لماذا لا ينبغي أن يعلِّق المانحون مساعداتهم للأونروا
لماذا لا ينبغي أن يعلِّق المانحون مساعداتهم للأونروا
Displaced Palestinians gathered outside the UNRWA logistics base in al-Mawasi. 10 December 2023.
Displaced Palestinians gathered outside the UNRWA logistics base in al-Mawasi. 10 December 2023. CRISIS GROUP / Azmi Keshawi
Q&A / Middle East & North Africa 11 minutes

لماذا لا ينبغي أن يعلِّق المانحون مساعداتهم للأونروا

في أعقاب مزاعم إسرائيلية بأن موظفين في وكالة الأمم المتحدة التي تقدم الخدمة للاجئين الفلسطينيين شاركوا في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، علَّقت عدة عواصم تمويلها للوكالة. في هذه الجولة من الأسئلة والأجوبة، يشرح خبير مجموعة الأزمات دانييل فورتي لماذا من الضروري أن يعودوا عن هذا المسار.

[ترجمة من الإنكليزية]

ما الذي حدث؟

في 18 كانون الثاني/يناير، قدمت إسرائيل إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى التابعة للأمم المتحدة ادعاءات بأن اثني عشر من بين موظفيها البالغ عددهم 13,000 موظفاً في قطاع غزة كانوا قد شاركوا في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على البلدات الإسرائيلية بقيادة المجموعة الفلسطينية المسلحة حماس. كما ورد في الادعاءات، التي كشفت عنها الأونروا علناً في 26 كانون الثاني/يناير وفُصِّلت في وثيقة للاستخبارات الإسرائيلية وزعتها على عدد من وسائل الإعلام بعد ثلاثة أيام، أن نحو 10 بالمئة من موظفي الوكالة تربطهم علاقات بحماس. حتى الآن، لم تقدم إسرائيل أدلة خطية للأمم المتحدة لإثبات مزاعمها. ردت مجموعة من الدول على تلك الأخبار بوقف تمويلها أو التهديد بتعليق هذا التمويل للأونروا، التي كانت أصلاً تواجه صعوبة كبيرة في معالجة الكارثة الإنسانية في قطاع غزة التي سببتها العمليات العسكرية الإسرائيلية التي أُطلقت رداً على هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر. وتشكل الأونروا أكبر مقدم للمساعدات الإنسانية في القطاع، حيث يعتمد جميع السكان فعلياً على مساعداتها، وهي غالباً مساعدات منقذة للحياة وتسهم في المحافظة عليها.

سعت الأمم المتحدة بشكل حثيث إلى معالجة الادعاءات الإسرائيلية؛ إذ أنهى المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني مباشرة عقود المتهمين وفعَّل تحقيقاً إدارياً بإشراف مكتب خدمات الإشراف الداخلي، وهو أعلى سلطة للتحقيقات الداخلية في الأمم المتحدة. في 31 كانون الثاني/يناير، أعلنت الأونروا أن اثنين من المتهمين تأكدت وفاتهما، وواحد لم يتم التعرف عليه بعد وآخر لم يكن موظفاً في الأمم المتحدة. بعد ستة أيام، عيَّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لجنة مستقلة تقودها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا لإجراء مراجعة شاملة للضمانات المؤسساتية في الوكالة – بما في ذلك مراجعة ممارسات إدارة المخاطر – بناءً على الالتزام الذي كان لازاريني قد عبَّر عنه قبيل ظهور الفضيحة.

