الحاجة لليونيفيل أكبر من أي وقت مضى لحفظ السلام في جنوب لبنان
الحاجة لليونيفيل أكبر من أي وقت مضى لحفظ السلام في جنوب لبنان
Soldiers from the United Nations Interim Forces in Lebanon (UNIFIL) Indian battalion stand along the barbed wire fence marking the border between Lebanon (foreground) and Israel (background). JOSEPH EID / AFP
Commentary / Middle East & North Africa 13 minutes

الحاجة لليونيفيل أكبر من أي وقت مضى لحفظ السلام في جنوب لبنان

مع ارتفاع حدة التوترات على الحدود الإسرائيلية–اللبنانية، يمكن القول إن وجود قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في المنطقة لم يكن مهماً في أي وقت من الأوقات كما هو الآن. مع اقتراب موعد تجديد التفويض للقوة، ينبغي لمجلس الأمن الدولي والدول المشاركة في القوة إعادة التأكيد على دعمها للبعثة بأقوى العبارات.

يناقش مجلس الأمن الدولي التمديد السنوي لتفويض قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، وهي قوة حفظ سلام منتشرة في جنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل. الأطراف الضالعة في الوضع، وهي إسرائيل، ولبنان وحزب الله، وهو الحزب الشيعي/الميليشيا، جميعها تشعر بالإحباط حيال اليونيفيل؛ وعلى ما يُذكر، فقد طالب أحد هذه الأطراف على الأقل بتقليص تفويض البعثة، لكن سيكون من الخطأ أن تفعل الأمم المتحدة ذلك. إذ إن وجود هذه القوة المكوَّنة من نحو عشرة آلاف فرد مُلحٌّ الآن أكثر من أي وقت مضى على مدار الخمس وأربعين سنة من وجودها. فقد ارتفعت حدة التوترات على الحدود، وزاد من شدتها الخطاب التحريضي، في اختبار للهدوء الهش المحافَظ عليه بفضل الردع المتبادل منذ حرب عام 2006. ويمكن لتصعيد كارثي خارج عن نطاق السيطرة أن يكون على بعد صاروخ طائش وحسب. وبتجديد التفويض، ينبغي على مجلس الأمن، إضافة إلى الدول المشاركة بالجنود و/أو تمويل اليونيفيل، أن تؤكد دعمها للقوة بأقوى العبارات الممكنة. ويتعين على إسرائيل وحزب الله، الطرفان الرئيسيان في صراع عام 2006 والمسؤولان عن رفع منسوب القلق الآن، أن يخففا من الاستفزازات والمواقف المتشددة.

لقد كلف مجلس الأمن قوة اليونيفيل، تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، بمساعدة الحكومة اللبنانية على فرض سيطرتها على جنوب لبنان ومنع تجدد الصراع هناك، تطبيقاً للقرار 1701، الذي اتُّخذ في 11 آب/أغسطس 2006 لإنهاء 33 يوماً من القتال بين إسرائيل وحزب الله. وتنتشر الخوذ الزرق في أقصى جنوب البلاد، بين نهر الليطاني وما يسمى الخط الأزرق، الذي رسمته الأمم المتحدة في عام 2000 لتحديد خط انسحاب إسرائيل من جزء من لبنان، وأصبح الحد الفاصل بحكم الأمر الواقع بين إسرائيل ولبنان منذ ذلك الحين. وتراقب القوة الخط الأزرق، الذي تبقى أجزاء منه موضع نزاع، وتضمن وقف الأعمال القتالية الذي أُنجز عام 2006.

بعد حرب عام 2006، نشرت الحكومة اللبنانية الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني، في تحرك كان يفترض أن يفرض سلطتها؛ إلا أن سلطتها في هذه المنطقة تبقى هشة كما كانت قبل سبعة عشر عاماً. وقد قلص انهيار لبنان الاقتصادي قدرة الدولة وقواتها الأمنية إلى درجة أكبر. ومع تكرار الحوادث بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله – الذي يُشار إليه بـ "المقاومة" من قبل أنصاره – فإن قواعد الاشتباك الضمنية القائمة منذ عام 2006 باتت عرضة لدرجة أكبر من التوتر.

