العنف المستمر في إسرائيل–فلسطين يمكن أن يشهد المزيد من التصعيد
العنف المستمر في إسرائيل–فلسطين يمكن أن يشهد المزيد من التصعيد
Palestinians check a car burnt in an attack by Israeli settlers following an incident where a Palestinian gunman killed two Israeli settlers near Hawara in the Israeli-Occupied West Bank, February 27, 2023. REUTERS / Ammar Awad
Statement / Middle East & North Africa 18 minutes

العنف المستمر في إسرائيل–فلسطين يمكن أن يشهد المزيد من التصعيد

مع إظهار المحتجين الإسرائيليين غضبهم حيال التشريعات غير الديمقراطية لحكومة أقصى اليمين في إسرائيل، تستمر الغارات العسكرية وهجمات المستوطنين في الضفة الغربية. ودون اتخاذ خطوات لخفض تصعيد الوضع، يمكن للعنف هناك أو في القدس أن يتصاعد خلال الأعياد الإسلامية واليهودية في الأسابيع القادمة.

يمكن للعنف المستمر في القدس الشرقية والضفة الغربية أن يتصاعد قبيل الأعياد الإسلامية واليهودية الرئيسية القادمة – رمضان وعيد الفصح – اللذان يتزامنان في عام 2023 كما حدث في السنتين الماضيتين. لقد تصاعدت التوترات على مدى الأشهر القليلة الماضية، مدفوعة بمزيج من العوامل، من بينها الغارات العسكرية الإسرائيلية المُهلكة في التجمعات السكنية الفلسطينية في الضفة الغربية؛ ومقتل إسرائيليين على أيدي أفراد فلسطينيين؛ وهياج الرعاع الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون؛ والبيانات التحريضية من قبل أعضاء حكومة أقصى اليمين الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو وأعضاء في الكنيست؛ ووجود حماس القلقة والقوية عسكرياً في قطاع غزة؛ ووجود سلطة فلسطينية فقدت شرعيتها في نظر الكثير من الفلسطينيين وظهور علامات على تفكك أجهزتها الأمنية. من شأن شرارة في أي مكان في الأراضي المحتلة أن تطلق تفاعلاً متسلسلاً في سائر أنحاء إسرائيل–فلسطين. إن القدس الشرقية، حيث الفلسطينيون والإسرائيليون على احتكاك دائم ودون وساطة، وحيث بلغت الاضطرابات في ربيع عام 2021 ذروتها في 11 يوماً من الحرب بين إسرائيل وحماس، تتطلب اليقظة على نحو خاص. في كانون الثاني/يناير، أبرزت زيارة استفزازية قام بها أحد أعضاء الحكومة الإسرائيلية إلى الحرم الشريف/مجمع جبل الهيكل، (المقدس لدى المسلمين واليهود على حد سواء) مرة أخرى الحساسيات الموجودة في الأماكن المقدسة في المدينة. ودون اتخاذ خطوات للمحافظة على الهدوء النسبي، يمكن أن تزداد حدة المواجهات بسرعة.

توترات مرتفعة ومتصاعدة

يتمثل المساهم الرئيسي في التوترات المتصاعدة في الأفعال الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين، التي أصبحت أكثر تواتراً وعدوانية على مدى العامين ونصف العام الماضيين، مع انخراط إسرائيل في عمليات استباقية وعقابية على حد سواء. كانت إحدى العلامات البارزة في هذا السياق عملية كاسر الأمواج في آذار/مارس 2022 التي تضمنت غارات عسكرية متكررة شُنت رداً على هجمات ذئاب منفردة قام بها فلسطينيون في إسرائيل على جنود ومستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية. لقد أثارت العملية الغضب في أوساط الفلسطينيين في سائر أنحاء الأراضي المحتلة. شهد عام 2022 سقوط أكبر عدد من الضحايا الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية قبل عقدين من الزمن، ويندفع عام 2003 على مسار أكثر دموية، إذ يرد أفراد المجموعات المسلحة الفلسطينية على التوغلات بمقاومة أشد ويتم استهدافهم على نحو متزايد وقتلهم. الهجمات التي يقوم بها أفراد فلسطينيون على الإسرائيليين، والتي كان يفترض بغارات الجيش أن تحد منها، ارتفعت وتيرتها بدلاً من أن تنخفض.