في هذه الأثناء، أوقف نحو 21 بلداً مانحاً التزامات تمويلها للأونروا أو قالت إنها ستعيد تقييم تعهداتها المستقبلية. وتشمل هذه البلدان أكبر ثلاثة مانحين (استناداً إلى أرقام 2022) – الولايات المتحدة، وألمانيا والاتحاد الأوروبي – إضافة إلى دول مساهمة بارزة أخرى مثل كندا، واليابان، والسويد، وسويسرا والمملكة المتحدة. دول أخرى، بما فيها بلجيكا، وإيرلندا، والنرويج، وقطر، والسعودية وإسبانيا، وتركيا، عبَّرت عن قلقها حيال الادعاءات لكنها قالت إنها ستستمر في تمويل الوكالة. وفي حين شككت بعض وسائل الإعلام التي راجعت وثيقة الاستخبارات الإسرائيلية بمصداقية ادعاءات معينة، فإن بعض المانحين على الأقل لديهم مصادرهم الخاصة للمعلومات التي يمكن أن تصوغ قراراتهم.

إن تفكيك المضامين المالية لقرار كل دولة أمر معقد. رغم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة فوَّضت الأونروا بتوفير المساعدات الإنسانية، والخدمات الصحية والتعليمية لنحو ثلاثة ملايين من أصل 5.9 مليون لاجئ فلسطيني مسجل لدى الوكالة ومنتشرون الآن بين قطاع غزة، والقدس الشرقية، والضفة الغربية، والأردن، ولبنان وسورية، فإن الوكالة لا تعتمد على الميزانية العامة للأمم المتحدة. 

بدلاً من ذلك، يتعين عليها الاعتماد على تمويل متقطع على شكل مساهمات طوعية. فجداول تعهدات ومدفوعات المانحين ليست مرتبطة لا بفترات زمنية موحدة ولا بالسنة المالية للوكالة. وهذا النظام الخليط مسؤول جزئياً عن الأزمات المالية المزمنة للأونروا، كما ذكرت مجموعة الأزمات في أيلول/سبتمبر الماضي.

ما لم يستأنف المانحون تمويلهم بسرعة وعلى نحو كامل، تقول [الأونروا] إن مواردها يمكن أن تنفد مع نهاية شباط/فبراير.

في حين أن الأونروا معتادة على العمل في حالة من انعدام اليقين المالي، فإن تطورات كانون الثاني/يناير تشكل مستوى جديداً من المخاطر. ما لم يستأنف المانحون تمويلهم بسرعة وعلى نحو كامل، تقول الوكالة إن مواردها يمكن أن تنفد مع نهاية شباط/فبراير. ويبحث ممثلو الأونروا عن وسائل لإعادة ترتيب النفقات لتأجيل لحظة العجز إلى نيسان/أبريل. وقد جادل بعض المانحين بهدوء أن تعليقهم للتمويل لن يكون له أثر مباشر كبير. على سبيل المثال، فإن توقف تمويل الأمم المتحدة سيؤثر فقط على مدفوعات وشيكة تقدر بـ 330,000 دولار، في حين أن دفعة المفوضية الأوروبية لا تُستحق حتى نهاية شباط/فبراير. رغم ذلك، فإن تجميد مساهمات أكبر مانحي الوكالة يعرِّض عملياتها لمخاطر جسيمة. ومشروعات الأونروا التي تبلغ قيمتها نحو 440 مليون دولار والتي تتطلب تمويلاً على المدى القصير عرضة للتوقف، ويمكن للعجز المالي أن يزداد إذا لم تسوَّى الأزمة. يعبِّر موظفو الوكالة الإنسانية سراً وعلناً عن رعبهم مما قد تعنيه هذه الأخبار لرفاه ملايين الفلسطينيين الذين يعتمدون على دعم الأونروا.

كيف رد مانحو الأونروا وقادة الأمم المتحدة على ادعاءات إسرائيل؟

رغم أن المانحين توافقوا على مجموعة مشتركة من الرسائل العلنية عندما استجابوا لأحدث أزمة تمر بها الأونروا، فإن أفعالهم تفاوتت على نحو كبير. فجميع مانحي الوكالة وشركائها باستثناء إسرائيل أكدوا على دورها الإنساني المحوري في قطاع غزة. كما ألقوا ثقلهم خلف خطط الأمم المتحدة لإجراء تحقيقات فورية وشاملة في ادعاءات إسرائيل.