ارتفاع حدة التوترات على الحدود

في حين لا يبدو أن أياً من الطرفين له مصلحة في التصعيد، فإن الجيش الإسرائيلي وحزب الله منخرطان في تبادلات خطيرة أصبحت أكثر تواتراً وعددأ بشكل كبير. ففي منتصف عام 2022، تحركت إسرائيل لتوسيع  تنقيبها عن الغاز في مياه في البحر المتوسط كان لبنان أيضاً يدَّعي حقه فيها حينذاك. رد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بإرسال طائرات مسيَّرة نحو سفينة الاستكشاف وهدد بمهاجمة منصات الغاز الإسرائيلية. جرت تسوية النزاع المباشر في تشرين الأول/أكتوبر من خلال ترسيم الحدود البحرية بوساطة أميركية، الأمر الذي يبدو أنه خفف الاحتكاكات على هذه الجبهة في الوقت الحاضر.

إلا أن التوترات استمرت في التصاعد طوال العام الماضي. فمنذ نيسان/أبريل 2022، عندما استأنفت إسرائيل بناء جدار على طول الخط الأزرق، بما في ذلك المناطق المتنازع عليها، تناوشت فرق البناء التابعة للجيش الإسرائيلي مع الموالين لحزب الله، والجنود اللبنانيين وسكان القرى الجنوبية بسبب ما يُزعم أنه تعدٍ على الأراضي اللبنانية. فقد تسلّق أشخاص يبدو أنهم من أنصار حزب الله أجزاء من الجدار ودمروا معدات المراقبة أو رموا زجاجات المولوتوف. في هذه الأثناء تشير عمليات الاستطلاع الجوية لليونيفيل إلى أن حزب الله يستعمل حقول رمي غير مرخص بها جنوب نهر الليطاني. في أيار/مايو، تسللت قوات كوماندوس تابعة لحزب الله إلى مزارع شبعا – التي تقول إسرائيل إنها جزء من مرتفعات الجولان، وهي أراضٍ ضمتها إسرائيل من سورية عام 1981، بينما يقول لبنان إنها أراضٍ لبنانية محتلة – ونصبت خيمتين، تحتوي على ما يبدو على معدات اتصالات. ما تزال إحدى الخيمتين هناك، رغم طلبات إسرائيلية متكررة بإزالة الخيمتين.

وتدَّعي إسرائيل أيضاً أن حزب الله عزز وجوده بشكل كبير قرب الخط الأزرق، وفي 27 تموز/يوليو قدمت شكوى إلى مجلس الأمن تدَّعي فيها أن البنى التي شيدتها المنظمة اللبنانية "أخضر بلا حدود"، المسجلة كمنظمة غير حكومية بموجب القانون اللبناني وتقول إن مهمتها حماية البيئة، يستعملها حزب الله لأغراض عسكرية. في 16 آب/أغسطس، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنها كانت قد صنفت منظمة "أخضر بلا حدود" تحت الأمر التنفيذي 13224، قائلة إن المجموعة توفر الدعم والغطاء لحزب الله، الذي تعدّه وزارة الخارجية تنظيماً إرهابياً أجنبياً.

هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بـ "إعادة لبنان إلى العصر الحجري" في حال حدوث صراع آخر مع حزب الله.