تصاعدت حملة إسرائيل في الضفة الغربية بشكل دراماتيكي مع تنصيب حكومتها التي تنتمي إلى أقصى اليمين في مطلع كانون الثاني/يناير. في 23 شباط/فبراير، شنت القوات الإسرائيلية غارة نادرة في وضح النهار في مركز مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، فقتلت أحد عشر فلسطينياً وجرحت أكثر من مئة آخرين. أثارت هذه العملية، التي تقول إسرائيل إنها أحبطت هجوماً، اضرابات واحتجاجات في سائر أنحاء الأراضي المحتلة. ثم، في 26 شباط/فبراير، وبعد أن قتل مسلح فلسطيني مستوطنين إسرائيليين اثنين، هاجم مئات من المستوطنين قرية حوارة، غير البعيدة عن نابلس، وحرقوا منازل وسيارات وضربوا السكان دون أن يحرك الجنود الإسرائيليين ساكناً. في البداية، طلب رئيس الوزراء نتنياهو من الجمهور الإسرائيلي عدم تولي تطبيق القانون بأنفسهم، لكن بعد بضعة أيام، ناقض تلك الرسالة بمقارنته المستوطنين الإسرائيليين، دون أي أساس، بمئات الآلاف من الإسرائيليين الملتزمين بالقانون الذين يحتجون على خطة الإصلاحات القضائية التي طرحتها حكومته. وحرّض أعضاء في حكومته علناً على شن المزيد من الهجمات المماثلة. وفي أعقاب الحدث، دعا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو وزير أيضاً في وزارة الدفاع، إلى "محو" القرية. حاول لاحقاً التراجع عن تعليقاته قبل القيام بزيارة إلى الولايات المتحدة، حيث لن يلتقي به مسؤول واحد في الحكومة الأميركية. تعرّض سكان حوارة إلى هجوم ثانٍ من قبل المستوطنين في عيد المساخر اليهودي. في حين أن أول هذه الهجمات كان حاداً على نحو خاص، فإن حوادث عنف المستوطنين في سائر أنحاء الضفة الغربية كان أمراً معتاداً منذ أمد طويل. في بعض الأحيان، يأتي هذا العنف في أعقاب هجمات فلسطينية، تحدث هي نفسها وسط انتهاكات مستمرة من قبل المستوطنين الإسرائيليين لأراضٍ فلسطينية؛ علماً بأن جميع المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية بموجب القانون الدولي.

امتد العنف إلى القدس الشرقية. وهناك، دفعت هجمات الفلسطينيين على الإسرائيليين، في أعقاب غارة عسكرية إسرائيلية على مدينة أخرى في الضفة الغربية، جنين، في كانون الثاني/يناير، الشرطة الإسرائيلية إلى اللجوء إلى أشكال من العقاب الجماعي: إغلاق الأحياء، وهدم منازل بنيت دون ترخيص (لا يمكن الحصول عليه عملياً)، وإقامة نقاط تفتيش مؤقتة ورفع وتيرة اعتقال الرجال والفتيان الفلسطينيين. بالمقابل، أقام السكان الفلسطينيون حواجز على مداخل الأحياء، وحرقوا إطارات السيارات وحاويات القمامة، وقاطعوا البلدية الإسرائيلية، وامتنعوا عن العمل في منظمات وشركات إسرائيلية. وتقوم مجموعات إسرائيلية من أقصى اليمين بمضايقة الفلسطينيين على نحو متزايد في باب العامود في المدينة القديمة، حيث يقوم أفراد الشرطة بضرب الذين يقاومونهم بوحشية واحتجازهم.

في غزة، في هذه الأثناء، عبّر الفلسطينيون عن غضبهم برمي الحجارة والقنابل الصوتية على السياج الإسرائيلي المقام حول القطاع وإطلاق البالونات الحارقة، وأفعال تصاعدت في أعقاب الغارة الإسرائيلية في كانون الثاني/يناير في نابلس. لقد أشارت حماس، التي تسيطر على الشريط الساحلي المحاصر، إلى أنها لا تريد حرباً أخرى مع إسرائيل في هذا الوقت، لكنها في الوقت نفسه لن تقف مكتوفة الأيدي في وجه الإهانات الإسرائيلية، لا سيما في القدس الشرقية، وأنها مستعدة لصب الزيت على النار في الضفة الغربية. كما قالت حماس إن الأوضاع المتردية بالنسبة للفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بوجود وزير الأمن الوطني الجديد، إيتمار بن غفير – المسؤول، من حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف، الذي زار الحرم الشريف في مطلع كانون الثاني/يناير، يمكن أن تكون أيضاً سبباً للحرب. وتلقى قضية الأسرى صدىً واسعاً في المجتمع الفلسطيني، بالنظر إلى أن الكثير من الأشخاص لهم أقارب خلف القضبان، غالباً بسبب مقاومة الاحتلال بطرق مختلفة. وهذه القضية، بحد ذاتها، يمكن أن تولّد جولة أخرى من الاضطرابات.

