President of the European Commission Ursula von der Leyen is welcomed by Palestinian Prime Minister Mohammad Shtayyeh in Ramallah, in the Israeli-occupied West Bank June 14, 2022. Mohamad Torokman / REUTERS
Report / Middle East & North Africa 20+ minutes

إعادة مواءمة السياسة الأوروبية حيال فلسطين مع الوقائع على الأرض

لقد أبرزت الأحداث التي وقعت في عام 2021 - ولا سيما حرب غزة - بجلاء مدى حاجة السياسة الأوروبية حيال الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني إلى التحديث. لقد بات يتعين على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء استخدام الأدوات التي يمتلكونها للدفع نحو تحقيق هدفهم المعلن المتمثل في التوصل إلى تسوية سلمية.

  • Share
  • حفظ
  • الطباعة
  • Download PDF Full Report

ما الجديد؟ يقول الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إنهم ما يزالون ملتزمين بهدفهم المتمثل في إقامة دولتين في إسرائيل – فلسطين، على أساس أن كلفة تغيير هذا النهج ستكون مرتفعة أكثر مما ينبغي في ضوء أولويات السياسة الخارجية الأكثر إلحاحاً. إلا أن قيام إسرائيل بضم الأراضي المحتلة بحكم الأمر الواقع يستمر دون هوادة.

ما أهمية ذلك؟ تبدو السياسة الأوروبية غير منسجمة على نحو متزايد مع الواقع على الأرض. وكما تشير الانفجارات المتكررة للصراع، فإن هذا النهج من شأنه فقط أن يلحق الضرر بالمصالح الأوروبية المتمثلة في إبقاء الباب مفتوحاً أمام حل تفاوضي وتجنب جولات منتظمة من العنف يمكن أن يصبح احتواؤها أكثر صعوبة.

ما الذي ينبغي فعله؟ يمكن لمقاربة أفضل أن تتمثل في قيام أوروبا باتخاذ خطوات لمنع السلطة الفلسطينية من استمرار نهجها الاستبدادي، ومراجعة سياستها في عدم التواصل مع منظمة حماس الإسلامية والضغط لتحقيق تجدد سياسي فلسطيني. كما يمكن لأوروبا أن تربط التعاون والتجارة مع إسرائيل بتحقيق تقدم نحو حل الدولتين وحماية الحقوق الفلسطينية.
 

الملخص التنفيذي

شكَّل العنف الذي هز إسرائيل وفلسطين في نيسان/أبريل – أيار/مايو 2021 اختباراً للمقاربة الأوروبية التقليدية حيال الصراع، فيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية، وحركة حماس الإسلامية، والوضع الكارثي في قطاع غزة وقيام إسرائيل بضم الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع. للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه مصلحة واضحة بتحقيق حل الدولتين، وقد أبرزت أحداث عام 2021 أن السياسات الأوروبية تعيق بدلاً من أن تخدم تحقيق هذا الهدف. الكثير من المسؤولين يقرّون بالمفارقة لكنهم يقولون إن ثمن تبنّي مواقف جديدة مكلف جداً بالنسبة لصناع القرار في العواصم الأوروبية. رغم ذلك، فإن أوروبا تمتلك أدوات للتأثير في مسار الأحداث لكنها لا تستخدمها. إذ يمكن أن تتخلى عن مقاربتها المتساهلة حيال قيادة السلطة الفلسطينية وأن تدفع إلى إيجاد ظروف من شأنها أن تسمح بإحداث تجدد سياسي ديمقراطي فلسطيني. كما يمكن أن تتبنى موقفاً أكثر تشدداً حيال إسرائيل، على الأقل بالنظر في استخدام سياستها في التعاون والتجارة لردع انتهاكات حقوق الفلسطينيين والدفع نحو حل مستدام للصراع. أبرزت الأحداث التي وقعت في عام 2021 إلى أي حد تحتاج السياسة الأوروبية إلى إعادة نظر. أتى أولاً إلغاء الرئيس محمود عباس ما كان سيشكّل أول انتخابات فلسطينية عامة خلال 15 عاماً، وأنهى بذلك أي أمل قريب في تجديد القيادة الفلسطينية. بعد أيام أتت الحرب، وهي الرابعة بين حماس وإسرائيل خلال الستة عشر عاماً الماضية. من جهة، كشف العنف عن الرصيد، ولو كان قصير الأمد، الذي راكمته حماس بين الفلسطينيين لوقوفها في وجه إسرائيل؛ ومن جهة أخرى، أظهر الغضب الفلسطيني حيال السلطة الفلسطينية لعدم فعلها الشيء نفسه، إضافة إلى ممارساتها الاستبدادية وانعدام كفاءتها. وأتى إلغاء الانتخابات ونشوب الحرب بعد سنوات من التغيّرات الدراماتيكية التي شهدت تشظي الكيان الفلسطيني والمناطق الفلسطينية مع رفض الحكومات الإسرائيلية المستمر والصريح لأي حل تفاوضي لإقامة دولتين. لكن السياسة الأوروبية ما تزال متمسكة بمنهج عملها المتمثل في محاولة تعزيز قوة السلطة الفلسطينية المترنحة في مواجهة حماس، بينما تنأى بنفسها عن أي جهد جاد لتشجيع إحداث تغيير في السياسة الإسرائيلية.

فيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية، وفي حين أن بعض المسؤولين الأوروبيين يرغبون بفعل المزيد لتحميل القيادة المسؤولية عن القمع الذي تمارسه، فإن العطالة الأوروبية تعكس الخشية من انهيار السلطة الفلسطينية بشكل كامل وكذلك حل الدولتين إذا فعلت ذلك. وبالفعل، فإن أوروبا – كالولايات المتحدة – تعتبر عباس وحاشيته الجهة الوحيدة التي يمكن أن تضمن قدراً من الاستقرار في المناطق المحتلة، وبالتالي أمن إسرائيل. وهي تحجم عن جعل دعمها للسلطة الفلسطينية مشروطاً باتخاذ خطوات لتطبيق سياسة ديمقراطية وتحسين آلية حكمها، ناهيك عن إجراء انتخابات قد تأتي بحماس إلى السلطة. ونتيجة لذلك، يعتقد قادة السلطة الفلسطينية أنهم يستطيعون اعتبار المساعدات الأوروبية أمراً مسلماً به.

أما بالنسبة لحماس، فإن النفور من الحركة الإسلامية أعاق منذ أمد بعيد نشوء مقاربة أوروبية بناءة أكثر. منذ إجراء الانتخابات الأخيرة، في عام 2006، التي فازت بها حماس، تبنى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه سياسة عدم التواصل مع الحركة. وجعلوا الحوار معها – وبالتالي مشاركتها فعلياً في حكومة وحدة وطنية بقيادة عباس – مشروطاً بالتزامها بمبادئ الرباعية، التي وُضعت من قبل الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وروسيا والاتحاد الأوروبي: أي الالتزام بنبذ العنف، والاعتراف بإسرائيل، والقبول بالاتفاقيات السابقة التي توصل إليها الفلسطينيون. ومنذ وقت طويل يعرف الدبلوماسيون الأوروبيون العاملون في القدس ورام الله أن هذه السياسة وصلت إلى طريق مسدود، حيث أدت إلى تلاشي نفوذ أوروبا، وإعاقة سعيها المعلن إلى إيجاد دولة ديمقراطية متواصلة الأراضي وقابلة للحياة، وعرقلة الجهود الرامية إلى إنهاء حصار قطاع غزة المستمر منذ ستة عشر عاماً. حماس نفسها ترفض شروط الرباعية؛ لكن قادتها يقولون إنهم أجروا مراجعة لميثاق الحركة لمعالجة الهواجس الأوروبية وأن اتخاذ المزيد من الخطوات يتطلب حواراً مع الأوروبيين.

