خطر وقوع حرب إقليمية في الشرق الأوسط
خطر وقوع حرب إقليمية في الشرق الأوسط
The Danger of Regional War in the Middle East
Mourners gather near the coffins of seven civilians who were killed in an Israeli strike on February 14, according to security sources, during their funeral in Nabatieh, southern Lebanon February 17, 2024. REUTERS / Aziz Taher
Commentary / Middle East & North Africa 20+ minutes

خطر وقوع حرب إقليمية في الشرق الأوسط

ما تزال حملة إسرائيل التي شنتها في قطاع غزة رداً على هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 تلقي بظلالها على الأحداث السياسية في الشرق الأوسط، إذ تستحضر شبح حرب أوسع أو عدم استقرار إقليمي حتى في ظل تقدّم مباحثات وقف إطلاق النار. يقدم خبراء مجموعة الأزمات هنا نظرة شاملة من المنطقة

لقد أدت الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحماس إلى احتدام الوضع في الشرق الأوسط على نحو دراماتيكي. الغضب الشعبي يتصاعد. وتخشى كل من مصر والأردن أن تطرد إسرائيل الفلسطينيين إلى أراضيهما. رداً على ذلك، شنّ اللاعبون من غير الدول في "محور المقاومة" الذي تقوده إيران، هجمات على نطاق أوسع، في دعم صريح لحماس والقضية الفلسطينية. لقد ضربوا أهدافاً عسكرية إسرائيلية وأميركية، واستهدفوا سفن الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن، بالصواريخ والطائرات المسيرة. بالمقابل، ردت إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بضرب هذه المجموعات. وحده وقف إطلاق النار في قطاع غزة يمكن أن يساهم بخفض هذا التصعيد الإقليمي. إن تعليق الرئيس بايدن بأنه يعتقد أنه سيكون هناك وقف لإطلاق النار بحلول 4 آذار/مارس، أي قبل أيام من بداية شهر رمضان المبارك، يبعث على بعض الأمل.

لقد شكل الصراع المكثف بين القوى المدعومة من إيران، من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها، من جهة أخرى، إلى وقوع ضحايا عسكريين ومدنيين. لكنّه لم يتسبب حتى الآن بمواجهة أكبر تشمل إيران نفسها، فقط لأن كلاً من واشنطن وطهران أشارتا إلى أنهما لا تريدان مثل هذا الصدام المباشر. لكن يبدو أن مقتل الجنود الأميركيين الثلاثة في الأردن على نحو غير مقصود من قبل مجموعة شبه عسكرية عراقية في 28 كانون الثاني/يناير دق ناقوس الخطر. لم يحدث ذلك حرباً أوسع، لكنه كاد أن يفعل لولا التصميم المتبادل على احتواء الموقف. في بيئة من التوترات المفرطة وأزمنة ردود الفعل السريعة، قد لا يمكن احتواء الحادث التالي، ولا سيما إذا وقع فيه عدد أكبر من الضحايا، خاصة من المدنيين، أو المزيد من الجنود الأميركيين.

بينما يستمر الهجوم الإسرائيلي على القطاع، فإن مخاطر اندلاع حرب شاملة أو غيرها من حالات زعزعة الاستقرار تبقى مرتفعة

من غير الواضح إلى أي مدى يمكن لوقف إطلاق النار في قطاع غزة أن يهدئ المنطقة، لكن بينما يستمر الهجوم الإسرائيلي على القطاع، فإن مخاطر اندلاع حرب شاملة أو غيرها من حالات زعزعة للاستقرار تبقى مرتفعة. من شبه المؤكد أن يؤدي الطرد الجماعي للفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر إلى إشعال التوترات في الشرق الأوسط أكثر فأكثر، وكذلك تصاعد الأعمال العسكرية الإسرائيلية وأفعال المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية خلال رمضان في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل. لقد تعهد بعض قادة مجموعات "المحور" المدعوم من إيران بأنهم حالما يسري وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، سيعودون إلى وضعهم العسكري الذي كان سائداً قبل الحرب – أي قبل الوضع الراهن الذي فرضه 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما شنت حماس هجماتها على البلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة، الذي تحاصره إسرائيل، والتي أشعلت فتيل الحرب. لا يمكن معرفة ما إذا كانوا سيفعلون ذلك، لكن ما من شك في أن استمرار حرب غزة سيستمر في تغذية تبادل إطلاق النار بين القوى المدعومة من إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، ويأجج الغضب الشعبي الذي تتغذى عليه هذه المجموعات.

في هذه النظرة الشاملة، التي تُحدِّث التقييمات السابقة، تجسّ مجموعة الأزمات نبض مختلف الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط – وما يحركها، وكيف يمكن أن يؤثر وقف إطلاق النار في غزة على حساباتها ومدى اقتراب المنطقة من نقطة التحول.

إسرائيل

ما تزال حملة إسرائيل الجوية والبرية بعيدة عن تفكيك حكم حماس وبنيتها التحتية العسكرية في القطاع. لقد قوضت إسرائيل قدرات حماس، لكنها لم تحقق اختراقاً استراتيجياً، ناهيك عن إجبار الحركة على الاستسلام. في بداية الحرب، وعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتدمير حماس، وقد تعهد باستمرار منذ ذلك الحين بأن إسرائيل لن تتوقف إلى أن تحقق "النصر الكامل". لكنه لم يضع مساراً يوصل إلى تلك الغاية، أو إستراتيجية خروج أو سيناريو واقعي لغزة بعد انتهاء الحرب.

ما يزال الإسرائيليون الذين يشعرون بصدمة عميقة جراء هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، متفقون مع نتنياهو بأن الحركة يجب أن تُهزَم وأن الحرب في قطاع غزة عادلة. ولا يظهرون كثيراً من التعاطف مع معاناة الفلسطينيين في غزة، بل أصبحت اللغة اللاإنسانية جزءاً من الخطاب السياسي. لكن الأحداث التي تلت الهجمات أصبحت متداخلة مع الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل. ويحتفظ نتنياهو بأغلبيته البرلمانية، لكن شعبيته وصلت إلى أدنى درجاتها، مع مطالبة مزيد من الإسرائيليين بإجراء انتخابات جديدة. يخشى كثيرون، بمن فيهم خصومه في حكومة الحرب المصغرة، من أن نتنياهو يشن الحرب على نحو رئيسي استناداً إلى اعتبارات تتعلق ببقائه السياسي وتفادي المسؤولية عن الفشل الاستخباراتي والأمني في 7 تشرين الأول/أكتوبر. في هذه الأثناء، حذَّر كبار ضباط الجيش من أنه دون إستراتيجية خروج أو خطة لليوم التالي، فإن مكاسب الشهور الماضية يمكن أن تضيع. وبالفعل، فإن حماس أظهرت علامات تشير إلى إعادة فرض سلطتها في شمال قطاع غزة، في المناطق التي دمرتها القوات الإسرائيلية واحتلتها ثم أخلتها.

لم تُخفِ الحكومة الإسرائيلية استعمال الغذاء والدواء كأدوات مساومة لإجبار حماس على إطلاق سراح الرهائن

تتهم إسرائيل حماس، السلطة الحاكمة في القطاع منذ عام 2007، بتحويل المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية إلى غير مقاصدها، رغم أن إسرائيل لم تقدم أي أدلة لدعم ادعاءاتها، كما أشار مسؤول أميركي. وفي حين أن كمية المساعدات الداخلة إلى قطاع غزة أقل بكثير من المطلوب، يعتقد كثيرون في إسرائيل أن أي مساعدات، مهما بلغت ضآلتها، هي أكثر مما ينبغي؛ ويقولون إنها تحافظ على بقاء المسلحين وتوفر للحركة الإسلامية نفوذاً على سكان القطاع حتى مع بقاء الرهائن الإسرائيليين في الأسر. لقد دفعت الضغوط الأميركية إسرائيل إلى زيادة طفيفة في كمية المساعدات التي تدخل القطاع، لكن حالما تصل، فإن القيود الإسرائيلية المفروضة على التحرّك وانهيار النظام العام تعيق عمليات النقل والتوزيع. ولم تُخفِ الحكومة الإسرائيلية استعمال الغذاء والدواء كأدوات مساومة لإجبار حماس على إطلاق سراح الرهائن.

تتمثل الأزمة الرئيسية التي تواجهها الحكومة في كيفية الاستعداد لصفقة رهائن محتملة تعمل عليها الولايات المتحدة وقطر ومصر والتي قد يتم التوصل إليها قريباً طبقاً لتنبؤات الرئيس بايدن غير المؤكدة. لا تطالب حماس بإطلاق سراح كثير من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية فحسب، بل بوقف لإطلاق النار يفضي إلى إنهاء الحرب مع الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة. على العكس من ذلك، فقد أشارت إسرائيل إلى أنها ستوافق فقط على وقف مؤقت لإطلاق النار لتأمين عودة جميع الرهائن ورفات أولئك الذين ماتوا. وتعتزم الاحتفاظ بوجود عسكري "غير محدود زمنياً" في قطاع غزة، وحوله وفوقه.