لقد نأت السلطة الفلسطينية في رام الله بنفسها غالباً وسط انتشار الاضطرابات. وقد دعت مجلس الأمن الدولي لحماية الفلسطينيين، رغم أنها استمرت في الوقت نفسه في تنسيقها الأمني مع إسرائيل. الرئيس محمود عباس، من جهته، حمّل إسرائيل المسؤولية عن العنف، بينما أرسل مفاوضه الرئيسي للاجتماع بنظرائه الإسرائيليين في العقبة، الأردن، في أواخر شباط/فبراير وفي شرم الشيخ قبل رمضان في آذار/مارس. تبدو السلطة الفلسطينية غير فعالة، إن لم تكن متواطئة مع الإجراءات الإسرائيلية في نظر الكثير من الفلسطينيين. وتتكاثر الفصائل الفلسطينية المسلحة غير المرتبطة بأحزاب فلسطينية في شمال الضفة الغربية. وتشير المسوحات إلى ارتفاع مؤشر الدعم الشعبي للمقاومة المسلحة للاحتلال، والذي وصل الآن إلى 68 في المئة، وللمرة الأولى، فإن أغلبية الفلسطينيين (52 في المئة) يعتقدون أن انهيار السلطة الفلسطينية في مصلحتهم.

برميل بارود القدس الشرقية

يذكّر ازدياد المواجهات في أحياء القدس الشرقية بتلك التي سبقت أحداث عام 2021، التي كان مركزها الحرم الشريف لكن التي شملت جميع المناطق بين النهر والبحر. في التراث اليهودي، ساحة الحرم هي موقع الهياكل القديمة، التي دُمر ثانيها في عام 70 ميلادية، لم يسلم من الدمار سوى جدار استنادي هو الحائط الغربي؛ بالنسبة للمسلمين، المسجد الأقصى وقبة الصخرة على الحرم الشريف هي البقعة التي صعد منها النبي محمد خلال رحلته الليلية من مكة إلى السماء وعاد منها. يتمثل أحد المحركات الرئيسية للصراع في تداعي الوضع القائم تاريخياً في هذا المكان المقدس – وهو الترتيب غير الرسمي الذي يعود إلى الحقبة العثمانية لكن أكدته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والوصي على الموقع، الأردن. وينطوي على منح المسلمين وصولاً حصرياً للصلاة في الحرم ووصول جميع السياح، بمن فيهم اليهود، مع حظر الصلوات والطقوس الدينية لليهود هناك. (وتلتزم بهذا الحظر الأغلبية الساحقة من اليهود المتشددين، الذين يعدّون الموقع مقدساً إلى درجة أنه لا يجوز دخوله، رغم أن جدلاً تنامى على مدى العقدين الماضيين في الدوائر الدينية اليهودية مع فرض المزيد من التأكيد على الصهيونية الدينية والسيادة الإسرائيلية على المناطق المحتلة). كما منح أوقاف القدس (الأوقاف الإسلامية التي يعيّنها الأردن) سلطة إدارة وحماية النظام العام في الموقع بينما يقصر الوجود الأمني الإسرائيلي على محيط الموقع، رغم أن إسرائيل قلصت صلاحيات الأوقاف بشكل كبير بعد الانتفاضة الثانية عام 2000.

لقد سرعت الحكومة الإسرائيلية الحالية من تآكل هذا الترتيب. فسياستها، التي تضعها الحكومة الأمنية المصغرة، تتمثل في تيسير دخول اليهود المتدينين والتسامح بحكم الأمر الواقع مع إقامة الصلوات اليهودية الفردية هناك. منذ الانتفاضة الثانية في عام 2000، حظرت الحكومة الاحتجاجات الفلسطينية غير العنيفة على إقامة الصلوات اليهودية في الحرم، الأمر الذي جعل مضايقة الزوار والصدامات مع القوات الإسرائيلية بشكل يستحضر "الدفاع عن الأقصى"، أمراً يصعب منعه، بل يجعل وقوعه أكثر احتمالاً. وفي سياق فرض المزيد من التحديات أمام الوضع القائم، نُشر المزيد من الطواقم الأمنية الإسرائيلية في الأقصى وقُلص الوصول إلى الموقع من قبل الشباب الفلسطينيين، المستثارين أصلاً بسبب التبادلات مع المستوطنين عند باب العامود. إن إقصاء فئات كاملة من الذكور الفلسطينيين تحت سن الأربعين من الموقع، كما كانت مجموعة الأزمات قد ذكرت في تقاريرها في الماضي، يشكل مصدراً مهماً للاحتكاك.

