انتقامي إسرائيلي. والخطة "ب"، إذا فشلت الخطة الأولى، قد تكون جرّ الجيش الإسرائيلي إلى دخول قطاع غزة، والتخلي عن إدارة القطاع والعودة إلى ما ترى فيه جذورها كحركة مقاومة.

البدائل ليست واضحة. إذ من الصعب رؤية إسرائيل نفسها تضطلع بتلك المسؤولية، وتتحمل الأعباء المالية ومخاطر السيطرة المباشرة على 2.3 مليون فلسطيني. ولا يبدو من المرجح أن تضع أمنها في أيدي شكل من الوصاية الدولية. ومن المؤكد أنه ما من حكومة عربية أو مسلمة ستقدم قواتها لحراسة القطاع. يتمثل الخيار الأكثر وضوحاً في السلطة الفلسطينية، التي تتعاون معها إسرائيل في إدارة الضفة الغربية. لكن الأمل ضئيل في أن تتمكن السلطة الفلسطينية، التي لا تحظى بأي شعبية أصلاً، من العودة إلى قطاع غزة على ظهر غزو إسرائيلي ولا تعامَل كعدو. علاوة على ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت إسرائيل ترغب في أن تكون الضفة الغربية وقطاع غزة تحت حكم سلطة واحدة؛ إذ إنها استثمرت كثيراً في فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، لأسباب تتعلق بالأمن (للحد من قدرة الفصائل الفلسطينية على نقل الخبرات العسكرية) والسياسة (لمنعهما من العمل معاً لإنجاز الدولة الفلسطينية). كما أن قيادة مختلفة في قطاع غزة، شبيهة ربما بروابط القرى المتعاونة مع إسرائيل في الضفة الغربية في سبعينيات القرن العشرين، تبدو أيضاً احتمالاً غير وارد وستواجه التحديات نفسها في حكم القطاع بفعالية.

الدعم الغربي لإسرائيل

لقد كان دعم العواصم الغربية لإسرائيل أكثر حزماً من المعتاد في ضوء طبيعة هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر وأيضاً عدد الغربيين بين القتلى وأولئك الذين أخذوا رهائن. لقد تحدث عدد من المسؤولين الغربيين حول صدمة الإسرائيليين بعبارات شخصية بعمق. فقبل زيارة بايدن، كان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد توقف في تل أبيب مرتين للتعبير عن تضامنه قبل متابعة رحلته إلى عواصم عربية. وقد ذكَّر المسؤولون الأميركيون إسرائيل بأهمية عدم استهداف المدنيين في حملتها، رغم أن كثيراً من القادة الأوروبيين تجنبوا مثل تلك العبارات التحذيرية. أما ردود الفعل من باقي أنحاء العالم فقد أكدت أكثر على صيانة رفاه المدنيين.

حتى كارثة 17 تشرين الأول/أكتوبر، كان القادة الأوروبيون، الذين عادة ما يدعمون خطابياً وعلى نحو أكثر حزماً قواعد الحرب، ظلوا غالباً صامتين حيال واجب إسرائيل بالالتزام بالقانون الدولي الإنساني في قطاع غزة. وحدها إيرلندا، والدنمارك ولوكسمبورغ كانت قد دفعت بضرورة الالتزام. وكان بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي قد دعوا إلى ذلك علناً. في 10 تشرين الأول/أكتوبر، قال الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل إن أفعال إسرائيل في قطاع غزة "تتعارض مع القانون الدولي"؛ وأصدر تشارلز ميشيل، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، في 14 تشرين الأول/أكتوبر بياناً ووجه رسالة إلى الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يدعو فيها إلى ضبط النفس واحترام القانون الدولي الإنساني. بموازاة ذلك، خرج ما وُصف لمجموعة الأزمات على أنه "حرب داخلية" داخل الاتحاد الأوروبي حول استحضار القانون الدولي بصخب إلى العلن. وكان قد عبّر مسؤولون أوروبيون كبار عن قلقهم على مدى الشهور الأخيرة حيال الأسباب التي تدعو عواصم غير غربية إلى النظر بتشكك إلى دعوات أوروبا للتحرك في أوكرانيا غير مدركين للمعايير المزدوجة التي يبعث بها صمتهم حيال حملة إسرائيل على قطاع غزة إلى جميع أنحاء العالم.