لكن جبهتهم الموحدة تداعت عندما وصل الأمر إلى قرارات التمويل. كما أشرنا أعلاه، فإن بعض المانحين علقوا التزاماتهم المالية الوشيكة، في حين أجرى آخرون مراجعات لالتزاماتهم القائمة دون أن يوقفوا رسمياً الدفعات القادمة. آخرون أيضاً أعلنوا أنهم لن يعدِّلوا أياً من التزاماتهم حيال الأونروا، بانتظار نتيجة تحقيق مكتب خدمات الإشراف الداخلي. دولتان مانحتان أخريان هما إسبانيا والبرتغال كان لهما موقف مختلف تماماً، إذ وافقتا على زيادة تمويلهما للوكالة.

بالنسبة لقادة الأمم المتحدة، فإضافة إلى دعمهم لتحقيق مكتب خدمات الإشراف الداخلي، فإنهم بذلوا جهداً كبيراً في التأكيد على توضيح مدى الجدية التي يأخذون بها تلك الادعاءات، رغم أنه بتاريخ نشر هذه المطبوعة، لم يكن لدى إسرائيل خطط لتقديم ملفها أو أدلتها الداعمة للمنظمة. وقال المتحدث باسم الأمين العام: "سيخضع أي موظف ضالع في أعمال إرهابية للمساءلة، بما في ذلك من خلال الملاحقة القانونية الجنائية".

لكن في الوقت نفسه كان الأمين العام ورؤساء وكالات الأمم المتحدة التنموية والإنسانية حاسمين في دعوتهم لمانحي الأونروا للعودة عن مسارهم، بحيث تتمكن الوكالة من الاستمرار في عملها المنقذ للحياة في قطاع غزة وتنفيذ مشاريعها في مناطق عملياتها الأخرى. أكد غوتيريش على هذه الرسائل في اجتماع مغلق مع مانحي وشركاء الأونروا الـ 35 في 30 كانون الثاني/يناير.

ما هو دور الأونروا في قطاع غزة؟

بصفتها أكبر جهة إنسانية فاعلة في قطاع غزة، تُعد الأونروا القناة الرئيسية لنقل المساعدات الدولية القادمة إلى القطاع المحاصر. أُنشئت الوكالة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1949 من أجل "تقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين المسجلين" الذين هربوا أو أجبروا على الخروج من أرضهم قبل، وخلال وبعد حرب استقلال إسرائيل في عام 1948. وقد دأبت على تلبية احتياجات هؤلاء الناس وأبناءهم وأحفادهم منذ ذلك الحين. قبل أن تطلق إسرائيل حملتها العسكرية رداً على هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، كانت الوكالة تقدم خدماتها لـ 1.7 مليون لاجئ فلسطيني مسجل في قطاع غزة. وتعمل على نحو وثيق مع الحكومات العربية المضيفة وإسرائيل لتقديم الخدمات. كما عملت مع حماس، حكومة الأمر الواقع في قطاع غزة، ووضعت ضمانات مؤسساتية لحماية مكانتها بصفتها جهة فاعلة إنسانية خلال عملها في هذا السياق.

ينبغي فهم الأونروا على أنها بديل غير رسمي للدولة في المناطق التي تعمل بها.

ينبغي فهم الأونروا على أنها بديل غير رسمي للدولة في المناطق التي تعمل بها. فهي تقدم التعليم الأساسي والثانوي (على نحو فريد بين وكالات الأمم المتحدة)، إضافة إلى المساعدات الغذائية، والرعاية الصحية وخدمات الإغاثة – وفي بعض الحالات تقوم مقام الدول المضيفة التي لا تقدم الرعاية الصحية الوطنية أو التعليم للاجئين الفلسطينيين. لقد أصبحت الأونروا، ولا سيما في قطاع غزة، جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية. فقبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، كانت عمليات الأونروا في القطاع تشغِّل نحو 40 بالمئة من موظفيها الفلسطينيين وتستهلك ما يقدر بـ 41 بالمئة من ميزانيتها الإجمالية. 