الجمهور الإسرائيلي، وإن بدا موحداً، من حيث المبدأ، حول هدف تدمير حماس، فإنه منقسم تقريباً إلى ثلاث مجموعات. مجموعة عازمة على التوصل إلى صفقة بشأن الرهائن، حتى وإن كان الثمن مرتفعاً إلى درجة إطلاق سراح الفلسطينيين الذين شاركوا في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر وربما حتى وقف الحرب (لأنهم يرون أن إطلاق سراح الأسرى يمثل المسؤولية القصوى لإسرائيل)؛ ومجموعة ثانية مستعدة للتضحية بالرهائن إذا كان ذلك السبيل الوحيد لتحقيق هدف تدمير حماس؛ ومجموعة ثالثة ما تزال تعتقد أن إسرائيل تستطيع أن تحرر الرهائن، وبعد ذلك تهزم حماس. الخلافات نفسها تقسم الائتلاف الحاكم وحكومة الحرب المصغرة. في هذه الأثناء، تكتسب دعوة اليمين المتطرف إلى طرد الفلسطينيين (من خلال ما تسميه "الهجرة الطوعية") من قطاع غزة وإعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية هناك زخماً، وتصبح إلى حد ما جزءاً من الخطاب الرسمي. لقد قال نتنياهو إن إسرائيل غير مهتمة بإعادة الاستيطان في قطاع غزة، لكنه من أجل البقاء في السلطة لا يستطيع تجاهل أولئك في ائتلافه، بمن فيهم أعضاء في حزبه الليكود، الذين يريدون أن تفعل إسرائيل ذلك. لقد أكد نتنياهو أيضاً على أن إسرائيل يجب أن تحتفظ بالسيطرة الأمنية على كل المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط – وبذلك يعلن فعلياً عن تعميق احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء.

قد تكون فكرة حل الدولتين أبعد من أي وقت مضى عن الوعي الإسرائيلي

لا يوجد دعم واضح يذكر في أوساط السياسيين الإسرائيليين أو الجمهور الإسرائيلي لجهود التوصل إلى تسوية سياسية أوسع مع الفلسطينيين. تفضّل الولايات المتحدة نهاية تدريجية للحرب تمهيداً لمسارٍ سياسي يشمل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية ويقدم تنازلات للفلسطينيين، بما في ذلك تسليم السلطة الفلسطينية في رام الله، بعد أعادة هيكلتها، الحكم في قطاع غزة. لقد رفض نتنياهو المقترح الأخير، وقد ينتهي الأمر به إلى التخلي عن صفقة الرهائن كلياً إذا كانت تعني نهاية ائتلافه، بالنظر إلى أن اليمين المتطرف هدد بالخروج منه إذا اتُّخذت أي خطوة يمكن أن تفضي إلى دولة فلسطينية. وقال نتنياهو إن اعتراف الدول الأجنبية بدولة فلسطينية بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر سيكون بمثابة مكافأة للإرهاب؛ وقد كسب دعم الأغلبية الساحقة من أعضاء الكنيست في إعلان يعارض الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية. قد تكون فكرة حل الدولتين أبعد من أي وقت مضى عن الوعي الإسرائيلي، لأن الإسرائيليين باتوا يركزون على صدماتهم وخلافاتهم الداخلية، وحماية أنفسهم.

في ظل الإيقاع البطيء لمحادثات وقف إطلاق النار، كثفت إسرائيل ضرباتها الجوية والمدفعية على رفح، المنطقة الحضرية الباقية التي هرب إليها معظم الفلسطينيين في قطاع غزة. وقد تنتشر القوات الإسرائيلية أيضاً على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر، الأمر الذي سيفاقم الكارثة الإنسانية، وقد يسرِّع الهروب الجماعي للفلسطينيين إلى صحراء سيناء المصرية، الأمر الذي سيزعزع استقرار المنطقة أكثر فأكثر. لقد أصرت إسرائيل على أنها يجب أن تغزو رفح للقضاء على كتائب حماس هناك، قائلة إن الفلسطينيين سيتمكنون من إخلاء المنطقة إلى شمال القطاع. حدد بيني غانتس، عضو حكومة حرب نتنياهو، شهر رمضان المبارك عند المسلمين (الذي يبدأ في 10 آذار/مارس) موعداً نهائياً لقيام حماس بإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم في قطاع غزة أو تواجه عملية برية في رفح.

تستمر الأعمال القتالية على الحدود مع لبنان دون هوادة، وإن كانت ضمن حدود معينة. قبل بضعة أسابيع، كان سياسيون إسرائيليون قد حذروا من أنه، بعد هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لم يعد من الممكن أن تتحمل إسرائيل وجود قوة مسلحة معادية – هي الميليشيا العسكرية الشيعية التي أصبحت حزباً – على حدودها الشمالية. في الوقت نفسه، أشارت إسرائيل دائماً إلى مصلحتها في التوصل إلى حل دبلوماسي مع حزب الله – من شأنه، جوهرياً، أن ينطوي على قيام حزب الله بسحب قواته من الحدود – بينما أبقت الباب مفتوحاً على عملية عسكرية شاملة في لبنان قد تكون أكثر تدميراً من الحرب في قطاع غزة بالنسبة للبنان وإسرائيل على حد سواء. لكن لا يمكن تحقيق تسوية سياسية بينما تستمر الحرب في قطاع غزة. ما يزال نحو 80,000 إسرائيلي مهجَّرون من منازلهم في الشمال، ومن غير المرجح أن يتمكنوا من العودة بأمان دون وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.

فلسطين

مع استمرار الحرب في قطاع غزة، فإن الوضع في الضفة الغربية يتدهور بسرعة، الأمر الذي يزيد المخاوف من تفاقم عدم الاستقرار. ترتفع وتيرة غارات الجيش وهجمات المستوطنين، كما ترتفع أعداد القتلى بين الفلسطينيين. يقوم المستوطنون بترهيب القرويين لإخراجهم من بيوتهم، ويستولون على أراضيهم وقطعانهم، وفي أغلب الأحيان بالتواطؤ مع القوات الإسرائيلية. كما أن وضع اللاجئين في الضفة الغربية مثير للقلق. إذا أُجبرت الأونروا، وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين، على وقف خدماتها نتيجة تعليق عدد من مانحيها لدعمهم المالي أو وقفه نهائياً، وهو الأمر الذي أصبح احتمالاً واقعاً، من شبه المؤكد أن يزداد الوضع الأمني في الضفة الغربية سوءاً، مع تدهور أوضاع اللاجئين الذين كانوا يعتمدون في السابق على الوكالة في بقائهم على قيد الحياة. ويمكن أن تكون النتيجة اضطرابات اجتماعية. قد يشهد رمضان مزيداً من العنف، إذا كان للمرء أن يهتدي بتجربة السنوات الماضية. لقد أبقت إسرائيل الضفة الغربية تحت الحصار، فعلياً، منذ هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، إذ حاصرت الفلسطينيين في مدنهم، وبلداتهم وقراهم. وقد تسببت هذه الإجراءات بانهيار اقتصادي في منطقة يسكنها 3.2 مليون نسمة. كما أدت إلى تردي مكانة السلطة الفلسطينية، وطرحت أسئلة أكثر حدة حول إمكانية بقائها.

منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، احتجزت إسرائيل 257 مليون دولار على شكل عائدات ضريبية مدينة بها إلى السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يعمق مشاكلها المالية. يُذكر أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على إرسال الأموال المتراكمة إلى النرويج، التي ستحتفظ بها كأمانة إلى أن توافق إسرائيل على صرفها للسلطة الفلسطينية. لكن حتى الآن، رفض وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، وهو سياسي يميني متطرف يعارض بإصرار التعاون مع السلطة الفلسطينية، توقيع أمر تحويل الأموال إلى الحكومة النرويجية. وقد حذرت النرويج من أن السلطة الفلسطينية يمكن أن تنهار دون تلك الأموال. حتى إذا تم التوصل إلى صفقة، سيُحظر على السلطة الفلسطينية إنفاق أية أموال في قطاع غزة، حيث تدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في الحكومة التي تقودها حماس.

تضاعف الدعم لحماس، التي يرى كثيرون أنّها تجسد مقاومة الاحتلال العسكري الإسرائيلي، ثلاث مرات [في الضفة الغربية وقطاع غزة].

ومن ثم فإن السلطة الفلسطينية، التي كانت لا تحظى بأي شعبية قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، خسرت المزيد من الدعم، بينما تضاعف الدعم لحماس، التي يرى كثيرون أنها تجسد مقاومة الاحتلال العسكري الإسرائيلي، ثلاث مرات. أعلن نحو 88% ممن شملهم مسح أجري حديثاً في الضفة الغربية وقطاع غزة رغبتهم باستقالة الرئيس محمود عباس. في البداية، أدان عباس هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكن رد الفعل الشعبي سرعان ما أجبره على تخفيف حدة لهجته. في كانون الأول/ديسمبر، قال حسين الشيخ، نائب عباس والأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية، إنه يعارض المقاومة المسلحة للاحتلال، ودعا حماس إلى إعادة النظر في إستراتيجيتها. لكن سرعان ما أجبرته الانتقادات الحادة أيضاً على التراجعرفض عباس علناً فكرة استلام السلطة الفلسطينية مسؤوليات الحكم فوراً في غزة ما بعد الحرب، لكن الولايات المتحدة تضغط عليه لإعادة النظر. والدول العربية حريصة على أن تلعب السلطة الفلسطينية دوراً في قطاع غزة، لكنها تبدي حماسة أقل لبقاء عباس في السلطة.

مع استمرار الحرب في قطاع غزة، بدأ كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية للمرة الأولى الحديث صراحة عن مستقبل دون عباس، الذي قوَّض قوة خصومه لتعزيز قوَّته خلال مدة وجوده في السلطة التي دامت تسعة عشر عاماً. في نقاشات بشأن "اليوم التالي" في قطاع غزة، حاول عباس إجهاض أي تحرك داخل دوائر السلطة الفلسطينية للتقليل من مكانته من خلال مصالحة فلسطينية داخلية. فقد حظر على الكوادر العليا في حركة فتح الانخراط في محادثات مباشرة مع حماس. قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، سعى مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية إلى استكشاف خيارات لتجاوز أزمة شرعية السلطة الفلسطينية، وقد لا تؤدي الأحداث اللاحقة إلّا إلى جعل التجديد السياسي الفلسطيني أكثر إلحاحاً. سياسيون رفيعو المستوى في أحزاب أخرى، وكذلك في الفصائل التي كانت قد انشقت عن فتح، متفقون على أن التغيير ضروري. بعضهم يدعو إلى إطلاق سراح مروان البرغوثي، الناشط البارز في حركة فتح الذي يقضي عدة أحكام بالسجن المؤبد في إسرائيل بتهم القتل، وينظرون إليه بصفته قائداً يمكن أن يوحِّد الحركة ويبني جسوراً مع حماس قبل الانتخابات. لكن المصالحة الفلسطينية الداخلية لا تبدو احتمالاً قريباً في الوقت الراهن. وتشير استقالة حكومة رئيس الوزراء محمد اشتية في 26 شباط/فبراير إلى مجرد تعديل وزاري تحت سلطة عباس والحلقة المقربة منه وإلى أنها لن تُحدث تغييراً في السلطة الفلسطينية بشكل عام.