لقد تحدثت واشنطن عن حماية المدنيين. فمباشرة بعد هجوم حماس، حرصت الولايات المتحدة على ألّا تتمايز إطلاقاً عن إسرائيل، لكن خطابها تغير منذ ذلك الحين. ففي 10 تشرين الأول/أكتوبر، أبلغ الرئيس بايدن القادة اليهود الأميركيين أنه أخبر نتنياهو "بأنه من المهم فعلاً بالنسبة لإسرائيل، ومع كل الغضب والإحباط الموجود – لا أعرف كيف أشرح ذلك – أن تعمل طبقاً لقواعد الحرب".

في بعض النواحي، في حين أن هجمات حماس شكلت تغيراً كبيراً من حيث النطاق ودرجة الرعب، فإن رد الولايات المتحدة حتى الآن ينسجم مع النمط الذي كان قائماً في حروب غزة السابقة؛ إذ تؤكد واشنطن على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في البداية، وتمنح إسرائيل وقتاً لتحقيق أهدافها العسكرية وتصبح أشد حزماً بشأن ضبط النفس فقط عندما يرتفع عدد القتلى المدنيين. في هجمات إسرائيل البرية الأكبر كلفة خلال هذا القرن – الحرب الإسرائيلية–اللبنانية عام 2006 وحربي غزة–إسرائيل في 2008-2009 و2014 – فإن هذا التتابع استغرق أسبوعاً إلى ثلاثة أسابيع ليكتمل. يشير استعمال الفيتو في مجلس الأمن في 18 تشرين الأول/أكتوبر إلى أن تفجير المستشفى لم يغير موقف الولايات المتحدة كثيراً. ففي حديثه في إسرائيل في ذلك اليوم، دعم بايدن إسرائيل في تحميل المسؤولية للجانب الفلسطيني عن مأساة المستشفى – "استناداً إلى ما رأيته، فإن هذا العمل نفذه الفريق الآخر" - مشيراً إلى أن واشنطن ستستمر بشكل أساسي في دعمها لرد إسرائيل على هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر. لكنه حذر إسرائيل أيضاً من أن الرد "يتطلب طرح أسئلة صعبة. إنه يتطلب وضوح الأهداف وتقييم نزيه لما إذا كان ذلك المسار سيحقق تلك الأهداف".

حتى الآن، تجنبت العواصم الغربية الرئيسية الدعوات لخفض التصعيد.

حتى الآن، تجنبت العواصم الغربية الرئيسية الدعوات لخفض التصعيد. في 12 تشرين الأول/أكتوبر، على سبيل المثال، طالب المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بأن توقف حماس إطلاق النار، لكنه لم يوجه طلباً مماثلاً لإسرائيل. وقد تجنبت معظم بيانات البيت الأبيض الدعوة إلى إنهاء العنف. في الواقع، فإن السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان–بيير ذهبت إلى حد وصف الدعوات لوقف إطلاق النار من أعضاء تقدميين في الكونغرس بأنها "بغيضة" و"مشينة". بلينكن نفسه أشار في البداية إلى دعمه لعرض تركي بالوساطة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار – ومن ثم محا التغريدة. في 13 تشرين الأول/أكتوبر، نشرت هفنغتون بوست تقريراً حول مذكرة داخلية في وزارة الخارجية تأمر الدبلوماسيين الأميركيين بعدم استخدام ثلاث مجموعات من المصطلحات – "خفض التصعيد/وقف إطلاق النار"، و"إنهاء العنف/إراقة الدماء" و"استعادة الهدوء" – في بياناتهم العلنية حول الحرب في قطاع غزة. لقد دعا أعضاء جمهوريون في الكونغرس بعبارات خبيثة إسرائيل إلى خلع القفازات في حملتها العسكرية.