في هذه الأثناء، تستمر الانتهاكات الإسرائيلية للمجال الجوي اللبناني، غالباً من قبل طائرات المراقبة المسيرة، على نحو يومي تقريباً، وثمة علامات أخرى على التصعيد. ففي مطلع تموز/يوليو، وخلال عمل إسرائيل على سياج حدودي حول الجزء الشمالي من قرية الغجر، وهي أرض لبنانية ظلت إسرائيل تحتلها بعد حرب عام 2006، بدأ سياسيون لبنانيون الادعاء بأن إسرائيل كانت قد "ضمت" المنطقة. (يقسم الخط الأزرق قرية الغجر إلى نصفين، ويضع نصفها الجنوبي في إسرائيل). يبدو أن تبادلاً قصيراً لإطلاق النار في 6 تموز/يوليو بدأ على الجانب اللبناني فيما يبدو رداً على نشاط إسرائيل في البلدة. في 8 آب/أغسطس، هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بـ "إعادة لبنان إلى العصر الحجري" في حال حدوث صراع آخر مع حزب الله، ما دفع إلى ردٍ مشابه من قبل نصر الله بعد أسبوع. كما أجرى الجانبان مناورات عسكرية حظيت بتغطية إعلامية كبيرة في الشهور الأخيرة في إشارة إلى استعدادهما للمعركة.

وثمة خطر أكبر يكمن في هجمات من الأراضي اللبنانية لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها، حدثت اثنتان منها في النصف الأول من عام 2023. ففي 15 آذار/مارس، ذُكِر أن متسللاً تسلق السياج على الجانب اللبناني مستعملاً سلَّماً وتوغل مسافة 70 كم داخل إسرائيل إلى مفترق مجيدو، حيث فجَّر عبوة ناسفة متطورة. تعتقد إسرائيل أن حزب الله أرسل المهاجم؛ في حين امتنع حزب الله عن التعليق. وفي 6 نيسان/أبريل، عندما كان كثير من الإسرائيليين يحتفلون بعيد الفصح اليهودي، أُطلق أكثر من 30 صاروخاً من جنوب لبنان نحو مناطق مأهولة في شمال إسرائيل. لحسن الحظ فإن الإصابات والأضرار التي تسببت فيها هذه الهجمات كانت ثانوية. ويبدو أن إسرائيل لم ترد على الهجوم الأول. أما بالنسبة للهجوم الثاني، فإنها استنتجت أن حماس، وليس حزب الله مسؤولة عنه، واقتصر ردها الرمزي غالباً على أهداف فلسطينية (ادعت أنها مواقع لحماس) في لبنان وقطاع غزة. لكن إذا استمرت مثل هذه الهجمات، فإن المسألة ستكون مسألة وقت وحسب قبل أن يتسبب صاروخ أو عبوة ناسفة بمقتل أشخاص. في حال وقوع حادث يتسبب بسقوط عدد كبير من الضحايا، فإن رد إسرائيل سيكون هائلاً؛ وبالنظر إلى وجود أدلة كثيرة على حدوث تنسيق بين حماس وحزب الله، فلن يكون مهماً من نفذ الهجوم فعلياً.

رغم تنامي التوترات، على الأقل حتى وقت قريب، يبدو أن أياً من الطرفين لا يسعى إلى الشروع في حرب. فقد بذل كلا الطرفان كل ما في وسعهما لتجنب حدوث مواجهة على مدى الأعوام السبعة عشر الماضية، وبذلا جهوداً واضحة لخفض التصعيد كلما وقعت حوادث. إذ يُذكر أن إسرائيل بذلت جهوداً لتجنب قتل أفراد حزب الله خلال ضرباتها المتكررة على الأصول الإيرانية في سورية على مدى السنوات القليلة الماضية، إلى حد الاتصال بهم على هواتفهم المحمولة لتحذيرهم من الضربات. ويُزعم أنها سمحت لمتسللي حزب الله إلى مزارع شبعاً بالهرب بينما كان بوسعها اعتقالهم أو قتلهم؛ ومثَّلت وقوع ضحايا بين قواتها لإقناع المهاجمين بأنهم نجحوا في مهمتهم؛ وتجاهلت المراقبين الإسرائيليين والدوليين الذين يدَّعون أن المجموعات الفلسطينية التي تطلق الصواريخ من لبنان مجموعات وكيلة لحزب الله؛ وطبقاً لمعلومات مجموعة الأزمات، فإنها قصرت ردها على قصف مواقع حزب الله نفسها مراراً وتكراراً، بحيث يكون من غير المرجح تعرض أي عضو في الحزب للأذى.