كانت زيارة بن غفير في كانون الثاني/يناير إلى الحرم الشريف استفزازية على نحو خاص. فبن غفير، وهو مستوطن يعيش في مدينة الخليل في الضفة الغربية، تلقى عدة أحكام في الماضي بسبب تحريضه على العنصرية ودعم حزب كاخ، الذي حظرته إسرائيل بصفته تنظيماً إرهابياً في عام 1994. ولديه ولحزبه أجندة مفتوحة تتمثل في "استعادة السيادة والملكية لجبل الهيكل". في واحد من أفعاله كوزير، في 3 كانون الثاني/يناير، بعد أسبوع واحد من تسلمه مهام منصبه، صعد إلى الحرم الشريف، وهو الفعل الذي دفع إلى صدور إدانة من الولايات المتحدة ومن سائر أنحاء العالم الإسلامي. سمعة بن غفير المشينة جعلت زيارته إشكالية على نحو خاص، حتى لو أن وزراء إسرائيليين يهوداً كانوا قد زاروا الموقع وصلّوا فيه في السنوات الماضية. دفعت الزيارة الأردن إلى استدعاء السفير الإسرائيلي في عمان لتوجيه توبيخ. وأصر رئيس الوزراء نتنياهو على أن استفزاز بن غفير لم يشكل تقويضاً للوضع القائم، وأعاد التأكيد على التزام إسرائيل بالاتفاق، بما في ذلك تأكيده المباشر للملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، في عمان في 24 كانون الثاني/يناير.

 

لكن على الأرض، تتفاعل التوترات، ليس بين القوات الإسرائيلية والسكان الفلسطينيين فحسب، بل أيضاً بين المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وبن غفير. يزرع وزير الأمن الوطني الشقاق داخل قوات الشرطة، ويطالبها بقمع الاحتجاجات المعادية للحكومة بشكل أشد ويدعو إلى إقالة قائد شرطة منطقة تل أبيب. ورداً على هجمات الفلسطينيين في القدس الشرقية على الإسرائيليين، بما في ذلك عملية صدم بالسيارة أدت إلى مقتل إسرائيليين اثنين في 10 شباط/فبراير، دعا بن غفير إلى شن عملية كبرى (الدرع الواقي 2، في إشارة إلى الحملة الإسرائيلية الهائلة على الضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية) في جميع الأحياء الفلسطينية في المدينة من أجل محاربة واقتلاع الإرهاب، من وجهة نظره. سارع جنرالات إسرائيل إلى إسقاط الفكرة. إلا أن الوزير، المسؤول عن الشرطة، استعمل صلاحياته لنشر عدد أكبر من أفراد الشرطة، وأقام المزيد من الحواجز وهدم المزيد من المنازل، فدفع إلى مواجهات عنيفة بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين، الذين يشكلون نحو 40% من سكان القدس الشرقية.

بالنسبة لبن غفير، فإن حقيقة أن اليهود ممنوعون رسمياً من الصلاة في جبل الهيكل وزيارته متى شاؤوا يرقى إلى تمييز غير مقبول، ويهاجم ما يرى فيه تحريضاً فلسطينياً ضد إسرائيل والذي يجري على ما يُزعم من خلال الخطب الملقاة في المسجد الأقصى وما يتم تدريسه في مدارس القدس الشرقية. وكما قال مستشار رفيع لبن غفير لمجموعة الأزمات، في إشارة إلى أي ترتيب من شأنه أن يحرم اليهود من الوصول والصلاة، فإن "هذه الحكومة انتخبت لإجراء تغييرات على الوضع القائم، ومنع صلاة اليهود ليس وضعاً قائماً جيداً".

يقف وراء بن غفير تشكيلة من المجموعات المعروفة بنشطاء جبل الهيكل، الذين يجتمعون في الحرم بأعداد كبيرة كل عام ويريدون تمديد ساعات الزيارة والسماح لليهود بالصلاة هناك. إحدى تلك المجموعات، إدارة جبل الهيكل، التي تنشط فيها زوجة بن غفير، تعمل منذ وقت طويل مع الشرطة لتشجيع زيارات اليهود للموقع. أحد الناشطين أخبر مجموعة الأزمات: "نريد تمديد ساعات الزيارة. نريد أن يذهب اليهود إلى هناك وأن يفعلوا ذلك بمسؤولية. لكن نعم، نحن ندعو اليهود إلى الصلاة في جبل الهيكل. ونتوقع من بن غفير أن يحقق ذلك. ليس من قبيل المصادفة أن يذهب إلى هناك. إذ ينبغي أن تشكل هذه أجندة كل حكومة ... لتطبيع زيارات اليهود إلى جبل الهيكل". يحاول أكثر هذه المجموعات تطرفاً كل عام التضحية في الحرم خلال عيد الفصح، وهو طقس لم يمارسه اليهود فعلياً منذ أكثر من ألفي عام. حتى الآن، منعتهم الشرطة من فعل ذلك.