لقد كانت الحكومات غير الغربية أكثر انتقاداً للهجوم الإسرائيلي. فقد أبلغ وزير الخارجية الصيني وانغ يي، على سبيل المثال، نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن "الأفعال الإسرائيلية تجاوزت أصلاً الدفاع عن النفس"، مضيفاً أنه "يتعين على إسرائيل أن تصغي بضمير إلى دعوات المجتمع الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، وأن توقف العقاب الجماعي لسكان قطاع غزة". وأكد رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا على دعم بلاده التاريخي لـ "النضال العادل" للفلسطينيين. وقال وزير خارجية البرازيل ماورو لويز إيكر فيرا إن بلاده كانت قد "تلقت برعب الأخبار بأن القوات الإسرائيلية طلبت من جميع المدنيين – أكثر من مليون نسمة – الذين يعيشون في شمال قطاع غزة المغادرة خلال 24 ساعة".

من جهتها، بدت الحكومات العربية حذرة في البداية، وتبنت موقف "لننتظر ونرى"، بينما أصرَّت على التزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني. حثت السعودية، على سبيل المثال، على خفض التصعيد من قبل كلا الطرفين، وحماية المدنيين وضبط النفس، مشيرة في الوقت نفسه إلى تحذيراتها السابقة بأن الوضع قد ينفجر بسبب استمرار الاحتلال، وانتهاك الحقوق الشرعية للفلسطينيين واقتحام الأماكن الإسلامية المقدسة. كما جددت دعوتها للتوصل إلى حل الدولتين. دفع انفجار المستشفى إلى صدور بيانات تعبر عن غضب أكبر. في الأردن، قالت وزارة الخارجية إن الحادث شكل "جريمة حرب بشعة لا يمكن تجاهلها" ودعت إسرائيل إلى "وقف عدوانها على قطاع غزة". وبعد إعلانه بأن عمّان ألغت القمة مع بايدن، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي: "لا مبرر لفعل أي شيء في هذا الوقت سوى وقف هذه الحرب".

مخاطر التصعيد

باتت مخاطر التصعيد أكثر جسامة بعد انفجار المستشفى. فنقطة الاشتعال الأولى موجودة على حدود إسرائيل الشمالية، حيث تزداد الصدامات بين القوات الإسرائيلية وحزب الله، الحزب/الميليشيا اللبناني القوي والشريك الرئيسي لإيران، وتتفاقم، وتدفع الخطوط الحمر التي حافظت على ما يشبه الهدوء على مدى عقدين من الزمن تقريباً. ونقطة الاشتعال الثانية هي في الضفة الغربية، حيث قتلت ميليشيات المستوطنين، المدعومة غالباً من الدولة، فلسطينيين بأعداد متزايدة على مدى الأسبوع الماضي. ويحوم فوق مسارح الأحداث هذه التنافس الإقليمي بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى.

وسط مخاوف من أن إيران يمكن أن تستغل الفوضى والتشوش في إسرائيل، سارعت واشنطن إلى إصدار رسالة مفادها  أنها ستدافع عن إسرائيل إذا دعت الحاجة. فسرَّعت من شحنات الأسلحة وأرسلت مجموعة بحرية تتضمن حاملة طائرات لردع حزب الله عن مهاجمة إسرائيل عبر حدودها الشمالية، وأتبعت ذلك بعد أيام بمجموعة بحرية ثانية. وقد اتسمت التحذيرات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران حول حملة غزة بالغموض، الأمر الذي يعكس رغبة أكبر بمنع الصراع بدلاً من الانخراط فيه. تقول مصادر إسرائيلية موثوقة إن الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل أنها في حين ستدخل الحرب في حال هاجمها حزب الله، فإنها تتوقع من إسرائيل أن تتجنب الضربات الاستباقية على الحزب اللبناني.