لقد ازداد اعتماد قطاع غزة على الأونروا منذ بداية الحرب. إذ ليس هناك وكالة إنسانية أخرى تابعة للأمم المتحدة أو منظمة غير حكومية دولية تعمل في القطاع يمكن أن توازيها في قدراتها أو اتساع وصولها، ولا سيما الآن بعد أن أجبرت الأعمال القتالية كثيراً منها على تعليق عملياتها رغم أن احتياجات السكان ازدادت أضعافاً مضاعفة. لقد أدت شهور من القتال إلى تهجير 85 بالمئة من سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، وجميعهم يعتمدون إلى درجة ما على المساعدات التي توزعها الأونروا. وقد توقفت خدمات التعليم الأساسي التي تقدمها الوكالة على نحو كامل، وقد دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن ازدياد مخاطر حدوث مجاعة. ورغم المخاطر الكامنة في العمل في منطقة حرب، فإن نحو ربع موظفي الأونروا في قطاع غزة، أي ما يقارب 3,000 شخص، ما زالوا يقومون بعملهم – على الأقل لأنهم يعتمدون على الأمم المتحدة في معيشتهم في اقتصادٍ مدمر. لقد أثنى مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ عليهم بصفتهم "لا غنى عنهم" لكامل استجابة الأمم المتحدة للحرب، بالنظر إلى أنهم لا يقومون فقط بإدارة مراكز إيواء الأونروا ويقدمون المساعدات الغذائية، بل يشكلون أيضاً العمود الفقري للبنية التحية للأمم المتحدة في القطاع في مجالات "التوزيع، والتخزين، والعمليات اللوجستية والموارد البشرية".

كما وفر علَم الأمم المتحدة تقليدياً قدراً من السلامة للنازحين الفلسطينيين، لأن المنشآت التي يُرفع فوقها تتمتع بشكل عام بمكانة الحماية بموجب القانون الدولي الإنساني. وقد سعى أكثر من 1.7 مليون نازح فلسطيني إلى العثور على مأوى إما داخل أو قرب مراكز إيواء الأونروا الـ 154 في جميع أنحاء قطاع غزة. في أفضل الحالات، تعاني منشآت الأونروا من الاكتظاظ، وانعدام النظافة والأمان. وفي أسوئها، لم توفر مأوى على الإطلاق. فبسبب ادعائها بأن حماس تستخدم هذه المنشآت، شنت إسرائيل غارات على عدد منها في الشمال؛ وتعرضت منشآت أخرى للضربات إما من النيران الإسرائيلية مباشرة أو أصيبت بأضرار خلال القتال. وتقدر الوكالة أن أكثر من 376 نازحاً كانوا يلوذون بمنشآت الأونروا قد قتلوا، وأصيب 1,335 آخرين منذ بداية الأعمال القتالية. كما كانت الحرب مميتة لموظفي الأونروا، حيث قُتل 152 موظفاً من موظفي الأمم المتحدة في قطاع غزة على مدى الأشهر الأربعة الأخيرة، أي أكثر مما قتل في جميع أنحاء العالم على مدى الاثني عشر عاماً الماضية).

إذا لم يستأنف المانحون تمويلهم للأونروا، فإن الوكالة، كما أشرنا، قد تُجبَر على تقليص خدماتها في قطاع غزة وفي مناطق عملياتها الأخرى. كما يمكن لتقليص المساعدات بدوره أن يلحق الضرر بوكالات الأمم المتحدة الأخرى التي تعتمد على شبكة الأونروا في توزيع مساعداتها. ومن ثم فإن تقليص المساعدات من شأنه أن يحوِّل سكاناً يائسين أصلاً إلى معاداة عمليات الأمم المتحدة بشكل عام، وبالتالي تعريض سلامة موظفي الأمم المتحدة للخطر، سواء كانوا محليين أو دوليين، مع احتمال أن يدفع ذلك الأمم المتحدة إلى سحب موظفيها الدوليين. ومن شأن هذه الانقطاعات أن تُحدث كارثة في النظام الإنساني المثقل أصلاً في قطاع غزة ويخاطر بتعميق انعدام الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.