لبنان

منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، اليوم الذي تلا هجوم حماس، اشتبكت إسرائيل وحزب الله على نحو متكرر عبر الحدود الإسرائيلية–اللبنانية. منذ البداية، صوَّر حزب الله هجماته عبر الحدود على أنها أفعال تضامن مع الشعب الفلسطيني وحماس، حليفته المحاصَرة في غزة. في الوقت نفسه، حسب هجماته بعناية، حتى عندما يرد على الضربات الإسرائيلية، ما يشير إلى أنه يفضل تجنب حرب موسعة – وهو موقف عبَّر عنه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أيضاً في خطاباته. لكن قادة الحزب قالوا على نحو متكرر إن حزب الله لن يتوقف حتى توقف إسرائيل حربها في قطاع غزة.

وفي محاولته تحقيق هذا التوازن، واجه حزب الله انتقادات، بما في ذلك من حماس؛ إذ اعترف مسؤول رفيع في حزب الله لمجموعة الأزمات أنه في الأيام الأولى للصراع، كانت حماس تأمل بتدخل أكثر حزماً من حليفها اللبناني. لقد برر حزب الله حملته المحسوبة حتى الآن بالتأكيد على الأهمية الإستراتيجية لإشغال إسرائيل على حدودها الشمالية، بعيداً عن قطاع غزة، وفرض الإخلاء على ما لا يقل عن 80,000 إسرائيلي من منازلهم في الشمال.

بينما لم تتصاعد الاشتباكات الحدودية إلى حرب مكتملة الأركان، فإن الأسابيع القليلة الماضية شهدت أكثر الحوادث خطورة على كلا جانبي الحدود خلال هذه الجولة من الصراع

بينما لم تتصاعد الاشتباكات الحدودية إلى حرب مكتملة الأركان، فإن الأسابيع القليلة الماضية شهدت أكثر الحوادث خطورة على كلا جانبي الحدود خلال هذه الجولة من الصراع. فإضافة إلى عمليات القصف الأكثر كثافة، زادت إسرائيل عدد ضرباتها على طواقم رئيسية من حزب الله وحلفائه. في 2 كانون الثاني/يناير، قتلت ضربة إسرائيلية صالح العاروري، نائب قائد حماس، في ضواحي بيروت الجنوبية. حدثت عملية القتل على بُعد نحو 100 كم عن الحدود – خارج منطقة الصراع المقبولة عموماً – في منطقة من بيروت يعيش فيها كثير من أنصار حزب الله. في 8 كانون الثاني/يناير، أدت عملية إسرائيلية أخرى إلى مقتل القائد العسكري وسام الطويل، أرفع شخصية من حزب الله تُقتَل منذ بداية المعارك. رداً على ذلك، أطلق حزب الله هجمات كثيفة على موقعين عسكريين إسرائيليين رئيسيين في منطقة أعمق بكثير داخل إسرائيل من معظم أهدافه السابقة. في 14 شباط/فبراير، وبعد ضربة مميتة لقاعدة عسكرية إسرائيلية في صفد، أيضاً بعيدة عن الحدود، أطلقت إسرائيل عمليات قصف واسعة في جنوب لبنان، فقتلت عدة مدنيين. بعد يومين، هدد نصر الله إسرائيل قائلاً إنها ستدفع "ثمناً" مقابل مقتل المدنيين.

يستمر الدبلوماسيون في البحث عن سُبل لتسوية الصراع على الحدود الإسرائيلية–اللبنانية، وهم يعون جيداً التهديدات الإسرائيلية باستعمال درجة أكبر من العنف إذا لم يسحب حزب الله مقاتليه الذين نشرهم قرب الحدود منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر. وتطالب إسرائيل بالتزام حزب الله بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 – الذي نص على ترتيبات تم التوصل إليها عند نهاية الحرب الرئيسية الأخيرة بين الطرفين في عام 2006 – وسحب عناصره إلى مناطق شمال نهر الليطاني. ينبغي أن يحتوي اتفاق جديد متفاوض عليه ضمانات تلبي مطلب إسرائيل بدرجة أكبر من الأمن، بينما تعالج أيضاً هواجس حزب الله الذي يقدم نفسه على أنه راعي السيادة اللبنانية حتى الحدود الإسرائيلية. 

لقد أشار دبلوماسيون غربيون إلى أن الطرفين ينظران في مقترحات لاستعادة احترام جزئي على الأقل للقرار 1701، الذي انتهكه حزب الله وإسرائيل على حد سواء مراراً وعلى مدى سنوات. يمكن أن ينسحب مقاتلو حزب الله إلى مناطق أبعد عن الحدود، بينما تخفض إسرائيل عدد طلعاتها الجوية المنتظمة التي تنتهك المجال الجوي اللبناني. بموازاة ذلك، طرح الدبلوماسيون احتمال الشروع في محادثات بين لبنان وإسرائيل بشأن الحدود المتنازع عليها، والمعروفة بالخط الأزرق، والتي يمكن عندها أن تشجع على إجراء مفاوضات بشأن خطوات أخرى.

أشار حزب الله إلى أنه سيوقف الأعمال القتالية فوراً عند التوصل إلى وقف لإطلاق النار

ولتعقيد المسائل، قاوم حزب الله محاولة مناقشة خفض التصعيد على الحدود قبل وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، أشار إلى أنه سيوقف الأعمال القتالية فوراً عند التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وبذلك يعرض فعلياً العودة إلى موقعه قبل الوضع الراهن.

مع معاناة المدنيين اللبنانيين من آثار الحرب، فإنهم يظلون غير قادرين على التأثير في صنع قرار حزب الله، الذي يبقى أقوى قوة مسلحة في لبنان. حتى الآن، أدت الاشتباكات الحدودية إلى تهجير أكثر من 85,000 مواطن من الجنوب، بينما أحدثت أضراراً جسيمة على المنازل، والبنية التحتية والأصول الزراعية في المنطقة. إن الحكومة الغارقة في أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ عام 2019، كانت تواجه معركة قاسية في جهودها لوضع البلاد على مسار يفضي إلى التعافي حتى قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر؛ ومنذ بداية الجولة الأخيرة من القتال، واجهت صعوبة كبيرة في إيجاد التمويل لخطة الطوارئ التي وضعتها لتخفيف حدة الآثار الاجتماعية والاقتصادية للحرب.

حتى الآن، تحافظ إسرائيل وحزب الله على توازن هش على الحدود. لكن ضبطهما للنفس قد ينتهي إذا قصف أحد الطرفين – ربما عن غير قصد – منطقة مأهولة بالسكان، وقتل عدداً كبيراً من المدنيين وأجبر الطرف الآخر على الرد. ولا يمكن التكهن بما إذا كان الطرفان سيتمكنان من احتواء تصعيد العنف الناجم عن ذلك؛ إذ إن القادة الإسرائيليين يمكن أن يستنتجوا - إذا كان الضحايا على الجانب الإسرائيلي- أن لا خيار أمامهم سوى التعامل بحسم مع التهديد الذي يشكله حزب الله.

وإذا صعدت إسرائيل وحزب الله الصراع إلى حرب شاملة، كما يخشى كثيرون، من شبه المؤكد أن تحل كارثة إنسانية بالبلاد بأسرها. يمكن أن تشن إسرائيل غزواً برياً لجنوب لبنان، بينما توسع قصفها لأهداف في جميع أنحاء البلاد، كما فعلت في حرب عام 2006. مرة أخرى، من المرجح أن تركز إسرائيل هجماتها الجوية على مناطق تقطنها أعداد كبيرة من الشيعة – ولا سيما ضواحي بيروت الجنوبية ووادي البقاع، إضافة إلى جنوب لبنان – حيث تتهم إسرائيل حزب الله بتخزين جزء كبير من أسلحته بين المدنيين الذين يدعي أنه يمثلهم في السياسات الطائفية في البلاد. تستعد الوكالات الإنسانية لهذا السيناريو، الذي يمكن أن يشهد نزوح مليون شخص في بلدٍ ذي اقتصاد منهار أصلاً.

مصر

لقد استمرت التوترات بين مصر وإسرائيل في الارتفاع منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. وتتمحور هذه التوترات حول مخاوف القاهرة من نوايا إسرائيل، بما في ذلك احتمال طرد الفلسطينيين من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء. بينما بدا أن هذه الهواجس خفتت بعد تطمينات من الولايات المتحدة وشركاء أجانب آخرين، فإن احتمال شن عملية برية إسرائيلية شاملة في رفح، المدينة الأقرب إلى مصر التي تستضيف حالياً أكثر من مليون نازح فلسطيني، أعاد إحياء تلك المخاوف. لردع إسرائيل عن التفكير بمثل تلك الخطوات، عبّرت مصر بصرامة عن معارضتها لخيار طرد الفلسطينيين على نحو متكرر.