حزب الله من جهته، قلل أحياناً من أهمية الضربات الإسرائيلية كي لا يكون ملزماً بالرد عليها. وقد قصر هجماته وردِّه غالباً على منطقة مزارع شبعا غير المأهولة، رغم التهديد بعكس ذلك، أو لجأ إلى التصعيد الخطابي بدلاً من الرد الفعلي.

طبقاً لظاهر الأمور جميعها، فإن كلا الطرفين يدركان أن حرباً شاملة من شأنها فقط أن تُحدث دماراً أكبر بكثير مما حدث في عام 2006، ولا يرى أي من الطرفين فائدة من حرب بتلك التكلفة. كما أن ثمة توترات إقليمية متزايدة ما لم تُدَر على نحو جيد فإن من شأنها أن تُخاضَ على طول الخط الأزرق، مثل التوترات بشأن البرنامج النووي الإيراني أو العنف في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل. تشكل هذه التوترات سبباً آخر للمحافظة على هدوء الحدود. ويبدو أن كلا الطرفين يعتمدان على المنطق القائل إن الردع، وليس خفض التصعيد، هو الطريقة الأكثر فعالية لحفظ السلام، وأن أفضل ردٍ على ارتفاع حدة التوترات هو تهديد الطرف الآخر بالدمار. لكن مع ارتفاع نبرة الخطاب على الجانبين، فإن خطر وصول التبادلات، التي تتزايد عدداً وكثافة، إلى تصعيد تصعب السيطرة عليه يزداد بروزاً.

دور اليونيفيل الحاسم

إن احتمال حدوث تصعيد مزعزع للاستقرار يجعل دور اليونيفيل أكثر أهمية من أي وقت مضى. إذ تراقب القوة حدوث انتهاكات على الخط الأزرق، وتسيِّر دوريات على الجانب اللبناني من الحدود بحكم الأمر الواقع لإبقائه خالياً من المجموعات المسلحة، وتستضيف المنصة الوحيدة التي تجمع إسرائيليين ولبنانيين في الغرفة نفسها (ما يسمى بالآلية الثلاثية) لمناقشة الانتهاكات المزعومة لوقف إطلاق النار والحدود. وتقوم بالوساطة كلما حدثت مواجهات في منطقة الحدود نفسها؛ كما تنقل الرسائل للمساعدة في إنهاء القتال عندما يتبادل الطرفان نيران الصواريخ أو القذائف. الأمر الذي قد يكون أكثر أهمية هو أن اليونيفيل تتكون من أكثر من 3000 جندي من دول أوروبية، إضافة إلى وحدات كبيرة من الهند والصين، الأمر الذي يساعد في حال حدوث أزمة حقيقية في أن تسارع الدول ذات النفوذ على الساحة الدولية لاحتوائها.

يعامل حزب الله وإسرائيل اليونيفيل في كثير من الأحيان على أنها خصم.