هل لمحنة الأونروا مضامين تتجاوز المجال الإنساني؟

نعم. إذ للأونروا أهمية رمزية عظيمة للفلسطينيين. ففي حين أن الوكالة نفسها تؤكد دائماً على توضيح أنها منظمة إنسانية حصراً، وليست منظمة سياسية، يعتقد الفلسطينيون أن وجود الأونروا يشكل تطميناً (إن لم يكن ضمانة) على أن مكانتهم كلاجئين ستظل سارية المفعول وأنهم سيحتفظون بحق العودة إلى وطنهم الضائع إلى أن يتم التوصل إلى تسوية سياسية تحقق حل الدولتين الذي طالما وُعدوا به. ويعدّون أي فكرة لتقليص ميزانية الأونروا وخدماتها أمراً محرَّماً، ويعترضون بقوة على فكرة نقل أي من مسؤوليات الأونروا إلى وكالات الأمم المتحدة الأخرى، بما فيها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، التي أُسست بعد بداية أزمة اللاجئين الفلسطينيين، وهي وكالة غوث اللاجئين الرئيسية في المنظمة. لا يشمل تفويض مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين تقديم التعليم، على سبيل المثال.

المسؤولون الإسرائيليون لهم آراء أكثر تعقيداً حيال الأونروا. إذ يرفض جزء كبير من الطبقة السياسية الإسرائيلية الأونروا تحديداً بسبب قيمتها الرمزية لدى الفلسطينيين.

المسؤولون الإسرائيليون لهم آراء أكثر تعقيداً حيال الأونروا. إذ يرفض جزء كبير من الطبقة السياسية الإسرائيلية الأونروا تحديداً بسبب قيمتها الرمزية لدى الفلسطينيين. ويجادلون بأن أي كيان يمثل احتفاظ الفلسطينيين بحق العودة يشكل تهديداً مباشراً لوجود دولة إسرائيل وشرعيتها. كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعواته القديمة للأمم المتحدة لإغلاق الأونروا في 31 كانون الأول/يناير، وفي 7 شباط/فبراير، ادعى أنه أمر بـ "استبدالها". لكنه يواجه مقاومة من داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي تقر بأن خدمات الوكالة مصدر لا غنى عنه للاستقرار في الأراضي الفلسطينية وكذلك في الدول المجاورة. إذا انهارت الأونروا، فإن المسؤولية عن خدماتها ستقع مباشرة على كاهل إسرائيل بصفتها القوة المحتلة في قطاع غزة والضفة الغربية وعلى حكومات لبنان، والأردن وسورية في ولاياتها القضائية – الأمر الذي يخاطر برد فعل هائل من السكان المحليين.

لا تشكل هذه الادعاءات المرة الأولى التي تربط فيها إسرائيل بين الأونروا وحماس، رغم أنها دون شك أكثرها أهمية. إن انتشار الوكالة في جميع أنحاء قطاع غزة، إضافة إلى انتشار حماس في أوساط السكان المحليين، يجعل من الصعب على الأونروا ضمان أن تكون آليات الوكالة لمنع سوء سلوك الموظفين أو توجيه المساعدات إلى غير مقصدها الأصلي معصومة عن الخطأ. تقدم الأونروا، مرة في السنة، قائمة بجميع موظفيها إلى الحكومات المضيفة، بما فيها إسرائيل، لدراستها؛ وتقول الأونروا إن إسرائيل لم تعلِّق عندما قُدمت لها القائمة. كما تقول الأونروا إنها حققت في ادعاءات سابقة بسوء السلوك، بما في ذلك اتهامات بأن المسلحين يستعملون منشآت الوكالة كغطاء لعملياتها، وتشاطرت نتائج تحقيقها مع إسرائيل عندما كان بوسعها تقديم أدلة على الادعاءات. أما اتهامات إسرائيل الحالية لموظفي الأونروا فتتجاوز كثيراً هذه الادعاءات السابقة، وقد أدان وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس، الوكالة على أنها تعمل ظاهرياً بصفتها "الذراع المدنية لحماس". وقد أعدت الأونروا رداً شاملاً على ادعاءات الحكومة الإسرائيلية في وثيقة أطلعت مجموعة الأزمات عليها.