كما تشعر مصر برعب من احتمال دخول إسرائيل إلى المنطقة المحاذية لحدودها. في كانون الأول/ديسمبر، عبَّر رئيس الوزراء نتنياهو عن عزمه السيطرة على معبر فيلادلفيا، وهو شريط ضيق من الأرض يمتد على طول حدود مصر مع قطاع غزة، ما دفع المسؤولين المصريين إلى تحذير نظرائهم الإسرائيليين من أن إعادة احتلال هذه المنطقة سينتهك اتفاق عام 2005 الذي يسمح للقاهرة بنشر 750 جندياً لحراسته. وبينما ترى إسرائيل في السيطرة على هذا الممر أمراً حيوياً لوقف التدفق المزعوم للأسلحة والمعدات العسكرية إلى قطاع غزة، فإنه حيوي بالنسبة لمصر للمحافظة على الأمن في سيناء، التي شهدت تمرداً مستمراً، وأيضاً لإحباط عملية تهجير قسري محتمل للفلسطينيين من قطاع غزة.

كان المسؤولون المصريون ينظرون جدياً في تعليق معاهدة عام 1979 إذا شنت إسرائيل هجوماً في رفح دون أن تقوم أولاً بإخلاء السكان المدنيين داخل قطاع غزة

لقد ذهبت القاهرة إلى حد إبلاغ إسرائيل بأن الطرد الجماعي للفلسطينيين من قطاع غزة سيجبر مصر على الانسحاب من معاهدة السلام بين البلدين التي وُقعت عام 1979. في مطلع شباط/فبراير، ومع شروع إسرائيل في التحضيرات لمهاجمة رفح، حذر وزير الخارجية من أن مصر تعتبر "استهداف رفح، واستمرار إسرائيل في تبني سياسة إعاقة وصول المساعدات الإنسانية، على أنها مساهمة فعلية في تنفيذ سياسة تهجير الشعب الفلسطيني". وذكرت وسائل الإعلام أن المسؤولين المصريين كانوا ينظرون جدياً في تعليق معاهدة عام 1979 إذا شنت إسرائيل هجوماً في رفح دون أن تقوم أولاً بإخلاء السكان المدنيين داخل قطاع غزة. تراجع وزير الخارجية سامح شكري جزئياً لاحقاً، قائلاً إن مصر ستلتزم بالمعاهدة طالما التزمت إسرائيل بها أيضاً. إن وضع المعاهدة موضع شك من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد المصري، ولا سيما إذا توقفت الولايات المتحدة عن تقديم حزمة مساعداتها البالغة 1.3 مليار دولار المرتبطة بالمعاهدة.

يبدو أن التهديد بالانسحاب من معاهدة السلام يهدف على نحو رئيسي إلى إقناع حلفاء مصر الغربيين بفرض خطهم الأحمر المعلن، وفي الوقت نفسه الحصول على تنازلات اقتصادية كبيرة منهم. منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، واجهت القاهرة أزمة أمنية محتملة وأزمة اقتصادية ناتجة عن حرب غزة، فاقمت مأزقها الاقتصادي القائم أصلاً ونفوذها الدبلوماسي والعسكري المتراجع في المنطقة. من الناحية الأمنية، تواجه مصر احتمال حدوث تدفق للاجئين يزعزع استقرارها. واقتصادياً، شعرت بأثر حرب غزة من خلال تدني عائدات السياحة، وإعادة تصدير الغاز الإسرائيلي (الذي أوقفته إسرائيل لمنع حماس من استهداف البنية التحتية للتصدير) ورسوم العبور في قناة السويس، التي قلصتها هجمات الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر. لكنها حاولت استعمال موقعها المركزي في هذه الأزمة الإقليمية وهشاشتها التي تقر بها لتحسين موقعها. في مواجهة مشكلة محدودية الموارد والنفوذ، تحاول مصر الآن استغلال خوف الغرب من أن حرب غزة يمكن أن تزعزع استقرار أكبر البلدان العربية، مع احتمال حدوث تداعيات على الأمن الإقليمي، والهجرة غير المنتظمة إلى أوروبا وعمليات الشحن التجاري في قناة السويس. ويحتل موقعاً محورياً في هذه المقاربة طلب القاهرة دعماً مالياً من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، وأيضاً طلب المساعدة الأميركية في منع طرد الفلسطينيين من قطاع غزة.

يمكن لهذا الرهان، الذي نجح حتى الآن، أن يتعرض لضغوط شديدة إذا مضت حملة برية إسرائيلية قُدماً في رفح. على مدى الشهور الماضية، كرر صُناع سياسات غربيين معارضة مصر للتهجير القسري وأشاروا إلى استعدادهم لتقديم مساعدات مالية إضافية. لكن سيناريو التهجير القسري ما يزال يقلق مصر. لقد علقت القاهرة آمالها على فكرة أن الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية ستكون مستعدة وقادرة على احتواء الهجوم الإسرائيلي في قطاع غزة. لكن تصريحات نتنياهو الأخيرة تشير إلى أن إسرائيل تستعد لشن هجوم على رفح. من شأن حادث كهذا أن يؤدي إلى خروج جماعي للفلسطينيين إلى سيناء ويكشف انعدام قدرة مصر في مواجهة إسرائيل وتآكل الدعم الذي ما تزال السلطات تحظى به في أوساط السكان. 

يمكن لتدفق اللاجئين الفلسطينيين أن يشكل ضغطاً على الموارد المحدودة أصلاً ويغذي الاحتجاجات المعادية للحكومة، وربما يدفع البلاد إلى حافة اضطرابات جماهيرية

لقد لقي الصراع في قطاع غزة صدى عميقاً في المجتمع المصري، فأحيا تعبئة القواعد الجماهيرية من خلال المظاهرات في الشوارع تضامناً مع الفلسطينيين ومقاطعة المستهلكين للبضائع الإسرائيلية والغربية. لقد حاول الرئيس عبد الفتاح السيسي احتواء هذا الارتفاع الكبير في منسوب الدعم بتأكيده على التزامه بالقضية الفلسطينية وعلى عدم الاستقرار الذي من شأن الحرب أن تحدثه في مصر. إذ يمكن لتدفق اللاجئين الفلسطينيين أن يشكل ضغطاً على الموارد المحدودة أصلاً ويغذي الاحتجاجات المعادية للحكومة، وربما يدفع البلاد إلى حافة اضطرابات جماهيرية.

حتى الآن، تعمل مصر على تخفيف حدة الكارثة الإنسانية المتكشفة في قطاع غزة، على الأقل جزئياً لثني الفلسطينيين عن محاولة الخروج من غزة بأنفسهم، وللتوسط لوقف الأعمال القتالية. منذ بداية الصراع، كانت رفح نقطة الوصول الرئيسية للمساعدات الإنسانية الواصلة إلى مصر من أجل قطاع غزة، حيث تعالج نحو 100 شاحنة يومياً. تشكل مصر الآن معبر المساعدات الرئيسي إلى القطاع، من خلال مطار العريش في سيناء. إلا أن الضوابط الصارمة التي تفرضها إسرائيل والعقبات اللوجستية، بما فيها الطاقة التخزينية المحدودة في العريش، تقيِّد تدفق المساعدات، الأمر الذي يخاطر بفساد المواد القابلة للتلف.

دبلوماسياً، انضمت مصر إلى قطر في جهودها لإنهاء الحرب. وعلى مدى السنوات الماضية، تبنت القاهرة مقاربة براغماتية حيال حماس رغم ارتباط الحركة بالإخوان المسلمين في مصر، الذين قمعهم السيسي بقسوة. تنظر القاهرة إلى حماس بصفتها لاعباً متجذراً في المجتمع الفلسطيني ولا غنى عنه في أي ترتيب دبلوماسي وأمني في المنطقة. في كانون الأول/ديسمبر، وضعت القاهرة خطة من ثلاث مراحل لوقف إطلاق النار ولتيسير إطلاق سراح الرهائن في قطاع غزة والأسرى الفلسطينيين في إسرائيل، إضافة إلى انتقال سكان قطاع غزة إلى الجزء الشمالي من القطاع. استؤنفت المحادثات في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير، التي تهدف إلى التوصل إلى اتفاق مماثل من شأنه أن يمهد الطريق لخفض تصعيد رئيسي وهدنة دائمة. لكن الخلافات بين حماس وإسرائيل على مدة الهدنة، حيث تطالب حماس بوقف إطلاق نار دائم وتقبل إسرائيل بهدنة مؤقتة فقط، تعني أن الجهود كانت حتى الآن دون جدوى.

الأردن

بسبب قربه الجغرافي والديموغرافي من مركز الأزمة، يحاول الأردن جاهداً تجنب التورط في عدم الاستقرار المتزايد في المنطقة. بالنظر إلى أنه كان منذ وقت طويل ملاذاً للفلسطينيين الذين أخرجوا من وطنهم، فإن لديه مخاوف عميقة من أزمة جديدة يمكن أن تدفع بالفلسطينيين عبر نهر الأردن. لقد جُر مباشرة إلى الأعمال القتالية المرتبطة بقطاع غزة مرة واحدة فقط، عندما ضربت طائرة مسيرة مسلحة أطلقتها مجموعة شبه عسكرية عراقية مدعومة من إيران موقع مراقبة أميركي، البرج 22، في الصحراء قرب الحدود الأردنية مع سورية في 28 كانون الثاني/يناير، فقتلت ثلاثة جنود أميركيين. لم يكن للحدث تداعيات أخرى على الأردن، رغم رد الولايات المتحدة بموجة من الهجمات المضادة على المجموعات المسلحة العراقية المدعومة من إيران في سورية والعراق. لكن الحدث شكل تحذيراً من أن أي تصعيد عالمي يمكن أن يمتد إلى الأردن. لقد تقلصت استعراضات الغضب الشعبي حيال محنة الفلسطينيين في قطاع غزة منذ الأيام الأولى للهجوم الإسرائيلي بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر على القطاع، لكن من المرجح أن يتصاعد مرة أخرى إذا أُخرج الفلسطينيون إلى مصر.