من المؤكد أن الحدود اللبنانية–الإسرائيلية تبدو متوترة. فمنذ اندلاع القتال، انخرطت إسرائيل في تبادلات متفرقة لإطلاق النار على الحدود مع حزب الله. حتى الآن، ظلت هذه التبادلات بشكل عام ضمن قواعد الاشتباك غير المعلنة التي طورها حزب الله وإسرائيل منذ آخر صراع لهما في عام 2006. إلا أن الصدامات ترتفع وتيرتها وكثافتها. إن هجوماً من قبل أي طرف يصيب عن غير قصد، أو ببساطة بناء على حسابات خاطئة، هدفاً غير مقبول للخصم أو يتسبب بعدد أكبر مما يحتمل من الضحايا من شأنه أن يطلق دائرة تصعيدية من الضربات ويرسل الأطراف نحو مواجهة واسعة النطاق. كما أن من غير الواضح أن حزب الله سيقف مكتوف الأيدي إذا ارتفعت أعداد الضحايا الفلسطينيين في قطاع غزة أو ثبت أن التكاليف التي ترتبت على حماس أعلى مما ينبغي. قد يشعر الحزب ملزماً بالتدخل عسكرياً، سواء لحماية شريكه أو خشية تراجع مصداقيته بعدم الوقوف مع القضية الفلسطينية والدفاع عنها.

في هذه الأثناء، شهدت الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، تصاعداً حاداً في العنف، فيما كان أصلاً العام الذي شهد سقوط أكبر عدد من القتلى منذ عقود.

في هذه الأثناء، شهدت الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، تصاعداً حاداً في العنف، فيما كان أصلاً العام الذي شهد سقوط أكبر عدد من القتلى منذ عقود من الفلسطينيين في الضفة الغربية ومن الإسرائيليين في المنطقة. ففي الأيام العشرة التي مرت منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، قتلت القوات الإسرائيلية أو المستوطنين عشرات الفلسطينيين، وجرحت 1,200؛ وذُكر أنها اعتقلت أكثر من 400. وقد حدثت بعض الوفيات خلال المظاهرات، كما حدث في 13 تشرين الأول/أكتوبر، عندما قُتل 16 متظاهراً فلسطينياً. قُتل فلسطينيون آخرون في اشتباكات خلال عمليات التفتيش التي يقوم بها الجيش. إلا أن كثيراً من عمليات القتل كانت على شكل إطلاق نار عشوائي على السائقين الفلسطينيين من قبل جنود إسرائيليين أو مستوطنين يدخلون البلدات ويطلقون النار على أول فلسطيني يرونه. وقد استهدفت القوات الإسرائيلية صحفيين محليين خشية أن تشعل تغطيتهم لأحداث العنف المزيد من الغضب الشعبي. كما فرضت إسرائيل إغلاقاً تاماً – أي أنها لا تسمح بدخول أو خروج شيء، وأغلقت الطرق بين البلدات – في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وأغلقت جسر اللنبي (الملك حسين)، المعبر الرئيسي إلى الأردن. وقد اتخذت السلطة الفلسطينية إجراءات خاصة بها، بما في ذلك إجراء مفاوضات هادئة مع السكان لتجنب الاحتجاجات، ولا سيما قرب نقاط التفتيش الإسرائيلية، والتي يمكن أن تتصاعد بسهولة. من المرجح أن سلطات رام الله تخشى أن تؤدي اضطرابات كبيرة في الضفة الغربية إلى رد إسرائيلي غير متناسب من شأنه، في ضوء ما يحدث في قطاع غزة، أن يكون له تداعيات بعيدة المدى على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقف لإطلاق النار وإعطاء فرصة للدبلوماسية

بالنظر إلى وقوعهم تحت ضغط فشلهم وحزنهم، والغضب الشعبي العارم، واضطرارهم إلى الردود الارتجالية، كان على القادة الإسرائيليين أن يردوا على هجوم حماس، وأن يستعيدوا شعور مواطنيهم بالأمن، وأن يخططوا لمستقبل قطاع غزة في الوقت نفسه. وتزداد صعوبة المهمة بالنظر إلى اختلاط مقاتلي حماس بالمدنيين. لكن ينبغي على القادة الإسرائيليين، في سعيهم لتحقيق هذه الأهداف، ألّا يعرضوا أنفسهم لمواجهة أخطار أكثر تقلباً. فمهما كان ما تسبب بانفجار المستشفى، فإن تكاليف عملية قطاع غزة من حيث عدد القتلى ومخاطر التصعيد الإقليمي كانت مرتفعة جداً أصلاً. بالنظر إلى عدد القتلى خلال الأيام العشرة الأخيرة، من الصعب تخيل ماذا سيبقى من القطاع إذا مضت إسرائيل في إرسال قواتها البرية إلى غزة أو استمرت بالقصف طالما رأت أن تحقيق أهدافها يتطلب ذلك.