إلا أن حزب الله وإسرائيل يعاملان اليونيفيل في كثير من الأحيان على أنها خصم. إذ يتهم أنصار حزب الله قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بصورة منتظمة بـ "التجسس على المقاومة" لصالح إسرائيل. وقد حاول حزب الله فرض شرط أن يكون تحرك طواقم اليونيفيل فقط بالتنسيق الوثيق مع الجيش اللبناني، ومثالياً أن يكون برفقته، من أجل منع أفراد قوة حفظ السلام من رؤية ما لا يريد لهم أن يروه. وتشير التبادلات المتكررة بين اليونيفيل والسكان اللبنانيين المحليين، التي يثيرها السكان في كثير من الأحيان، إلى أن الخطاب المعادي الذي يستعمله الحزب يجعل السكان ينظرون إلى الخوذ الزرق على أنهم معتدين وليسوا حماة. كما يمنع السكان المحليون في كثير من الأحيان عناصر اليونيفيل من الوصول إلى مناطق واستعمال طرق يقولون إنها ممتلكات خاصة ومن ثم لا ينبغي أن تدخلها الدوريات. وتذكر البعثة أن طلباتها للجيش اللبناني بتفتيش مثل تلك المواقع لا يُرَد عليها في كثير من الأحيان.

في عام 2022، عندما جدد مجلس الأمن تفويض اليونيفيل، وأعاد التأكيد على حرية حركة البعثة وتفويضها بالعمل على نحو مستقل، أدان حزب الله ما ادعى أنه انتهاك لسيادة لبنان. وفي المناخ المشحون الذي ساد بعد ذلك، أطلق أحد أنصار حزب الله المزعومين النار على جندي إيرلندي في قوة حفظ السلام فقتله في 14 كانون الأول/ديسمبر. ويُذكر أنه خلال الاستعدادات للتجديد الوشيك للتفويض، أشارت الحكومة اللبنانية إلى أنها ستطلب من المجلس تعديل الصياغة التي استعملت في عام 2022 أو حتى أن تشترط أن يصطحب الجيش اللبناني دائماً دوريات اليونيفيل.

إسرائيل من جهتها تصف اليونيفيل بشكل روتيني بأنها في أحسن الأحوال غير قادرة على ردع حزب الله وفي أسوئها متواطئة مع أفعاله. كما يصف بعض المراقبين الإسرائيليين قوات حفظ السلام بأنها عقبة أمام رغبة إسرائيل باستعمال ما تتصور أنها ميزتها العسكرية في حال حدوث الحرب. يقول أحدث تقارير اليونيفيل، الصادر في 13 تموز/يوليو، إن القوات الإسرائيلية تتصرف أحياناً على نحو عدواني اتجاهها، بما في ذلك استعمال جهاز استهداف إلكتروني مرة واحدة ضد سفينة تابعة للأمم المتحدة في وقت كانت طائرات مقاتلة إسرائيلية تحلّق في الجوار.

فرصة لخفض التصعيد

مهما كانت تحفظات لبنان أو إسرائيل حيال اليونيفيل، فإن رفض مجلس الأمن تمديد تفويضها الكامل أو تقييد يديها من شأنه فقط زيادة المخاطرة بحدوث تصعيد مزعزع للاستقرار على طول الخط الأزرق على نحو له أثر مهلك على المنطقة والمدنيين الأبرياء على طرفي الحدود. ولذلك فإنه من الجوهري تمديد التفويض بصورة حاسمة.

لكن يجب على الطرفين التحلّي بدرجة أكبر من المسؤولية. إذ يتعين عليهما استعمال تمديد تفويض اليونيفيل كمناسبة لمراجعة الإستراتيجية الكامنة خلف الأفعال التي جرت مؤخراً على طول الحدود، والإقرار بأن الهجمات المتبادلة تنطوي على خطر جسيم يتمثل في إحداث تصعيد غير قابل للسيطرة، والشروع في اتخاذ الخطوات اللازمة لخفض حرارة الوضع.

ينبغي على الجيش الإسرائيلي ... أن يعاير رده على [العمليات على طول الحدود] بحيث لا تتصاعد.