الكثير من الدبلوماسيين الأوروبيين العاملين على الأرض يريدون تغيير هذه المقاربة، بما في ذلك إجراء المزيد من الحوار السياسي وفرض ضغوط أكبر على إسرائيل، لكن بروكسل ومعظم العواصم الأوروبية ترفض فكرة حتى التفكير، على سبيل المثال، في كيفية استعمال التعاون والتجارة الأوروبيين لتشجيع إحداث تغيير في السياسة الإسرائيلية حيال الأراضي المحتلة. بدلاً من ذلك، يحاول صناع القرار الأوروبيون التعويض عن الانخراط السياسي باستمرار المساعدات الإنسانية والتنموية للفلسطينيين، رغم تراجع كمية المساعدات بشكل مستمر منذ عام 2015. ويقولون إن إبقاء صنبور المساعدات مفتوحاً يحافظ على السلطة الفلسطينية وعلى أمل الفلسطينيين بإقامة دولة حيّة. لكن خلف الأبواب المغلقة، يعترف الكثير من المسؤولين الأوروبيين بأن هذا الأمل مجرد وهم. فالمساعدات وحدها لن تكون كافية للمحافظة على إمكانية قيام حل الدولتين. في الواقع، فإن أوروبا تحولت عن جهود بناء الدولة الفلسطينية إلى محاولات لإدارة "وضع راهن" يزداد سوءاً لكنها تتمسك به بشكل رئيسي لأنها لا ترى بديلاً عنه.

ما يكمن وراء العطالة الأوروبية هو الشعور في عواصم رئيسية أن تكاليف إحداث تغيير في المسار أعلى مما تستطيع أن تتحمله، وأن فوائد التغيير غير مؤكدة وأن احتمالات النجاح متدنية جداً. ويُحجم القادة الأوروبيون عن دفع ثمن مراجعة سياساتهم في علاقاتهم الثنائية مع إسرائيل، لا سيما في وقت لا تقوم فيه الولايات المتحدة بانخراط يذكر وفي الوقت نفسه تقوم عواصم عربية مؤثرة بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. قلة من القادة الأوروبيين يعتقدون أن أوروبا وحدها تستطيع فعل الكثير. حتى داخل أوروبا، فإن التوصل إلى إجماع بشأن سياسة جديدة أمر صعب: فالدول الأكثر تطلعاً إلى المستقبل مثل بلجيكا وأيرلندا تواجه مقاومة صلبة لإحداث أي تغيير، "لاسيما من المجموعة الأكثر تمسكاً بالموقف السابق" (جمهورية التشيك، هنغاريا، وبولندا، وسلوفاكيا). بالنسبة للدول القوية التي تقف في الوسط – لا سيما فرنسا وألمانيا – فإن أهمية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني تتراجع بالمقارنة مع الحرب في أوكرانيا والمواجهة الأكبر مع روسيا، التي ترى هي وآخرون أنها تطرح أسئلة وجودية بالنسبة لأمن القارة. حتى مقارنة بأزمات شرق أوسطية أخرى، فإنها قابلة للاحتواء وليست أولوية.

هذه الحسابات مفهومة لكنها خاطئة. ثمة أسباب طبيعية ينبغي أن تدفع أوروبا إلى عدم تجاهل انتهاكات القيم التي تدّعي أنها تتمسك بها وما تشبّهه مجموعات حقوق الإنسان البارزة الآن بجرائم من نمط جرائم الأبارتايد. وحتى بصرف النظر عن هذه الحجة، فإن أحداث عام 2021، مثل المواجهة التي حدثت في مطلع آب/أغسطس بين إسرائيل والمجموعة الإسلامية الفلسطينية المتشددة، الجهاد، ينبغي أن تشكل تحذيراً من أن العنف سيندلع مرة أخرى وأن الصراع لن يكون بالضرورة قابلاً للاحتواء. مع تعميق إسرائيل لوجودها في الضفة الغربية واقتراب استحقاق تشكيل قيادة فلسطينية جديدة، تتكاثر نقاط الاحتكاك؛ وقد شهدت إسرائيل نفسها اضطرابات داخلية، ولن تصبح غزة هادئة طالما ظلت سجناً مفتوحاً. في غياب التغيير، فإن الجولات المستقبلية من العنف ستكون أكثر تواتراً وسيكون إنهاؤها أصعب. هذا إضافة إلى أن أوروبا ليست عديمة القوة. فقبل سنتين وحسب، وفي وجه معارضة من الدول غير الراغبة بتغيير السياسة الأوروبية، ساعد القادة الأوروبيون في إقناع رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو بعدم القيام بضم أجزاء من الضفة الغربية رسمياً. إذا استطاعت أوروبا التغلب على عطالتها، فإن لديها أدوات يمكن أن تغير مسار الصراع بشكل إيجابي.