تضامناً مع الفلسطينيين، الذين يشكلون جزءاً كبيراً من سكان البلاد، عبَّر القادة الأردنيون بقوة عن إدانتهم للحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. وقد أصدر الملك والملكة عدداً كبيراً من البيانات شديدة اللهجة، حيث أدان الملك "حملة القصف القاسية" في قطاع غزة بوصفها "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي" و"جريمة حرب". كما وصف وزير الخارجية أيمن الصفدي أيضاً حملة إسرائيل بأنها "جريمة حرب". وقال إن الأردن سيرفض أي انخراط عربي في غزة ما بعد الحرب، سواء كان ذلك على شكل قوات حفظ سلام أو قبول لاجئين من القطاع، قائلاً إنه لا يرغب بأن ينظر إليه على أنه ييسر حل أزمة صنعتها إسرائيل على حساب الفلسطينيين. كما دعا إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار ولإطلاق حماس سراح جميع الرهائن الذين تحتجزهم. ودعم الأردن بشكل علني قضية رفع جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية.

يقول مسؤولون في عمّان إن حرب إسرائيل في قطاع غزة يمكن أن تشكل تهديداً وجودياً للأردن

يقول مسؤولون في عمّان إن حرب إسرائيل في قطاع غزة يمكن أن تشكل تهديداً وجودياً للأردن. ويتمثل السيناريو الذي يخشونه أكثر من سواه في طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن بعد أن تُحوِّل إسرائيل انتباهها عن غزة. من شأن القادمين الجدد أن يحدثوا اضطراباً في التوازن السياسي الهش بين سكان البلاد الفلسطينيين – اللاجئين من حربي 1948 و1967 – وسكان القدس الشرقية أو شرق الأردن. ويمثل التعبير عن مخاوفهم صراحة ابتعاداً عن ممارساتهم القديمة، عندما كان الأردن يتبنى عادة لهجة محسوبة حيال السياسات والأفعال العسكرية الإسرائيلية، انسجاماً مع تفضيلات حلفائه الغربيين.

تعرضت الحكومة لانتقادات داخلية متزايدة لتوقيعها مذكرة التفاهم بشأن الشراكة الأميركية–الأردنية لعام 2022. تمنح الاتفاقية الولايات المتحدة "حقوقاً غير محدودة فعلياً" باستخدام الأراضي الأردنية لأهداف عسكرية مقابل مساعدات بقيمة 10 مليار دولار على مدى سبع سنوات. بدأت معارضة الاتفاق بالتنامي في تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما ظهرت مزاعم بأن الولايات المتحدة كانت ترسل مساعدات عسكرية إلى إسرائيل عبر الأردن، واتهام الأردنيين للولايات المتحدة بـ "استعمار" بلدهم.

خمدت الاحتجاجات التي ظهرت في تشرين الأول/أكتوبر، جزئياً لأن قوات الأمن قمعتها وربما لأن الناس اعتادوا على التغطية الإعلامية الكثيفة لمعاناة الفلسطينيين. لكن الاعتصامات استمرت على المعبرين الحدوديين مع إسرائيل، حيث يحاول النشطاء منع الشاحنات التي تحمل الإمدادات إلى إسرائيل والتي جرى تحويل مسارها براً من دول الخليج العربية بسبب هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر.

العراق

لقد هاجمت المجموعات العراقية المدعومة من إيران على نحو متكرر الأصول العسكرية الأميركية في العراق وسورية على مدى الأشهر الأربعة الماضية، بسبب حرب إسرائيل في قطاع غزة، وأثارت أحياناً رداً أميركياً. بشكل عام، يبدو كلا الطرفان عازمين على عدم تجاوز الخطوط الحمر. قبل 28 كانون الثاني/يناير، لم يُقتل أي جندي أميركي، وفي حين قتلت الولايات المتحدة عدة مقاتلين من مجموعات عراقية، يبدو أن تلك المجموعات اعتبرت تلك الخسائر مقبولة.

تعرَّض التوازن الهش للاختبار على نحو أوضح عندما قتلت إحدى هذه المجموعات، وهي كتائب حزب الله، ثلاثة جنود أميركيين بضربة بطائرة مسيرة على البرج 22 في 28 كانون الثاني/يناير. من المرجح أن الهجوم لم يكن يهدف إلى القتل، بالنظر إلى أن الأنظمة الدفاعية الأميركية كانت تسقط المسيرات المعادية على نحو روتيني، وهي حقيقة كانت المجموعات المسلحة تعيها جيداً. وشكل رد فعل المجموعات مؤشراً؛ فقد انسحبت مباشرة من قواعدها في سورية وغرب العراق. ووصل قائد قوات القدس الإيرانية، إسماعيل قاآني، إلى بغداد بعد ساعات من الهجوم, ويبدو أنه أجبر كتائب حزب الله على إصدار بيان، نُشر على منصة تلغرام للتواصل الاجتماعي. وقالت المجموعة إنها تعلّق هجماتها، مشيرة إلى رغبتها "بعدم إحراج الحكومة العراقية"، التي تجري مفاوضات مع واشنطن حول ما إذا كانت القوات الأميركية ستبقى في العراق. (مجموعات أخرى، بما فيها كتائب سيد الشهداء وحركة النجباء، تعهدت بالاستمرار.) شكل البيان إشارة واضحة من إيران إلى أن حلفاءها من غير الدولة ذهبوا أبعد مما ينبغي في مواجهتهم مع الولايات المتحدة، حتى لو لم تكن كتائب حزب الله قد قصدت قتل جنود أميركيين. 

دفع مقتل الجنود إدارة بايدن إلى الرد بقوة وسط صخب سياسي في واشنطن واتهامات من منتقديها بأنها تظهر الضعف. في 2 شباط/فبراير، شنت القوات الأميركية أكثر من 80 ضربة في شرق سورية وغرب العراق، فضربت قواعد ومنشآت تخزين أسلحة تعود إلى قوة القدس ومجموعات عراقية مسلحة تشكل جزءاً من المقاومة الإسلامية التي تدعمها إيران، ومجموعات أخرى ليست جزءاً منها. ظهرت جميع المجموعات المسلحة - سواء كانت مرتبطة بطهران أم لا – كجزء من الحشد الشعبي الذي جمعه رجال الدين الشيعة في عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية أو داعش. قتلت الضربات الأميركية سبعة عشر شخصاً في موقعين في محافظة الأنبار، بما في ذلك ستة عشر شخصاً ينتمون إلى كتائب الحشد التي لا تعد جزءاً من المقاومة الإسلامية، إضافة إلى مدني واحد.

انتقد البعض في العراق والولايات المتحدة إدارة بايدن على عدم الرد مباشرة ضد كتائب حزب الله، التي كانت مسؤولة عن الهجوم على البرج 22

أدانت الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الضربات بصفتها انتهاكاً غير مقبول للسيادة العراقية، بينما انتقد البعض في العراق والولايات المتحدة إدارة بايدن على عدم الرد مباشرة ضد كتائب حزب الله، التي كانت مسؤولة عن الهجوم على البرج 22. بعد ذلك بوقت قصير، في 7 شباط/فبراير، هاجمت الولايات المتحدة سيارة في بغداد، فقتلت قائداً كبيراً في كتائب حزب الله، هو وسام صابر الساعدي، المعروف أيضاً بأبو الباقر، وثلاثة من رفاقه. أثار هذا الحادث بدوره غضباً شديداً بين أتباع المقاومة الإسلامية والحشد على حد سواء، بالنظر إلى أن أبو الباقر كان أحد القادة المخضرمين لكتائب حزب الله، وكان مسؤولاً مؤخراً عن عمليات المجموعة في سورية.

كما دفع الحادث كتائب حزب الله إلى التراجع عن بيانها بتعليق العمليات. إلا أن المجموعة لم تقم بأي هجمات في العراق منذ ذلك الحين، بل شنت بضع هجمات في سورية، ومن الواضح أن ذلك كان بضغط من إيران والحكومة العراقية. في حين ترغب إيران بمنع مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، فإن الحكومة العراقية بحاجة لفضاء سياسي للتفاوض على خروج القوات الدولية التي تشكل جزءاً من التحالف الذي شُكل لمحاربة داعش. تشكل مغادرة هذه القوات مطلباً قديماً للحكومة العراقية، وكذلك مطلباً لإيران والمجموعات السياسية والمسلحة التي تدعمها. وقد أشارت واشنطن إلى أنها مستعدة للنظر في الطلب لكن ليس عندما تكون القوات الأميركية تحت النار. حدث الهجوم على البرج 22 بعد يوم من اجتماع للجنة العسكرية العراقية–الأميركية العليا في بغداد للتفاوض على انسحاب قوات التحالف. في 10 شباط/فبراير، عقد البرلمان العراقي جلسة للتصويت على طرد القوات الأميركية، لكن لم يحضر عدد كافٍ من النواب لتشكيل النصاب. غاب نحو نصف النواب الشيعة عن الجلسة، ما يشير إلى إحجام واسع النطاق داخل الائتلاف الحاكم لفرض انسحاب سريع أو أي انسحاب للقوات الأميركية. فمعظم الأحزاب العراقية، حتى أعضاء الحشد، باستثناء ثلاث من مجموعات المقاومة الإسلامية الرئيسية، تفضل بقاء القوات الأميركية من أجل تدريب القوات العراقية. (الشكوى الرئيسية لمجموعات المقاومة الإسلامية تتمثل في استعمال الولايات المتحدة لبنيتها التحتية وقدراتها الاستخبارية الموجودة في البلاد كجزء من التحالف لمحاربة داعش لاستهداف أطراف غير داعش.)