ومن ثم فإن قدراً من ضبط النفس سيكون مطلوباً. من حق إسرائيل حماية حدودها، لكن ينبغي أن تبذل كل جهد ممكن، ومن خلال التنسيق الوثيق مع اليونيفيل، لعدم إثارة الحساسيات اللبنانية وخلق فرص دعائية لحزب الله من خلال تجاوز الخط الأزرق، حتى عند استفزازها. إذ يبدو أن الهجمات على المنشآت الحدودية من قبل ناشطي حزب الله مجرد إزعاج لا يرقى إلى خطر حقيقي. ولذلك ينبغي على الجيش الإسرائيلي معايرة رده على مثل تلك الحوادث بحيث لا تتصاعد. ويعد رد الفعل المحسوب على أحدث تسلل لحزب الله إلى منطقة مزارع شبعا، والذي وصفه وزير الدفاع غالانت بأنه لا يشكل تهديداً إستراتيجياً، مثالاً جيداً. وعلى نحو مماثل، تنبغي الموازنة بين قيمة عمليات جمع المعلومات العسكرية والاستخبارية من خلال التوغلات الجوية الإسرائيلية مع احتمال تسبب مثل هذه الأفعال بزيادة حدة التوترات أكثر وأيضاً إحداث ضرر سياسي. ستتقوض مصداقية الشكاوى الإسرائيلية بشأن انتهاكات حزب الله المزعومة للقرار 1701 بإعادة فرض وجود عسكري قرب الحدود طالما ظل الجيش الإسرائيلي ينتهك دعوة القرار إلى استعادة سيادة لبنان وتجاهل انتقادات اليونيفيل بهذا الصدد.

كما ينبغي على إسرائيل إعادة النظر بموقفها بشأن شمال الغجر. إذ إن للبنان حق قانوني بهذه الأرض، وهو حق راسخ بحيث أن إسرائيل تعهدت أكثر من مرة، منذ عام 2006، بالانسحاب منها. لكنها لم تفِ أبداً بهذا التعهد. لقد قدمت اليونيفيل مقترحات متكررة لمعالجة الهواجس التي تطرحها إسرائيل، ولا سيما أن سكان شمال الغجر يرفضون الانفصال عن الجزء الجنوبي من القرية. إن التمسك بهذه القطع الصغيرة من الأرض يجعل إسرائيل في حالة انتهاك صارخ للقرار 1701، بالنظر إلى انسحابها من لبنان يبقى غير مكتمل وتظل موجودة شمال الخط الأزرق. كما أنه يسمح لحزب الله بحشد الدعم وتعزيز ادعاءاته بأن أسلحته، وليس قدرات الدولة اللبنانية، تشكل أفضل دفاع عن سيادة لبنان. على العكس من ذلك، فإن العمل للتوصل إلى حل تفاوضي لهذه القضية الشائكة بمساعدة اليونيفيل الآن يمكن أن يبني على اتفاق ترسيم الحدود البحرية لعام 2022 لترسيخ مبدأ أن الدبلوماسية، وليس المزاودات المتشددة، هي ما يحقق النتائج.

على نحو مماثل، من المرجح أن يواجه حزب الله رد فعل سياسي في لبنان إذا تسببت استفزازات أنصاره على طول الخط الأزرق في تصعيد يخرج عن نطاق السيطرة، حتى لو كان السبب المباشر قضية يتفق عليها اللبنانيون مثل قضية الغجر. كما يمكن للصراع المسلح أن ينفِّر الشركات التي بدأت بالتنقيب عن الغاز في المتوسط في منتصف آب/أغسطس، وهو مشروع وصفه حزب الله نفسه بأنه الطريقة الوحيدة ذات المصداقية لخروج لبنان من أزمته الاقتصادية الخانقة. قد يعتقد حزب الله أن استعراضاته العسكرية تضيف إلى قدراته الردعية، إلّا أن إسرائيل تدرك قدرات الحزب جيداً، وليس ثمة ما يشير إلى أن استعراضات القوة تحقق أي شيء غير تعزيز الرواية الإسرائيلية بأن أمنها في خطر دائم.

