أي محاولة لإدارة غزّة على غرار الضفة الغربية ستفشل؛ أمّا حماس فستستفيد
أي محاولة لإدارة غزّة على غرار الضفة الغربية ستفشل؛ أمّا حماس فستستفيد
Op-Ed / Middle East & North Africa 4 minutes

أي محاولة لإدارة غزّة على غرار الضفة الغربية ستفشل؛ أمّا حماس فستستفيد

من المرجح أن تظهر الإدارة المقبلة لغزّة تلقائياً من دون تخطيط، وهذا لا يبشِّر بالخير للفلسطينيين.

بعد شهرين من بداية الحملة العسكرية ضد حماس، لا يزال الهدف النهائي لإسرائيل أو مستقبل الفلسطينيين في قطاع غزّة والضفة الغربية الذين يعيشون تحت الاحتلال غير واضح. نُقِضَ الوضع القائم بشكل لا عودة عنه في 7 تشرين الأول/أكتوبر. لكن من المرجح أن تنجو حماس، التي حكمت قطاع غزّة لمدة ستة عشر عاماً، بشكل ما، رغم هدف إسرائيل المعلن بمحوها عن الخريطة. وسيكون لبقائها ككيان سياسي تداعيات واسعة وبعيدة المدى على الجميع في إسرائيل والأراضي الفلسطينية.

من غير الواضح إلى أي مدى قوَّض القصف الإسرائيلي المكثف لقطاع غزّة والعمليات البرية في الشمال قدرات حماس العملياتية. رغم أن المقاتلين تعرَّضوا لبعض الخسائر، فإن حماس ما تزال تتمتع بقدرات فاعلة وكبيرة مخبأة في أقبيتها وأنفاقها تحت غزّة والتي تهاجم منها القوات البرية الإسرائيلية أو تطلق الصواريخ. مع استئناف إسرائيل لعملياتها في الجنوب، فإن مدى الضرر الذي تمكَّنت من إلحاقه بنظام الأنفاق في الشمال ما يزال غير واضح. لكن حتى إذا نجحت إسرائيل في القضاء على الجناح العسكري لحماس والبنية التحتية للأنفاق، فإن حماس كحركة مقاومة ستستمر ربما في غزّة وفي مناطق أخرى طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي.

لقد رفضت حماس التخلّي عن الحق في المقاومة المسلَّحة، على الأقل لأنه عندما تخلّت فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية عن ذلك الحق في تسعينيات القرن العشرين في بداية عملية أوسلو التي منحتهم السيطرة على السلطة الفلسطينية، حصلتا على وعود بدولة لكن لم تحصلا على تنازلات فعلية تذكر بالمقابل. لقد حصلتا على سيطرة ذاتية محدودة على أجزاء معزولة من الأرض في الأراضي المحتلة تحت سيطرة أمنية واقتصادية إسرائيلية شبه كاملة. وبات كثير من الفلسطينيين ينظرون إليهم الآن على أنهم’متعهدون من الباطن‘ للاحتلال: فاسدون، وغير أكفاء ومجرّدون من أي شرعية.

عندما اخترقت حماس الجدار الحدودي المحيط بقطاع غزّة وقتلت 1,200 شخص، معظمهم من المدنيين، لم يعد من الممكن الدفاع عن السياسة الإسرائيلية في احتواء وعزل سكان غزّة فيما يصفه كثيرون بـ "أكبر سجن مفتوح في العالم". ومنذ ذلك الحين، وعدت الحكومة بأنها ستتبنى نظاماً أمنياً جديداً. قد يكون أحد النماذج التي قد تسعى إلى تقليدها هو ذاك الموجود في الضفة الغربية. فالمقاومة الفلسطينية في المنطقة، المسلَّحة وغير المسلَّحة، ظلت ذات نطاق محدود وغير منظمة نتيجة التشظي الجغرافي والسياسي الذي رسَّخه الإسرائيليون. وقد تمثلت الإستراتيجية في إقامة رقعة شطرنج من الجيوب الفلسطينية الصغيرة والمعزولة، إضافة إلى ضغوط مكثفة من قوات الأمن الإسرائيلية على أي شكل من أشكال التعبير السياسي. لم يتمكن الفلسطينيون هناك من وقف التوسع الهائل للمستوطنات أو التصعيد الدراماتيكي في العنف والمضايقات التي يمارسها الجنود الإسرائيليون والمستوطنون. في هذه الأثناء، تتمتع السلطة الفلسطينية بحكم ذاتي محدود في الجيوب المعزولة جغرافياً التي سمحت لها إسرائيل بإدارتها، وخضوعها للسيطرة الأمنية الإسرائيلية الكليّة.