يظهر حادث البرج 22 المخاطر الكامنة في اللعبة العسكرية التي تمارسها المقاومة الإسلامية والولايات المتحدة في العراق وسورية، إضافة إلى التصميم الواضح للولايات المتحدة وإيران على حد سواء على الاستمرار في احتواء الضربات والضربات المضادة. لكن في هذه المواجهة المتوترة، لا بد أن تحدث حوادث، وما من ضمانة بأن جهود إدارة الوضع ستنجح دائماً، ولا سيما إذا كان هناك أعداد أكبر من القتلى من أي من الطرفين.

سورية

يُعدُّ النظام السوري، الذي أضعفته الحرب الأهلية والعقوبات الغربية، العضو الوحيد في "محور المقاومة" الذي تقوده إيران الذي ظل بعيداً عن الأضواء خلال الأزمة التي حدثت بسبب هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على إسرائيل، في الوقت الذي يواجه فيه ارتفاعاً في عدد الضربات الإسرائيلية على أصول إيران وحلفائها داخل البلاد. وقد اقتصرت بياناته العلنية على تصريحات تعبر عن الدعم للقضية الفلسطينية ومقاومة إسرائيل، بما يعكس المواقف السورية القائمة منذ أمد طويل. لكن بينما امتدح عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حماس، فإنه لم يتخذ أي إجراء لمساعدة التنظيم أو شركائه الآخرين في "المحور". لم يردّ النظام على الضربات الجوية الإسرائيلية، بل إنه انخرط في نقاشات مع روسيا لتقليص أنشطة الميليشيات التي تدعمها إيران قرب الحدود السورية–الإسرائيلية. لكنه سمح لهذه الميليشيات بالاستمرار باستعمال المنشآت المدنية والعسكرية والبنية التحتية للنظام لإمداد قواتها المنتشرة في جنوب سورية.

أبقى [الرئيس بشار الأسد] المظاهرات المؤيدة لفلسطين في حدها الأدنى

على الجبهات الأخرى، جاءت أفعال النظام لتناقض خطابه. دعا الرئيس بشار الأسد القادة الوطنيين الواحد والخمسين في القمة العربية–الإسلامية التي عقدت في السعودية في 11 تشرين الثاني/نوفمبر إلى وقف جميع أشكال الانخراط السياسي مع إسرائيل، واشتراط أي استئناف لها بالتزام إسرائيل بوقف الأعمال القتالية والسماح بالوصول الفوري للمساعدات إلى قطاع غزة. لكن في الداخل، أبقى المظاهرات المؤيدة لفلسطين في حدها الأدنى، وطلب من أولئك الذين يأملون بتنظيمها بالحصول على "موافقة أمنية". سمح بمظاهرة نظمتها الأحزاب الفلسطينية في دمشق في 14 تشرين الأول/أكتوبر، لكنه فرَّق التجمع عندما أصبح المتظاهرون أكثر هياجاً. في 19 تشرين الأول/أكتوبر، سمح بمزيد من المظاهرات في عدة مدن في المناطق التي يسيطر عليها النظام، بما في ذلك مظاهرة رعتها الدولة أمام مقر الأمم المتحدة في دمشق.

مع دخول الصراع شهره الخامس، يبقى التهديد الرئيسي لاستقرار سورية ينبع من التوتر المتزايد بين المجموعات شبه العسكرية المدعومة من إيران والولايات المتحدة، التي ما تزال تحتفظ بطواقم عسكرية في سورية. في 28 كانون الثاني/يناير، ضربت طائرة مسيرة مفخخة أطلقتها مجموعة عراقية، ربما من قاعدة في شرق سورية، البرج 22، وهو مركز مراقبة أميركي على الجانب الأردني من الحدود مع سورية، فقتلت ثلاثة جنود أميركيين. قد يكون مقتل الجنود غير مقصود؛ فقد أسقطت الولايات المتحدة عادة مثل تلك المسيرات، لكن في هذه الحالة ظنت أن المسيرة تابعة لها. أمرت واشنطن بسلسلة من الضربات الانتقامية في سورية والعراق. يمكن لخطأ مماثل في الحسابات، يعالَج بقدر أقل من الحنكة، أن يحدث تصعيداً أكثر خطورة.

اليمن

كحال نظرائهم المدعومين من إيران في لبنان والعراق، فإن الحوثيين في اليمن، المعروفين بأنصار الله، ردوا على الحرب في قطاع غزة بضرب المصالح الإسرائيلية. فقد شن الحوثيون ضربات بالصواريخ والمسيرات في البحر الأحمر وخليج عدن، بداية على سفن الشحن التي يشَك بأنها مرتبطة بإسرائيل – بمعنى أنه اعتُقد أن السفن إما مملوكة جزئياً من قبل إسرائيل أو أنها متوجهة إلى ميناء إسرائيلي. لاحقاً، وطبقاً للولايات المتحدة، وسَّعوا مجموعة أهدافهم لتشمل سفناً تجارية أخرى إضافة إلى السفن الحربية الأميركية. لقد أشار الحوثيون إلى أن الهجمات "ستستمر إلى أن ينتهي العدوان في قطاع غزة، ويُرفع الحصار وتُسلَّم المساعدات الغذائية إلى شمال وجنوب قطاع غزة". (كما حاولوا الوصول إلى المناطق الإسرائيلية مباشرة بصواريخهم لكن تبين أنهم غير قادرين على ذلك بشكل عام.) 

في وجه هذه الهجمات، اختار كثير من شركات الشحن عدم إرسال السفن عبر البحر الأحمر، وفضّل الممر البديل، الأكثر كلفة، حول القارة الأفريقية. أما أولئك الذين اختاروا المخاطرة بالرحلة الأقصر فقد وجدوا سفنهم عرضة للهجوم. وقد تسببت الصواريخ الحوثية والطائرات والغواصات المسيرة بأضرار كبيرة لعدة سفن.

ما تزال أحدث تصريحات الحوثيين تحدد إنهاء حرب غزة على أنه الهدف الرئيسي لهجماتهم

لقد شنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بدعم من دول غربية أخرى، ضربات مضادة متكررة على الحوثيين، واستهدفوا مواقع الرادار الساحلية للجماعة، والمسيرات الجوية وسفنها، ومنشآت تخزين أسلحتها، ومواقع إطلاق الصواريخ والأصول العسكرية الأخرى في محاولة لتقليص قدرتها على الاستمرار في هجماتها. لم يحقق هذا الجهد هدفه بعد. ففي مآتم عدد من المقاتلين الذين قتلوا في هذه الضربات، تعهد الحوثيون بالرد على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وما تزال أحدث تصريحات الحوثيين تحدد إنهاء حرب غزة على أنه الهدف الرئيسي لهجماتهم لكنهم يتحدثون أيضاً عن الانتقام لمقاتليهم الذين قتلوا.

في 17 كانون الثاني/يناير، سمَّت الولايات المتحدة الحوثيين جماعة إرهابية عالمية مصنفة على نحو خاص في محاولة واضحة لإقناعهم بوقف هجماتهم على سفن الشحن الدولية. الحوثيون، من جانبهم، قللوا من أهمية تأثير العقوبات الناجمة عن التصنيف.

يعرف الحوثيون أن أفعالهم تتمتع بدرجة من الدعم الشعبي في اليمن، الأمر الذي يساعدهم في وقت تراجعت فيه شعبية حكمهم في المناطق التي يسيطرون عليها على نحو متزايد. يتعاطف اليمنيون عامة مع القضية الفلسطينية وينتقدون بحدة الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة. وتشهد المظاهرات الكبيرة في المدن – سواء داخل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون أو خارجها، مثل تعز – بهذه المشاعر المنتشرة على نطاق واسع. ونتيجة لذلك، تمكَّن الحوثيون من تعزيز عمليات التجنيد العسكري في المناطق التي يديرونها لمساعدتهم في صراعهم ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والفصائل المسلحة المرتبطة بها. لقد التزم الحوثيون وخصومهم بهدنة توسطت في التوصل إليها الأمم المتحدة منذ أيار/مايو 2022. كما انخرط الحوثيون في مفاوضات مع السعودية بشأن انسحاب الأخيرة من اليمن والشروع في محادثات يمنية–يمنية بعد ذلك. لكن من المرجح أنهم يعززون قوتهم العسكرية للتحضير لما بعد انسحاب التحالف الذي تقوده السعودية. وسيتمثل الأعداء الوحيدون الذين سيواجهونهم في الفصائل المتنازعة المتحالفة مع الحكومة، على أمل إلحاق هزيمة نهائية بها. كما يشعرون بجرأة متزايدة نظراً لمعرفتهم بأنه لن يكون هناك من يهرع لمساعدة خصومهم، ولا سيما إذا كان ذلك سيخاطر بمزيد من الهجمات الحوثية على السفن التجارية.

حتى الآن، تستمر المحادثات السعودية–الحوثية، لكن لا تبدو قريبة من الوصول إلى حصيلة إيجابية أكثر مما كانت عليه قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر. لكن الأمر المهم هو أنها لم تنهَر، بشكل رئيسي بسبب قرار الرياض عدم ربط نفسها بالمواجهة العسكرية الأميركية مع الحوثيين. لكن، كلما استمرت الحرب في قطاع غزة، كلما ازداد احتمال تعثر العملية السياسية وآفاق السلام في اليمن – التي لا تعتمد على الاتفاق الحوثي–السعودي فحسب بل أيضاً على التوصل إلى اتفاق يمني–يمني معه. في حين صمدت الهدنة بحكم الأمر الواقع غالباً، فإن قتالاً على مستوى متدنٍ استمر في بعض أنحاء البلاد ويمكن أن يتصاعد مع تجدد المساعدات الخارجية. يمكن للولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن توسعا هجماتهما على الحوثيين إذا استمر هؤلاء في استهداف السفن التجارية، لكنهما وقوى أجنبية أخرى يبدون غير راغبين بالقيام بتحركات من شأنها أن تجدد الانخراط الخارجي وارتفاع حدة العنف في الحرب الأهلية اليمنية.

