نهايات غير محسومة: قوات الأمن العراقية بين تخفيض عدد القوات الأميركية وانسحابها
نهايات غير محسومة: قوات الأمن العراقية بين تخفيض عدد القوات الأميركية وانسحابها
Table of Contents
  1. ملخص تنفيذي
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
After Iraq: How the U.S. Failed to Fully Learn the Lessons of a Disastrous Intervention
Report / Middle East & North Africa 5 minutes

نهايات غير محسومة: قوات الأمن العراقية بين تخفيض عدد القوات الأميركية وانسحابها

  • Share
  • حفظ
  • الطباعة
  • Download PDF Full Report

ملخص تنفيذي

هناك الكثير من الرهانات على المفاوضات التي لا تنتهي حول تشكيل الحكومة الجديدة، لكن ليس هناك أهم من مستقبل قوات الأمن في البلاد.  وخلال السنوات السبع التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، أصبحت قوات الأمن العراقية أكثر فعالية واحترافية وتبدو قادرة على ترويض ما تبقى من الجماعات المسلحة.  غير أن ما تمتلكه هذه القوات من حيث القدرات تفتقر إليه من حيث الانسجام والتماسك.  وكأحد أعراض الوضع المفتت للدولة العراقية والانقسامات العرقية والطائفية فيها، فإن الجيش، والشرطة، وقوات الأمن الأخرى لا زالت متشظية بشكل واضح، وولاءاتها غير مؤكدة؛ ومن غير الواضح أنها ستكون قادرة على البقاء في ظل صراع أكثر طولاً و شدّة على السلطة في قمة الهرم السياسي.  وقد اتخذ رئيس الوزراء نوري المالكي خطوات مثيرة للقلق لفرض سيطرته على الأجهزة الأمنية، خصوصاً من خلال تأسيس أجهزة جديدة يمثّل هو نفسه مرجعيتها الوحيدة.  وتتمثل إحدى المهام الأساسية التي تواجه القادة السياسيين في البلاد في التوصل إلى اتفاق حول إيجاد جهاز أمني غير سياسي وخاضع للمساءلة والضوابط الرقابية الفعالة.  وسيمثل تنفيذ هذا القرار أولوية بالنسبة للحكومة والبرلمان الجديدين.  كما أن إحدى المسؤوليات الجوهرية التي تواجه المجتمع الدولي تتمثل في استعمال جميع الأدوات المتوافرة لها في التشجيع على حدوث ذلك.

إن قوات الأمن العراقية هي نتاج سبع سنوات من الجهود التي قادتها الولايات المتحدة، والتي بدأت بعد أن قامت باقتلاع وتفكيك بقايا النظام السابق.  وقد ترتب على هذا النهج في البداية من الصفر ثمن باهظ.  فقد أحدثت فراغاً أمنياً خطيراً، وأنتجت عدداً كبيراً من الجنود السابقين العاطلين عن العمل من ذوي المعنويات المنهارة، وغذّت الجماعات المسلحة.  ما ترتب على ذلك من محاولة غير منظّمة لبناء القوات من خلال عمليات التعيين والتجنيد السريعة، ودون بذل الاهتمام الكافي بخلفية ومؤهلات العناصر الجدد، تسبب أيضاً بقدر لا بأس به من المشاكل.  كما أن الانقسام والتشظي العرقي والطائفي المتزايد في المشهد السياسي الذي ساد بعد عام 2003 انعكس أيضاً في عمليات التعيين والترفيع.  مع مواجهتها للجماعات المسلحة التي كانت تزداد قوة، شعرت الولايات المتحدة أن لا خيار أمامها سوى التركيز على السرعة قبل أي شيء آخر؛ والنتيجة هي أن واحد من كل سبعة عراقيين بالغين يحملون السلاح اليوم.  وهكذا، وحتى مع تنامي عدد وعتاد أجهزة الجيش، والشرطة وغيرها من الأجهزة الأمنية، فإنها تظل جميعاً رازحة تحت وطأة هذا الإرث الناجم عن التسرع.