تشكل الحرب الجارية حالياً تهديداً وجودياً لفتح، التي تقود السلطة الفلسطينية وتسيطر على الأراضي الفلسطينية المتفرقة في الضفة الغربية. لقد اعترفت فتح الآن على مضض بأنه لا يمكن تجاهل حماس، وحتى في الشهر الماضي عبَّرت عن دعم لفظي على الأقل للمصالحة. لقد أصبحت السلطة الفلسطينية التي ظلت قائمة بفضل التمويل الأوروبي "عبئاً" بالنسبة لمعظم فلسطينيي الضفة الغربية، طبقاً لأحد استطلاعات الرأي، وفقدت شرعيتها لدى الفلسطينيين نتيجة ما يرون فيه تعاوناً مع الاحتلال. كما أساء للسلطة الفلسطينية تقويض إسرائيل لاقتصادها ولقاعدتها الضريبية بالاحتفاظ بالعائدات الضريبية التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية، وفرضها رسوماً جمركية مرتفعة وتقليص الواردات والصادرات. لقد فاقمت قيادة فتح الفاسدة وغير الفعالة هذه الإجراءات العقابية ما أدى في المحصلة إلى انقسامها، واقتتال فصائلها على الغنائم. يبدو أن السلطة الفلسطينية تريد الآن انتظار نهاية حرب غزّة، على أمل أن تنجو مما هو قادم.

ستكون أي محاولة لفرض نظام سيطرة شبيه بذاك القائم في الضفة الغربية على قطاع غزّة مستحيلاً. لقد قالت إسرائيل إنها ستحتفظ بالسيطرة الأمنية الكلية على القطاع لكنها لم توضح أي نوع من الإدارة تعتزم فرضه على المنطقة. ومن المرجح أن يصبح قطاع غزّة غير قابل للحكم. إذ إن أي كيان سياسي يتصالح أو يتماشى مع السيطرة الإسرائيلية النهائية سيُنظر إليه على أنه في خدمة استمرار الاحتلال. ومن المحتمل أن تقاوم حماس والمجموعات المتشددة الأخرى، حتى لو لم تعد موجودة كجهات مسلَّحة فاعلة، مثل تلك السلطة بضراوة، وبدعم من غالبية سكان غزّة. هذا إضافة إلى أن الدول العربية والسلطة الفلسطينية لن تكون راغبة في المشاركة في أي ترتيب تبدو فيه على أنها ترسخ الاحتلال الإسرائيلي.

لا يترك هذا أي خيارات جيدة. ومن المرجح أن تحدَّدَ حصيلة حرب غزّة بمزيج من قوة النيران الإسرائيلية الطاغية وإلى أي حد تكون الولايات المتحدة مستعدة للتساهل مع حليفتها. في الوقت الراهن، فإن الحصيلة الأكثر ترجيحاً هي أن تظهر إدارة تلقائية لقطاع غزّة وليس عن طريق القصد والتخطيط. في أعقاب الحرب، يمكن للمرء أن يتخيَّل أن تشرف على المنطقة مجموعة من وكالات المساعدات الدولية العاملة في ظل الطائرات والمسيَّرات الإسرائيلية، بينما يقبع الفلسطينيون بين أنقاض قطاع غزّة أو يكونون معزولين فيما قد يرقى إلى سجون على شكل معسكرات في صحراء سيناء.

ستتكيف حماس مع الوضع الجديد كمجموعة مقاومة مسلحة في الأراضي المحتلة ووجود جناحها السياسي في المنفى. في هذه الأثناء، ستستمر السلطة الفلسطينية في وضعها الضعيف في الضفة الغربية، وتصبح أقل كفاءة وأهمية إلى أن تتبين الدول الغربية أنه لم يعد ثمة حاجة لها. ربما تفصلها أزمة قيادة واحدة عن أن تصبح مجموعة غير مترابطة من المؤسسات المحلية التي توفر الخدمات الأساسية. قد يتعيَّن على حلفاء إسرائيل الغربيين، الذين مكَّنوا الاحتلال الإسرائيلي من خلال دعمهم للسلطة الفلسطينية وعملية أوسلو، بينما استمروا بالسماح لإسرائيل بتوسيع مستوطناتها أضعافاً مضاعفة، دفع فاتورة الكارثة الإنسانية في قطاع غزّة، مع الأنظمة الملكية الخليجية. وسيستمر الفلسطينيون، كما فعلوا دائماً، في تحمُّل تكاليف ما يبدو أنه احتلال وحشي لا نهاية له.

نُشِرَت مقالة الرأي هذه أصلاً بالإنكليزية على موقع الغارديان الإلكتروني.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.