إيران

منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ارتفعت التوترات بحدة بين الولايات المتحدة و"محور المقاومة"، وهي الشبكة التي تضم المجموعات التي تدعمها إيران في المنطقة. تسبب هجوم مميت على القوات الأميركية في أواخر كانون الثاني/يناير إلى ردٍ انتقامي كبير في العراق وسورية، بينما تظل الولايات المتحدة والقوات الحليفة لها في مواجهة شبه يومية مع الحوثيين بسبب تهديداتهم للشحن التجاري في البحر الأحمر وخليج عدن. يبدو أن إيران تسير على خط رفيع بين الاستمرار في الضغط غير المباشر على خصومها من خلال شركائها، بينما تبتعد عن الاستفزازات التي تنطوي على مخاطرة كبيرة بحدوث اشتباك مباشر. لكن من غير الواضح ما إذا كانت ستظل قادرة على المحافظة على هذا التوازن.

تصور الحكومة الإيرانية نفسها على أنها حاملة لواء القضية الفلسطينية، وقد كان عداؤها لإسرائيل سمة محورية في أيديولوجيتها منذ ثورة عام 1979. ورغم أنها نفت أي دور لها في هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، فإنها امتدحت تنفيذه، ومنذ ذلك الحين أدانت الحملة العسكرية الإسرائيلية، وحثت في الوقت نفسه على التوصل إلى وقف لإطلاق النار. كما تشيد طهران بهجمات أعضاء "محور المقاومة"، بما في ذلك حزب الله في لبنان، والمجموعات المختلفة في العراق والحوثيين في اليمن، على إسرائيل و/أو أهداف أميركية. لكن بينما تدعم هذه المجموعات مالياً وعسكرياً، وتعترف بإجراء "مشاورات مشتركة" معها، فإنها تنكر توجيه أفعالها.

رغم جهود إيران على مدى عقود لإبقاء الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني في مركز سياستها الخارجية، أو ربما بسبب هذا الجهد، يبدو أن المشاعر الشعبية تختلف عن الخط الرسمي. رغم عدم وجود استطلاعات موثوقة تُذكر أو مؤشرات منهجية أخرى، تشير الأدلة المروية إلى أن كثيراً من الإيرانيين فقدوا اهتمامهم بسردية الدولة عن "دعم المضطهدين"، الذي يشكل القاعدة التي تستند إليها في دعمها لمجموعات "المحور". بل قد يكون هناك رد فعل معاكس بدأ بالظهور. فقد تردد شعار "لا غزة، ولا لبنان، روحي فداء لإيران" في عدد من المظاهرات المتكررة المعادية للحكومة مدفوعة بالاستياء السياسي والاقتصادي، ما يعكس قناعة بأن الحكومة تعطي أولوية للدفع بأجندتها الإقليمية أكثر مما تفعله لتلبية الاحتياجات المحلية الملحّة.

من المرجح أن تكون المظاهرات القليلة التي خرجت تأييداً لفلسطين [في إيران] منظمة من الأعلى وليس من قبل القواعد الشعبية

ومن المرجح أن تكون المظاهرات القليلة التي خرجت تأييداً لفلسطين منظمة من الأعلى وليس من قبل القواعد الشعبية، كما شوهد في كثير من العواصم الغربية. وكما عبَّر عن ذلك تعليق في صحيفة شرق ذات الاتجاه الإصلاحي، "تحت السطح، لا يمكن رؤية أي تحرك". لكن بصرف النظر، حتى مع الشعور باللا مبالاة حيال مقاربة الحكومة أو انتقاد صريح لها، من غير المرجح أن يصوغ ذلك سلوك صناع القرار، الذين يقيّمون سياساتهم بشكل رئيسي على أساس تصورهم للمصالح الأيديولوجية والإستراتيجية لإيران.

تنخرط إيران في صراعين متمايزين لكن متشابكين مرتبطين بقطاع غزة. يشكل الصراع الأول إحدى وظائف دعمها القديم لحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني في القطاع، إضافة إلى حزب الله في لبنان. تفضل طهران احتواء التبادلات الدائرة على الحدود الإسرائيلية–اللبنانية، بالنظر إلى محورية حزب الله في فرض إيران لقوتها الإقليمية وفي إستراتيجيتها لـ "الدفاع المتقدم". إن مواجهة مباشرة وشاملة ستجبر طهران على اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستدخل الصراع دعماً لحزب الله، وكيف ستفعل ذلك؛ وهو الصراع الذي ترى فيه عنصراً محورياً في قدرتها على ردع إسرائيل عن ضرب إيران. بالنسبة لحماس، يمكن لإيران أن تصور أي شيء أقل من قيام إسرائيل بالتفكيك الكامل للحركة على أنه انتصار.

لا تقل أهمية تلك الهجمات المتكررة التي حدثت منذ منتصف تشرين الأول/أكتوبر بين المجموعات التي تدعمها إيران في سورية، والعراق واليمن، من جهة، والولايات المتحدة، وإسرائيل والقوات الحليفة لهما، من جهة أخرى. وقد مضت هذه المواجهات في اتجاه مثير للقلق على نحو متزايد، ولا سيما بعد أن تعرضت القوات الأميركية إلى مقتل ثلاثة جنود في هجوم بطائرة مسيرة في 28 كانون الثاني/يناير على موقع مراقبة في شمال شرق الأردن. وسَّعت واشنطن ضرباتها على القوات والمنشآت المرتبطة بإيران في سورية والعراق، في الوقت الذي تضرب فيه أهدافاً حوثية رداً على هجمات الجماعة اليمنية على الشحن التجاري في البحر الأحمر وخليج عدن. بعد أن بنت إيران شبكة من الحلفاء المحليين على مدى عقود، فإنها تقول إن هذه المجموعات تعمل على نحو مستقل؛ وتردُّ الولايات المتحدة وحلفاؤها بأن طهران، في الحد الأدنى، تيسِّر أفعال تلك المجموعات وتدعمها بالمعلومات الاستخبارية، والتمويل والأسلحة.

في الوقت الذي لا تبدو فيه واشنطن ولا طهران راغبة في التصعيد نحو مواجهة مباشرة، فإن المخاطر كبيرة. تواجه إدارة بايدن أصلاً دعوات محلية لضرب أهداف إيرانية مباشرة؛ والهجمات الإضافية في العراق وسورية التي ينتج عنها مقتل عدد كبير من القوات الأميركية سترفع وتيرة تلك الضغوط. تشير التقارير الإعلامية إلى أن إيران ضغطت على بعض المجموعات الحليفة لها لضبط هجماتها في الأسابيع الأخيرة، لكن ما يزال من غير الواضح ما إذا كان لدى الجمهورية الإسلامية القدرة أو الرغبة في كبح جماح شركائها، على الأقل مع استمرارها بمنحهم مساعدات عسكرية ومعلومات استخبارية. قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، بدا أن الولايات المتحدة وإيران اتفقتا على تفاهم غير رسمي لخفض التصعيد بينما تستمران في المحادثات السياسية، التي قطعها الهجوم غير المتوقع لحماس في إسرائيل. اليوم، قد ترغبان بالعودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر كطريقة لإعطاء المفاوضات فرصة أخرى، لكنهما تبدوان غير قادرتين على فعل ذلك دون توقف الحرب في قطاع غزة. وكموقع بديل مقبول، يبدو أن كلتاهما تحاولان البقاء داخل الخطوط الحمر للعدو بينما تبعثان برسائلهما بشأن ما يمكن أن يتسبب في رد تصعيدي أكبر. قد تمنعهما هذه المناورات من عبور عتبة نحو مواجهة مباشرة، لكنها تترك مجالاً واسعاً للاضطراب تحتها. أما ما إذا كان الطرفان سيمضيان إلى الاصطدام فأمر يصعب التنبؤ به؛ إذ إن حادثاً يتسبب في سقوط عدد كبير من القتلى يمكن أن يجبر أحدهما أو كليهما على تغيير موقفه، ولا سيما إذا كان جمهوره الداخلي يطالب بردٍّ انتقامي.

دول الخليج العربية

مع استمرار حرب غزة وارتفاع التوترات الإقليمية، تنقسم دول الخليج العربية في استجابتها. فالإمارات العربية المتحدة والبحرين، اللتان طبَّعتا علاقاتهما مع إسرائيل، والسعودية، التي تفكر في فعل ذلك، تحاول السير على خط رفيع بين إدانة القيادة الإسرائيلية استجابة للغضب الشعبي بينما لا تعرِّض للخطر علاقاتها الحساسة مع الدولة العبرية. على النقيض من ذلك، كانت عُمان، وقطر والكويت صريحة في إدانتها لسلوك إسرائيل في الحرب. وفي حين دعا جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي إلى وقف إطلاق النار في غزة، فإن الدول الأعضاء لم تفعل شيئاً يذكر لتنسيق جهودها لإنهاء الحرب، بل تعمل كل منها على نحو منفصل.

منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، تعكس المشاعر في كل منطقة الخليج غضباً عميقاً من إسرائيل لحربها في غزة ومن الولايات المتحدة لعدم كبحها جماح إسرائيل. خرجت مظاهرات معادية للحرب في عُمان، والكويت والبحرين مباشرة بعد هجوم حماس. ففي البحرين، استمرت مسيرات سلمية محدودة على نحو أسبوعي تقريباً، وركزت حصراً على قطاع غزة وابتعدت عن التعبير عن مظالم داخلية. هنا، وفي كثير من البلدان الأخرى ذات الأنظمة التي لا تشجع على التعبير العلني عن الاستياء، لجأ كثير من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي ويشاركون في مقاطعة الشركات التي ترتبط بعلاقات مع إسرائيل، من خلال الاستثمارات، أو الحملات الإعلانية أو غير ذلك، للتعبير عن دعمهم للفلسطينيين.