يمكن لمسار أوروبي بديل أن يشمل محاولة الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه المساعدة على توفير الظروف التي من شأنها أن تفضي إلى تجدد سياسي فلسطيني في الأراضي المحتلة. ويمكن لأوروبا أن تُخضع السلطة الفلسطينية للمساءلة عن قمعها، وجعل دعمها لموازنة وزارتي العدل والداخلية، على سبيل المثال، مشروطاً بمعايير معينة. ويمكنها إعادة توجيه بعض الأموال المخصصة لوزارة الداخلية إلى منظمات المجتمع المدني الفلسطينية، لا سيما المنظمات المعنية بمراقبة حقوق الإنسان. ويمكنها أن تكون أكثر حسماً في إلقاء ثقلها وراء إجراء انتخابات تشريعية فلسطينية، والعثور على طرق لتفسير شروط الرباعية بطريقة تسمح لحماس بالمشاركة في صيغة معينة في حكومة وحدة وطنية فلسطينية قادمة. كما ينبغي على القادة الأوروبيين إجراء مراجعة لسياستهم بعدم التواصل مع حماس. والفكرة هنا ليست في تمكين الحركة الإسلامية، ناهيك عن جعلها الممثل الوحيد للفلسطينيين. إلا أن إقصاء الحركة عن السياسة حقق عكس الهدف الذي رمت إليه الرباعية: أي استمرار شعبيتها، وبالتأكيد في الضفة الغربية، مقارنة بالسلطة الفلسطينية. إن التجدد السياسي الفلسطيني يتطلب مشاركتها.

في الوقت نفسه، ينبغي على الاتحاد الأوروبي وتلك الدول المستعدة لفعل ذلك أن تغير لهجتها في العلاقات مع إسرائيل بحيث تكون ملائمة للتعامل مع دولة ترفض قيادتها مبدأ محورياً في السياسة الخارجية الأوروبية. ويمكن أن تتمثل الخطوة الأولى ببساطة في الطلب من الحكومة الإسرائيلية أن توضح رؤيتها لتسوية الصراع وبالتالي شرح الإطار المنطقي لقيام أوروبا بتمويل عملية يبدو أن القادة الإسرائيليين أنفسهم تخلوا عنها. يمكن للأوروبيين على الأقل الشروع في نقاشات بشأن كيفية تعديل سياسة التعاون والتجارة مع إسرائيل بطريقة من شأنها أن تدعم أهدافهم السياسية الرئيسية، أي التسوية السياسية للصراع، إضافة إلى حماية الحقوق الفلسطينية. كما يمكن أن يستكشفوا آليات أخرى لحماية الفضاء الفلسطيني والتنمية في المنطقة ج، التي تشكل 60% من الضفة الغربية والتي ما تزال تحت السيطرة الإدارية والعسكرية الإسرائيلية.

أخيراً، ينبغي على المسؤولين الأوروبيين إطلاق نقاش – على المستوى الوطني وفي دوائرهم الخاصة – حول ما يتحدث عنه معظمهم في تلك الدوائر الخاصة: أي ما إذا كان حل الدولتين، على الأقل طبقاً لصيغة أوسلو، بات بعيد المنال، وكيف أن من المستحيل فعلياً تخيل كيف يمكن للأطراف أن تصل إلى هذه الصيغة، وأن الوقت قد حان للنظر في خيارات أخرى. وينبغي أن يفعلوا ذلك بهدوء، لتفادي غرق النقاش في الانقسامات الأوروبية. تتمثل الفكرة في التفكير مبكراً فيما يمكن للبدائل أن تعنيه بالنسبة للسياسة الأوروبية. في الحد الأدنى، سيكون القادة الأوروبيون بحاجة لأن يوضحوا بأنهم لن يدعموا أي حل سياسي للصراع لا يضمن المساواة الكاملة لجميع أولئك الذين يقيمون في المناطق الواقعة تحت السيطرة والولاية القضائية الإسرائيلية.

بروكسل، 22 آب/أغسطس 2022

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.