بالنظر إلى هذه الخلفية، فمن المفاجئ وجود بعض المؤشرات الإيجابية.  فالعنف، ورغم أن وتيرته لا زالت أعلى بكثير مما يمكن التساهل إزاءه، وصل إلى حدود مستقرة خلال العامين الماضيين.  وقد لعبت قوات الأمن العراقية دوراً قيادياً في العديد من العمليات الهامة.  وقد صمدت مؤخراً أمام ثلاثة اختبارات هامة تمثلت في رحيل ما يقارب مئة ألف جندي أميركي منذ كانون الثاني/يناير 2009؛ والانتخابات البرلمانية التي أجريت في آذار/مارس 2010؛ وانعدام اليقين السياسي الناجم عن المأزق المؤسساتي خلال الأشهر الماضية.  إذا ظلت الجماعات المسلحة على ضعفها الحالي، ولم تعثر على فرص جديدة لاستغلال الانقسامات السياسية، فإن قوات الأمن التي تعمل حالياً بمستويات أقل من كفاءتها القصوى لا ينبغي أن تواجه صعوبة كبرى في مواجهة هذه الجماعات.  على الجبهة الإقليمية، وفي حين أن جيران العراق ضالعون في السياسية العراقية، فإن أحداً منهم لم يظهر أي سلوك عدواني يمكن أن يوحي بخطر عسكري جدي في المستقبل المنظور.

إذا كان المقياس هو الحِرفية والقدرات اللوجستية، وإذا كان التقييم يعتمد على التهديدات المحتملة فإن قوات الأمن العراقية تبقى عملاً غير منجز، لكنها باتت في مستوى مقبول نسبياً.  غير أن القوة تبقى معياراً واحداً يستعمل لقياس استدامتها وليس بالضرورة المقياس الأكثر أهمية.  وقد تم بناء الجهاز الأمني بشكل أساسي رداً على حالة طارئة لم تعد موجودة (ظهور واتساع الخطر المميت للجماعات المسلحة)، وانسجاماً مع نمط كان سائداً لكنه بات إشكالياً (رسم خط واضح نسبياً بين النظام السياسي من جهة وأولئك الذين يعارضونه من جهة أخرى)؛ وتم بناؤه من قبل جهة هي في طريقها للانسحاب من العراق، عسكرياً على الأقل (الولايات المتحدة).  اليوم، لا ينبع التهديد الرئيسي للنظام السياسي من الجماعات المسلحة المنظّمة التي ترغب بقلب هذا النظام وإخراج المحتلين. و إنما ينبع من الداخل، من الطبيعة المتشظية للمجتمع والطبقة السياسية التي تشجع من جهتها تشظي قوى الأمن وتسييسها.

تعكس بنية قوات الأمن العراقية المناهج التي اتبعت في إنشائها وطبيعة الدولة العراقية بشكل عام؛ فقد جرى إدماج عناصر من النظام السابق، وأفراد الميليشيات، وأعضاء سابقين في الجماعات المسلحة والقوات الكردية على نحو غير متسق في المؤسسات الأمنية التي أصبحت فريسة للقوى العرقية، والطائفية، والسياسية المتنافسة.  وكانت الحصيلة قوى متوازية، وأحياناً متقاطعة لا تنسق مهامها في كثير من الأحيان ولا تتبادل المعلومات الاستخبارية، ولا زالت تفتقر إلى رؤية موحدة والإحساس بأن لها رسالة واحدة.  على سبيل المثال، من شأن أي انهيار سياسي حاد  خلال العملية الجارية حالياً لتشكيل الحكومة أو حول الانتخابات في المستقبل – أن يتردد صداه في جميع مفاصل مؤسسات الدولة، بما فيها قوات الأمن.  وهنا سيكون المعيار الثاني، المتمثل في الانسجام والتماسك، هو الأهم، عندما يطرح السؤال حول من سيكون مسؤولاً عن الوحدات المختلفة وقادتها: الدولة بوصفها الحكم الحيادي الذي يفصل في النزاعات، أو قادة سياسيون معينون يسيطرون على فصائل سياسية أو مجموعات عرقية أو طائفية.