في عُمان وقطر، انسجمت النخب السياسية والدينية مع المشاعر الشعبية ضد إسرائيل ودعماً للفلسطينيين

في عُمان وقطر، انسجمت النخب السياسية والدينية مع المشاعر الشعبية ضد إسرائيل ودعماً للفلسطينيين. وأصدر مسؤولون عمانيون، بمن فيهم المفتي العام، بيانات قوية، يشجبون فيها الدول العربية لبقائها مكتوفة الأيدي بينما تحاصَر غزة، ويحتفون فيها بالحوثيين وبهجماتهم في البحر الأحمر، ويدينون الضربات التي تقودها الولايات المتحدة على المواقع العسكرية للحوثيين في اليمن. ودعا وزير الخارجية العُماني إلى عقد مؤتمر دولي من شأنه أن يدفع قُدماً الاعتراف بدولة فلسطينية، وأكد على أهمية إشراك حماس في المؤتمر. أما قطر، فقد وصف أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في خطاب في قمة مجلس التعاون الخليجي في تشرين الثاني/نوفمبر حملة إسرائيل في غزة بأنها "إبادة جماعية" وشجب القوى الخارجية لسماحها باستمرار تلك الحملة.

لقد لعبت قطر، على نحو خاص، دوراً بارزاً في محاولة إنهاء الحرب، فتوسطت بين إسرائيل وحماس للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. فبالعمل إلى جانب مصر والولايات المتحدة، توسطت بهدنة إنسانية لمدة أسبوع في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر في اتفاق شهد تبادلاً للرهائن والأسرى وفي الوقت نفسه إرسال أدوية للرهائن ومساعدات إنسانية إلى قطاع غزة. منذ ذلك الحين، شاركت على نحو متقطع في التفاوض على وقف أطول لإطلاق النار من شأنه أن يشهد – على ثلاث مراحل - إطلاق سراح جميع الرهائن الباقين، أو معظمهم، مقابل أعداد كبيرة من الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل، وزيادة كبيرة في المساعدات الإنسانية، وعلى الأقل انسحاباً جزئياً للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة. في شباط/فبراير، انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قطر لفشلها في تأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين عندما كانت، كما ادعى، في وضع يمكنها من الضغط على حماس، التي تستضيف قيادتها في الدوحة. رد مسؤولون قطريون باتهام نتنياهو بمحاولة إطالة أمد الحرب سعياً إلى تنفيذ أجندة سياسية ضيقة خاصة به، في إشارة إلى محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي المزعومة تجنب الظهور في المحكمة بتهم تلقي الرشاوى عن طريق تمسكه بمنصبه.

في الإمارات العربية المتحدة والبحرين، تستمر الضغوط لقطع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل بالتصاعد. في البحرين، ثمة نخب منقسمة؛ فحتى مع اعتقال قوات الأمن لعدة متظاهرين، صوَّت مجلس النواب في البلاد على سحب السفير البحريني من إسرائيل (رفض الملك حمد بن عيسى آل خليفة لاحقاً فعل ذلك)، وقطع العلاقات الاقتصادية والانضمام إلى القضية التي تشكل معلماً التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية. رغم ذلك، فإن قيادتي البحرين والإمارات قالتا إنهما تعتزمان الاحتفاظ بعلاقاتهما مع إسرائيل، بموجب اتفاقية إبراهيم لعام 2020.

تتصرف الإمارات بحذر عبر الاحتفاظ بعلاقاتها المربحة مع إسرائيل في وجه غضب شعبي متزايد ودرجة أكبر من التدقيق

تتصرف الإمارات بحذر عبر الاحتفاظ بعلاقاتها المربحة مع إسرائيل في وجه غضب شعبي متزايد ودرجة أكبر من التدقيق. ففي ابتعاد عن موقفها المعتاد، سمحت بدرجة من انتقاد إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى من قبل أكاديميين إماراتيين لهم عدد كبير من المتابعين. لقد وفرت أبو ظبي الطعام والدواء لقطاع غزة وأجلت مدنيين مصابين، وجادلت بأن علاقاتها مع إسرائيل تسمح لها ببناء ممر إنساني. كما بنت مستشفى ميدانياً، إضافة إلى محطة تحلية مياه على معبر رفح الحدودي مع مصر لضخ مياه شرب نظيفة إلى المنطقة. وباستعمال مقعدها في مجلس الأمن الدولي، الذي تشغله منذ نهاية عام 2023، دفعت الإمارات بقرار يدعو إلى زيادة المساعدات الإنسانية لغزة وحماية الذين يوصلونها. كما دعمت الإمارات سراً محمد دحلان، رئيس جهاز الأمن السابق في غزة، الذي يرى فيه البعض خليفة محتملاً لعباس. 

لقد حافظت السعودية، من جهتها، على نفسها بعيدة عن الأضواء على مدى الشهور الأربعة الماضية، وركزت على الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب، بما في ذلك محاولات لتنسيق مقاربات عربية. فاستضافت قمة عربية–إسلامية في الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر وأخذت وفداً عربياً لزيارة عواصم الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي للدفع نحو وقف لإطلاق النار في غزة. كما استضافت، في شباط/فبراير، وزراء خارجية مصر، والأردن، والإمارات وقطر لمناقشة كيفية العمل المشترك للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وتشارك في محادثات حول "اليوم الذي يلي انتهاء الحرب" في غزة، فالتقت مسؤولين من الأردن، ومصر والسلطة الفلسطينية بشأن بعث الحيوية في السلطة الفلسطينية.

بالنسبة للسعودية، يبقى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل على الطاولة رغم الحرب في غزة، لكن لا يبدو أن الرياض مستعجلة، رغم اعتقاد واشنطن بأن التقدم على هذا المسار لن ينهي أزمة غزة فحسب بل سيدفع إسرائيل والفلسطينيين نحو حل الدولتين أيضاً. إذا كانت السعودية، قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، حريصة على الحصول على مزايا أمنية حيوية من الولايات المتحدة، فإنها على الطريق لتحقيق ذلك الهدف، لكن دون شرط قاسٍ بشأن الدولة الفلسطينية، فإن حرب غزة وضعت القضية الفلسطينية على رأس قائمة المطالب السعودية، على الأقل خطابياً. يبدو أن الرياض ما تزال منفتحة على الفكرة لكن، نظراً لتحصنها بالغضب الشعبي من الأفعال الإسرائيلية في غزة، فإنها توضح أن التطبيع يمكن أن يحدث فقط، طبقاً لبيان لوزارة الخارجية في 7 شباط/فبراير، بعد "الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ... وانسحاب جميع قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة". تصعب معرفة مدى ثبات هذا المطلب، وما إذا كان بإمكان الدول، من وجهة النظر السعودية، الاعتراف بدولة فلسطينية قبل وجودها على الأرض، لكنها حتى الآن توفر أداة ضغط في المفاوضات ولا سيما مع الولايات المتحدة. بالنسبة للرياض، فإن إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ينسجم مع إطار السلام الإقليمي والاندماج الذي تحتاجه لتوفير مكاسب اجتماعية–اقتصادية بموجب رؤية السعودية 2030.

مع انتشار الأعمال القتالية في المنطقة، فإن دول الخليج العربية، باستثناء البحرين، قاومت الدعوات للانضمام إلى الجهود العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة لمحاربة الحوثيين في اليمن خشية أن تصبح هدفاً وسط تصعيد أوسع. يبدو أن الرياض وأبو ظبي تعتقدان أن انخراطهما مع إيران، في حالة السعودية، ومع الحوثيين سيحميهما إلى حد معين، بينما قال الحوثيون إن هجماتهم على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن لا تهدف إلى تقويض محادثاتهم مع السعودية، بل تركز حصراً على الدفع نحو وقف لإطلاق النار في غزة. لكن، ولأن الحوثيين استهدفوا السعودية والإمارات على حد سواء في الماضي، فإن الإمارات وربما دول خليجية أخرى أبلغت الولايات المتحدة، على ما ذكر، أنها لا تستطيع استعمال بلدانها لشن هجمات على المجموعات التي تدعمها إيران، علماً بأن للولايات المتحدة قواعد عسكرية في جميع الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

يبدو أن الجهود السعودية–الإيرانية والإماراتية–الإيرانية الرامية إلى المصالحة قد تضررت خلال حرب غزة. فقد تسارعت الاجتماعات رفيعة المستوى، ولا سيما بين المسؤولين الأمنيين السعوديين والإيرانيين، على مدى الأشهر القليلة الماضية. ويشير مثل ذلك التقدم إلى أن الرياض وأبو ظبي تريان في علاقات أقوى مع إيران ضمانة تحميهما من أن تصبحا أهدافاً للمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران و/أو المجموعات المتحالفة معها. كما تستفيدان كلتاهما، بمعنى أنهما تعتقدان أن الدبلوماسية مع إيران ستعزز بيئة إقليمية أكثر استقراراً يمكن أن تدعم تحولاتهما الاقتصادية الطموحة وأهدافهما في النمو. ويمكن المجادلة بأن هذه العلاقات ساعدت في منع تبادلات النيران في المنطقة من الوصول إلى دول الخليج. من شأن حوادث محلية، مثل تصعيد الصراع في اليمن واستئناف الهجمات الحوثية العابرة للحدود في السعودية، أن تعكس هذا الاتجاه. ومن شبه المؤكد أن تفترض الرياض وأبو ظبي أن طهران قد أعطت الضوء الأخضر لهذه الهجمات، متجاهلة فكرة المصالحة لصالح تحقيق مصالح إستراتيجية طاغية أقرب إلى البحر المتوسط. لكن في الوقت الراهن، يبدو أن الحوثيين أيضاً يثمِّنون المحافظة على إبقاء خطوط اتصالهم بالرياض مفتوحة، بحيث يستطيعون ضمان عدم إعادة إشعال صراعهم مع السعودية. 

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.