لكن إذا كانت تكتيكات نشطاء جبل الهيكل تقع خارج المجتمع الإسرائيلي الرئيسي، فإن تحديهم للوضع القائم ليس كذلك. إذ يمكن القول إن القضية لا تحتل موقعاً متقدماً بين هواجس معظم الإسرائيليين. رغم ذلك، وطبقاً لمعهد الديمقراطية الإسرائيلي فإن 50 في المئة من الإسرائيليين اليهود الذين شملهم المسح في أيار/مايو 2022 يدعمون أداء اليهود للصلاة في جبل الهيكل – وأغلبيتهم الساحقة تدعم ذلك لأسباب سياسية وليست دينية – كطريقة لفرض السيادة الإسرائيلية.

بالنسبة للفلسطينيين – والمسلمين بشكل عام – فإن قدسية الحرم الشريف تشكل قضية يحتشدون حولها. فالاستفزازات الإسرائيلية في الأقصى كانت السبب في انطلاق انتفاضة عام 2000، وموجة العنف الرئيسية في عام 2021، والكثير من جولات العنف الأخرى في المدينة بين هذين الحدثين. كما في عام 2000، فإن الاضطرابات التي بدأت في الحرم قبل عامين انتشرت حتى تجاوزت القدس الشرقية إلى الضفة الغربية وإلى المدن الإسرائيلية المختلطة، وأفضت إلى اندلاع حرب الأحد عشر يوماً في قطاع غزة. ويمكن لأي استفزازات إسرائيلية جديدة أن تُحدث الشيء نفسه. مسؤول من الوقف الإسلامي الذي يدير اسمياً المسجد الأقصى لاحظ قائلاً: "القدس تحترق، حتى قبل بداية رمضان. ... لا أحد متفائل حيال أي شيء، وهذه الحكومة الإسرائيلية لا تظهر أي استعداد لتهدئة الأمور".

مع اقتراب رمضان في نهاية آذار/مارس وعيد الفصح في مطلع نيسان/أبريل، فإن ثمة خطراً كبيراً في اندلاع المزيد من أعمال العنف، ولا سيما في الحرم الشريف، حيث يتوجه المسلمون واليهود إلى زيارته بأعداد كبيرة خلال الأعياد. المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ولا سيما القيادة العسكرية، وضباط الشين بيت ومفوض الشرطة كوبي شبتاي، يعون جيداً هذا الخطر وقد عبروا عن هواجسهم بشأن مقاربة بن غفير. يُذكر أن ضابط شرطة قال عن بن غفير: "يحاول الجميع تهدئة الأمور، لكنه يريد إشعالها. سلوكه متهور". عدة قادة شرطة سابقين دعوا نتنياهو حتى إلى إقالة بن غفير فوراً. إلا أن رئيس الوزراء، غير الراغب بالمخاطرة ببقاء ائتلافه الحكومي، لا يبدو مستعداً لضبط بن غفير، وسموتريتش والكثير من الآخرين الذين يقفون وراءهما.

التحدث حول خفض حرارة الموقف

لقد أقنع خطر حدوث جولة أخرى من العنف الولايات المتحدة بعقد اجتماع للجهات الفاعلة الرئيسية في العقبة. القمة، التي استضافها الأردن وحضرها مسؤولون أميركيون، ومصريون، وأردنيون، وإسرائيليون وفلسطينيون كبار، تمخضت عن عدة نقاط اتفاق. أعلن الأطراف الخمسة أنهم "أكدوا على ضرورة الالتزام بخفض التصعيد"، "واعترفوا بأهمية المحافظة على الوضع القائم التاريخي دون تغيير في الأماكن المقدسة في القدس نظرياً وعملياً" و "أكدوا في هذا الصدد على ... الدور الخاص للأردن". ونص الإعلان المشترك كذلك على أن إسرائيل كانت قد قدمت تطمينات شفهية بـ "وقف مناقشة أي وحدات استيطان جديدة لمدة أربعة أشهر والتوقف عن السماح ببناء أي بؤر استيطانية لمدة ستة أشهر". ويذكر أن المفاوضين الإسرائيليين وافقوا أيضاً على تعليق هدم المنازل. وبالمقابل، ضغطت الولايات المتحدة على السلطة الفلسطينية كي لا تسعى إلى الحصول على قرار من مجلس الأمن الدولي يحمّل المسؤولية لإسرائيل عن التصعيد أو أي فعل ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية أو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة خلال الفترة نفسها.