ينبغي على القادة الغربيين، بمن فيهم الرئيس بايدن، أن يدفعوا رئيس الوزراء نتنياهو إلى وقف القصف، والسماح بدخول مساعدات إنسانية كافية ووضع شروطه لاستمرار وقف إطلاق النار. لكن يبقى من غير الواضح ما إذا كانت الدبلوماسية الإقليمية تستطيع، من وجهة نظر إسرائيل، أن تكبح جماح حماس بما يكفي أو تتوصل إلى بديل بالنسبة لقطاع غزة، رغم أن المخاطرة ينبغي أن تُدرس على خلفية حقيقة أن الحملة العسكرية الإسرائيلية من غير المرجح أن تدمر الحركة أو حتى تقضي على جناحها العسكري. لقد أفضت المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية لجسر الفجوة بين الضفة الغربية وقطاع غزة إلى خيارات تقاسم سلطة تشغل فيه حركة حماس المقعد الخلفي من خلال حكم قطاع غزة. لكن تعثرت تلك الخيارات، ولا سيما بشأن مستقبل الجناح العسكري لحماس، إلا أنه يمكن إحياؤها كجزء من اتفاق إقليمي قد يشمل تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل لكن بدعم من طيف أوسع من الجهات الفاعلة الإقليمية، بما فيها تركيا، وقطر والإمارات العربية المتحدة. كما يمكن للمصالحة السعودية–الإيرانية، التي يبدو أنها صامدة حتى الآن، أن تُمكِّن على الأقل من اتخاذ خطوات نحو شكل من التفاهم الإقليمي. كما ينبغي على حماس والمجموعات المتشددة الأخرى، من جهتها، أن تطلق سراح جميع الرهائن وأن تتوقف عن إطلاق الصواريخ إلى إسرائيل.

إذا استمر القادة الغربيون بتجنب الدعوة إلى وقف لإطلاق النار، كما يبدو مرجحاً بعد زيارة بايدن، يجب على أصدقاء إسرائيل الغربيين الضغط على قادتها بشكل أكثر حزماً مما فعلوا حتى الآن لإقناعهم بوجوب حماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة. ومن نافل القول إن الدول ملزمة باتباع قواعد القانون الدولي الإنساني، ومتطلباته في هذا الصدد. في المناخ السياسي المشحون اليوم، ينبغي على القادة الغربيين أن يكونوا أكثر وضوحاً وعلانية في إيضاح هذه المتطلبات. لكن لا يتعلق الأمر بالشرعية وحسب. إذ إن أحد الدروس المستفادة من حقبة ما بعد الحادي عشر من أيلول هو أن السماح لرجال القانون بوضع الخطوط العامة للكيفية التي تتصرف بها دولة من الدول في صراع مسلح أمر خاطئ. ينبغي أن تكون أفعال إسرائيل موجهة ليس بما يقوله لها رجال القانون فيها وحسب بل بما ينبئها به الحس السليم حول الكيفية التي سيؤثر فيها سلوكها بأشخاص لا يتحملون المسؤولية عن هجمات حماس، والمظالم التي ستخلقها، والديناميكيات الإقليمية التي ستدفعها وآفاق التصعيد التي يمكن أن توجد. كما ينبغي على إسرائيل أن تسعى إلى المحافظة على الفرصة – مهما كانت ضئيلة – التي قد تنشأ من هذا الوضع الجهنمي، إن لم تكن فرصة لتحقيق سلام دائم، فعلى الأقل شيئاً دون أسوأ نتيجة ممكنة. ومن غير المرجح أن يؤدي وضع الخطوط الفاصلة القانونية إلى إنتاج نفس الشعور بالحذر الذي تحدثه موازنة هذه الاعتبارات.