إن دور اليونيفيل في إدارة خطر الصراع الناجم عن استفزازات حزب الله دور حاسم في منع خروج الأشياء عن نطاق السيطرة.

كما ينبغي على حزب الله أن يقدر أن الضرر الذي تحدثه الهجمات اللفظية على اليونيفيل تتجاوز أي ميزة يمكن أن يراها في تقييد حرية حركة قوات حفظ السلام. ويمكن أن يكون لإثارة الاستياء المحلي من القوات تبعات قاتلة، كما يبين مثال مقتل الجندي الإيرلندي في قوة حفظ السلام. إذا أدى المزيد من العنف إلى قيام الدول المشاركة بسحب جنودها وتقليص حجم القوة، فإن قدرة اليونيفيل على تهدئة المياه ستتقلص عندها وقد يصبح جنوب لبنان، حيث يعيش جزء كبير من جمهور حزب الله أو أقاربهم، مكاناً أكثر خطورة. يمكن القول إن دور اليونيفيل في إدارة خطر الصراع الناجم عن استفزازات حزب الله دور حاسم في منع خروج الأشياء عن نطاق السيطرة. وللسبب نفسه، ينبغي على الجيش اللبناني تحسين تعاونه مع اليونيفيل.

أخيراً، ينبغي على حزب الله مراجعة حساباته بأن إسرائيل غير مستعدة – أو، طبقاً لتصورات الحزب، غير قادرة – على شن حرب جديدة في لبنان. إن تقييماً أكثر واقعية يظهر أن وقوع أحداث محددة، ولا سيما وقوع عدد كبير من الضحايا الإسرائيليين، قد يجبر القادة الإسرائيليين على شن حملة كتلك التي شُنت عام 2006 أو أكبر، وقد يُغيِّر تحليلهم للكلفة مقابل الفائدة بطرق قد لا يقدّرها حزب الله على نحو كامل. وينطبق الأمر ذاته على الهجمات التي لا يشارك فيها حزب الله بصورة مباشرة أو ظاهرة. يجادل حزب الله بأنه غير مسؤول عن أفعال أطراف أخرى قد توجه ضربات عبر الحدود في إسرائيل. لكن إذا تسبب صاروخ أطلق من الجنوب في مقتل إسرائيليين، فإن احتمال التصعيد سيكون جسيماً سواء عُثر على بصمات حزب الله على الهجوم أم لا. ثمة رأي يتشاطره كثيرون على نطاق واسع في المنطقة بأن المزيج المكون من وجود حزب الله نفسه على الأرض وعلاقاته الممتازة مع حماس والمجموعات الفلسطينية الأخرى الموجودة في لبنان، إضافة إلى الجيش اللبناني وجهاز مخابراته الكفؤ، يمكن أن يوفر معلومات كافية بشأن نوايا جهات مارقة محتملة لتجنب مثل هذه السيناريوهات.

الخلاصة

بعد خمسة وأربعين عاماً على تأسيس اليونيفيل، فإن القوة قد تكون أكثر أهمية من أي وقت مضى. والبعثة بحاجة إلى دعم دولي قوي، سواء من مجلس الأمن أو من الدول التي تسهم بأفرادها وتمويلها. وفي الوقت نفسه، فإنه ثمة حدوداً لما يُتوقَّع أن تكون قوة حفظ سلام قادرة على فعله واقعياً. ولا ينبغي على إسرائيل وحزب الله أن يقدِّما الدعم الكامل لليونيفيل وأن يتعاونا معها وحسب، بل أن يوقفا أيضاً الأنشطة التي من المحتمل أن تستفز الطرف الآخر. في حال إخفاقهما في فعل ذلك، فإن الافتراضات السائدة منذ وقت طويل بأن أياً من الطرفين لا يريد الحرب قد تبدأ بإفراز واقع جديد أكثر قتامة، يصبح فيه احتمال حدوث صراع احتمال واقعي على نحو متزايد.   

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.