تراجعت الحكومة اٍلإسرائيلية فوراً عما قاله ممثلوها في القمة. ففي تغريدة، أنكر نتنياهو أي اتفاق على تجميد بناء المستوطنات. بيان لاحق لمستشاره للأمن الوطني تساحي هنغبي، المسؤول الإسرائيلي الأرفع مرتبة بين الحضور، أعلن أن إسرائيل لم تكن قد وافقت على تجميد المستوطنات. على العكس، فإنه أعلن أن إسرائيل "ستمنح الوضع القانوني لتسع بؤر استيطانية وستوافق على بناء 9,500 وحدة سكنية" في الضفة الغربية. وأكد بن غفير على هذه الرسالة على حسابه على تويتر: "مهما حدث في الأردن (إذا كان قد حدث) يبقى في الأردن". ما ستفعله إسرائيل عملياً يبقى غير واضح، ومثل تلك البيانات تستهدف جزئياً على الأقل الرأي العام. لكنها تشكل مخاطر بحد ذاتها، وتزيد حدة التوتر وتقوض حتى الأهداف المحدودة التي وضعت في القمة. في هذه الأثناء، استمرت عمليات هدم المنازل دون هوادة.

خطوات لمنع حدوث تصعيد خطير

طالما ظل احتلال إسرائيل وصراعها مع الفلسطينيين قائماً، سيكون من المستحيل منع جميع أشكال العنف في القدس الشرقية أو في أي مكان آخر بين النهر والبحر. إلا أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تجعل وضعاً سيئاً أكثر سوءاً.

ليس من الواضح كيف ستؤثر المظاهرات الراهنة ضد التآكل الديمقراطي في إسرائيل على خطر التصعيد خلال الأعياد. لم يقل المحتجون، الذين أغضبهم ما رأوه من جهود الحكومة لتحويل إسرائيل من دولة ديمقراطية إلى دولة استبدادية، الكثير عن محنة الفلسطينيين أو عن الصراع بشكل عام، رغم أن البعض يبدو مدركاً أن النزعة الاستبدادية لدى الحكومة تشكل هي بحد ذاتها جزئياً نتاجاً للاحتلال. من حيث المبدأ، قد يفضل نتنياهو، المنشغل بالأزمة في إسرائيل نفسها، تفادي حدوث صدام مع الفلسطينيين من شأنه أن ينعكس بشكل سيء على حكومته ويفرض ضغوطاً على قوات الأمن. من ناحية أخرى، من الواضح أنه غير راغب بكبح جماح أعضاء حكومته من أقصى اليمين، رغم إدانات القادة العسكريين والاستخباريين السابقين، الذين يحذر بعضهم من أن تصعيداً مع الفلسطينيين قد يُحدث تشتيت الانتباه الذي يحتاجه. ومع تنامي التوترات داخل الحكومة، قد يصبح وضعه أضعف. وفي كلتا الحالتين، فإن الأفعال القمعية التي تمارس اليوم تنسجم مع أجندة حكومته الصريحة بضم الأراضي المحتلة. حتى الآن، ليس هناك الكثير مما يمكن أن يشير إلى أنه يميل، حتى تحت الضغوط الخارجية، إلى إظهار ضبط النفس، سواء خلال رمضان أو بعده.

لكن، بالنظر إلى مدى الخطورة التي قد يشكلها التصعيد، ينبغي على الجهات الفاعلة الخارجية، ولا سيما الولايات المتحدة والحكومات العربية التي طبّعت علاقاتها مؤخراً مع إسرائيل، أن تفعل المزيد. على الأقل، ينبغي أن تدفع الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ خطوات وافقت عليها في اجتماع العقبة، وفي الوقت نفسه أن تتفادى الأفعال الاستفزازية، بما في ذلك على نحو خاص السماح باستمرار العنف الذي يمارسه المستوطنون. في إشارة إلى أن أفعال الحكومة قد تكون ذهبت أبعد مما ينبغي بالنسبة لحلفاء إسرائيل العرب الجدد، أعلنت الإمارات العربية المتحدة تجميد المشتريات المستقبلية من الأنظمة العسكرية من إسرائيل إلى أن يتمكن نتنياهو من ضبط شركائه اليمينيين في التحالف. في منتصف آذار/مارس، أعاقت السعودية، التي يأمل نتنياهو بتأسيس علاقات طبيعية معها، دخول وزير الخارجية الإسرائيلي إلى المملكة لحضور مؤتمر للأمم المتحدة. مثل هذه الإجراءات لن توقف اندفاعة إسرائيل نحو الضم، لكن الإشارة التي ترسلها يمكن أن تساعد على الأقل في منع اندلاع رئيسي للعنف خلال الأعياد.