 لقد شجعت الولايات المتحدة هذا النمط – وذلك بالتركيز المفرط على تشكيل وحدات أمنية كبيرة دون مرعاة كافية لانسجامها وتماسكها، وتمكنت من احتوائها بفضل وجودها المكثف في سائر مفاصل الجهاز الأمني والنظام السياسي.  مع تقليص عدد القوات الأميركية وانسحابها الكامل الوشيك بحلول نهاية عام 2011، وما سينتج عنه من ضعف دور الولايات المتحدة، فإن مخاطر بلقنة قوات الأمن ستزداد على الأرجح.  في هذا السياق، فإن عدم القدرة على تشكيل حكومة في أعقاب الانتخابات التشريعية في 7 آذار/مارس، من شأنه، إذا استمر، أن يكون له تداعيات خطيرة على جهاز أمني لا زال هشاً من حيث البنية، والتركيب والقدرات.

وثمة ظاهرة أخرى تزيد من تعقيد الوضع.  فمنذ عام 2008، سعى المالكي لفرض المزيد من سيطرته الشخصية على قوات الأمن.  وكانت حجته الرئيسية تتعلق بالسلامة ولم تكن في البداية دون أساس.  كان العراق بالكاد خرج من حرب طائفية؛ ولم يكن البرلمان قادراً على إصدار القوانين الناظمة لأجهزة الأمن أو الموافقة على الترشيحات للمناصب الرئيسية.  غير أن العلاج الذي قدّمه المالكي كان خطراً بنفس المقدار؛ فبدون الرقابة البرلمانية أو الأساس القانوني، كانت المؤسسات التي أنشأها مسؤولة أمامه فقط.  حتى بعض العراقيين الذين قبلوا بهذا على أساس أنه فرضته الظروف يجادلون بأن ذلك فقد أي مبرر الآن.  رغم أنه عُرف عن القوات النظامية أيضاً انخراطها في ممارسات غير قانونية، يسود اعتقاد بأن هذه الأجهزة الأمنية الجديدة تقوم بعمليات غير قانونية، وغير منسقة مع وزارة الدفاع أو وزارة الداخلية، ولا تخضع لرقابة البرلمان ولا تنظم عملها هيئات رقابية.  تواجَه النزعات السلطوية للمالكي بالانتقاد على نطاق واسع – وهو أحد الأسباب التي تدفع بعض خصومه إلى مقاومة منحه فترة جديدة كرئيس للوزراء و البعض الآخر إلى القبول به شريطة أن يتم تقليص صلاحياته بشكل كبير.

لقد عززت قوات الأمن العراقية من سلامة مواطنيها، غير أن هذه المشاكل تطرح تهديدات طويلة الأمد ينبغي تصحيحها بشكل عاجل.  تواجه الهيئة التشريعية الجديدة التحدي الهام المتمثل في وضع إطار شفاف يحدد بوضوح دور وصلاحيات المؤسسات الأمنية المختلفة ويفرض المساءلة والرقابة، وفي نفس الوقت يضمن حصانتها ضد التدخلات السياسية غير المبررة.  الأجهزة التي تفتقر إلى الأساس القانوني ينبغي إما تفكيكها أو وضع الضوابط المناسبة لها وإخضاعها للمراقبة.  ولن تكون تلك بالمهمة السهلة، بالنظر إلى أن البرلمان لم يجتمع منذ أشهر، وأنه هو نفسه منقسم بعمق وأنه سيواجه قائمة طويلة من الأولويات المتنافسة.  لكن المهمة ستكون أكثر أهمية مع انتهاء الوجود الأميركي.  لا زال بوسع البلدين الاتفاق على إطالة أمد هذا الوجود بشكل ما – وهو قرار على الحكومة الجديدة أن تناقشه قريباً لكنه لن يقلل من الحاجة إلى بناء مؤسسات أمنية عراقية غير طائفية أكثر انسجاماً وتماسكاً وأكثر خضوعاً للمساءلة.

بغداد/واشنطن/بروكسل، 26 تشرين الأول/أكتوبر 2010

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.