ما الذي سيحدث تالياً؟

تتوقع الأمم المتحدة أن ينهي مكتب خدمات الإشراف الداخلي تحقيقه الإداري في نحو أربعة أسابيع، وقد كُلِّف تحقيق كولونا بوضع تقرير للأمين العام بحلول نهاية نيسان/أبريل. وحسب النتائج، يمكن أن تواجه الأمم المتحدة تحدي محاولة إجراء إصلاحات مؤسساتية كبيرة لمعالجة نتائج التحقيق بينما تحاول في الوقت نفسه تقديم مساعدات منقذة للحياة في منطقة حرب. وفي حين أن من المهم إجراء تلك الإصلاحات بدقة، من غير المرجح أن تثني مثل تلك الإصلاحات إسرائيل عن عدم ثقتها العميق بالوكالة. يمكن لها فقط أن تعالج جزئياً هواجس المانحين، بالنظر إلى أن عمق جذور حماس في قطاع غزة يمكن أن يجعل من الصعب أو المستحيل على الوكالة عزل نفسها عن الصلات غير المباشرة مع الحركة المسلحة.

كما سيتعين على الأونروا أن توضح طبيعتها وموقفها في البلدان المانحة. وفي حين أن كثيراً من العواصم التي أوقفت تمويلها ما تزال تدعم عمل الوكالة في قطاع غزة، فإن الفضيحة التي أحدثتها ادعاءات إسرائيل حوَّلت الدعم المقدم لها إلى كرة قدم سياسية. على سبيل المثال، ظهر العداء الصريح للوكالة إلى السطح خلال جلسة استماع للجنة فرعية في الكونغرس الأميركي. ويدرس أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي الآن تشريعاً من شأنه أن يحظر على الأونروا الحصول على أي جزء من حزمة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة المتوقع تقديمها من واشنطن والبالغة عدة مليارات من الدولارات. وفي حين حث أعضاء ديمقراطيون في مجلس الشيوخ على اتباع إجراءات مساءلة سريعة لتمكين استئناف دعم الوكالة، فإن الحصول على تمويل إضافي من خلال الكونغرس الأميركي بات صعباً جداً على المدى القريب. وسيصبح التحدي أكثر حدة إذا عاد دونالد ترامب إلى الرئاسة بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر. (إذ إن ترامب قطع الدعم عن الوكالة في عام 2018، مكرراً شكاوى إسرائيل بشأنها.)

لكن رغم أهمية تحديد الأونروا للمجالات التي فشلت فيها أدوات مراقبتها وضماناتها، وتصحيحها لهذه المجالات حسب الحاجة، سيخطئ المانحون كثيراً بتعريض جميع عمليات الأمم المتحدة في قطاع غزة للخطر. تشكل الأونروا شريان الحياة الرئيسي للأغلبية الساحقة من اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة والشرق الأوسط. ومن شبه المؤكد أن يؤدي وقف المساعدات إلى إركاع الأونروا وإحداث كارثة من منظور الأثر الإنساني والاستقرار الإقليمي. إن توقف تقديم الأونروا للمساعدات المنقذة للحياة حتى لفترات قصيرة سيسهم في المزيد من إفقار السكان المدنيين في قطاع غزة، ويخاطر بإثارة المزيد من عدم الاستقرار في فلسطين والمنطقة برمتها.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.