سيكون الوصول إلى الحرم الشريف خلال الأعياد اليهودية والإسلامية المتزامنة إشكالياً على نحو خاص. جهاز الأمن الإسرائيلي، الذي يتخذ قرارات تكتيكية كل عام خلال شهر رمضان استناداً إلى التقييمات الاستخبارية والصورة الأوسع للمخاطر الأمنية، من المرجح أن يعلم رئيس الوزراء بالمخاطر التي ينطوي عليها تمكين السياسيين رفيعي المستوى والنشطاء من دخول الموقع. ويتعين على نتنياهو أن يأخذ تحذيراتهم على محمل الجد وأن يتعهد بالالتزام بالإجراءات المعتادة، كما في السنوات السابقة، من منع الزوار اليهود خلال الأيام العشرة الأخيرة من رمضان. مسؤولون أمنيون رفيعون يقولون إن مثل تلك الزيارات لا تخدم مصلحة أمنية عامة، بل إنها استعراض استفزازي ورمزي للسيادة. من الجوهري أن يصدر قادة الشرطة، الذين يتخذون القرارات اللحظية حول كيفية العمل وبأية وسائل، أوامر لقواتهم بممارسة ضبط النفس في استعمال القوة. كما ينبغي على إسرائيل ضمان حرية حركة معقولة، والوصول والعبادة بالنسبة للفلسطينيين الذين حصلوا على إذن بزيارة المسجد الأقصى خلال رمضان، سواء كانوا يعيشون في القدس أو يرغبون بدخول المدينة من الضفة الغربية أو قطاع غزة.

إعادة التأكيد على الوضع القائم التاريخي

تعكس هذه القواعد التوجيهية إلى حد ما تفاهمات عام 2014، التي أعيد التأكيد عليها في العام التالي، والتي تفاوض عليها نتنياهو والملك عبد الله برعاية أميركية لتوضيح نقاط غموض معينة في الوضع القائم واحتواء الاضطرابات المتفاقمة في الحرم. وتتكون من أربعة التزامات، ثلاثة من قبل نتنياهو، وواحد من قبل عبد الله. التزم نتنياهو بمنع جميع أعضاء الكنيست من زيارة الحرم؛ والإحجام عن فرض قيود من حيث السن أو الجنس على وصول المسلمين؛ وتقييد وصول المجموعات الدينية اليهودية المسموح لها بالدخول، وحظر وصول النشطاء المستفزين على نحو خاص إلى الموقع. وكان التزام عبد الله يتمثل في منع رمي الحجارة ومضايقة اليهود في الحرم من خلال منع الشباب الفلسطينيين الذين يميلون على نحو خاص لفعل ذلك من الدخول إلى المجمع سراً ليلاً، أو على الأقل إخراجهم منه قبل الصباح.

لقد كان تحقيق التوازن بين الوصول غير المقيد للفلسطينيين مقابل ضرورة منع رمي الحجارة أمراً صعباً، لكن التفاهم يظهر ما أصبح واضحاً على مدى عقود من الاحتلال، وهو أن شراسة وتواتر الإجراءات الأمنية الإسرائيلية تشكل المحدد الرئيسي لشراسة وإيقاع المقاومة الفلسطينية. وخلال زمن نفاذ هذه التفاهمات، تمكنت عمليات الشرطة الإسرائيلية الحصيفة نسبياً، والوعي على نطاق واسع بالخطر الذي يشكله نشطاء جبل الهيكل، والجهود التي بُذلت بِنية طيبة من قبل الأوقاف من استعادة الهدوء تقريباً. اليوم، تبدو إعادة فرض هذا الاتفاق مستحيلة تقريباً لأن الائتلاف الإسرائيلي يضم كثيرين من النشطاء أنفسهم الذين جعلت استفزازاتهم من اتفاق 2014 ضرورياً في المقام الأول.

في هذه الظروف، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تستمر في مقاربتها حيال الصراع والمتمثلة في الوقوف مكتوفة الأيدي. فطبقاً لمسؤول أميركي ضالع في المسألة، فإن تفاهمات عام 2014 ما تزال تشكل "التعبير المناسب عن الوضع القائم" فيما يتعلق بالولايات المتحدة، وبالتالي، "ينبغي أن يستمر في النفاذ؛ إذ لم يتم تجاوزه في التفاعلات الدبلوماسية التالية". يتعين على الولايات المتحدة أن تؤكد ذلك الموقف، وأن تطالب بالتزام إسرائيل والأردن بالإجراءات التي نُفذت بنجاح في الماضي، ما لم يتفقا على تعديله، وإلى أن يتفقا على ذلك. إذا رفضت إسرائيل، أو إذا لم تلتزم بتوضيحات الوضع القائم التي سبق أن اتفقت عليها مع الولايات المتحدة، ينبغي على الولايات المتحدة أن توضح ذلك بجلاء.