سواء تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار أم لا، فإن معالجة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة أمر جوهري.

سواء تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار أم لا، فإن معالجة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة أمر جوهري. قد تتمثل نقطة بداية جيدة في فتح ممر إنساني من مصر، على النحو الذي يقول نتنياهو إن إسرائيل ستسمح به، بحيث يتم إدخال المزيد من الغذاء، والمياه والإمدادات الطبية إلى قطاع غزة. الولايات المتحدة محقة في رفض إجلاء سكان قطاع غزة إلى مصر، بالنظر إلى أن آفاق عودتهم منها غير مؤكدة. وكما قال بلينكن في مقابلة تلفزيونية في 15 تشرين الأول/أكتوبر: "لقد سمعت مباشرة من رئيس السلطة الفلسطينية عباس ومن كل قائد عربي آخر تحدثت إليه في المنطقة فعلياً أن الفكرة غير مقبولة، ولذلك فإننا لا ندعمها". لكن إدخال الإمدادات بالاتجاه المعاكس أمر حيوي.

إذا استمر القصف، من المهم ألّا ينتشر القتال إلى مسارح أخرى. ويتمثل أحد التحديات في هذا الصدد بالطريقة التي تدير فيها إسرائيل الحرب وعدد الفلسطينيين الذين سيعانون في قطاع غزة. لكن يمكن لإسرائيل أن تفعل أشياء أخرى: على سبيل المثال، الحد من زيارة المصلين اليهود إلى الحرم الشريف، الساحة المقدسة لليهود بصفتها جبل الهيكل وللمسلمين بصفتها المسجد الأقصى، ومنع المستوطنين من مهاجمة الفلسطينيين في الضفة الغربية، مثالياً دون فرض إغلاقات إضافية على الفلسطينيين. وينبغي أن تكون إسرائيل وحزب الله أكثر حذراً بشأن تبادل إطلاق النار عبر الحدود، خشية أن يتجاوز أحد الهجمات الخطوط الحمر للطرف الآخر. ولإيران، التي أطلقت حتى الآن تحذيرات منذرة بالشؤم بشأن توسيع الصراع، القدرة على مفاقمة الوضع. فإضافة إلى انتشار الأسطول الأميركي، ينبغي على الحكومات الأميركية والأوروبية والإقليمية التأكيد على التبعات السلبية لقيام طهران بصب المزيد من الزيت على النار بشكل مباشر أو غير مباشر. وقد تنخرط إسرائيل نفسها مع عواصم عربية وحتى مع أنقرة لإظهار أنها تتفهم هواجسها؛ ورغم الدعم الذي تتلقاه من واشنطن، فإنها ليست غير مبالية حيال التصورات الإقليمية.

على المدى الطويل، يتعين على قادة العالم أن يعيدوا التطلعات الوطنية الفلسطينية إلى أجنداتهم. من المرجح أن يدفع هجوم حماس كثيرين، ولا سيما في إسرائيل، إلى التساؤل ليس فقط عما إذا كانت عملية السلام قد أصبحت ميتة، بل عما إذا كانت الفكرة برمتها غير قابلة للحياة. لكن حماس قوطعت منذ وقت طويل وقطاع غزة عُزل منذ وقت طويل، لكن هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر تُبدد فكرة أن إسرائيل تستطيع حماية نفسها دون معالجة المسألة السياسية. كما توضح حالة الرعب الأخيرة في إسرائيل–فلسطين بوضوح، فإن الاحتلال والصراع لا يمكن احتواءهما في قطاع غزة أو في أي مكان آخر بينما يطوي العالم صفحة أخرى. إن محاولات فعل ذلك سيحكم بالموت على آفاق إحلال سلام وأمن دائمين في الشرق الأوسط وتتسبب في مأساة وعنف أكبر.  

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.