لن يكون الالتزام باتفاق عام 2014 مسألة سهلة بالنسبة للأردن. إذ إن تآكل الوضع القائم على مدى عقود أضعف من قدرات أوقاف القدس. حتى في ظل ظروف أفضل، فإن قدرتها على كبح جماح العنف ستكون مقيدة ببرود علاقتها مع فلسطينيي القدس الشرقية. والظروف اليوم أسوأ بالتأكيد؛ إذ إن وضع الأوقاف تراجع مادياً وأيضاً من حيث السمعة، في مواجهة تحالفٍ من العناصر الاستفزازية التي تتطلع علناً إلى تهميشها.

إن المحافظة على الحرم الشريف في وضع آمن يتطلب أن تتمتع الأوقاف بمكانة جيدة في علاقتها مع المجتمع الذي تخدمه. ويمكن أن يبدأ ذلك بتسهيل إسرائيل لإعادة تمكينها، من حيث الموظفين والموارد، وأيضاً باحترام استقلال المؤسسة إلى الحد الذي كانت تتمتع به قبل عام 2000. الأفضل من ذلك، أن تعترف إسرائيل والأردن بالحاجة إلى أن يلعب فلسطينيو القدس الشرقية دوراً أكبر في الأوقاف. لإسرائيل هواجس بشأن بعض أنشطة الأوقاف في الماضي والحاضر. إلا أن إسرائيل قيدت الأوقاف أيضاً من أجل فرض ادعاءاتها بالحق في الحرم الشريف، كما قيّد الأردن أيضاً مشاركة الفلسطينيين في الأوقاف لفرض مطالبه الدينية. وبفعل ذلك، قوضت إسرائيل، وإلى درجة أقل الأردن، الشريك المحتمل الوحيد لإسرائيل في تأمين الأماكن المقدسة. لم تطلق الحكومة الإسرائيلية الحالية هذه السياسة، لكن خطابها وعدوانية إجراءاتها الشُرطية تُعمِّق المخاطر وتزيد من إلحاح الحاجة إلى مراجعة مقاربتها.

بشكل عام، فإن تعزيز الاستقرار في الضفة الغربية سيتطلب من إسرائيل وضع حد لغاراتها العسكرية في المنطقة (آ)، التي يدخلها الجيش في كثير من الأحيان رغم أن المنطقة تقع اسمياً تحت السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية. وفي المستقبل المنظور، يبدو ذلك مستحيلاً، بالنظر إلى أن إسرائيل تعتقد أن الغارات ضرورية لوقف الهجمات الفلسطينية واعتقال مرتكبيها. وبالنظر إلى أن الفلسطينيين ممنوعين من الاحتجاج سلمياً على أوضاعهم، وبالنظر إلى أن قيادتهم في أزمة، فإن الحصيلة المنطقية الوحيدة للمزيد من الغارات ستكون المزيد من العنف، لأنها ستلقى مقاومة فلسطينية أكبر وستسهم أيضاً في تقويض السلطة الفلسطينية. كما يتعين على الجيش أن يقمع الأفعال العنيفة التي ترتكبها عصابات المستوطنين الإسرائيليين، مثل تلك الموجودة في حوارة، وتُخضع للمساءلة الجنود الذين يساعدون في التحريض عليها. يشير سجل إسرائيل المزري في هذا الصدد، والبيانات التي يطلقها الوزراء الكبار في الحكومة والتي يبدو أنها تشجع على العنف خارج الإطار القانوني، إلى أن هذا السلوك سيستمر.

في هذه اللحظة المشحونة، فإن حتى التعديلات التدريجية المتمثلة في تقييد الخطوات الاستفزازية الإسرائيلية في الحرم الشريف، وتقليص العمليات العسكرية إلى الحد الأدنى واحتواء عنف المستوطنين ستكون خطوات مهمة إذا كان من المقدر للإسرائيليين والفلسطينيين أن يخرجوا من الموسم القادم من الأعياد المتزامنة دون تصعيد كبير. وهذا لن يوقف العنف أو يعكس ترسخ الصراع. لكن في غيابها، فإن احتمال خروج المواجهات المحتملة في القدس الشرقية أو الضفة الغربية عن نطاق السيطرة سيزداد كثيراً، وسيؤدي إلى وقوع المزيد من الضحايا.

Subscribe to Crisis Group’s Email Updates

Receive the best source of conflict analysis right in your inbox.